أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هويدا صالح - رجل وحيد وشجرة عارية















المزيد.....

رجل وحيد وشجرة عارية


هويدا صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1806 - 2007 / 1 / 25 - 12:04
المحور: الادب والفن
    


كيف يتجاوزها هكذا دون أن يراها ؟
كثيرة هي المرات التي نثرت عطرها حوله ... لكنه يتجاوزها فقط ويمضي 0 هل صارت شبحاً ؟ .. دائما يعبرها في حلمها ... وحين تستيقظ ، تذهب لمرآتها،تطيل النظر فيها ، تبحث عن مناطق تميزها ، تزم شفتيها 0تكورهما و تلقي المرآة بنظرة لا مبالية لا تدل علي شيء وتنصرف، تقول بصوت ربما سمعته أمها الكفيفة التي ترقد في الحجرة المجاورة
:- أقسم لو نظر فقط في عيني.. لحبسته فيهما . لعلمته كيف تُعشق امرأة مثلي ....
وأمها تسمع تقلبها في فراشها طوال الليل ولا تعلق ... فقط حين تضع لها طعامها في الصباح تتلمس وجهها ... وتتنهد بعمق وتصمت ...
تهمُّ أن تسألها ما بك يا أم .. ولكنها تتراجع في اللحظة الأخيرة ... لا تريد أن تفتح باب نقاش ربما يطول .. ودوما لا تُحسم نهايته .. فلا الأم التي تتسمع لهمس أحلامها تكف عن القلق ... ولا هي تقدم لها مبررات لهذا الليل الذي يطول دونما نفس رجل ، فتسكت ... تقبلها قبلة تحاول أن تسترضيها بها .. تسكت نيران القلق الذي يأكل قلبها ... وتثرثر عن أشياء تبدو غير منطقية .. تحدثها عن زميلاتها .. تصف لها كل واحدة ... وتذكر لزماتهن في الكلام .. والأم تغالب دمعة تريد أن تغافلها وتنزل ... حين تكتشف البنت أن أمها تعرف تماما ما تداريه بثرثرتها الصباحية .. تتركها وتقوم ......... وتعدها بصباح آخر يكون أخف وطئا .. فتبتسم الأم وتلمس بأصابعها تجاعيد وجه صغيرتها التي صارت بارزة تماماً .
رجل وحيد
يرتل أوجاعه
يلملم خيوط الدهشة
ينثرها في وجه العتمة
ينتظر امرأة قرأ خرائطها الأولي ذات حلم
وبنت تنتظر حبيبا يلون الحلم بألوان قزحية
يعيد للروح بهجتها ويفك شفرات حلمها
تذكرت حلمها الذي يراودها كل ليلة .. كل ليلة يأتيها وجهه . تختلف الأحلام . تختلف الأحداث والوجه واحد . تجتهد في فك شفرات حلمها .، تتوه في مساحة الحلم الذي باتت تفرح حين يأتي الليل ، حتي تراه ، يوم آخر لن تفلح أحلام الليل في تمضية ساعاته .. قلب حزين وفارغ إلا من الانتظار ،وروح تتوق لمن يدفئ بردها .
استرجعت كلماتها التي استيقظت علي صوتها ترددها ، وابتسمت ، أمل باهت يتسلل إلي قلبها كقط خائف ومرتبك أن تراه سيدة الدار فتنهره ، بإحساس غير منطقي وعفوية امرأة ملّت تأخر أملها قالت :
00ليكن اليوم يومي ، فرحي .. اليوم لي وحدي .. أنا فقط من سيشكل لحظاته ، في طريقها للعمل ، تنظر إلي السماء الصافية ... السحاب الأبيض يشكل صوراً سريالية والطريق طويل إلي المدرسة التي تعمل فيها ... قررت أن تمضي الوقت في تشكيل صور للسحاب وفق مزاجها النفسي .
هذه السحابة تشبه " أم أحمد " زميلتها التي تجلس بجانبها ، وتعد لها قهوة الصباح علي السبرتاية الصغيرة أسفل المكتب ... وتلك تشبه " علية " .. علية " أم كحلة " كما تسميها الزميلات .. تبتسم حين تتذكرها وهي تحبك فستانها أكثر ... وتتمايل في غنج مفضوح ، حين يهلُّ علي المدرسة في بداية العام الدراسي مدرسون جدد .. ولما يمر العام دون أن تفوز بواحد منهم .. تضحك في براءة وتقول .. ولا يهمني بكره ييجي اللي أحسن منهم دول حتي كلهم فلاحين ... الزميلات يمازحنها بمحبة ... وهي تتعجب من ضحك علية الدائم .. وتسألها :
ـ أنت دايما كده بتضحكي ...
أفاقت من شرودها علي سحابة تشبه ثورا انفلت من يد الراعي ..وطاح في البرية .. وقررت أنها تشبه المدير الذي تربكها نظراته ، ورابعة تشبه " عايدة " التي تداوم علي غزل الحزن طبقات ولفات علي زوج وطفل فقدتهما العام الماضي.
قالت لنفسها في مرح:
- عايدة طيبة ، فلتكن لها هذه السحابة البيضاء اللطيفة 0
تقترب من المدرسة ، البوّاب يفتح لها الباب في حركة مسرحية ، كعادته في ممازحتها ، تبتسم وتسأله عن صغاره وزوجته ، وتنصرف قبل أن يكمل جملته ... . تدخل حجرة المدرسات ، زميلاتها في العمل يثرثرن .، يتحدثن عن خبث الأزواج ، وهموم الأولاد .، يتبادلن النكات القبيحة ، ويمصمصن شفاههن ، يتدثرن بحكمة السنين و يتفقن علي الجملة التي يعلنها في نهاية كل حوار ، صمت الأزواج ونكدهم خير من الوحدة القاتلة ..هي الجملة الأثيرة التي يختمن بها ثرثرتهن الصباحية ، ينتبهن لوجودها .، يتبادلن النظرات ويصمتن . تقطع واحدة منهن حبل الصمت وتتوجه بالكلام إليها : -ـ يا بنتي العمر بينسرق منك ...
وتعقب أخري :-ـ ماله الأستاذ حمدي بتاع الحسابات .
وتضيف ثالثة : ـ يا بنتي ضل راجل ..............
تضيق بنصائحهن .. لا تدع زميلتها تكمل مثَلها ، فتحتضن الملفات والأوراق ، وتتجه إلي حجرة المدير. ثرثرة زميلاتها تضغط علي روحها ، تصعد درجات السلم غير منتبهة لزملائها الذين يحيونها . اصطدمت به .، سقطت ملفاتها علي الأرض .، جلست تجمعها ، تردد قبل الانحناء ومساعدتها . عيونها تحتضن وجهه . لم يندهش من نظراتها الجريئة .. فقط جلس علي السلم ، وهي تصلح من ردائها وتعتدل محتضنة أوراقها .. قالت بصوت هامس:- .. لماذا تأخرت ..
ثم أضافت بأسي :
ـ ثمانية وثلاثين عاما أنتظرك ..
رد بصوت عميق لا ينم عن دهشته من السؤال :
- ... أنا ؟
- نعم ثمانية وثلاثين عاما ... تأخرت كثيراً .
ابتسم في عطف وقال :
- بل جئت في الوقت المناسب .
نظراتها الفوضوية تحيط به .. يتأملها ، في صمت طال .. تقول في اطمئنان :
ـ ولكنك جئت علي أية حال .. أتعرف ؟ .. كنت أهمس باسمك للنجوم
فيردد في خفوت :
ـ مضي زمن الأحلام والنجوم .............
فترد في براءة ..
ـ كنت واثقة أنك قادم ..
ـ نعم جئت ... جئت

أيها الراحل في دمي
هلا بسطت يدا للهوي
الروح تشتعل والجسد يرتعش
فقط تهفو إليك الروح فلتحنُ
تعال لتنقذها من ألم
لم تعد قادرة علي تحمله

والبنت حين نظرت في عينيه ولم ترتبك . شعر برفرفة قلبه ، مد يده ، أمسك بيدها .، تعجب من برودتهما .، سرت الحرارة في أوصالها .. أجلسها بجانبه علي السلم فجلست .. لم تبال بنظرات المدرسين والتلاميذ المندهشة والمستنكرة ، ضغط علي أصابعها الراقدة في كفه وغرق في عينيها .، قال بعد صمت تخيلته دهرا :
- .. من أنت ؟
ابتسمت في بساطة وقالت : - ـ أنا ابتسام ..
علق في مرح :- .. كيفك ابتسام ..
ضحكت وقالت :- هل سنظل جالسين هكذا ... ؟
قال في هدوء وحسم:- .. نذهب إلي المكان الذي تحبين ، وقاما
غابة روحي لم تعد تطرح دونك
أيها الواقف هناك في مفرق التيه
سلام إليك...وسلام عليك...
أنت المتدله في كل القلوب
الساكن منذ الأزل كل العصور والآهات
والولد حين نظرت في عيونه وحبسته تماما داخلها جلس بجانبها علي الكنبة العتيقة في منزلها ... والأم تتسمع لأدني حركة من ابنتها ... تدعو الله وجلة أن يستجيب لتوسلاتها الكثيرة هذه المرة ... تكتم أنفاسها ، تسكن تماما ، لا تريد أن تصدر منها حركة تنمُّ عن وجودها ... ، جلس يفتش عن صورة راودته ذات حلم منذ سنين نسي إحصائها ، خمسة و ثلاثين عاماً مرت من عمره . تعبت أمه وكل من حوله في إقناعه بالزواج .. قالت تأخرت كثيرا ، فابتسم،ووضع إصبعه علي شفتيها .. فقط مرر إصبعه علي شفتين منفرجتين عن دهشة وحلم .. فارتعشت ،شعرت كأن روحها تفارق جسدها،ضمت الشفتين بعذوبة وأغمضت عينيها ، صنعت من شفتيها لوزتين خضراوين ، توقعت أن يميل عليهما يقبلهما . يقبل شفتين مضمومتين بانتظار قبلة طبعت عليهما ذات حلم ، ولما طال انتظارها فتحت عيونها وجدته يتأملها ويبتسم

كم من الصباحات أضيع حتي تأتي
كم من تمائم العشق أتلو حتي تري لوعتي
مازلت تمرق فيما تبقي من شغف
قلبك طيب و روحك صافية
تعرف كيف تغزل خيوطا رقيقة تقيد بها روحي
أجثو ..أتوسل إليك ألا تطلقها
دعها مقيدة بك ..فيك ، تتوق ..تبوح
تنظرك في كل العيون المشتاقة..
تهدي إليك الورد ..النرجس والياسمين .
والبنت حين قالت هذا الولد لي كانت تعبر فوق عقبات كثيرة أخبرته عنها حين مرر إصبعه علي شفتيها لأول مرة.
قالت :- كاد جسدي يجف وأنا بانتظارك .
فقال :- سأعيد جسدك إلي سيرته الأولي .
قالت :- أكبرك بأعوام كثيرة
فقال :- أكبرك بحلم وقبلة أرسلتها لك ذات مساء .
قالت :- كيف ستواجه الناس ؟ قال :- سأصف لهم نظرة عيونك علي سلم مدرسة عتيقة نسيت لماذا كنت ذاهب إليها .................
هويدا صالح
القاهرة
يناير 2007




#هويدا_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سبع مقاطع من يوميات شجرة عارية
- من يوميات شجرة عارية
- تزييف الوعي
- الواقف في مفرق التيه
- جل أسطوري
- نجيب محفوظ بين الرمز الفني والواقعي
- انعتاق
- نهاية الأضداد وبداية الإعلام غير المحايد
- الأستاذ منصور
- الموسيقي الكلاسيكية / عصر الباروك
- هو يحب الموسيقي ، لكنه ليس حالما تماما
- المرأة الحزينة
- عادل السيوي يمارس لعبة المرايا المتقابلة
- ريهام


المزيد.....




- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...
- الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هويدا صالح - رجل وحيد وشجرة عارية