أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بدرالدين حسن قربي - الطارئ والمطروء في أنظمة الطوارئ















المزيد.....

الطارئ والمطروء في أنظمة الطوارئ


بدرالدين حسن قربي

الحوار المتمدن-العدد: 1805 - 2007 / 1 / 24 - 12:04
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لكلمة الطارئ والطرء في العاميّة الدمشقية معانٍ متعددة تجمع بين اللطافة والطرافة حسب مكانها من الاستخدام وطريقتها في اللفظ، والمناسبةِ التي تقال فيها. وللقارئ أن يستحضر هذه الكلمة فعلاً واسماً وفي كل حالات النحو والصرف ليدخل فضاءاتِ هذه الكلمة معنىً واستخداماً وليتأكد من عظمة الطرء وأثره في حياة الطارئين والمطروئين.
ونكتفي هنا بما يعنينا من الطارئ والطارق فنقول: قد يكون نوعاً من الإبدال العامّي بتحويل القاف إلى همزة، فكثيراً ماينادي السوريّيون والمصريّيون مَنْ اسْمُهُ (طارق): يا (طارئ). ومِنَ الطارق إلى المطارق، ومن طارئٍ إلى طوارئ لنرى البلاد محكومةً بقوانين الطوارئ، والعبادَ يواجهون حالة الطوارئ. ومابين الطارق والمطروئين بمطارق حالة الطوارئ، نجد الناس بملايينهم قد أُشْبِعُوا طَرْءاً وطرقاً وبلغة أهل الخليج (طْرَاقَات). وبما أن الطرء مَنْقَبَةٌ لايقدر عليها إلا من كان حكومةً أو مع الحكومة أو من شراشيب الحكومة، فلنتصور حال جماهير الناس(المطروئين والمطروقين) بعد أكثر من 40 عاماً من تواصل عطاءات وإنجازات (الطرء) الحكومي على مدار الساعة. وبما أن بلاد الكوارث والفواجع والطوارئ السيادة فيها للقانون، والحكم فيها للشعب، والطرء فيها للحكومة، فليس لطارئٍ أن يطرء إلا بقانون الطوارئ، وبما أن العين تَطْرُؤ ولها طَرْأ (فالعين تطْرُؤُنْ) إن شاء الله وترتاح البلاد منهم.
قالواعن قوانين الطوارئ وإعلان حالة الطوارئ: إنما هي لحالات الخطر الطَوَارِئيّة التي يتعرض فيها الوطن للخطر، ويُحِسّ فيها المواطن بعدم الأمان، فيتخلى الناس (طَوَارِئياً) عن جزءٍ من حرياتهم في مقابل مساحات تحركٍ أكبر للحاكم بأمره للتعامل مع هذه الأخطار، ليتحقق للمواطنين إحساسٌ أكبر بالأمان. والأمر في عمومه محكوم بظروفٍ طارئةٍ، فَيُفْتَرَضُ فيها محدودية الوقت وقصر الزمن، فهي ليست حالة أصيلةٌ وطبيعية لوضع البلاد والعباد بل طارئة.
وعليه بما أن إعلان حالة الطوارئ يُعطي الحاكمَ والحكومةَ صلاحياتٍ مطلقة في التحرك لتحقيق أمنٍ وأمانٍ أكثر للمطروئين مبنيةٍ أساساً على تقييد حقوقهم وحرياتهم الواردة أصلاً في الدستور، فإن النظام الحاكم مع هذه الحال يستمرئ هذه الصلاحيات الواسعة ويُدْمِنُها بما فيها من الاعتقالات التعسفية والمحاكم الأمنية والعسكرية وسياسة تكميم الأفواه ومراقبة الصحف والاعلام، وامتناع المحاسبة والمساءلة، ليقيم بصيغةٍ ما دولة القمع والاستبداد التي تنشأ في كنفها طبقة من الفاسدين والشبيحة واللصوص الذين يمارسون بجمعهم دوراً قميئاً في تدمير السلام المجتمعي وإشاعة قيم الفواحش استبداداً وقرصنةً وامتهاناً لكرامة الإنسان وحقوقه، ولتجتمع ثروة البلاد ورزق العباد في يد مجموعةٍ محدودةٍ نسبياً فاسدةٍ ومفسدةٍ من الحيتان والهوامير والقطط السمان التي يَتَجَمَّع في حساباتها قَطْرُ عرق الملايين والملايين من الكادحين والمسحوقين والجياع المقهورين لتُِكَوّن أصفار ملياراتهم وتزيد في أرصدتهم الدولارية.
ثنائية الفساد السياسي قهراً وبطشاً من جهة، والفساد المالي نهباً وتشبيحاً وشفطاً وهبشاً مع ضرب منظومة القيم الأخلاقية المجتمعية من جهة أخرى، تُكَوِّنُ ثنائيةً عصيةً على المواجهة والمجابهة عضوياً ولاسيما مع تغطيتها بقوانين الطوارئ المعلنة والمفعلّة آناء الليل وأطراف النهار، فضلاً عن أنّ (الطرَّائين) يُشرعنون هذا الفساد ثورياً ونضالياً، ويُدَثِّرُونَهُ بأغطيةٍ شعاراتية وإعلاميةٍ لاحصر لها من الصمود والتصدي والمقاومة والممانعة والمواجهة لإدارة الدولة بطريقةٍ بعيدة عن المسؤولية والمساءلة والمحاسبة وبعيدةٍ عن الشرعنة القانونية، ولتتشكل في هذه الأجواء المحاكم الاستثنائية والميدانية ومحاكم أمن الدولة العليا، والتي ماتوقفت – جميعها - منذ تشكليها عن محاكماتها الصورية وإصدار الأحكام التعسفية والقمعية تجاه الأفراد ومنظمات المجتمع المدني ومنتديات الفكر والرأي الآخر عموماً، مما أنتج عشرات الآلاف من الضحايا والمفقودين من مجهولي المصير أحياءً وأمواتاً حتى يومنا هذا. لذا تكون مطالبة المعارضة ومنظمات المجتمع المدني لأصحاب المطارق بإلغاء حالة الطوارئ عمليةً تستدعي مواجهةً حقيقيةً قاسيةً، وتكون مكلفةً لجماهير المطالبين بها وهو الراجح، لأنها تواجه جهةً ربطت مصيرها ووجودها وحياتها استراتيجياً وعلى المدى البعيد باستمرار القمع والقرصنة والشفط. وهذا ما يفسر حالة استعصاء هذه الأنظمة واستمرار مواجهتها لمعارضيها وعدم القبول بإلغاء الحالات الطوارئية.
فاستمرار حالة الطوارئ مع طول العهد تبدو كأنما هي الأصل والفصل للنظام الحاكم وإلغاؤها يعني الاستثناء والشذوذ والعياذ بالله. واستدعاء بعض الشواهد يؤكد خطورة أدواء الطرء واستعصائها على أدوية المعالجة، فالعظيمة مصر يعيش فيها الناس مطروقين مطروئين بقوانين الطوارئ منذ أربعين عاماً ابتدأت منذ عام 1967 وتوقفت في إجازة رسمية بين عام 1980 – 1981 . أما الحبيبة سوريا فالناس فيها بين حكومةٍ طارقةٍ طارئة وشعبٍ مطروقٍ مطروء منذ أربعةٍ وأربعين عاماً دون توقف أو حتى عطلٍ فني، ابتدأت مع ثورة البعث العتيد عام 1963.
والأعجب من مصر وسوريا هو لبنان العظيم، الذي عاش حرباً أهليةً طاحنة وظروفاً قاسيةً مريرة، واحْتُلَّتْ أرضُه، فقاوم واسترجع الأرض، وواجه حرباً ضروساً في صيف 2006، ومازال يواجه معارضةً داخلية تتهدد الشرعية بحربٍ مفتوحة تجعل من الطوارئية ضرورةً لو أراد، ولكنه لم يعلن حالة الطوارئ بل يؤكد وجوداً متميزاً وفعلاً ديمقراطياً حضارياً مع كل الصعوبات، يلفت بأدائه الأنظار ويغيظ بأَنَاتِهِ الجوار. وحتى لايصاب لبنان بعين حاسد نشير إلى فترةٍ (عَوْنِيَّة) طارئية شكل فيها الجنرال/ ميشيل عون حكومةً عسكرية من لون طائفي واحد لم تصمد سوى أيامٍ معدوداتٍ انتهت وتداعت بفعل طَرْق أصحاب الاختصاص والطرء من الشقيقة الجارة.
ولكن الأعجب في كل الأمثال، أن نستدعي رسالةً من الصومال بالرغم ممّا فيه من سوء الحال، إلى من يهمه الأمر من أولي الألباب. إن الصومال (ماغيرها) التي عانت وتعاني من الحرب الأهلية والفقر والجوع، وتواجه ماتواجه من التدخلات الإقليمية والدولية حتى مرحلة المحاكم الإسلامية والتدخل الأثيوبي أيضاً، جلست حكومتها المهيضة لتخوض مع نوابها معركةً حامية انتهت بإعلان حالة الطوارئ في البلاد ولكن لثلاثة أشهر فقط لاغير. (والفهيم يفهم).

