أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - صائب خليل - البحث عن راحة الإستسلام: رد على هجوم زهير المخ على مبدأ السيادة















المزيد.....

البحث عن راحة الإستسلام: رد على هجوم زهير المخ على مبدأ السيادة


صائب خليل

الحوار المتمدن-العدد: 1802 - 2007 / 1 / 21 - 12:51
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


في مقالة له بعنوان " وهم اسمه السيادة" (*) يلوم الأستاذ زهير المخ الرئيس العراقي لأنه انتقد تقرير بيكر- هاملتون "معتمداً في قوله هذا على اعتبار مبدأ السيادة الوطنية معياراً أساسياً لمسلك الدول السياسي."

يطرح الأستاذ زهير المخ فكرته التي يمكن تلخيصها (رغم بعض الغموض احياناً) بأن التطورات العالمية السياسية (تكوين الفدراليات) والإقتصادية (حرية السوق) والعلمية (ثورة الإتصالات) تدفع باتجاه انحسار مبدأ السيادة الوطنية كظاهرة مميزة للعالم الحاضر: "تتميز مرحلتنا الراهنة بشكل لا يدع مجالا للشك، بانحسار شامل وعميق للفكر وللممارسة المنبعثين من اعتبار مبدأ السيادة الوطنية معياراً أساسياً لمسلك الدول السياسي."

هذا الإنحسار, يراه الأستاذ المخ على انه مسار طبيعي ويؤكد على ضرورة الإعتراف به ويراه تطوراً ايجابياً في العالم, حيث يقول " التطورات الأخيرة التي أعادت لمفهوم السيادة طابعه النسبي الأصيل ونأت به بعيداً عن طابعه المطلق." و "هذه الفكرة حملت معها تطوراً جذرياً في وظيفة الدولة: فبدلاً من أن تكون الدولة أداة توسّع وتسلّط وقمع على الآخرين، تحولت إلى خدمة المجتمع المدني كأفضل وسيلة لحل مشاكله المستجدة، وتخطيط عملية التنمية والتقدم من أجل مستقبل أفضل لأفراده."

في هذه المقالة سأحاول ان ابين ان الإستاذ زهير المخ خلط الصحيح بالخطأ في تشكيلة من العبارات والجمل ليتوصل الى استنتاجه الذي اعلنه في عنوان مقالته باعتبار ان "السيادة الوطنية" ليست الا وهماً تستغله الحكومات للتسلط على شعوبها, وخاصة بالنسبة للشعب العراقي.


يقول زهير المخ: " ثمة ما أفرزته تجليات ثورة الاتصالات المتسارعة التي بلغت حداً غير مسبوق في تهميش مفهوم السيادة الوطنية من خلال تقليص السيطرة على الحدود وتفاقم الاختراق الإعلامي للكيانات السياسية على نحو يؤدي إلى إشاعة مفاهيم المواطنة وسيادة القانون وحرية الفرد وحقوق الإنسان والمشاركة السياسية والتداول السلمي للسلطة وغيرها من المفاهيم التي كان يسهل الحجر عليها وينأى بها عن أي تأويل يضعها في تضاد مع الدولة الوطنية أو يجعل منها آلية من آليات انتقاص سيادتها".

كذلك يقول زهير المخ " وإذا كان الأوروبيون تجاوزوا مبدأ السيادة لمصلحة اتحادهم في الصناعة والزراعة وصولاً إلى توحيد العملة، فثمة مناطق أخرى من العالم شهدت هي الأخرى نوعاً من الاندماج الإقليمي كمنطقة "التبادل الحر في شمال أميركا" و "مجموعة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، وهذا كله يعني أن السيادة لم تعد تعني السيطرة على مساحة معينة من الأرض بقدر ما تعني إيجاد آلية للحصول على موقع أفضل على الخريطة الدولية."
ويستمر زهير المخ معبرا عن اعجابه بالفكرة التي يسير بها العالم يداً بيد فلا يشذ عنها الا المتخلفون, كما يرى : " هذه الفكرة حملت معها تطوراً جذرياً في وظيفة الدولة: فبدلاً من أن تكون الدولة أداة توسّع وتسلّط وقمع على الآخرين، تحولت إلى خدمة المجتمع المدني كأفضل وسيلة لحل مشاكله المستجدة وتخطيط عملية التنمية والتقدم من أجل مستقبل أفضل لأفراده."

ورغم اتفاقي مع الكاتب بان ثورة الإتصالات والمواصلات والحاسبة ايضاً لعبت دوراً هاماً في اطلاع الشعوب المختلفة على تجارب بعضها وزادت وعيها بشكل كبير, جاعلة من العالم "قرية صغيرة" بمعنى ما, الا انني ارى بقية ما قال في الموضوع, يعطي صورة خاطئة عن الواقع. فالشعوب المخنوقة حين ترى من خلال قنوات الإتصال ما ترى من حرية وديمقراطية وعيش كريم في بقاع اخرى من العالم, فان ما تراه ليس نتيجة تنازل تلك الشعوب الأخرى عن سيادتها, بل بالعكس, ترى انتصارات تلك الشعوب في دفاعها عن سيادتها الوطنية في وجه غاصبيها, ليس من الخارج فقط بل من الدكتاتوريات الداخلية ايضاً, والفرق ليس بأساسي.


في عبارة المخ المليئة بالتناقضات: " فقد بات من العبث أن نتحدث عن سيادة مطلقة لدولة ما على شعبها في مواجهة قوة عظمى ارتأت أن تتدخل عسكرياً في محاولة لإعادة السياسة إلى المجتمع وإعادة إنتاج مؤسسات الدولة وآليات عملها على نحو مغاير بما يتماشى مع التحولات الجارية على صعيد المعمورة."
فأولاً ليس هناك "سيادة دولة على شعب" بل "سيادة الشعب على الدولة" فيستعمل المخ هنا كلمة السيادة بدلاً من كلمة التسلط لإعطائها صفات الأخيرة السيئة. ثم يرى زهير المخ ان اميركا, "تدخلت عسكرياً" (عبارة تمويهية مخففة لحرب احتلال صريحه) فهي انما فعلت ذلك, ليس من اجل "القضاء على الخطر الإرهابي" كما ادعت قبل الحرب, وليس من اجل النفط كما يؤكد خصومها, بل " في محاولة لإعادة السياسة إلى المجتمع" وهي عبارة عجيبة في منطقها. فالسياسة والتدخل العسكري نقيضان, وحتى بوش بسذاجته لم يقل مثل ذلك بل قال قبل الحرب اكثر من مرة, وان كان لايقصد ماقال, انه يفضل الحل السياسي على العسكري الا اذا اضطر الى الثاني. وان كان المقصود ان اميركا تدخلت من اجل احلال الديمقراطية في العراق, فهي خرافة لم يعد احد يصدقها ولاتستحق الرد عليها, ومع ذلك فمن العجيب ان اميركا لم تختر غير ثاني اعظم خزين للنفط لإدخال الديمقراطية اليه وتقدم من اجل ذلك الأكاذيب الى العالم وتتحمل اعباء الحرب وخسارة سمعتها الدولية ا. واغرب من ذلك ان لايصدق احد اميركا في هذا اي من الدول او الشعوب الديمقراطية, فتعتبرها جميع الشعوب (عدا اسرائيل وبولونيا) اكبر خطر يهدد كيانها, لكن المخ يصر على ذلك ويتغنى بـ " التحولات الجارية على صعيد المعمورة."

فالجميع يعلم ان اميركا التي كانت دوماً متعصبة قومياً تمر اليوم بمرحلة تتجاوزفي غلوها التعصب السيادي الى تعصب قومي – ديني متطرف ومتخلف. فلم يكن البعد الوطني القومي الأمريكي, والتركيز على رموزهما مثل العلم والصليب, يوماً بهذه الشدة قبل بوش ورفاقه من الليبرليين الجدد. وحتى قبل موجة بوش القومية الدينية فأن قائدة العولمة كانت دوماً شديدة الإحساس بالسيادة التي لم تقتصر على الحدود الأمريكية بل كانت تغار على اميركا الوسطى والجنوبية وتعرقل ادخالها في اية اتفاقات مع بقية العالم (كان ذلك من اسباب دخول اليابان الحرب ضد اميركا في الحرب العالمية الثانية) حيث كانت تسميها "حديقتنا الخلفية التي لم تؤذ احداً". اما اليوم, فاضافة الى العراق وافغانستان, لدينا الصومال, حيث تتدخل الولايات المتحدة لتفرض سيادتها على البلد من خلال جيوش مرتزقة افريقية من اثيوبيا وستضاف اليها اوغندا وربما دول اخرى قريباً, لتفرض على الصومال الحكومة المناسبة لأمريكا التي كانت معروفة بفسادها على المستوى العالمي. أن مثل هذه الأجواء الإعتدائية لاتشجع اطلاقاً روح التساهل للتخلي عن السيادة الوطنية.

