أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - محمد مجدى عبدالهادى - اليسار و أسئلة الوحدة















المزيد.....


اليسار و أسئلة الوحدة


محمد مجدى عبدالهادى

الحوار المتمدن-العدد: 1802 - 2007 / 1 / 21 - 12:53
المحور: العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
    


أصبحت قضية الوحدة القضية الأولى لليسار فى مصر ، بعد التراجع الكبير فى نفوذه منذ سنوات ، الأمر الذى زاد من الانتباه اليه نتائج الانتخابات البرلمانية الاخيرة التى لم تسفر فقط عن تراجع قوى اليسار ، بل عن تقدم هائل حققته قوى الاسلام السياسى ، و هو الأمر الذى أثار الفزع فى الطليعة السياسية عامة ، و اليسارية خاصة ، و التى تلقت صدمات و ضربات موجعة ليس فقط بسبب فشل نضال أكثر من من مئة عام فى تحقيق تقدم حقيقى فى وعى الشعب ، بل أيضا بسبب المستقبل المظلم الذى ينتظر الدولة و المجتمع و الأمة اذا ما وصلت احدى الدينية المتطرفة الى سدة الحكم.

و لحيوية المسألة فلابد من تناولها شموليا ، عبر اسئلة العمل الخمسة ، فنسأل :

أولا : ما هى الوحدة؟ و هو سؤال الماهية.

ثانيا : لماذا الوحدة؟ و هو سؤال السبب.

ثالثا : متى الوحدة؟ و هو سؤال الزمان.

رابعا : أين الوحدة؟ و هو سؤال المكان.

خامسا و اخيرا : كيف الوحدة؟ و هو سؤال الكيفية.



أولا : ما هى الوحدة؟

----------------- و هى الوحدة التى ننشدها ، و المقصود نوعها و ليس معناها ، فهل الوحدة التى نطلبها وحدة تنظيمية ، و هى اعلى اشكال الوحدة و ابعدها عن الطموح فى المرحلى الحالية على الأقل ، ام وححدة حركية برنامجية ، ام وحدة ائتلافية حزبية ، أم مجرد وحدة تحالفية(بالمعنى الواسع للكلمة) ، أى وحدة تنسيقية حول قضايا جزئية محددة ، و هى ادنى أشكال الوحدة ، و أقربها الى الرفض

هذه هى انواع الوحدة من حيث الشكل ، أما من حيث المضمون ، و الذى يتطابق بالضرورة مع الشكل ، فقد تكون أنواع الوحدة كما يلى :

1- وحدة فى الاستراتيجية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ و هى تتطابق مع الوحدة التنظيمية

حيث تشكل الاستراتيجية الواحدة فى هذه الحالة برنامجا واحدا لتنظيم واحد يقف الجميع تحت رايته ؛ طالما الهدف واحد ، و خطة الوصول اليه واحدة ، فيصبح محتما فى هذه الحالة اكمال هذه الحلقة بحلقة اخرى بديهية هى وحدة التنظيم ، هذا التنظيم الذى يوحد الفعل السياسى عند مستوى التكتيك فى جدله الفاعل مع الاستراتيجية على طريق تحقيق الهدف.

و هذا الشكل هو اصعب اشكال الوحدة فى هذه المرحلة على الاقل ، خصوصا اذا ما نظرنا الى الخلافات الفكرية التى تعانيها القوى اليساريى ، ليس فى مصر وحدها ، بل فى العالم العربى كله ، حيث تسود خلافات كثيرة حول الكثير من القضايا ، اضافة الى خلافات منهجية ، و قضايا لم تحسم بعد ، نا هيك عن واقع لم يقرأ ، و لا تنسى طبعا الخلافات التاريخية ، بل و الشخصية!

و الممكن هو وحدة بعض التنظيمات المتفاربة ، بحيث يقل التشتت التنظيمى و الحركى نسبيا ، فتزداد فاعلية النضال و كفاءة التنظيم.

