انتخابات بلدية وهمية ومطرقة خشبية وغوار بريمر وطرائف أمريكية أخرى

علاء اللامي

الحوار المتمدن-العدد: 543 - 2003 / 7 / 17 - 17:00
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    

                                                                                               

                                                                   

 

بعد النداء الذي أصدره رئيس شرطة نيويورك سابقا، ووزير الداخلية العراقي في حكومة بول بريمر (أو بول بريمز كما يسميه أهل الجنوب ) لاحقا برنارد كريك إلى أهالي بغداد والداعي إلى طرد أولئك الأشرار ويقصد العراقيين المتصدين للاحتلال من شوارع المدينة، وبعد أن صار ثمن رأس العراقي المتمرد على الاحتلال وأصدقائه 2500 دولار، تحول العراق الذي يعرف في قاموس الاركيولوجيا باسم مهد الحضارات ، تحول عمليا إلى البر الغربي الأمريكي الذي تحكمه وتتحكم فيه عصابات الكاوبوي الدموية. أما إعلان سلطات الاحتلال عن وضع ثمن لرأس الدكتاتور المختبئ والذي يبلغ 25 مليون دولار (يا للبرمكة!) فقد جاء بعد تأخير طويل امتد لثلاثة أشهر، ثم أن هذا التأخير لا تفسير له سوي أنه ربما يكون مجرد حركة مسرحية للاستهلاك الداخلي، و لإقناع العراقيين الذين تعتقد قطاعات واسعة منهم بجدية احتمال وجود صفقة بين الاحتلال الأمريكي والدكتاتور المختبئ يجري اختراقها هنا وهناك، وبأنها جادة فعلا في طلب الدكتاتور ومن بقي معه من قيادته وأعضاء أسرته.
نفتح قوسا هنا لنكرر بأن لعبة تبعيث المقاومة أو إلصاقها بصدام أو بن لادن باتت عملية مفضوحة ومستهجنة ومدفوعة الثمن، فإذا كان من الصحيح والمتوقع أن يلجأ جلادو الشعب العراقي من عصابات النظام المنهار إلى الهرب من أعين الجماهير واللعب علي وتر المقاومة لإنقاذ رؤوسهم من العقاب العادل بحقهم جراء ما ارتكبت أيديهم من جرائم فان أصدقاء "حزب التحرير الأمريكي " يساعدونهم على ذلك عبر منحهم تشريفاً لا يستحقونه بأن يجعلونهم الطرف المقاوم الوحيد.
أما مساهمة التيار السلفي سواء عراقيا أو متسللا من خارج الحدود فقد بولغ بحجمها ونتائجها والتعتيم على أطراف مقاومة عديدة أخرى، وطنية وقومية، أعلنت عداءها للنظام عبر بيانات وتصريحات سجل بعضها على أشرطة الفيديو. ثم لماذا يتناسى أعداء المقاومة هؤلاء إن جميع المرجعيات الدينية التي تدعوا إلى المقاومة السياسية والمقاطعة لم تحرم الجماهير الشعبية من حق الدفاع عن نفسها في وجه ممارسات الغزاة وبجميع الوسائل بما فيها المسلحة بل شجعتها على ذلك وأدانت استفزازات المحتلين وقد ورد على ألسنة العديد من القيادات الروحية والمرجعيات الشيعية والسنة.
وبالعودة إلى المسلسل الفكاهي الذي يشرف على إنتاجه (غوار الطوشه بريمر)، نلاحظ في ذات السياق الذي لا يخلو من الطرافة والغرابة وفي اليوم أعلن بريمر عن أهم إنجاز له منذ تسليم العاصمة للغزاة من قبل قوات صدام حسين ألا وهو إقامة مجلس بلدي منتخب.
وبعد يوم واحد على هذا الإنجاز سرق لصوص محترفون تمثال السعدون من الشارع الذي نصب فيه في قلب بغداد! نعم، مجلس بلدي ومنتخب، وشارك في انتخابه سكان الأحياء (وليس السكان الأحياء على ما يبدو ) كما أعلن بريمر! ولكن ثمة أمران يجعلان من هذا المجلس فاقدا للصدقية ومجرد "شغلة" في سوق الهرج: الأول هو أن أغلب سكان بغداد فوجئوا بانتخاب هذا المجلس البلدي والذي لا يعرف علي وجه الدقة كيف وأين ومتي جرت عمليات انتخابه ؟ وأي الأحزاب أو الشخصيات شاركت في الترشيح إليه؟ وأين ذهبت تلك المجالس الأخرى وأشهرها مجلس لص ومهرب الآثار المعروف بـ أبو حيدر الكرادي المنتخب هو الآخر وبالطريقة البريميرية ذاتها؟ والأمر الثاني هو أن المجلس البلدي لبغداد سيكون مجلسا استشاريا وبالعربي الفصيح سيكون مجلسا لا صلاحيات تنفيذية ولا إرادة ذاتية له، وهو بهذا الشكل يعطينا صورة واضحة عن الحكم الوطني الذي سينبثق عن ما سمي في آخر صرعة سياسية بالمجلس المؤقت للحكم أو المجلس السياسي للحكم المؤقت في رواية أخري.
