أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حميد الهاشمي - العراق: مشاهدات وانطباعات مغترب زائر















المزيد.....


العراق: مشاهدات وانطباعات مغترب زائر


حميد الهاشمي
مختص بعلم الاجتماع

(Hamied Hashimi)


الحوار المتمدن-العدد: 1806 - 2007 / 1 / 25 - 12:05
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



بعد أن اختمرت فكرة زيارة الوطن، واكتمل التخطيط والترتيب لها، رغم صعوبة القرار في هذه المرحلة، ونصائح البعض من الأصدقاء بين مشجع وناه، اختلف نبض القلب وارتبكت الذاكرة مزدحمة بعديد الصور والذكريات الجميلة والحزينة، ولا ينكر شعور الخوف أيضا من مخاطر الرحلة.
ترى كيف يكون شكل العراق "الحقيقي" الآن بعيدا عن تشويه الكارهين وتجميل المحبين للوضع الحالي؟
هل تستطيع أيها المغترب العراقي زيارة كل الأماكن التي أودعتها ذكرياتك الجميلة؟
هل تستطيع زيارة أصدقائك في أماكن التوتر و"المغايرة" الطائفية أو العرقية التي يحظر دخولها من قبل "الآخر" العراقي؟؟
هذه الأسئلة تشغل البال قبل التفكير بالأم الحنون والإخوة الأعزاء وأبنائهم وبناتهم الذين كبروا وتزوج بعضهم وأنجب بعض آخر، وقبل التفكير بالتكيف أو إعادة التكيف وقتيا مع المحيط العائلي والاجتماعي في البلد الأم بعد مدة ليست بالقصيرة في المهجر.
ابتداء، فان دخول العراق من مطار بغداد يعد مخاطرة كبيرة عليك تجبنها أيها المغترب الذي تجهل الكثير الآن عن الداخل العراقي رغم ما يبثه الإعلام، خاصة لمن أمضى مدة تجاوزت اثنتي عشرة سنة. وعليك تجنيب أسرتك الصغيرة التي تصطحب ومن يستقبلك من ذويك في الداخل مخاطر الطريق.
وعليه فان اختيار معبر حدودي مع أحد دول الجوار العراقي من حدوده الآمنة، يعد أفضل خيار، وهكذا كانت الرحلة. ( )

المعبر الحدودي واجهة البلد:
من المؤكد أن الكثير يتفق معي على أن المعبر الحدودي لأي بلد يعد واجهة له بمختلف المقايسس. ابتداء من نظافة هذا المعبر التي تدلل على طابع النظافة وواقعها ومدى تطبيق الضوابط الصحية المعمول بها في ذلك البلد، ووصولا إلى أساليب التعامل التي يتبعها موظفوا النقطة الحدودية، مرورا بالإجراءات الأمنية المطبقة وآليات تطبيقها.
أما عن النظافة، فقد صادف أن تكون زيارتنا في فصل الشتاء الذي يهطل فيه المطر بكميات كبيرة إلى حد ما، وقد واجهنا صعوبة المرور في الطرق السالكة في ذلك المكان، ولم تكن هناك عناية جيدة، بحيث كانت الأوحال تنال من كل مار. كما لم تتوفر أماكن مناسبة للاستراحة وقضاء الحاجة من المرافق الصحية والمحلات وغيرها. وبالنسبة للإجراءات الأمنية، فلم تكن على أسس علمية مناسبة من ناحية توظيف أجهزة كشف الأسلحة والممنوعات التي تمر إلى الداخل. وبمقارنة مع النقطة الحدودية للدولة المجاورة، فإنها كانت أفضل تماما من الجانب العراقي.
وأما عن المعاملة، فالحق يقال، إن القائمين كانوا بمستوى عال من التهذيب والوداعة متمنين أن يكونوا دائما كذلك مع الآخرين.

