أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - في شأن إعدام صدام حسين















المزيد.....

في شأن إعدام صدام حسين


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 1804 - 2007 / 1 / 23 - 11:31
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كانت سلطة الكاميرا هي الأعلى في حادثة إعدام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، كما في غير مناسبة، وهي سلطة مستمدة من التعارض الحاد بين ما يمارس بالفعل وما يمارس بالقول، بين الوقائع والكلام، بين الحقيقة والديماغوجيا. وقد لمسنا مراراً كيف أن الحضور المناسب للكاميرا صعق في مناسبات عديدة وجدان الجمهور وأحال أحداثاً – تعتبر عادية في نظر صناع السياسة الذين يألفون التعذيب المتعدد الأشكال الممارس على خصومهم ويألفون التصفيات الجسدية والقتل الجماعي والتدمير العميق والواسع وكل أصناف البذاءات، على أنها أشياء من صلب صنع السياسة، وذلك بقوة ما امتلك صناع السياسة هؤلاء وما يمتلكون من ما يسمونه واقعية سياسية وتغليب للعقل على العاطفة وأحكام الضرورة وما إلى ذلك من علوم – إلى محطات فارقة تحرج أصحاب السلطات وترجرج ركودة ضمائرهم، من جريمة قتل الطفل الفلسطيني محمد الدرة في حضن أبيه على يد الجنود الإسرائيليين، إلى قتل الجريح العراقي في أحد المساجد على يد الجنود الأمريكيين وفضائح أبو غريب وتعذيب الأطفال في جنوب العراق على يد الجنود البريطانيين وقتل العائلة الفلسطينية على شاطئ غزة على يد القوات الإسرائيلية وانتهاء بحادثة إعدام صدام حسين. وهي أحداث ما كانت لتكون بهذا التأثير لولا حضور الكاميرات الواشية في اللحظات المناسبة. فالكاميرا تبطل فاعلية الكذب والمزاعم والتدبيجات التي تغطي بها السلطات سوء أعمالها، الكاميرا تنقل الوقائع وتعرضها كما هي أمام الوعي العام، لتظهر انحطاط وسفاهة ما يجري وتشل فاعلية ماكينات الإعلام على التعمية والتزوير.
ما وشت به الكاميرا الرسمية في حادثة إعدام صدام حسين هو أن هذا الأخير أظهر قدراً كبيراً من التماسك أمام الموت فلم يتلكأ ولم يطالب جلاديه سوى بترك وجهه مكشوفاً – كما نقلت الأنباء – في حين فضل جلادوه أن يقنعوا وجوههم خشية الانتقام، وهو أمر مفهوم في حادثة إعدام إشكالية كهذه، ولعله مفهوم في كل حادثة إعدام. ولقد تعامل الجلادون مع الرئيس المحكوم بمهنية، إذا جاز القول، وغلب على سلوكهم الطابع الوظيفي دون أن تبدر عنهم أية حركة "انتقامية" أو مسيئة له مهما تكن. ولعل من رجا الآخرين (الذين نسمعهم ولا نراهم في التصوير غير الرسمي) بالكف عن الإساءة للمحكوم هو واحد من هؤلاء، واحد يقدر على الأقل ماذا يعني أن يكون إنسان، كائناً من يكون، على مسافة خطوة واحدة من موت بارد.
أما ما وشت به الكاميرا غير الرسمية التي جرى تسريب لقطاتها لاحقاً فكان صاعقاً بكل معنى الكلمة. هتافات مناصرة لزعماء دينيين شيعة أثناء تنفيذ الإعدام (ما هو محلها ووظيفتها؟) ودعوات مسيئة ومستفزة للمحكوم، الذي أكد أيضاً تماسكه حين سخر من هذه "المرجلة" وقرأ الشهادتين قبيل إعدامه بصوت ثابت أكثر من مرة. ليكتمل بذلك مشهد عميق التأثير سيمارس فعله (قل وظيفته) على مدى غير قليل من الزمن، وسيترك بلا شك أثره على مستقبل العراق، ولكن بالطريق الذي لا يخدم العراقيين للأسف. نحن مدينون بالشكر لصاحب هذه الكاميرا التي كشفت لنا جانباً عفناً آخر من تركيبة السلطة العراقية – الأمريكية، وإن يكن قد صور ما صور احتفالاً فيما يبدو وليس توثيقاً.
والآن بصرف النظر عن طبيعة نظام صدام حسين الموغلة في الاستبداد والدموية، وبصرف النظر عن الجدل حول هل يستحق صدام حسين الإعدام أم لا، وهل منحته أمريكا عدالة لم يمنحها هو لضحاياه أم لا، وبصرف النظر عن "مشروعية" المحكمة التي مثل أمامها أصلاً، وعن المآخذ التي تم تسجيلها على المحاكمة ولا سيما لجهة إنشائها تحت سلطة الاحتلال ثم لجهة تقييد عمل محامي الدفاع وإرهابهم، كما نشرت منظمة هيومن رايتس ووتش، وهي أمور تستدعي بحثاً مستقلاً بذاته؛ بصرف النظر عن كل ذلك هناك أسئلة تقفز تلقائياً إلى الذهن أمام مشهد الإعدام هذا: لماذا تنفيذ الإعدام في أول أيام عيد الأضحى عند السنة وتأخير موعد العيد يوماً إضافياً عند الشيعة، وهو ما ينطوي على شحنة رمزية عالية من شأنها أن تغذي ميلاً سياسياً كاملاً في بلد يتم فيه تكريس الطائفية السياسية ليل نهار؟ لماذا غلب الحضور الشيعي على كل المجريات من المدعي العام إلى صاحب التوقيع الأخير على الحكم إلى المنفذين والحضور؟ لماذا سمح بالحضور لأشخاص موتورين وفاقدين للحس والوعي السياسي ممن يحملون أحقاداً معينة ضد صدام (الطاغية بلا شك، والذي لم يبخل خلال فترة حكمه بزرع مواسم لا تنمحي من الظلم والتمييز والاضطهاد والعبث والأحقاد)؟ هل نحن أمام تنفيذ حكم إعدام سياسي أم مذهبي؟ لماذا تنصلت أمريكا من هذا الحادث وانتقدته من حيث الشكل والتوقيت بعد أن هيأت للسلطة العراقية كل الأسباب اللازمة؟ ولماذا نأى الأكراد بأنفسهم عن هذه الواقعة، ممثلين بالرئيس طالباني الذي صرح، ببعد نظر سياسي، أنه لن يوقع حكم الإعدام؟
يصعب على المرء أن يهرب من الاستنتاج بأن إخراج عملية الإعدام هذه استهدف وبشكل متعمد ومدروس من قبل أصحاب القرار الرئيسيين (أمريكيين وعراقيين) تكريس شعور العرب السنة (وهو مصطلح كرسه الإعلام وله رصيد واقعي يبرره نسبياً ولا نملك على أي حال بديلاً له) بأن السلطة شيعية وبأنها تحمل حقداً مذهبياً أكثر منه سياسياً بما يدفع هؤلاء – العرب السنة – للبحث عن ملاذ آمن يكون بالمزيد من التلاحم المذهبي وصولاً ربما إلى الكيانية السياسية المستقلة. بكلام آخر: إن الهدف من هذا الإخراج هو تكريس الانتماءات الجزئية على حساب الانتماء الجامع الذي لم تستطع حرب الثمانية سنوات مع إيران أن تشرخه، والذي شكل أساس الكيان العراقي المعروف، وهو تكريس يرمي بوضوح إلى محاولة تأسيس كياني جديد. لنلاحظ كيف يتم في العراق إثارة الانتماءات المذهبية على حساب الانتماء القومي الذي يشكل انتماء مشتركاً لعرب العراق، ويتم في السودان (دارفور) إثارة الانتماءات العرقية على حساب الانتماء الديني (الإسلامي) الذي يشكل انتماء مشتركاً. ليس بريئاً السلوك الأمريكي بتسليم صدام حسين إلى الحكومة العراقية عشية عيد الأضحى وإشاعة أن هناك مسعى أمريكي لخطفه من يد هذه الحكومة وتهريبه. الشيء الذي ساهم في تسريع تنفيذ الإعدام في يوم عيد الأضحى. إذن يتكامل البعد الاستراتيجي الأمريكي مع العمى الاستراتيجي والارتهان من جانب الحكومة العراقية لنصبح أمام آلة سياسية تعمل على التمزيق وإحياء الانتماءات الفرعية ورفعها إلى مستوى سياسي.
ليست المسألة هي مع صدام ضد الحكومة العراقية – الأمريكية أو العكس، كلاهما شر، وشر ما في الأمر أننا محكومون بالاختيار بين الشرور. المسألة أن ندرك إلى أين ترمي الاستراتيجية الأمريكية، بصفتها الاستراتيجية الطاغية. وما هي ضريبة هذه "الديموقراطية" الموعودة. وهل سيكون مصيرنا معها كمصير العجوز مع سمكته المأمولة في رواية همنغواي الشهيرة.