2-وحدة برنامجية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ و هى تتطابق مع الشكل الحركى

حيث تتكون حركة تجمع عضويتها بشكل فردى حول برنامج ، تحدد نقاطه بشكل توافقى ، و هو ذات المنهج الذى تكونت على اساسه حركات ككفاية و غيرها ، و هومنهج فاشل لن يتجاوز الاعلام و المظاهرات ، بلا عائد حقيقى على المدى البعيد ، فقد يحقق بعض المكاسب الصغيرة على المدى القصير ، و التى لا ننكر اهميتها ، و هو ما يناسب حركة شعبية واسعة ، و لنه يكون بلا قيمة بالنسبة لاستراتيجية يسارية ، تحتاج الى فعل تكتيكى مترابط ، و مبنى على منهج واحد ، و ليس الفعل العشوائى ، الموضوع دائما فى خانة رد الفعل ، و المرتبط باهداف توافقية توضع بالضرورة تحكما فى الواقع الذى لا يسير على خط مستقيم ، بل ان له جدله الخاص.

ان اى حركة يسارية بعيدة عن الصراع الطبقى هى حركة لا قيمة لها ، و على اليسار ترك المطالب الديموقراطية العامة للحركات الاخرى التى يشارك فيها بمفرداته ، فلا بأس بمشاركة هذه الحركات مطالبها هذه ، لكن لا يجوز ان تكون بذاتها اهدافه و لو مرحليا ، فى دولة ليس للديموقراطية الليبرالية فيها مستقبل ، ففى دولة ينزح فائض القيمة المنتج فيها الضئيل اصلا الى الخارج ، لا يكون من طريف الى التغيير الا الى اشتراكية او فاشية ، فالضرورة التاريخية تفرض مشوعا اشتراكيا فى مواجهة المروع الفاشى السلفى ، فاما الاستعداد ، و ترك الصغائر ، أو الدمار ، فالتاريخ لا يرحم.

2- وحدة استراتيجية جزئية مرحلية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ تتسق مع الشكل الائتلافى للوحدة

حيث تتم الوحدة باجتماع مجموعة من الاحزاب و التنظيمات حول استراتيجية مرحلية تصل الى ابعد نقطة ممكنة فى الاتفاق ، و تضع فى الاعتبار الخلافات القريبة ، و تتجاهل الخلافات البعيدة ، جزئيا ، مع التخطيط المنهجى للتقارب باعادة قراءة الواقع المصرى و العربى بشكل مبدع و خلاق و شامل ، بعيدا عن اجترار مقولات سابقة نبتت فى واقع اخر ، و يتم ذلك عبر فتح حوار واسع تحتضنه مجلة نظرية واحدة تتبع مركز للدراسات لا يكون تابعا لحزب او تنظيم بعينه ، بل يفضل ان يكون مشتركا بين الجميع.

4-وحدة القضايا الجزئية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ تتسق مع الشكل التنسيقى للوحدة

حيث يتم التنسيق بين الاحزاب و التنظيمات حول قضايا جزئية محددة ، و هو يقترب من الشكل الثانى للوحدة ، مع فارق انه يتم عن طريق التنظيمات و ليس الافراد ، و قد يتطور هذا الشكل ليصبح تحالفا حول برنامج ، مثلما هو الحال فى التحالف الاشتراكى وغيره من الاشكال المتكونة حديثا ، و هو يمثل نقطة جيدة للبدأ و التحرك.

# و اذا اعدنا ترتيب هذه الاشكال الخاصة بالوحدة ترتيبا تنازليا من حيث أيها الأفضل ، اى الأعلى فاعلية و الأكثر كفاءة ، فانها تكون التالى :

1- الوحدة التنظيمية ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الحزب الثورى الواحد و الحركة الثورية الواحدة.

2- الوحدة الائتلافية ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أحزاب مترابطة و حركة ثورية متحدة.