عن بغداد والحرب الطائفية:
لا بد من الإقرار بنعمة الاستقرار الأمني في مناطق جنوب العراق وكردستان العراق، وكل مناطق الجنوب التي مررنا بها تعد آمنة ومستقرة ولا تعاني إلا من مشاكل نقص الكهرباء والوقود وما يترتب عليهما، فالأمان نعمة يحسدها عليها الآخرون خاصة في مناطق التوتر أو الحرب الطائفية التي بات يعترف بها العديد من العراقيين، وممن صادفتهم من سكان بغداد ، أو ممن يترددون عليها، أو المهجرين، هي أن الواقع هو وجود حرب طائفية، تقودها مليشيات وقوى طائفية من الطرفين، بغض النظر عمن بدأها ومن أشعلها. وتغذي هذه الحرب وتستفيد منها قوات الاحتلال الأميركي.
والمواطن البغدادي يتعايش مع الموت ويتلمسه يوميا، فهو متوقع في أي لحظة وأي مكان، وأصبحت هناك أحياء وطرقات مغلقة على طائفة معينة، يصعب على شخص من الطائفة الأخرى اختراقها. وتوسعت عمليات الهجرة والتهجير من مناطق التماس الطائفي خصوصا في بغداد ومحيطها. وفي ظل ذلك أصيب نشاط العديد من الأسواق والمراكز التجارية المهمة في بغداد مثل سوق الشورجة الذي يعد رئة الاقتصاد العراقي، وذلك نتيجة استهدافها مرارا من قبل الإرهابيين وبصورة عشوائية. وقد هاجر العديد من التجار وأصحاب الكفاءات بغداد أو العراق، واستقر بعضهم في المناطق الآمنة منه سواء في الشمال أو الجنوب، في حين غامر الآخر في البحث عن فرصة في خارج البلد.

