باليه الفصول الأربعة

رشيد كرمه

الحوار المتمدن-العدد: 1803 - 2007 / 1 / 22 - 11:52
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    

مشاهد من هناك ..تتمة

أزف الوقت , وكان عليَ أن أنتظر مرافقتي الليتوانية والتي تطوعت مجانا لمساعدتي في البحث والوصول الى أكثر عدد من الفعاليات الثقافية المنتشرة والمتنوعة ,كان إنتظاري الذي لم يدم طويلا في الموقف العام للحافلات ,حيث إخترت مكاناً للجلوس أدون فيه بعض ملاحظاتي ومتحسسا محفظتي ونقودي وهاتفي , إتماماً وتوكيدا لملاحظة ٍمكتوبة على صفحات مطبوع خاص للسياح صادر من دائرة السياحة العامة الليتوانية يوزع مجانا كتحذير للزائرين على ان البلد رغم جماله وطبيعته وتأريخيته ألا انه لا يخلو من السراق والملاحظة التحذيرية الأكثر صراحة في هذا المطبوع السياحي ( الإرشادي ) تقول ان فتيات ليتوانيا يتمتعن بجمال وجاذبية فائقة ولكن عليك الإنتباه فقد تقابلك بالود في المطعم والمرقص ولكنها ستختفي عنك بأسرع مما تتوقع...وحتى هذه اللحظة أحسب ان الأمر مجرد دعابة رغم جديتها ..
في المكان الذي إخترته للإنتظار جلست على يساري فتاة في السادسة عشر , سارعتٌ بتجاذب اطراف الحديث معها بالإنجليزية مستفهما منها إن كانت من سكان مدينة فيلنوس العاصمة ؟وفي اية مرحلة دراسية والى اين وجهتها ؟وهكذا أسئلة تمهد لقتل الوقت ليس إلا.
لحظات معدودات ويحتل الجانب الأيمن من مكان الإنتظارالذي انا فيه رجل في الستينات وقد شرع في القراءة ويبدو لي إنه كان قد إنتهى الى صفحة معينة ويريد ان يستمر فيما إنتهى ولكني تيقنت فيما بعد إنه كان يسترق المحادثة أو أنه لايستطيع التركيز في القراءة وهذا ليس عيبا او خطأ ً, فالمكان كان ضيقا وكنا محشورين بل ومتراصين على مصطبة في موقف للحافلات وأنا وهذا واضح من سُحنتي ليس من هذا البلد وأتحدث مع فتاة صغيرة وقد يصنع الفضول في بعض الأحيان أشياء كثيرة .
على أية حال , ومن باب الإشارة والإعتزاز قلت للفتاة بعد ان أجابتني أنها في طريقها لزيارة جدتها في عيد ميلادها السبعيني أن تقبل يد جدتها بدلا عني وان تنقل عني امنيتي لها بالصحة والعمر المديد , مضيفا ان جيل جدتها ومن ثم جيل امها هُم بُناة هذه الطرق والأبنية والجسور والحدائق والمدارس والمعامل وهنا تدخل الرجل الستيني قائلا :لا عليك َ , فإن هذا الجيل مشيرا الى الفتاة نتاج الهمبركَر والروك الأمريكي وما يسمى بالصحوة الدينية إنهم نتاج العامل الرأسمالي والبرجوازية وبالتالي العولمة الأمريكية التي ستحط الكثير من المفاهيم الأخلاقية وتهدم العلاقات الإنسانية الخلاقة ولا بد لهم من عودة ولكن بعد حين وأشار الى الكتاب الذي يقرأ وهو كتاب باللغة الروسية عن فائض القيمة لكارل ماركس ,
ولقد أضائتني مداخلته مما إستوجب علي َ ان أسال الفتاة عن رأيها مما سمعت ؟, فأجابت : أن هؤلاء ومعهم بالطبع جدتي وأمي يحلمون , وبحركة طفولية زمت شفتها وهمت بالحركة تجاه الحافلة ملوحة لي بالتحية فيما جائت مرافقتي لنتجه الى حيث مسرح المدينة .
تاركا ً الرجل الستيني يبحث عن مخرج جديد لواقع جديد .
ولقد قال كلمته كما قلتها أنا والفتاة ذو الستة عشر ربيعا دون تفخيخ ودون دماء ودون حروب فما أحلى المتعلم وما أبشع الأمية .
في صالة العرض الجميلة وحيث أعلنت الساعة عن بدءالعرض لباليه ( الفصول الأربعة ) في الموعد المحدد كما مدون في بطاقة الدخول دون تأخير ثانية واحدة أطل صوتاً ملائكيا ولكن دون تهديد أو وعيد أو تبشير بالجحيم وبئس المصير راجيا بموسيقية ٍان يتوقف إستخدام الكاميرات التصويرية الخاصة وشاكرا للجميع الإستجابة وهذا ماحصل .
كان المسرح واسعا وخاليا ً من أي ديكور غير ان المخرج إستفاد من سقف المسرح حيث تتدلى اشياءدالة على نبض الحياة وتتحرك بإنسيابية وحركة الكرة الأرضية وما ان يحل فصل من فصول السنة إلا وتسقط ما يدل على ذلك كتساقط أوراق الشجر في فصل الخريف وتساقط الثلوج في فصل الشتاء وتفتح الأزهار وإخضرار المراعي في فصل ا الربيع وتوهج حرارة الشمس في فصل الصيف .
لاشك ان المخرج وظف اجساد الراقصين بشكل مبهر وخلاق أضف الى عامل الإنارة ناهيك عن التأثير الكبير للموسيقى وهنا لابد لي من ان أشكر زميلتي الرائعة ( هند السلوم ) من النادي العراقي في مدينة بوروس / السويد على ترجمتها بعض ماجاء في الكتيب الخاص لهذا العرض ( مؤجلا ملاحظاتي ) لوقت آخر .
(1) Angelin Preljocaj and His Dance
ولد انجيلين بريليوكاج عام 1957 من ابوين البانيين هاجرا الى باريس . بدأ مهنته بالباليه الكلاسيكي ثم بالرقص المعاصر مع كارين واينر في (السكولا كانتورم) ثم انتقل الى نيويورك عام 1980 ليعمل كمدرب بمعية احد اكثر واضعي الالحان الراقصة حضورا وتاثيرا في القرن العشرين ميرس كاننكهام ليلتحق بعدها بمدة قصيرة بشركة كوينتين روليير في كايين.