3- الوحدة التحالفية ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ حركة سياسية واحدة و احزاب متشاركة.

--الوحدة التنسيقية ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أحزاب متنازعة.

4- الوحدة الحركية ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ حركة مهمشة.

- فالشكل الأول هو الأعلى فاعلية حيث تتحد الحركة الثورية بمجملها تحت قيادة حزب واحد ، يجيش كل القوى على هدف واحد و استراتيجية واحدة ، محققا اكبر كفاءة ممكنة فى استخدام القوى و الموارد المتوفرة.

- و الشكل الثانى ، يقل عنه كفاءة ، و ان قارعه فاعلية حتى مدى معين ، يفقد بعده قوته الدافعة ، فيتفكك ليبدأ الصراع.

- أما الشكل الثالث فيتفوق على الشكلين السابقين من حيث كونه الأكثر امكانا ، و يمكن أن يمثل نقطة جيدة للبدء ، على طريق الوحدة ، و الانتقال فيما بعد لأشكال أكثر رقيا ، تنتقل من الحركة السياسية الى الحركة الثورية ذات الدور التاريخى.

- و حسنا فعلت القوى اليسارية ببدءها من هذه النقطة ، حتى و ان كانت لم تصل اليها بشكل كامل ، اذ لازالت الاحزاب متفرقة عمليا ، و التحالف لا زال على المستويات القيادية ، فلم تختلط القواعد و تشتبك ، و التى يضمن تشابكها الطريق الوحيد و الصحيح الى وحدة راسخة الأركان ، تثبتها القواعد ، بعيدا خلافات القيادات و نزواتهم ، كما تفتح هذه القواعد الطريق الى التوافق عبر الحوار و النضال المشترك ، الذى عن طريق يتكشف الواقع بشكل يزيد الوحدة قوة ، بزيادة نقاط الاتفاق ، و بتعلم قبول الاختلافات ، لتكريس مبدأ التنوع فى الوحدة ، و الوحدة عبر التنوع.

فاذا كانت القوى اليسارية جادة فى وحدتها ، فعليها بفتح آفاق الوحدة على جميع المستويات التنظيمية ، و على رأسها القواعد ، و التى تتميز مفرداتها الشابة على مفردات القيادة الشائخة بعدم وجود ارث تاريخى من الصراعات و الحزازات أيا كان نوعها ، و ذلك فى الأغلب الأعم

- و هذه اجابة موجزة على سؤال الماهية



ثانيا : لماذا الوحدة ؟

------------------ كان الأحرى بنا أن يكون هذا السؤال هو أول الأسئلة ، و لكنى فضلت تأجيلة ؛ لأنه لم يعد السؤال الأهم فى هذه المرحلة ، خصوصا و أن اجابته قد تم ايجازها فى المقدمة ، أما السؤال المهم فهو كيف تكون الوحدة ؟ فليس المطلوب أى وحدة ، بل الشكل الأمثل تاريخيا ، أى الممكن الذى يقترب من الضرورى ، باعتبار السياسة جدلا بين الممكن و الضرورى.

نجيب هنا عن سؤال العلة بشكل أكثر تعمقا ، بعيدا عن النظر على المستوى السياسى ، فلننظر على المستوى التاريخى ، لنعرف السبب فيما نعيشه ، و الذى تطلب ما نحن بصدده من ضرورة الوحدة.

باختصار الاقتصاد المصرى اقتصاد تابع ، يدار وفقا لمصالح الرأسمال الغربى ، و ليس لصالح التقدم الداخلى ،هذا الاقتصاد القائم على جهاز انتاجى ضعيف الانتاجية ، ينتج فائض قيمة ضئيل بالضرورة - مما يقلل من امكانية رفع مستوى المعيشة – يتم تصدير جزء كبير منه الى الخارج وفق آليات التبعية الفاعلة فى النظام الاقتصادى بمجمله.