مشاهدات من الداخل الآمن:
بعد تجاوز النقطة الحدودية إلى الداخل العراقي، اتضح من خلال مشهد وحال الطريق الرئيسي، إن واقع المعبر الحدودي ماهو إلا امتداد إلى هذا الطريق الذي هو امتداد للحال العراقي على ارض الواقع. الطريق ليس مزدوجا (ذهاب وإياب منفصلين)، كما وبان عليه التعب وعدم التجديد. وتوالى مرورنا على البلدات والمدن العراقية الجنوبية باتجاه الوسط العراقي، حيث تطابق الصورة إلى حد ما من نواحي نقص الخدمات العامة رغم التوسع العمراني (الأفقي عادة).
نقص الكهرباء والوقود يبدو أزليا، ولا حل في الأفق.
في ظل البطالة المستشرية، نشأت الكثير من المهن "الطفيلية" محتلة أماكن لها في الطرقات العامة والشوارع الداخلية والأسواق. منها بيع البنزين والكاز، وأكشاك بيع السكائر والكرزات (المكسرات)، وعربات وصواني الأكل. وهذه الأخيرة غالبا ما تكون مكشوفة وغير صحية، وخاصة الحلويات. فهي عرضة للغبار والذباب. والغريب أن كل هذه الأمور تغيب عنها الرقابة الصحية والبلدية، ولا من ضابط ولا رابط في اغلب المدن والبلدات. وكم تمنيت ان تتدخل كل القوى الضاغطة والفاعلة في هذا الأمر بما فيها ما يسمى ب"هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" التي تنشئها بعض التيارات والأحزاب الدينية لأغراض ودواع مختلفة لعل السياسة من ضمنها. وكم تمنيت أن يتدخل حتى مراجع الدين في ظل ضعف السلطة الحكومية وتجاهلها، في إصدار فتاو تحرم شراء الأكل المكشوف، حتى يتم توجيه "باعة الأمراض" هؤلاء من أعلى المواقع، علما أن وضع غطاء من قطعة قماش أو نايلون لا تكلف شيئا يذكر.
والجدير بالذكر أن العديد من العراقيين يتندرون بطرفة مفادها أن صحفيا أجنبيا تعجب من مفارقة كون الأكل يعرض مكشوفا للبيع، في حين توضع الأحذية في أماكن مصانة من قبيل الفاترينات الزجاجية أو كما يسميها العراقيون (الجام خانة).
أما النظام المروري، فقد ساء حاله إلى حد كبير، ولعل أهم معيار لذلك، هو عدم وجود جهة تمنح إجازة السوق ومنذ سقوط النظام واحتلال العراق عام 2003، ولا ندري إلى متى يستمر هذا الحال. حيث هناك العديد ممن يقودون سياراتهم بدون إجازات سوق وبأعمار مختلفة. وان دور شرطة المرور يقتصر على السؤال عن ملكية السيارة وصلاحيتها في أحيان قليلة بالإضافة إلى "ضبط" المرور في الشارع. ولم يعد رجل المرور مثلما هو حال رجل الشرطة بصورة عامة، يتمتع بتلك الهيبة التي كان عليها في فترات سابقة، نتيجة لضعف السلطة المركزية واستشراء المحسوبية إلى حد كبير.
ولم تتحسن أوضاع المؤسسات التعليمية والصحية كثيرا، حيث أن الكثير من الأموال المرصودة لها في إطار حملة إعادة الأعمار، تتسرب من خلال سلسلة المقاولات المتدرجة "من الأعلى إلى الأدنى"، أو لا توجه الوجهة الصحيحة أو تضيع بالمرة من خلال هرب المقاول. ويساعد في سوء الحال هذا استمرار نقص الوقود والطاقة الكهربائية التي انعكست حتى في تشغيل أو غلق معامل ومصانع كثيرة فاقمت من أزمة البطالة.
تعاني أغلب المدارس الابتدائية والثانوية من أوضاع مأساوية سواء في المدن أو الأرياف، وقد زرت أكثر من مدرسة على سبيل الاطلاع، فكان الحال يصعب على الوصف. العديد من المدارس تبدو متهرئة ومشوهة من الخارج حيث لا واجهة لائقة ولا حديقة تسر الناظر، ولا ملعب أو ساحة العاب، ولا شبابيك تحمي التلاميذ والطلبة ومدرسيهم من حر الصيف وبرد الشتاء، فضلا عن خلوها من أجهزة التدفئة أو التبريد. أضف إلى المأساة ازدحام صفوفها وازدواج الدوام، بل إن بعض البنايات يتناوب عليها ثلاث وجبات من الدوام يوميا. وتخلو معظم هذه المدارس طبعا بما فيها الثانوية من أي جهاز كومبيوتر لتخزين بياناتها، ولا حديث إذن عن دروس تعلم الكومبيوتر والانترنت.
في جامعة القادسية (في مدينة الديوانية) مثلا، حيث دعيت مرتين لإلقاء محاضرتين فيها، وقفت على الوضع السيئ للشوارع والطرق المؤدية لها، حيث غرق مدخل كلية الآداب بالماء، ولم تبادر الجهات البلدية إلى إزالته أو معالجته إلا بعد قرابة يومين، والمعالجة كانت وقتية حيث تم سحب ما تبقى من الماء. ويعاني طلبة ومنتسبو الجامعة عامة من مرارة الوصول إليها. وهذه معاناة تضاف إلى معاناة انقطاع الكهرباء وغياب أجهزة التكييف ونقص خدمة الانترنت، الذي تعدى إلى التوقف عن دفع مبلغ موقعها الالكتروني منذ أشهر إلى الشركة الأردنية المالكة للسيرفر. ولربما لا تعلم إدارة الجامعة بهذا الأمر إطلاقا، في وقت أصبح الإعلام الالكتروني أكثر أهمية من الإعلام المطبوع في العالم.
أما مكتبة كلية الآداب كنموذج لمكتبات الجامعة، فتعد فقيرة وشبه بدائية، رغم وجود جهازي كومبيوتر لا يؤديان الأغراض المرجوة والمطلوبة، فضلا عن عدم وجود مكتبة الكترونية تخدم طلبة الجامعة التي تخرج حتى طلبة الماجستير والدكتوراه في بعض التخصصات، وتلعب دورا مهما في المجتمع، حيث تقدم الاستشارات وتنجز بعض الابتكارات والاختراعات رغم ظروفها الصعبة.
وحال جامعة القادسية في الواقع الخدمي هو انعكاس لواقع المدينة التي تحتضنها وهي الديوانية، فهذه المدينة لازالت تعاني كثيرا في فصل الشتاء من غرق شوارعها وأزقتها بسبب مياه الأمطار. وتكتظ شوارع المدينة غالبا بازدحام السيارات، وذلك نتيجة لأسباب عديدة معروفة. وهذا يعكس جانبا من عشوائية وسوء تخطيط المدينة العراقية عامة، فهذا هو حال معظم المدن التي زرتها ووجدتها على حالها تقريبا إن لم تكن أسوء. اللهم إلا مدينتي كربلاء والنجف فتعدان استثناء من الواقع العراقي (ما عدا كردستان) إلى حد كبير، حيث تفوق الخدمات البلدية ونظافة الشوارع والنظام الأمني الشديد فيهما.