في عام 1982 عمل انجيلين بريليوكاج كراقص في شركة دومينيك باكو في مونبلييه حيث قام في نفس الوقت بانتاج مقطوعته الموسيقية (الراقصة) أو الكريوجرافي *Aventures Coloniales*بالتعاون مع ميشيل كيليمنس و مارشيه نوار والتي اكتسبت شهرة بعد نيلها جائزة وزارة الثقافة الفرنسية.
اسس انجيلين بريليوكاج بعدها شركته الخاصة واستمر بانتاج مقطوعاته الخاصة من الchreography) ( بمعدل عمل جديد في كل عام ..Larmes blanches عام 1985 , A Nos Heros عام 1986و Le Petit Napperon Bouge
عام 1987 .
توجه انجيلين بريليوكاج في اواخر الثمانينات الى اليابان لدراسة ال(Noh) الدراما المسرحية الموسيقية اليابانية . وعند عودته دأب على مشاركة المسارح الاوربية الكبرى و مهرجانات الرقص المعاصر وبالخصوص مهرجان Festival d’Avignon و Biennale Nationale de Danse du Val-de-Marne ولحساب مفوضية هذا المهرجان قام أ. ب. بانتاج نسخته من Stravinsky Noces عام 1989 . اما انتاجه لعام 1990 والذي يعد من الاعمال ذات الرنين العالي فهو بروكوفيز روميو وجولييت لصالح اوبرا وباليه ليون Prokovief’s Romeo and Juliet حيث يعيد أ.ب. سرد القصة الشكسبيرية الشهيرة مع نقل الاحداث من مدينة فيرونا الى احدى دول اوربا الشرقية الشيوعية بنظامها الديكتاتوري. يستطيع المشاهد عند مطابقة المشاهد الراقصة ان يلحظ في هذا العمل الحركات القاسية والعدائية و قد تم عكسها للمتفرج عن طريق استعمال عناصرو شخوص حية وحقيقية (مثلا الاستعانة بكلاب حقيقية على خشبة المسرح) لاجل خلق الجو الحقيقي للعنف سواء اكان جسديا ام نفسيا.
عند حلول اوائل التسعينيات كان اسم أ.ب. قد اصبح لامعا في عموم فرنسا. وبعد تسلمه في عام 1992 جائزة فرنسا الوطنية للرقص توجه لانتاج مسرحيات راقصة لقراءات الاعمال الموسيقية الشهيرة التي صدرت في النصف الاول من القرن العشرين. في عام 1993 دعي بمعية شركته الى Paris Palais Garnier لاداء مقدمة ل Diaghilev’s Ballets Russes , كانت هذه المقدمة مؤلفة من ثلاث مقاطع ـ أحادية المؤدي،أولها كان Spectra de la Rose من موسيقىCarl Maria von Webber)) ثم تلتها Parade ل(ايريك ساتيه) ثم Noces ل(ايكور سترافينسكي). قدم بريليوكاج هذه الاعمال الثلاثة و التي كانت قد دخلت التاريخ بطريقة جديدة وفريدة لعرض هذه المقطوعات عن طريق الحوار المحكم والمسبوك .