فائض القيمة هذا ، هو الذى يمكن عن طريقه فى حالة كبره تحقيق استقرار و توازن اقتصادى ، تقوم عليه ديموقراطية نسبية ، تتجسد فى ليبرالية سياسية تسمح بتداول محدود للسلطة فى حدود ادارة هذا الفائض.

فاذا كان هذا الفائض ضئيلا ؛ لضعف الطاقة الانتاجية ، و منتهبا ؛ بحكم التبعية و آلياتها ، فان مثل هذه الديموقراطية النسبية تكون غير ممكنة ، حيث فى حالة توافرها ، قد تؤدى بعض السياسات التى تفرضا الضرورات المعيشية للشعب الفقير الى خفض الربح المحقق من الاستثمارات ، أى تخفيض حوافز الاستثمار ، و بالتالى انهيار النمو أو ضعفه ، و من هنا العلاقة العكسية بين الديموقراطية كمتغير مستقل و النمو كمتغير تابع.

فى ظل هذا الوضع الذى ينطبق على مصر كما ينطبق على معظم دول العالم الثالث ، لا يغدو هناك من بديل للتغيير الا فى احد اتجاهين ، فى مقابل استمرار الوضع المرجعى(السائد).

هذان الاتجاهان هما :

1- الفاشية : و هى التى تعبر عن البرجوازية الصغيرة الساخطة ، و التى تثور دفاعا عن مستوى معيشتها الذى ينهار تدريجيا ، و قد تبلورت عندنا فى العالم العربى و الاسلامى فى الحركات السلفية و الأصولية(بالمعنى السياسى للكلمة و ليس المعنى العلمى) ، و هى التى يمكنها أن تكون فعالة كحركة صراع و ليس كحركة حكم( و هذا طبعا اذا لم تتغير طبيعتها فى الحكم).

2- الاشتراكية : حيث القطع مع النظام الرأسمالى التابع ، و الاستقلال عن رأس المال الامبريالى ، و اعادة بناء النظام الاجتماعى بمجمله بدءا من بنيته الاقتصادية.

هكذا يطرح التاريخ المسألة ، فاما القائم الذى سيقود الأمة الى الانقراض ، أو التغيير الذى ايا كان نوعه ، فانه سيكون أفضل من الوجهة التاريخية ، فحتى الخيار الفاشى يمكن أن ينقذ الأمة- تاريخيا ، فيتجاوز بها الهجمة الامبريالية الحالية ، جزئيا و مرحليا.

هذا اذا تحدثنا من الناحية الواقعية ، و فى ظل عدم الفعل الحالى ، أما اذا تحملنا مسئوليتنا كيسار اشتراكى ، فيمكن عندها مجابهة التاريخ بالاستجابة الصحيحة ، فعلينا كطليعة لهذه الأمة ان ننقذها ، و يبدأ هذا بتحويل الخيار الاشتراكى من الامكان بالقوة الى الامكان بالفعل.

هذا هو الذى يفرض علينا معاودة النضال ، و اعادة طرح المشوع الاشتراكى ببعده الوطنى القومى التحررى خصوصا ، فالمطلوب مشروع قومى و حضارى ، أى مشوع تاريخى ، و ليس مجرد مشروع سياسى جزئى، المطلوب هو نضال ثورى يهدف الى تجاوز القائم ، فهذا هو المطلوب عند المنعطفات التاريخية ، لا العمل السياسى المبتذل القائم على رد الفعل.

هذا هو ما يحتم الوحدة كبداية ، على طريق الوحدة الفعالة ، التى تجمع القوى لتحقيق الكفاءة ، و توحد الاستراتيجية لتحقيق الفاعلية ، الفاعلية التى تراعى التحدى التاريخى و تأخذه بالاعتبار ، لتنتقل من مجرد الفاعلية التنظيمية السياسية الى الفاعلية التاريخية ، فاعلية المواجهة و الصمود ، فى وجه التهديد الخارجى المدمر ، و البديل الداخلى المفزع ، فاعلية الثورة على واقع يقود تطوره الذاتى الى دمار الأمة ، و انعكاسه الممكن الى معارضة التاريخ.