صادف وجودنا هناك وقت تنفيذ حكم الإعدام بصدام، فكان لنا أن نقف على ردود الأفعال بصورة عامة. ولعلنا لا نجانب الحقيقة إن قلنا أن الأغلبية المطلقة فرحت بان ينال الشخص هذا القصاص، لأنهم يعرفون تماما حقيقة سيرته. ولكنهم لم يكترثوا كثيرا مقارنة بحدث إلقاء القبض عليه مثلا، أو سقوط تماثيله، لان الأمر اخذ منحى تدرجيا، وبدأ صدام يسقط من ذاكرة اغلبهم، خاصة في ظل انشغالهم بأمور حياتية هامة. ولم تخرج إلا أعداد قليلة في بعض المدن تأييدا لتنفيذ حكم الإعدام، نظمتها بعض الأحزاب السياسية المشاركة بالسلطة. إن عدم المشاركة في المظاهرات لا يعني بالتأكيد عدم الرضا عن تنفيذه.

ألقاب وتسميات الموبايل والسيارات:
طفحت إلى السطح ظاهرة غريبة إلى حد ما على المجتمع العراقي، وهي حمى تسمية موديلات أجهزة الهاتف النقال (الموبايل)، وبعض السيارات، بألقاب تشبيهية، منها "الدمعة، والدب، والبطة، والدولفين ...الخ". ولعل التفسير الأنسب من وجهة نظرنا لهذه الظاهرة، هي أن اغلب مستخدميها، وبائعيها من ذوي التعليم الأدنى. وإذا ما علمنا أن البائع هو من يرشد المستهلك ومن يروج إلى بضاعته، فان الأمر لا يخرج كثيرا عن تفسير صعود هذه الطبقة فجأة إلى السطح. وان ماركات هذه البضائع هي أجنبية ويصعب حفظها، أو إجادتها. فماركة "نوكيا Nokia" يلفظها الكثير نوكا أو "Noga"، وسيارة كيا "Kia" الكورية يلفظها "kayya". وهكذا كان اللجوء إلى منحها صفات وألقاب عربية- عراقية، أسهل وأيسر عليهم. وهو يعكس جانبا من الجهل، وتجسيدا للفجوة الحضارية "Cultural gap" التي أشار إليها عالم الاجتماع وليام اوغبرن "William Ogburn" منذ سنين، والتي تنجم عن الفارق في التقدم في الجانب التكنولوجي المادي، بمقابل التخلف في الجانب الحضاري أو الثقافي اللامادي.