اثار هذا الانجاز اعجابا كبيرا واثارة فريدة بحيث دفع بمديرة اوبرا وباليه باريس Brigitte Lefcﬞvre ان تعرض عليه تقديم مؤلفة موسيقية ل Mozart و Goran Vejvoda ــ Le Parc ـــ احدى اروع اساطير الاداءات الراقصة .
Le Parc كانت من بطولة ابطال الاوبرا الكبار Isabelle Guerin و Laurent Hiliare وقد حازت فيما بعد على جائزة ”Benoit de la Danse” .
استقر باليه بريليوكاج في مقاطعة أي ـ دي (Aix-de-Provence) عام 1996 .
وبالاضافة الى اعادة تجديد و تحديث العديد من اعمال الشركة السابقة ، قام بريليوكاج بتأ ليف كوريوجرافات (مقطوعات موسيقية راقصة) لشركات فرنسية اخرى. ولغرض المثال وليس الحصر ، انتج بريليوكاج لصالح اوبرا وباليه باريس كوريوجراف (Annonciation ) وفيها وظف دويتتو نسائي احداهما بالابيض (مريم العذراء) والاخرى بالازرق القاتم ( الملاك) لتجسيد رمزية بشارة مريم بحملها للمسيح. بعد ذلك حصد باليه بريليوكاج نجاحات كبيرة في مسارح نيويورك مما دفع بمدير باليه نيويورك بيتر مارتن ان يعرض عليه انتاج باليه لصالح الاول ــ العمل كان بعنوان La Stravaganza .
العمل كان ممتعا لرواد مسارح الرقص والباليه في فيلنياس عاصمة ليتوانيا وقد ركز هذا الانتاج بصورة رئيسية على قطبين عاطفيين او بالاحرى على محوريين زمنيين ــ أوفلسفتين و وجوديتيهما المترافقة. كان هذا العمل متمحورا من كوريوجرافيين اثنين ــ نموذجين.. بصري ولفظي يتم استيعابهما من خلال الرقص الموسيقي لثلاث من ثنائيي الرقص.
امثولة للرقص الكلاسيكي الانسيابي التي تنجدل او تنحاك بحركات رقص دلائلية استخدمت فيها ازياء رقص شفافة للثنائي الاول بحيث تنسجم مع الازياء الملونة الزاهية لبقية الراقصين تدل على ذكاء اختيار الازياء بما يحاكي الرقص المعاصر بتفاصيل دورية.
منذ اعماله الاولى تميز انتاج بريليوكاج بادماج تعددية العناصر البصرية...انتج في عام 2000 Portraits in Corpore والذي كان بمثابة هيكل للحوار مابين اجساد الراقصين وظلال صورهم، وقد استمر هذا اللون من التجسيد في انتاجات 2001 ...MC 14/22 (Ceci est mon corps) و Helikopter . كان العمل الاخير مستندا على خلفية Karlheinz Stockhausen حيث يحمل العمل اسم Helikopter String Quartet والذي كان مألوفا تماما على خشبة مسارح الرقص حيث يعزف الموسيقيون خلال الطيران في أربع طيارات هيليكوبتر و تحت المؤثرات الصوتيه لعزف الاوتار الممزوجة بأصوات هدير مراوح الهليكوبتر. و من الجدير بالذكر هنا ان المشاهد الكريوجرافية قد تم تدعيمها بعروض فيديو مقرونة بأنعكاسات صور الراقصين على مجموعة مرايا كبيرة.