ثالثا : متى الوحدة ؟

------------------ الآن الآن الآن

نعم ، فلم يعد هناك الكثير من الوقت للعبث ، و المتمعن فى التحليل الوارد فى اجابة السؤال السابق يمكنه أن يفهم لماذا هذا التأكيد على ضورة التعجيل من توحيد القوى و مركزتها و توجيهها وجهة واحدة ، بل ة الناظر نظرة سطحية عابرة لشارعنا السياسى ، و مناخنا الفكرى ، كلاهما يمكنه وعى هذا ، فالصراع المفترض بين المتنافسين على مستقبل هذا البلد الذى يشكل مركز العالم العربى ، الصراع على تحديد الطريق ، الصراع بين الفاشية و الاشتراكية ، نقول هذا الصراع تكاد تكون نتيجته محسومة فى ظل الواقع الراهن ، الذى يكتسح فيه الاسلام السياسى اليسار ، بحيث افتقد الأخير أى قوة حقيقية يحسب لها حساب ، و هو ما يحتم عليه العمل بأقصى ما يستطيع من قوة و سرعة من اجل استعادة نفوذه القديم ، و أخذ موقعه الحقيقى و السليم فى الصراع ، حتى يكون الصراع أكثر تكافئا ، و ليصبح على مستوى المسئولية التاريخية.



رابعا : أين الوحدة ؟

------------------ قد لا يبدو لهذا السؤال محلا من الاعراب اذا ما تعاملنا معه من منظور (الأمثل) ، فالأمثل هو الوحدة على جميع المستويات و فى جميع المواقع ، هذا هو الأفضل من منظور الأمثل الأعلى و الضرورى ، الأمثل من منظور عام و مجرد ، و لكن هناك أمثل آخر يتناسب مع الامكانات الواقعية ، فلكل واقع امثله الخاص به ، و هو الضرورى المتقاطع مع الممكن على أرض هذا الواقع.

و فى ظل الواقع الذى يحياه اليسار من ضعف و تشتت لكوادره القليلة أصلا ، يصبح لا مناص من توزيع القوى على المواقع التى يفرضها العمل دائما .

هذه المواقع تتوزع بشكل دائم بين :

مواقع المواجهة ــــــــــــــــــــــــ ضرورات الحاضر

،و مواقع البناء ــــــــــــــــــــــــ ضرورات المستقبل

، فالحاضر يفرض مواجهات لابد منها ، كذا المستقبل يتطلب بناءا و استعدادا.

و فى حالة مصر ، أورثنا التاريخ فارقا ضخما بين المركز و الأطراف ، فأصبحت القاهرة هى حقا (قاهرة المدن) ،كما لاحظ جمال حمدان القاهرة هى رمانة الميزان ، و الذى يسيطر عليها يسيطر على مصر ، و هكذا حكمت الجغرافيا السياسية و الاجتماعية لمصر بان نولى القاهرة اهتمامنا الأول ، مدخلين فى اعتبارنا عاملا آخر للعمل يضاف للعوامل التقليدية التى نركز عليها كيسار ، كالعامل الطبقى و الطائفى و الجنسى ، هو العامل الجغرافى.

ما يفرض علينا هذا التركيز على القاهرة هو المواجهة المفروضة ، و الصراع المنتظر ، فهكذا حتمت ضرورات الحاضر ( و المستقبل المبنى عليه بالضرورة ) تركيز القوى فى موقع المواجهة الأول ، بل الأساسى و الحاسم ، فباقى المواقع ليس لها قيمة حقيقية اذا ما قورنت بهذا الموقع ، و متطلبات المواجهة مع قوى الفاشية تفرض علينا تركيز قوانا فى هذا الموقع ، باعتباره الموقع الحاسم فى المواجهة ، و ربما أصبح واجبا على كل يسارى ان ينتقل الى القاهرة اذا امكنه هذا.