استمرار سلطة العشيرة:
في ظل ضعف سلطة القانون وسيادة الدولة، فان سلطة العشيرة لا بد أن يكون لها دور قوي في مجتمعاتنا. وهذه مسالة تخلق توازنا مقبولا إلى حد ما من قبل جميع الأطراف أو ترضخها بالقوة. والحال في العراق الآن، هو استمرار هيمنة سلطة العشيرة إلى حد، على الأقل كحل نهائي يتم اللجوء إليه في الفصل في بعض المنازعات والأمور الخلافية "الدموية" خاصة. ويحدث هذا حتى في مسألة ضبط المليشيات الدينية ذات النفوذ الكبير في جنوب العراق، حيث تعجز السلطة الحكومية عن التدخل أو حل نزاع خلافي بين طرفين احدهما طرف المليشيات أو من ينتمي لها.
وقد حصل في بعض المدن الصغيرة خاصة أن قتلت المليشيات بداعي "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" شخصا ما، فعجزت السلطة الحكومية أن تحل الخلاف، وكان لسلطة العشيرة تدخل يلزم ويخضع المليشيات بالحل الذي ترتئيه. وهنا يخلق التوازن الذي اشرنا إليه. فوجود هذه السلطة الاجتماعية القوية أصبح بديلا لسلطة القانون في ضوء استشراء تدخل المليشيات الدينية في الحياة اليومية.
ولكن المشكلة في أن يتم استمرار دعم العشيرة خاصة إذا ما كان هذا الدعم على حساب سلطة القانون والتطور والحراك الاجتماعي الايجابي. في أمثلة تبدو غريبة، فقد حصل أن تخلى شخص أكاديمي، يحمل ماجستير في احد التخصصات العلمية عن تخصصه وعمله، وارتدى الملابس التقليدية، ليخلف والده في رئاسة العشيرة. في وقت نظن أن الجامعة والمجتمع بحاجة إلى الاستفادة من تخصصه أكثر مما تستفيد منه في توجهه هذا. ومثله حالات كثيرة لا يجد فيها اغلب المثقفين والمتعلمين إلا قوقعة وارتداد حضاريا وانتكاسا اجتماعيا رغم الدور الايجابي المحدود للعشيرة الذي اشرنا إلى نموذج منه.

صورة السلطة والأحزاب الدينية:
بدا تذمر المواطن العراقي خاصة في الجنوب واضحا من الأحزاب التي تمسك بزمام السلطة الآن، وهو رد فعل طبيعي على ما يسوقه الكثير ممن قابلتهم من مبررات، حيث احتكار المناصب والوظائف الحكومية، إضافة إلى الفساد الإداري المستشري إلى حد بعيد. فحتى تحصل على وظيفة أو تتقدم لإكمال دراستك العليا، يتوجب عليك الانتماء إلى حزب قوي أو أن تحصل على تزكية منه لتنال تلك الوظيفة. بل حتى الانتساب إلى الجيش أو الأجهزة الأمنية. يقابل ذلك نقص حاد في الخدمات الأساسية وضبابية وعدم شفافية في إدارة السلطات المحلية (المجالس المحلية وسلطات المحافظات الأقضية والنواحي وإدارات المؤسسات الحكومية). والمواطن قارب مرحلة اليأس من انتظار الحلول. ومما زاد الطين بلة في موقف هذه الإدارات (السلطات) خصوصا محافظة الديوانية، أن اغلب كوادرها قد ذهبوا إلى الحج في هذا الموسم، تاركين مواطنيهم يعانون الأزمات، علما أن فرصة الحج تمنح وفقا للقرعة في العراق، وهذا يعني أن نصيبهم جاء في كل الأحوال على نصيب المواطنين الآخرين بشكل مضاعف.
وقد انعكست صورة الأحزاب الدينية السلبية هذه حتى على طبيعة المشاركة في الاحتفالات الدينية التي غالبا ما كانت تنظم وتدار أو يتم الاشتراك فيها بصورة عفوية في بداية التغيير، وأصبح هناك عزوف كبير عن التفاعل مع هذه المناسبات، ويكتفي المواطن عادة باستذكارها في بيته أو عبر وسائل الإعلام المتاحة وحسب "ظروف الكهرباء".
ويتنبأ الكثير بهزيمة الأحزاب الدينية في الانتخابات القادمة في ظل التذمر هذا، إلا إذا صحت بعض التوقعات من أنها سوف تلجأ إلى التزوير أو الإرهاب بطرق شتى، منها اغتيال الخصوم وإشاعة الفتاوي التي توجب التصويت لهم وغير ذلك.