وبالمناسبة فالمجلس السياسي المؤقت للحكم الذي أعلن عنه مؤخرا يجري انتخاب اقرأ : تكريس رئيس له منذ الآن وهو عدنان الباججي وعلى الطريقة ذاتها التي رأيناها في انتخابات بلدية بغداد أي طريقة الصفقات المسبقة ومصافحة الاحتلال من تحت الطاولة. وإذا ما سألنا غوار بريمر لماذا هذا الإصرار على أن يكون رئيس مجلسك من العراقيين السُنة الذين تجاوزوا التسعين من العمر فعلينا أن لا نتوقع جوابا يفهم منه أن ذلك يجري بسبب هبوب عاصفة من الورع والتقوى على ضمير بريمر جعلته يقع في محبة مفاجئة للإمام الشافعي أو للإمام أبي حنيفة وإنما لأسباب قديمة تكلم عنها الزعيم الهندي غاندي ذات يوم ونسب إليها حتى أسباب صراع بين سمكتين في البحر المحيط وتختصر بكلمتين : فرق تسد.
وقد سألني سائل: ترى إذا كانت مؤهلات السيد الباججي هي أنه وزير سابق وطاعن في السن ومعاد للنظام الدكتاتوري المهزوم وشخصية محترمة وذو مصداقية وقومي ولبرالي التوجهات فلماذا لم يرشح بدلا عنه أو إلى جانبه د. أحمد الحبوبي الذي هو أيضا وزير سابق وطاعن في السن (بل أشبُّ من الباججي بعشرة أعوام علي الأقل، أطال الله عمره ونجاه من تلويث كفيه من مصافحة الغزاة) كما أنه معاد للنظام السابق وشخصية محترمة وذو مصداقية وقومي لبرالي التوجهات وأكثر من هذا أنه مناضل عريق ضد الدكتاتورية؟ لماذا تم التعتيم على الدكتور الحبوبي الذي ظل وطيلة عدة عقود مناضلا وقائدا لأحد الأطراف السياسية العراقية (التجمع القومي الديمقراطي) ولم يوافق لا على الحصار ضد العراق ولا على الاحتلال ولا على قمع النظام الشمولي؟ لأي سبب تم إيقاظ السيد الباججي في ربع الساعة الأخير قبل سقوط النظام البعثي الصدامي من نومه ورشح للرئاسة ولم يتذكر أحد المناضل الحبوبي والعشرات من أمثاله وفي مثل مؤهلاته المذكورة أعلاه؟ هل لأن الباججي سيواصل الحفاظ على الطابو الطائفي لرئاسة العراق فيما سيعتبر صعود الحبوبي أو غيره إلى الرئاسة حتى إذا كانت مؤقتة وشكلية، قطيعة مع هذا التراث الطائفي البغيض والذي بدأ مع العرش الهاشمي والذي هو المؤسس الحقيقي للطائفية السياسية في العراق؟ إنني هنا لا أدافع عن أهلية الحبوبي إزاء الباججي لأن الأول شيعي أو لأنني من (التجمع القومي الديمقراطي) فلم أكن في يوم ما قوميا أو عضوا في هذا التجمع و إنما لأن أسئلة كهذه باتت ملحة لفضح الطبخة الطائفية التي فاحت روائحها غير الزكية والتي يتم طهيها في مطبخ بول بريمر ولكي ينتبه الجميع لخطورة ما يتم الترتيب له منذ الآن.
أما الخبر الأخير في هذا الملف والذي يذكرنا بأن من كان في (عبه عنزا يمعمع) كما يقول المثل العراقي فيقول بأن الباججي ولكي ينفي الطائفية عن نفسه فقد اجتمع يوم أمس الأربعاء 9/7 بسياسي عراقي مستقل حيث اتفق الاثنان على (وجوب اعتماد الكفاءة والمعيار السياسي بدلا من المعيار الطائفي والمناطقي في اختيار أعضاء المجلس) والمقصود المجلس السياسي لبريمر للحكم الانتقالي  ولكن هل يعلم القارئ من هو السياسي المستقل الذي اجتمع به الباججي؟ انه سعد البزاز أحد أركان النظام المنهار والساعي بدأب في أذيال بريمر والمتقرب حديثا من مجلس العشائر في منطقة بعينها ومن الرئيس الباججي لاحقا.. وليسقط المعيار الطائفي والمناطقي حقا!!
ونعود إلى مجلس بريمر البلدي لنري أن الأمر الوحيد الذي أثار بهجة وانتشاء أعضاء المجلس البلدي البغدادي الذي باركه بول بريمز وجمهور حزب التحرير الأمريكي هو انهم فازوا بتحقيق مطلبهم الوطني الأهم حين أصروا على استعمال مطرقة خشبية ـ من ذلك النوع الذي يستعمله الرئيس لافتتاح الجلسات ـ بشرط أن تكون مصنوعة من الخشب العراقي ورفضوا ـ بلطف طبعا ـ استعمال المطرقة الخشبية التي قدمها لهم الاحتلال الديمقراطي.
باختصار شديد يمكن القول أن بريمر أخذ صلاحيات المجلس البلدي الحقيقية وترك للمجلس مطرقة من الخشب العراقي الأصيل قد تكون لها فائدة ذات يوم في أحد المتاحف ومع ذلك فلا نعتقد بأن فعلة بريمر لن تنقذه من مصير الجنرال البريطاني الاستعماري لتشمن الذي أطاح برأسه الشيخ ضاري الزوبعي بضربة سيف عراقي، وثمة عراقيون كثيرون يعتقدون أن هذا البريمر لن يخرج حيا من العراق، وقد بدأت الرهانات على ذلك تجتاح مقاهي بغداد كما ينقل القادمون حديثا من هناك.
وأخيرا ألا تذكرنا فرحة الجماعة في حزب التحرير الأمريكي بمطرقة الخشب بتلك النكتة التي تحدثنا عن ذلك المغفل الذي سخر من اللصوص الذين سرقوا حقيبته المليئة بالنقود وصاح بهم وهم يهربون بالحقيبة:
ـ ثم ماذا إذا سرقتم الحقيبة، أليست مفاتيحها معي؟
 

#علاء_اللامي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات