أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - فاتن نور - بين جاهليتين..قراءة من فوهة الجرح...















المزيد.....

بين جاهليتين..قراءة من فوهة الجرح...


فاتن نور

الحوار المتمدن-العدد: 1805 - 2007 / 1 / 24 - 12:25
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    



ماذا فعلوا بنا!...
نسبح ونعوم ولا ضفة هناك..هل يبدو الغرق ضفة مقبولة منطقيا!..
فضاءات من التخبط احدودب فيها الزمن
تخبطات سياسية/اقتصادية/ اجتماعية/دينية..
تناحرات ثقافية..ثقافات/مطبات بلا ملامح
طفرات نوعية بماهيات الصراع
صراع من اجل البقاء/ينحسر..
آخر من اجل الموت/ يشتد ضراوة
ما حجم القسوة التي تحفنا.. كم فوهة للجرح..
من يسمع استغاثة بريء ولا يرمها بحجر
من يثب لنصرة المظلوم/الانسان...
من يُهذب الظالم/الانسان..
كم علة بين الظالم والمظلوم..
حسنا .. لعلنا نقف بين جاهليتين ولا بأس! ...ولكن أين فضلاء جاهلية العصر!!..


في المسجد الحرام قرب الكعبة وقبل ان تتوهج بحلتها الأسلامية،وقف احدهم مستصرخا اشراف قريش طالبا حمايتهم من ظلم احل به،منشدا بصوت جهور..

يا آل فهر لمظلوم بضاعتـه / ببطن مكة نائي الدار والنفر
ومحرم أشعث لم يقض عمرته / يا للرجال وبين الحِجر والحَجر
البيت هذا لمن تمت مروءته / وليس للفاجر المأفـون والغدر

المظلوم كان تاجرا يمانيا من قبيلة زبيد،اما الظالم فكان والد عمرو بن العاص/العاص بن وائل السهمي(كما جاء في الكثير من المرويات) والذي استحوذ على بضاعة الرجل الزبيدي دون ان يفه حقها...
بين الظالم وصرخة المظلوم انتفض اشراف قريش وفضلاء بطونها ، تشاوروا، ليس على أثر ما نزل بالزبيدي من ضرر وحسب، بل وما كان ينزل عادة بزوار مكة من القبائل الأخرى التي كانت تفد للبيع والشراء من عدوان قريشي وتحرشات شتى،ولما اصاب القريشيين من تفكك وتشرذم..تحالفوا على دفع الأذى عن الناس ونصرة المظلوم أيا كان دون النظر الى دينه او نسبه او موطنه ،تعاهدوا أن لا يبقى بمكة مظلوما من أهلها أو من زوارها إلا قاموا معه حتى ترد عليه مظلمته، وتعد مكة آنذاك اكبر مركز ديني/ وثني لدى العرب كما هي اليوم، وكانت ممسكة بزمام القوافل التجارية بحكم موقعها الجغرافي ويفدها الزوار والتجار من كل حدب وصوب..

تلك الأقوام التي عاشت جاهلياتها في غابر الزمن بتجمعات بدائية متناثرة، قبل بزوغ سلطة الدولة وسلطة القانون والقضاء، وقبل الوقوف على ناصية حقوق الأنسان والولوج من ابواب التحضر والمدنية،أستطاعت من صياغة المجتمع المكي وترتيب شؤونه الداخلية وفق معايير انسانية فيها من الحنكة مالم نجده في عصرنا الحديث..
تلك الأقوام الجاهلية التي عاشت بمفاهيم العصبية والغلبة،الإغارة والإنتهاب واراقة الدماء،استطاعت أن تتواصل مع معضلاتها الظرفية،ان توحد كلمتها بحلف الفضول الذي ابرم في آواخر القرن السادس الميلادي،والذي يعد من اقدم اللوائح التاريخية التي تعطرت بنفحات من حقوق الأنسان، وأرست نظما للعدالة والمساواة وبما تحمله تلك الأقوام من معايير وجدانية في هذا المضمار وبما أملته عليهم نوازعهم الفكرية والنفسية لإحقاق الحق وتحقيق الصالح العام..
أين فضلاء العرب اليوم وماذا انجزوا ازاء معضلاتهم التي تراكمت بثبات اقدامهم على هامش التاريخ وأذيال الزمن..
..لربما كان فضلاء عرب الأمس السحيق اكثر ادراكا وتحسسا لما يواجههم من صعاب من فضلاء اليوم.. لربما كانوا بغوغائياتهم ووثنيتهم اكثر ايمانا بقيمة الإتحاد والتحالف لمواجهة ما يعيق مسيرتهم،واكثر نبلا وشجاعة وشرفا أذ كانوا يفخرون ويتفاخرون بالموت تحت صليل السيوف وبين حوافر الخيول فلا الذل درعا لهم ولا الخنوع عرشا به يتبجحون ..

حلف الفضول.. جاء في عصر سمي لاحقا بالعصر الجاهلي الذي مورست ضده الكثير من صنوف التبشيع والتسفيه،ربما لغرض إعلاء قيمة الحقبة المحمدية التي تلته، رغم ان الإسراف في تبشيع حقبة زمنية ما لإظهار تفوق الحقبة التي تلتها لا يخدم القيمة الموضوعية الكامنة في ذات الحقبة، بل يدحرج تلك القيمة الى حضيض مستوياتها النسبية بمقارنتها مع حقبة مفككة القيمة، لا سيما ان الحقبة المحمدية كانت قد بنت صرحها على متن الأعراف الجاهلية ونواميس طقوسهم العقائدية ناهلة من هذا وذاك - ومن ثقافات الأقوام السابقة بدياناتهم ومروياتهم- بتصرف او بدون....
..اما لو نظرنا الى موضوع المقارنة من منظور لاهوتي فهي ليست اكثر من غثاء وثرثرة،اذ كيف تقارن حقبة بشرية الصياغة بحقبة تدخل الإله في صياغاتها مستخدما ادواته البشرية والملائكية وجبروته الكوني..
ارى ان الحكم على اية حقبة تاريخية،وكي لا تسلخ الحقبة من قيمتها الموضوعية،لا بد ان يصاغ من داخل زمن الحقبة بمفاهيمها ومعاييرها المعرفية وليس بمعايير حقبة مغايرة،اذ لا يبدو من الإنصاف سحل العصر الجاهلي من بطن التاريخ ووزنه بميزان لوائح حقوق الإنسان العالمية في يومنا هذا، او الحكم على شخوصه في محكمة العدل الدولية،ولا يعيبه كعصر لو سقطت قيمته بميزان لم يصنع في زمانه ولا يحمل اثقال عصره..
إلا انه يبدو لي من الإنصاف وضع الحقبة المحمدية في موازين اليوم، لأنها حقبة متحركة ويراد لها الديمومة والإستمرار خارج زمنها وبكل ما جاءت به من قيم ونظم ومعارف واحكام، وصار من الحق والواجب وزنها بل معالجتها بقياسات الأزمنة المتعاقبة وبمعاييرها الأنسانية المتطورة، وهذا ايضا لا يعيبها اذا كانت فعلا تنطوي على مكونات وعناصر الديمومة الأبدية، ولا يحط من قيمتها المرحلية في اطار زمنها الغابر...