حلول مقترحة لأزمة الوقود والكهرباء:
من مقترحات الحلول التي يؤمن بها الكثير، هي: أن تعمل الحكومة على إنشاء مصاف للبترول في المناطق الجنوبية الآمنة، لتحل أزمة الوقود من جانب وتجهز محطات أخرى لتوليد الطاقة الكهربائية يتوجب إنشاؤها في المنطقة، لتحل أزمة الطاقة الكهربائية الأزلية. وان هذه الحلول لا شك غير مكلفة كثيرا، وان أثمانها ربما تعادل أثمان الوقود والكهرباء المشتراة من دول الجوار على أمد السنوات القصيرة القادمة. وان مثل هذا الحل لهو كفيل بحل أو تقليص مشكلة البطالة والتأخر الذي أصاب المجتمع العراقي على أمد سني الحروب والحصار والاحتلال. كما ويتطلع الكثير من سكان جنوب الوسط والفرات الأوسط إلى سرعة انجاز مطار دولي أو محلي على الأقل من أجل استقطاب استثمارات العراقيين في الخارج وتسهيل عودتهم وزياراتهم لذويهم، بالإضافة إلى استقطاب الاستثمارات الأجنبية وتنشيط السياحة وخاصة الدينية منها. وان الرأي السائد في تأخر انجاز هذا المشروع هو تدخل الاحتلال الأميركي فيه.

المثقف ضعيف ومنزوي:
في ظل مثل تلك الظروف، فالسؤال عن قوى التنوير وجماعات الضغط، هو أين مكانها وما هو دورها؟
ولعل طبقة الانتلجنسيا أو المثقفين تعد أحد قوى الضغط المهمة التي يمكن لها أن تلعب دورا هاما في تنوير كل من المواطن والسلطة على السواء، خاصة وان ليس هناك تقاطعا كبيرا بين السلطة الحالية في العراق والمثقف، على الأقل مقارنة بما كان عليه العراق سابقا. ولكن حال المثقف اليوم صعب إلى حد بعيد، فبالإضافة إلى استهدافه من قبل الزمر الإرهابية باعتباره أحد رموز الحياة النابضة، فان إرهابا من نوع آخر يتهدده، طبقا إلى مدى إيمانه الديني، أو انتمائه العقائدي، أو مهنته، أو ملبسه أو ما يقرأ كما هو الحال في بعض مناطق غرب العراق التي يكثر فيها نفوذ الجماعات الأصولية المتطرفة.
ويعجز عن المبادرة في الدعوة إلى تنظيم مظاهرة احتجاجية أو نشر مقال ناقد لجهة ما تعد نافذة أو إجرامية. بل يعجز حتى عن نقد أو توجيه بائع المأكولات المكشوفة.
وهكذا بدا حال المثقف العراقي وذو التعليم العالي، مغلوبا عليه، مستضعفا وعاجزا عن أداء دوره المنشود. وبدا البعض مهادنا من اجل العيش والاستمرار والبعض الآخر منشغل بهم الخروج من البلد خاصة في مناطق التوتر أو الحرب الطائفية.