أما عن الأطراف ، ففيها يتم البناء للمستقبل ،حيث تعمل القوى المتبقية لليسار فى باقى المواقع ، ليس بغرض خوض المواجهة ، بل بالأساس لبناء القواعد الجماهيرية ، و بالطبع المواجهة مفروضة فى جميع الأحوال ، و لكن كما نعلم ، للون الواحد درجات ، حيث ستفرض الامكانات الفعلية و الهدف - بناء القواعد الجماهيرية – التركيز على المواقع التى لا يتواجد فيها او يضعف التأثير الأصولى و السلفى.

هذه الأطراف ستمثل قواعد الامداد و الخطوط الخلفية لقوى الخط الأول ، خط المواجهة ، فى القاهرة ، حيث الميدان الحقيقى للمعركة ، الميدان الذى ستحسم فيه معارك مصر و ربما الأمة العربية لأمد لا نعلمه ، كما ستمثل - هذه القواعد فى الأطراف – ضمانة التغيير فى المستقبل.



خامسا و أخيرا : كيف الوحدة ؟

----------------------------- هنا نجد السؤال الأهم ، وهو سؤال الكيفية ، و هو سؤال يمكن للقارئ المنتبه أن يجد اجابته فى اجابة السؤال الأول ، سؤال الماهية ، حيث تحثنا عن أشكال الوحدة ومضامينها ، و لهذا لا نركز هنا سوى على بعض المبادئ التى نراها محورية لأى عمل وحدوى يصبو اليه اليسار.

أول هذه المبادئ ، هو المبدأ الذى سبق و أشرنا اليه فى اجابة السؤال الأول ، و هو مبدأ الوحدة على جميع المستويات فى أى موقع ، خصوصا المستويات القاعدية ، للأسباب التى سبق و سقناها لهذا.

ثانى هذه المبادئ ، ألا تقوم الوحدة على المحور السياسى وحده ، بل يجب أن تفعل المحاور الأخرى ، ربما بشكل أكثر من المحور السياسى ، و المحاور الأخرى المقصودة هنا هى محورى الثقافى و الاجتماعى ، و الاجتماعى لا نتحدث فيه كثيرا ، حيث لا يعدو ان يكون تابعا للمحور السياسى التنظيمى من توفير الدعم لجميع مفردات الحركة اليسارية ، بشكل مشاعى ، أى لا يرتبط بتنظيم أو جماعة ، بل تصبح مسئولية كل حزب أو تنظيم تجاه مفردات اليسار متساوية سواء أكانوا اعضاءا فى هذا الحزب أو التنظيم أم لا ، و هى المسئولية المتعلقة بمسائل الاعتقال و الدفاع و غيرها ، و لا نعتقد أن مثل هذه المسألة تحتاج الى كثير كلام.

المحور الأهم هو المحور الثقافى ، الذى يمثل - بخلاف كونه محور النشاط الدعائى - ميدان الحوارالديموقراطى بين جميع القوى و الفصائل ، و هو بهذا يمثل حائط صد لأى انشقاقات أو خلافات ، حيث عن طريقه تحتوى الخلافات ، و توضع فى موضعها و حجمها الحقيقى ، فيمكن عن طريقه حماية الوحدة ، بل و تطويرها ، لدفع الحركة للأمام.

و يتجسد هذا المحور فى مركز دراسات و دعاية واحد لا يتبع حزب أو تنظيم بعينه شأن المراكز الموجودة ، و يصدر عن هذا المركز منشورات تتمثل فى صحف و مجلات و كراسات و كتب ، تعيد طرح الثقافة اليسارية لتأخذ حجمها الصحيح فى الشارع المصرى ؛ لتعود الثقافة الاشتراكية و تأخذ وضعها اللائق فى ثقافتنا الشعبية ، الأمر الذى يمثل العنصر الأساسى فى الدفع نحو المستقبل الذى ننشده.