رغم اني لا اميل الى حصر" الجاهلية" زمنيا او عقائديا،فهي ليست بحقبة زمنية انقضت،ولا حقيبة عقائدية اغلقت،بل هي بناء ثقافي واخلاقي منكفىء على تكويناته وعناصره، بناء ثابت، راكد داخل حركة الزمن،وخارج حركة التغيير التاريخي على كافة الصعد، بناء دائب التحرك في الفراغ المفتوح، وبهذا المعنى فأن الكثير من عرب اليوم- وليس حصرا- هم اكثر جاهلية من تلك الأقوام التي كانت بجاهليتها وضلالتها وبطبيعة روافدها الثقافية والأخلاقية اكثر انسجاما مع واقع حقبتهم ومتغيرات ظروفهم الأجتماعية والبيئية،واقل انكفاءا معرفيا عن بقية الأمم المجاورة قياسا بحجم الهوة بين المناخ الثقافي والأخلاقي لعرب اليوم- وهو امتداد لمناخ الأمس- وبقية الأمم ومناخاتها الحضارية وعمق انكفاءهم عنها...

وقد يحلو لي في هذا المجال تصنيف الجاهلية الى صنفين،اما الأول فـهو "جاهلية التكيّف الطبيعي" وهي ملزمة لإناسها بالقوة، بفعل العوامل البيئية وبما تفرضه سبل العيش والبقاء من معايير اجتماعية وافرازات فكرية ونظم اخلاقية.. فهي جاهلية عفوية التكوين،شفاهية البناء/بمعنى لم تدون كأيديولوجيا، كمثل جاهلية العصر الجاهلي الذي نمت تكويناتها الأخلاقية والثقافية من خضم فعل المرحلة ومقتضياتها البيئية والحياتية..
اما الثاني فـهو "جاهلية التكيّف الأيديولوجي " وهي جاهلية اعتى واشد من سابقتها فهي مُستقدمة من خارج بيئة العصر،من بيئة مغايرة لا تنسجم ولا تقترب مما تفرضه سبل العيش والبقاء في ظرفها الزمني المعاش.. جاهلية استعارية التكوين وأيديولوجية البناء،وغالبا ما تستقدم تحت مسميات ذات ابعاد ومعان تستهوي الإنسان مثل الإصالة/الوعي بالتراث/حفظ الهوية/..الخ ، وتستخدم مثل هذه المسميات كغطاء او كقاموس لثالوث التجهيل والعزلة وصهر الذات، والناتج من ثالوث كهذا يقع لصالح الفئة السلطوية..ولربما هذا هو المطلوب...
بتصوري أن الوعي السليم بقيمة تلك المسميات ومكنوناتها سيقود الى ربطها اولا واخيرا بقيمة الإنسان،فمن لا قيمة له حيث يقف، من لا يقوى على انتاج قيمة لحاضره ،احياء قيمة لمستقبله،من لا يملك ذاته، من لا يستنفر عقله،لا يملك الحفاظ على شيء ولا يعي السبيل... كما أن السبيل يوجده انسان ذي قيمة..

ولعلي لا اغالي لو جعلت الإغتراب صفة لصيقة بطبيعة الأفرازات الفكرية لأناس التكيّف الجاهلي- مروضيين كانوا ام مستقبلين- فهي افرازات لا تحمل بنية المكان والزمان،ولا فعل الحياة ،ولا علوم الحاضر ومعارفه..هم مغتربون بأزماتهم وهم صناعها،وكلما اشتدت تقاعسوا ملوحين الى علامات الساعة..وهذا بحد ذاته نبوغ جاهلي ليس لإيمانهم بالساعة بل لتقاعسهم بعلاماتها..

عموما....
اولئك الذين استصرخوا فضلاءهم قبل خمسة عشر قرنا باتوا شعوبا نخرها الصمت والإصغاء المطول،البؤس والإذلال، فاعتكفت بظلال الرومانسية متغزلة بالأمجاد ،تلك التي صنعها الأجداد الأولون،وكي تسترخي بتغزلها على كف الرضى،ولتبدو منجزات الأوليين منجزات لها، لجأت الى تقمص ثقافة الأجداد والغوص في مناخهم الفكري لإيهام ذواتهم بأنهم صناع تلك الأمجاد،وبأنها من افرازات ذات المناخ الفكري،وما انتكاساتهم إلا لأن عمق الغوص والتقمص لم يكن كافيا!..لعلهم يتغافلون او لا يدركون بأن ذاك المجد الذي به يتغزلون هو أبن زمانه ووليد حقبة مغايرة، وهو بالتالي نتاج أهليه الذين صنعوه بأدوات عصرهم آنذاك ووفق معطياته، ولا يليق لتك الأمجاد اجترارها،بل حملها على اجنحة الصقور لصياغة امجاد الحاضر...ولكن كيف ونحن من هواة التكيّف الجاهلي،هواة التهاوي والسقوط لا التحليق والطيران...

اذا كان العصر الجاهلي بتكويناته الأجتماعية الوثنية،وبطقوسه الطوطمية،وبنظمه الأخلاقية..اذا كان قد انجب من توفرت فيه كل الصفات الحسان فاختاره الرب للنبوة والتبليغ.. فهل انجبت الجاهلية المعاصرة بقيمها الجليلة من هو كفؤ!،لا للنبوة والتبليغ فقد كفّ الرب.. ولا لتوحيد الفلول العربية المتناثرة المتناحرة فقد يئس الزمن..بل على اقل تقدير..كفؤ لقيادة النزر اليسير منها الى ضفة لا تحصر بين جاهليتين...

فاتن نور
07/01/23



#فاتن_نور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يا أولاد (....) العراق نبراس حضارتكم فلماذا ادخلتم...
- فراغات مبعثرة.. لا تمتلىء
- التسلط العمائمي والشعب العراقي يدفع الثمن مرتين..
- خلوة وتعرّق.. وضيف..
- ما تفعله انثى الانسان لصغارها.. تربية ام رعاية؟
- ادعية رمضانية للسلاطين والأرهابيين...
- حول الفيدرالية ومشروع تجفيف المستنقع العراقي…
- أبو رنا.. ومفخخاتي رئيس مجلس النواب...
- حوافر..برأس دبوس
- هاتوني بزنجيل وقامة والف خرافة كي أمسي عراقية!!
- بغاء في حلم...
- أرواح العراقيين في ذمة المرجعيات الدينية....
- آه أيتها الحقيقة.. يا أكبر كذبة في التاريخ...
- الخطة الأمنية امتدت من بغداد والى ما بعد بعد بغداد!
- للعاطلين عن العمل..منبر مفخخ
- قفزات عالقة..
- شحنة عاطفية براية الألم.... لبنان يحترق
- الإسلام في العراق.. ثقافة إستحواذ وإستلاب..
- رؤية في المصالحة الوطنية العراقية....
- سجعٌ ثمل في.. القبو العربي..


المزيد.....




- -الأغنية شقّت قميصي-.. تفاعل حول حادث في ملابس كاتي بيري أثن ...
- شاهد كيف بدت بحيرة سياحية في المكسيك بعد موجة جفاف شديدة
- آخر تطورات العمليات في غزة.. الجيش الإسرائيلي وصحفي CNN يكشف ...
- مصرع 5 مهاجرين أثناء محاولتهم عبور القناة من فرنسا إلى بريطا ...
- هذا نفاق.. الصين ترد على الانتقادات الأمريكية بشأن العلاقات ...
- باستخدام المسيرات.. إصابة 9 أوكرانيين بهجوم روسي على مدينة أ ...
- توقيف مساعد لنائب من -حزب البديل- بشبهة التجسس للصين
- ميدفيدتشوك: أوكرانيا تخضع لحكم فئة من المهووسين الجشعين وذوي ...
- زاخاروفا: لم يحصلوا حتى على الخرز..عصابة كييف لا تمثل أوكران ...
- توقيف مساعد نائب ألماني في البرلمان الأوروبي بشبهة -التجسس ل ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - فاتن نور - بين جاهليتين..قراءة من فوهة الجرح...