خلاصة:
الخلاصة التي نخرج بها هي أن عراق اليوم ليس عراقا واحدا، بل "عراقات"، وان هناك مناطق ساخنة، تعد ميدانا لحرب طائفية فعلا، وهو ما يرفع من نفس التعصب والتخندق الطائفي في مناطق العراق الأخرى، رغم وجود التعايش السلمي المذهبي في جنوب العراق وشماله (كردستان العراق). وان الحكومة العراقية تعد سلطة لا مركزية و"سيادية" لا أكثر، ففي الواقع هناك سلطات محلية (حكم محلي أو ذاتي) في كل محافظة ومدينة، وهو ربما انعكس بشكل سلبي من جانب ما على أشكال من الفساد الإداري والمحسوبية في هذه المحافظات والمدن. في الوقت الذي كان من المفترض أن تكون صيغة الحكم المحلي هذه على جانب كبير من الفاعلية في خدمة مواطني هذه المحافظات، ويبدو أن عدم نضوج التجربة وحداثة تطبيقها وظروف تهديد قوى الإرهاب التكفيري، هو الذي قاد إلى هذه الخيارات من جانب وهذا التخبط والخلل من جانب آخر.
انها مشاهدات وانطباعات وهي ليست بالضرورة كافية للحكم على الواقع، فعلى قدر حياديتنا في نقلها وطرحها، فلربما نكون قد أغفلنا أو نسينا جوانب مشرقة، أو جوانب أكثر سوء وسوداوية، تتجلى لغيرنا. وقد تكون للبعض الآخر وجهة نظر مخالفة في تفسير وتحليل ما ذهبنا إليه.
د. حميد الهاشمي
أكاديمي عراقي مقيم في هولندا
ك1-ديسمبر 2006 - ك2- يناير 2007



#حميد_الهاشمي (هاشتاغ)       Hamied_Hashimi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنا أتكلم لغتك فلماذا لا تتكلم لغتي ؟ مدخل لحوار الأثنيات في ...
- أسوء احتجاج سمعته في حياتي: المثقف ينبغي أن يكون فاعلا لا من ...
- الغرابة في غلق مكتب قناة العربية في العراق
- الأنتلجنسيا العراقية والدور الوطني المطلوب
- المجتمع الانتقالي :نحو توصيف سوسيولوجي للحال العراقي اليوم
- هل الزرقاوي في الاعظمية؟؟؟
- كاد أياد علاوي أن يكون رجل المرحلة
- صدام حسين وعقدة الزعيم عبد الكريم قاسم
- المشهد العراقي: حرب أهلية أم توتر طائفي؟
- لا يكفيهم قتلا ... ألا يكفينا صبرا؟؟
- الأساليب القذرة للإرهابيين في حروبهم
- هل السفير المصري شريك أم ضحية في هذه الطبخة؟
- هل ان بقاء القوات الأجنبية في العراق الآن شر لا بد منه؟
- الإرهابيون من خلال اعترافاتهم المتلفزة
- انشقاق في صفوف هيئة علماء المسلمين
- البرلمان العراقي الجديد ومسوغات التاجيل المتكرر
- التأزم العراقي - الأردني وتنامي وعي الشارع العراقي بمسؤوليات ...
- دائرة العنف ضد المرأة غريزية تاريخية
- قراءة في توجهات الناخب العراقي
- مراجعة الذات بحثا عن المسؤولية الوطنية والاخلاقية


المزيد.....




- نقار خشب يقرع جرس منزل أحد الأشخاص بسرعة ودون توقف.. شاهد ال ...
- طلبت الشرطة إيقاف التصوير.. شاهد ما حدث لفيل ضلّ طريقه خلال ...
- اجتياج مرتقب لرفح.. أكسيوس تكشف عن لقاء في القاهرة مع رئيس أ ...
- مسؤول: الجيش الإسرائيلي ينتظر الضوء الأخضر لاجتياح رفح
- -سي إن إن- تكشف تفاصيل مكالمة الـ5 دقائق بين ترامب وبن سلمان ...
- بعد تعاونها مع كلينتون.. ملالا يوسف زاي تؤكد دعمها لفلسطين
- السيسي يوجه رسالة للمصريين حول سيناء وتحركات إسرائيل
- مستشار سابق في -الناتو-: زيلينسكي يدفع أوكرانيا نحو -الدمار ...
- محامو الكونغو لشركة -آبل-: منتجاتكم ملوثة بدماء الشعب الكونغ ...
- -إيكونوميست-: المساعدات الأمريكية الجديدة لن تساعد أوكرانيا ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حميد الهاشمي - العراق: مشاهدات وانطباعات مغترب زائر