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حول اعتقال علي الشهابي
- حرب لبنان ومأزق -العقلانية- السياسية
- سوريا السوريالية
- عن الداخل والخارج مساهمة في الحوار الجاري
- الخارج وفق محددات الداخل - المثال السوري
- الوحدة الوطنية بين السلطة والمعارضة في سورية
- قبل الرماء تملأ الكنائن
- أية علمانية وأي إسلام؟
- مفهموم الوطنية..مقاربة عامة
- مفارقة السياسة الامريكية في المنطقة
- إعلان دمشق ..تقدم في الشكل وتراجع في المضمون
- دنيا الدينالاسلامي الأول - 6
- دنيا الدين الاسلامي الأول - 5
- دنيا الدين الاسلامي الأول - 4
- دنيا الدين الاسلامي الأول - 3
- دنيا الدين الاسلامي الأول - 2
- دنيا الدين الاسلامي الأول 1 من 3
- في مسألة الأخوان المسلمين في سورية


المزيد.....




- فيديو لرجل محاصر داخل سيارة مشتعلة.. شاهد كيف أنقذته قطعة صغ ...
- تصريحات بايدن المثيرة للجدل حول -أكلة لحوم البشر- تواجه انتق ...
- السعودية.. مقطع فيديو لشخص -يسيء للذات الإلهية- يثير غضبا وا ...
- الصين تحث الولايات المتحدة على وقف -التواطؤ العسكري- مع تايو ...
- بارجة حربية تابعة للتحالف الأمريكي تسقط صاروخا أطلقه الحوثيو ...
- شاهد.. طلاب جامعة كولومبيا يستقبلون رئيس مجلس النواب الأمريك ...
- دونيتسك.. فريق RT يرافق مروحيات قتالية
- مواجهات بين قوات التحالف الأميركي والحوثيين في البحر الأحمر ...
- قصف جوي استهدف شاحنة للمحروقات قرب بعلبك في شرق لبنان
- مسؤول بارز في -حماس-: مستعدون لإلقاء السلاح بحال إنشاء دولة ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - في شأن إعدام صدام حسين