(2) Fabrice Hyber- the Creator of Groundbreaking Plastic Meanings
أقام Fabrice Hyber معرضه الشخصي الاول في مدينة نانت Nantes عام 1986 تحت عنوان التحول Mutation والذي عكس عنوان مسيرته المستقبلية و نشاطه الابتكاري. ففي عام 1989 صمم ما سماه l’homme de Bessinesوهو مندفق مائي منحوت أخضراللون بأرتفاع 86 سم تم نصبه على المستودع المائي المسمى Ville de Bessines) ( والذي كان الهاما لاندفاق 69 عملا نحتيا مماثلا في ارجاء مختلفة من العالم . في عام 1991 اتم الفنان بورتريت شخصي من قضيب صابون يزن 22 طن ( اكبر قطعة صابون في العالم) ليعكس بصورة اساسية الفكرة بأنه مراوغ يقاوم التقولب وينسل بانسياب ما بين الاصابع. ومن الظريف ذكره ان هذا العمل الفني قد جال كل اسواق فرنسا ودخل سجل كينيس للارقام العالمية.
اسس هايبر في عام 1994 مؤسسة UR والتي تعني مسؤولية بلا حدود (Unlimited Responsibility) توجه انتاج ونشاط هذه المؤسسة لتبادل المشاريع والتشارك بين الفنانين والمؤسسات. بعد فترة قصيرة اهتم الفنان بأقامة ما سمي بال(
POF’s أو (Prototypes of Functioning Objects) والتي تعني بالتحولات الممكنة للاشياء ووظائفها اليومية من عربات وارجوحات على سبيل المثال حيث يمكن ايجاد بدائل لاستعمالاتها التقليدية و عرضها في معارض مخصصة تمكن الجمهور من تجربتها فعليا في هذه المعارض .
في عام 1995 قام هايبر بتحويل متحف الفن المعاصر في باريس الى ما يسمى ب (Hybermarket) . استخدمت في المشروع موسيقى جامعة لفيفالدي (The Four Seasons) وعندها ارتأى الفنان ان يكون عمله المستقبلي مؤطرا بالتعاون مع أنجيلين بريليوكاج، وتتويجا لهذا العزم اسس الفنان في السنة التي تلتها مؤسسه تجارية مختصة من خلال معرضه Feminine/Masculine الذي أقامه على أرض مركز جورج بومبيدو في باريس. ومن أهم ما يذكر من انجازاته الجلية هو حصوله على جائزة الاسد الذهبي في Venice Biennale لعام 1997 عن عمله في الجناح الفرنسي حيث حول هايبر الجناح الى ستوديو تلفزيون حي مقحما فيه تفاعل الجمهور.
في عشية الالفية الثانية ،حول هايبر قوس النصر، احد رموز العاصمة الفرنسية ، الى مقهى انترنت inconnu.net ممثلا الفضاء المحيط بعلامة استفهام.
يتبع رشيد كَرمة
rashid_karma hotmail .com 2007-01-21

#رشيد_كرمه (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات