أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - درويش محمى - حالة شاذة غير طبيعية















المزيد.....

حالة شاذة غير طبيعية


درويش محمى

الحوار المتمدن-العدد: 1807 - 2007 / 1 / 26 - 06:18
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


"الشرقيون مصابون بعقد نفسية مزمنة ........ أنهم يحبون من يعاملهم بقسوة ........ الكلمات لا تعني لهم شيئاً محدداً وهم كذلك يقولون اشياء لا يعنونها ........ أنهم ابناء اللحظة الحاضرة " .
مقتطفات من سباق المسافات الطويلة ، احدى اهم اعمال الروائي عبد الرحمن منيف ، حضرتني وأنا أقرأ في سلسلة ردود الفعل "العنيفة" على عملية اعدام صدام حسين للعديد من الكتاب والمثقفين والساسة العرب .
نادراً ما يلتقي العربي الشرقي والاوربي الغربي على موقف معين ، كما حدث مؤخراً ، من تنديد واحتجاج على عملية الاعدام التي طالت صدام حسين ، تلك العملية التي ادت الى جدل واسع في المحيط العربي وحتى الدولي ، التنديدات الغربية لعملية الاعدام لم تصدر حباً بالمعدوم ولا شفقة به ، ولا لكون المحكوم لا يستحق الحكم ، كما ترجم عن قصد من قبل بعض وسائل الاعلام العربية كعادتها في تشويه الحقائق ، في محاولة استغلال تضليلية رخيصة ، فالجميع في الغرب كما الشرق ، على بينة تامة بسيرة الرجل المعدوم ، وما اقترفه على مدى عقود من جرائم وحشية فظيعة ، والرفض الغربي لتنفيذ حكم الاعدام بصدام ، يعود الى الموقف الاوربي الثابت والمعهود من الاعدام كعقوبة عنيفة وهمجية مرفوضة ، مثل هذا الموقف مفهوم وله ما يبرره ، كذلك الحال بالنسبة لوقفة الكثيرين من ال70 مليون امي عربي ، فهو أيضاً أمر مفهوم وله ما يبرره ، رغم التباين والاختلاف في الاسباب والدوافع لدى كلا الطرفين .
المشكلة الحقيقة والطامة الكبرى هي في موقف" المثقف العربي" من عملية اعدام صدام حسين ، فهو لم يعارض كما عارض الاخرون ، ولم يحتج لان الاعدام فعل غير انساني وهمجي ، بل على العكس تماماً ، ليس لاغلبية هؤلاء سابقة احتجاجية من هذا النوع ، ولم يسجل لهم موقف معارض مشرف على هذا الصعيد ، والمثقف العربي عارض الاعدام لانه استهدف شخص صدام الرئيس والقائد والرمز والبعثي وحتى صدام المجرم ، هذا هو الفارق بينه وبين الاخر الغربي في معارضته واحتجاجه على تنفيذ حكم الاعدام ، اما الفارق بين رفض وتنديد المثقف العربي وبين الامي العربي ، فالاخير ولاسباب عديدة رفض واستنكر الواقعة ، ربما لما هو فيه من ظلم وظلمات ، وكونه لا يميز الصالح من الطالح ، ولمحدودية القدرة لديه على التمييز بين الخطأ والصواب ، او تحت تأثير وسائل الاعلام المضللة وما اكثرها ، اما المثقف العربي وعلى عكس ابناء جلدته من الاميين العرب ، ليس بتلك السذاجة ولا الجهل بحقائق الامور ووقائع الاحداث ، ويدرك تماماً ان صدام رجل طاغية حكم العراق بالحديد والنار ، وخلف ورائه مئات الالاف من الامهات الثكالى والزوجات الارامل والاطفال اليتامى ، كما خلف ورائه تركة كبيرة من فنون القتل والتدمير والابادة وخاصة فنون الاعدام ، التي شكلت ظاهرة يومية مألوفة في عهده البائد .
عملية اعدام صدام حسين ، كشفت عن ازمة حقيقية تعاني منها الطبقة المثقفة وشبه المثقفة العربية ، واظهرت ان الفكر السلفي ليس قاصراً على التيار الديني ، بل يمتد الى شريحة واسعة من الكتاب والفنانيين والصحفيين والساسة "العلمانيين" بمختلف انتماءاتهم الفكرية والايديولوجية ، وهذا النوع من السلفية لا تتبع السلف الصالح بل المستبد الغاصب ، وتتميز بضيق الافق والتشبث بالفكر الاستبدادي بدون اي مبرر ، ولا تمتلك من الدوافع والاسباب ، سوى الفوضوية والارتباك في التفكير ، وهذا النوع من السلفية التفكيرية غير واضحة المعالم ولاتقل خطورة عن نظيرتها السلفية التكفيرية الاسلامية ، وربما اكثر خطورة واكثر انتشاراً من السلفية المعروفة ، بالاضافة الى كونها ذات طابع انتهازي ووصولي ، وتشكل حالة شاذة غير طبيعية وخطرة ، تعكس مدى الانحطاط الاخلاقي والتخلف الفكري ، لدى شريحة هامة جداً من الكيان الاجتماعي ، والتي من المفترض ان تشكل اداة التغيير الاساسية ، في اية عملية تطوير مرتقبة .
موقف معظم المثقفين العرب ودفاعهم المستميت عن الطاغية ، وما يمثله من فكر استبدادي ، يدل وبشكل قاطع مدى تأثير الموروث السلطوي على وعي المثقف العربي وكيانه الاخلاقي والفكري ، كما يبدو جلياً ان المثقف حاله حال المواطن العادي ، قد اعتاد على القائد صاحب السلطة المطلقة وادمن عليه ، وقد استشرت فيه روح التبعية والدونية الى درجة خطيرة ، بحيث لا يستطيع ان يخرج من حالة الفوضى الذهنية والتخبط الفكري ، وانعدمت الرغبة لديه في التحرر والقدرة على التأمل ، والا كيف يمكن لأي كان ان يفسر تمسك البعض بثقافة الاستبداد ، ودفاعهم عن صدام حسين احد اهم رموز الطغيان ، ونظامه الذي يعتبر مثالاً نموذجياً للنظام الاستبدادي ، ويأتي في المرتبة الاولى من حيث الظلم والذل والاستعباد وامتهان الكرامة الانسانية .
ان يخرج كتاب ومفكرين عرب على الملأ ، يبكون صدام حسين ، متناسين ما قام به من جرائم وفظائع وانتهاكات خطيرة ، وأجراء عملية تجميلة خاطفة للرجل وتحويله بين لحظة واخرى من مجرم الى بطل ، ومن سفاح الى ضحية ، أمر يدعو للحيرة والاستغراب ، ويدعو في نفس الوقت الى التساؤل ايضاً ، حول حقيقة الاسباب التي تدفع تلك الفئة لارتكاب مثل هذا الخطأ المقصود ، وكوني لست مختصاً بعلم النفس ومكامنه ولا يمكنني تشخيص العلة بدقة ، فلن اتجاوز حدودي وأتهم غيري جزافاً ، لكن الامر المؤكد هو وجود عاهة فكرية وخلل اخلاقي وخطأ فاحش في سلوكية وعقلية هؤلاء ، وتشويه فظيع في البيئة التي ينتمون اليها .
يقال ان الاستبداد يحد من سلامة الفكر والابداع ويسبب ضيق الافق ، لا يخلوا هذا القول من الحقيقة ، بل هي الحقيقة بعينها ، حيث يفسر مدى تأثر البعض من المثقفين والساسة العرب بعهود الاستبداد الطويلة ، حتى اصبح هذا البعض جزء لا يتجزء من الافة نفسها ، يدافع عن رموزها ويبحث عن الحجج للدفاع عن قيمها ، كما اصبح عامل نقل لها الى عامة الناس ، ولان الاستبداد يولد التخلف ، اصبح المثقف العربي يتصف بالسطحية في المنهج والتفكير ، لشعوره الحاضر الدائم بالعجز امام المنظومة الاستبدادية ، الى الدرجة التي وصل به الامر الدفاع عن صدام حسين ، بدون اي مبرر او خجل ورادع او حجة عقلانية .
البكاؤن من المثقفين المفجوعين برحيل صدام غير المفاجئ ، الذين انقلب عيدهم الى مأتم ، وفرحهم الى ترح ، يعانون حقاً من عقد نفسية مزمنة ، هؤلاء يبكون رحيل الرجل الصلب القاسي القوي ، بسبب انتماءهم الى الفئة الضعيفة التي ادمنت العنف والاستبداد والقسوة ، كظاهرة ازلية ، واعتادت على رؤية القائد الذي يرهب الجميع ، والذي طالما منحهم فرص التمتع بلذة المشاعر الدونية ، ذلك الشعور المتأصل فيهم بحكم الزمن وعقود الاستبداد الطويلة ، صدق الراحل عبد الرحمن منيف وما قاله في اهل الشرق .