إن طول عهود الطرء علينا نحن - معاشر المطروئين – دفع ويدفع بالأنظمة والحكومات الطارقة والطارئة على الدوام لإقناعنا بضرورات ومنافع حالات الطوارئ وتطبيقاتها وعدم قدرتنا على العيش بدونها، وهم لايستخدمونها إلا من أجل أمننا وأماننا وفي الضرورات الملحة. ولكن مما لاريب فيه أن استمرار إعلان حالة الطوارئ والعمل بها يعتبر انتقاصاً معيباً من حريات المواطنين أينما كانوا، وازدراءً حقيقياً لكرامتهم، ومصدراً رئيساً لكافة انتهاكات حقوقهم الإنسانية، ويمنع بشكل قاطع تحقيق أيَّ برنامجٍ جادّ للإصلاح السياسي والديمقراطي والنهوض والمواجهة.

إننا - معاشر المطروئين - نوافق طارئينا يقينَهم أن إعلان حالة الطوارئ والعمل فيها لأكثر من أربعين عاماً لاشك كانت له منافع كثيرة وفوائد جمّة ولكن لهم فقط لاغير، ونوافقهم اعتقادَهم أن استمرار حالة الطرء هي أكسجين حياتهم وضرورةٌ استراتيجيةٌ لبقائهم. ولكنننا نطرق أسماعهم أن دوام الحال من المحال، فلكل أجلٍ كتاب، ولكل طاغية أجل، ولكل ظالمٍ نهاية، ونعوذ بالله من حال أهل الطرء ونعوذ به أن نكون من المطروئين.





#بدرالدين_حسن_قربي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاعتصام الإلهي والاعتصام ( اللي موإلهي )
- اليأس السوري والأمل اللبناني
- النظام السوري غسيل أموال أم غسيل أنظمة..!؟
- النظام السوري وشهادات ثلاث
- هل الشرق الأوسط الجديد جديد..!!؟
- سجّل ..!! أنا مع حكومة غير وطنية..!!
- النظام السوري واليوم العالمي لحقوق الإنسان
- هلال الصمود والممانعة، إلى أين..!؟
- أبو الجماجمْ بين تَدْمُرَ و كَفْرُ قَاسِم
- النظام السوري وحكومة الوحدة الوطنية !!؟
- النظام السوري والمحكمة الدولية !!؟
- حال الطوارئ مع الوزيرة / شعبان
- هكذا تَكَلّمَ الرئيس (2 / 2 )
- هكذا تَكَلّمَ الرئيس 1 / 2
- هل تصريح السيد( أبوصالح) صالح..؟
- إنّه فكّر وقدّر
- لقد صدق وهو كذوب
- من تدمر إلى قانا 2 هل تسمعني؟ حوّل ..!!
- من أسر المواطن إلى أسر الوطن
- عادت (مي) والعود أحمد


المزيد.....




- ما هو مصير حماس في الأردن؟
- الناطق باسم اليونيفيل: القوة الأممية المؤقتة في لبنان محايدة ...
- ما هو تلقيح السحب وهل تسبب في فيضانات دبي؟
- وزير الخارجية الجزائري: ما تعيشه القضية الفلسطينية يدفعنا لل ...
- السفارة الروسية لدى برلين: الهوس بتوجيه تهم التجسس متفش في أ ...
- نائب ستولتنبرغ: لا جدوى من دعوة أوكرانيا للانضمام إلى -النا ...
- توقيف مواطن بولندي يتهم بمساعدة الاستخبارات الروسية في التخط ...
- تونس.. القبض على إرهابي مصنف بأنه -خطير جدا-
- اتفاق سوري عراقي إيراني لتعزيز التعاون في مجال مكافحة الإرها ...
- نيبينزيا: كل فيتو أمريكي ضد وقف إطلاق النار في غزة يتسبب بمق ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بدرالدين حسن قربي - الطارئ والمطروء في أنظمة الطوارئ