ثالث هذه المبادئ البدهية ، هو تفعيل الديموقراطية فى التنظيم ، بالشكل الذى يعطى الجميع حقوقا متساوية للتعبير بما يحقق كفاءة التنظيم ، و يحافظ فى ذات الوقت على فاعليته على مستوى الممارسة.

رابع هذه المبادئ و آخرها – فيما نعتقد - ، هو الذى يرتبط بالاستراتيجية ، وهو التركيز على البعد القومى الذى يرتبط بدوره بالاستراتيجية الاشتراكية التحررية ، فالوعى العربى العام و المصرى خصوصا لازال غير حساس بشكل كاف للقضايا الاجتماعية مثلما هو حساس للقضايا الوطنية ، المتمثلة أساسا فى قضايا التحرر الوطنى و الوحدة القومية ، و هو ما يجعل – من الوجهة السياسية البحتة – المشروع الوطنى التحررى أكثر المشاريع فاعلية فى التحريك الجماهير ؛ لهذا يجب ان يصبح هذا المشروع المشروع الأول لليسار ، خصوصا و أنه المشروع الأكثر ارتباطا بالضرورة التاريخية ، و بمشروع النهضة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هذه كانت اجابات عامة موجزة لأسئلة العمل الخمسة ، و التى تناولت موضوع وحدة اليسار بشكل نعتقد شموليته ، فلندر الحوار ، و لنبدأ العمل ، فلم يعد هناك وقتا للعبث ، فالتاريخ وضع المسألة ، و علينا الجواب ، فلنفعل ، أو نقل على الأمة السلام.



#محمد_مجدى_عبدالهادى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البروليتاريا و الثورة فى عصر العولمة
- الاعلام و التغيير
- حقيقة الأزمة الفنية فى مصر - التحليل الاقتصادى لأزمتنا الفني ...
- و اذا قرأنا ، فماذا نقرأ؟
- متى يقبل الاشتراكيون الارهاب الفردى؟
- عن التقارب الأخير بين الحكومة و الاخوان
- أسطورة الحزب الاشتراكى العام
- الديموقراطية التى تريدها اميركا
- الاصلاح السياسى:ضرورته،ممكناته،مخاطره


المزيد.....




- تجاهل محكمة العدل في تدابيرها الاحترازية الاضافية وقف اطلاق ...
- قلق أمريكي من تصاعد الحراك الشعبي الأردني وشعاراته
- حوار مع الرفيق فتحي فضل الناطق الرسمي باسم الحزب الشيوعي الس ...
- أبو شحادة يدعو لمشاركة واسعة في مسير يوم الأرض
- الوقت ينفد في غزة..تح‍ذير أممي من المجاعة، والحراك الشعبي في ...
- في ذكرى 20 و23 مارس: لا نفسٌ جديد للنضال التحرري إلا بانخراط ...
- برسي کردني خ??کي کوردستان و س?رکوتي نا??زاي?تيي?کانيان، ماي? ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 28 مارس 2024
- تهنئة تنسيقيات التيار الديمقراطي العراقي في الخارج بالذكرى 9 ...
- الحرب على الاونروا لا تقل عدوانية عن حرب الابادة التي يتعرض ...


المزيد.....

- مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة / عبد الرحمان النوضة
- الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية ... / وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
- عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ ... / محمد الحنفي
- الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية / مصطفى الدروبي
- جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني ... / محمد الخويلدي
- اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956 / خميس بن محمد عرفاوي
- من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963.......... / كريم الزكي
- مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة- / حسان خالد شاتيلا
- التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية / فلاح علي
- الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى ... / حسان عاكف


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - محمد مجدى عبدالهادى - اليسار و أسئلة الوحدة