#درويش_محمى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انعدام الخيارات والفرصة الاخيرة
- لو ولو ......يا عرب
- بيكر - هاملتون .. خطة فرار أميركية
- من قال ان دراكولا روماني الاصل
- الخطير في خطاب نصر الله الاخير
- الاسد والمعركة المصيرية
- حروب نصرالله وأحلام الجنرال العجوز
- القانون السوري لا يحمي المغفلين ولا المبدعين
- صدام وحكم الاعدام
- النقاش العقيم حول جدوى الديمقراطية
- الكرة في ملعبكم يا اخوان
- موشيه كاتساف والحسد
- جائزة النوبل لضحايا الارمن
- النموذج العربي لفاشية الملالي الفارسية
- معتدل او متطرف -تصنيف يفتقرللدقة والعدل
- الجولان برسم البيع
- جهل مطبق ام تربية عفلق
- حروب السيد حسن نصر الله
- مبروك للسيد البيانوني وعقبال الرئاسة
- الجنرال وقصر بعبدا


المزيد.....




- شاهد رد مايك جونسون رئيس مجلس النواب الأمريكي عن مقتل أطفال ...
- مصادر تكشف لـCNN كيف وجد بايدن حليفا -جمهوريا- غير متوقع خلا ...
- إيطاليا تحذر من تفشي فيروس قاتل في أوروبا وتطالب بخطة لمكافح ...
- في اليوم العالمي للملاريا، خبراء يحذرون من زيادة انتشارالمرض ...
- لماذا تحتفظ قطر بمكتب حماس على أراضيها؟
- 3 قتلى على الأقل في غارة إسرائيلية استهدفت منزلًا في رفح
- الولايات المتحدة تبحث مسألة انسحاب قواتها من النيجر
- مدينة إيطالية شهيرة تعتزم حظر المثلجات والبيتزا بعد منتصف ال ...
- كيف نحمي أنفسنا من الإصابة بسرطانات الجلد؟
- واشنطن ترسل وفدا إلى النيجر لإجراء مباحثات مباشرة بشأن انسحا ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - درويش محمى - حالة شاذة غير طبيعية