كذلك ليس صحيحاً على الإطلاق ان الأوربيون تجاوزوا عن مبدأ السيادة, بل كانوا ومازالوا يحسبون الف حساب لكل شبر تنازلوا عنه ويقيسون ما يكسبونه مقابله من سيادات على قرارات الدول الأخرى, وليس في هذا الأمر تنازل بل مشاركة في السيادة. بالطبع ليس في هذا شبه بحالة العراق الذي يدعوه المخ من خلال لومه للرئيس طالباني, للمزيد من التنازل والتساهل في سيادته دون مقابل.
وحتى ضمن المشاركة السيادية, تتردد شعوب اوروبا في التنازل عن سيادتها على قراراتها الخاصة. فقد فشلت دول الإتحاد الأوربي في الإتفاق على اقرار دستور لها, بسبب نقص الحماس لدى المواطنين للتخلي عن سيادتهم على مقدراتهم في بلدانهم في ابسط اشكالها, والتي يتخوفون من الإتحاد ان يسلبهم اياها, كما تبين نتائج التصويت والإستبيانات في عدد من تلك البلدان. ويمر الإتحاد الأوربي في هذه اللحظة بأزمة حادة جداً سببها الرئيسي الغيرة على السيادة الوطنية لشعوب اعضائه.

كمثال طازج, اثيرت هنا في هولند قبل بضعة اسابيع ضجة إعلامية سياسية دبلوماسية كبيرة حين اكتشف الهولنديون ان الحكومة التركية اعطت "نصيحة" الى الأتراك الهولنديين (حاملي الجنسيتين) بالتصويت لحزب الديمقراطيين الليبراليين ( D66 ). وكان ذلك على اثر مواقف الأحزاب من موضوع انكار مذبحة ضد الأرمن التي اثارها البرلمان الفرنسي (بطريقة مخزية), حيث رفض الحزب المذكور مبدأ اجبار اعضائه على اتخاذ موقف محدد من الموضوع. لقد اعتبر الهولنديون تلك النصيحة تدخلاً دبلوماسياً خطيراً في شؤونهم الداخلية واهانة لسيادتهم!
فهل يضيف المخ الشعب الأمريكي والفرنسي والهولندي مع الشعب العراقي الى قائمة الشعوب المتخلفة في سباق التنازل عن سيادتها؟

لا يمر العالم في الحقيقة في مثل هذا السباق بل سباق اخر مختلف تماماً: سباق قديم في نوعه جديد في حجمه الذي لم يشهد له العالم مثيل بين ناهب للسيادات من جهة ومدافع عنها من جهة اخرى. وليس تصور المخ عن حركة عالمية طوعية عامة للتخلي عن السيادة الوطنية إلا وهماً وصورة معكوسة لما يجري في الحقيقة.

وما ادل على هذا الوهم اكثر من النص الذي وضعه المخ عند نهاية مقالته حين يتحدث عن: " إيجاد هيئة دولية تضبط آليات عمل العولمة، كأن يصبح الأمين العام للأمم المتحدة مثلاً "رئيس العالم" والجمعية العامة بمثابة "برلمان عالمي"، أما مؤسسات مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة الغذاء والزراعة الدولي فهي بمثابة "وزارات" في الحكومة المقترحة، وهذا كله يعني أمراً أساسياً واحداً وهو أن تتخلى "الدول" عما تبقى لها من "سيادة"".
واوضح الأدلة على تلك الصورة الواهمة هو ان المؤسسات التي كانت ترعى بعض المساواة والتناظر والإحترام المتبادل بين الدول, مثل الأمم المتحدة ومؤسساتها هي اليوم في اضعف حال لها نتيجة ضغط الدولة الكبرى. فالأمم المتحدة لم تجبر على الحركة ضد مواثيقها كما يحدث اليوم, ولم تشبه"البرلمان العالمي" بأقل مما تشبهه اليوم.


أما بالنسبة للعراق فيخلط زهير المخ بسهولة غير اعتيادية بين جميع حكام العراق بلا تمييز, فيقول عن مبدأ السيادة الوطنية ان "السلطات العراقية المتعاقبة منذ العام 1958 قد أفادت منه أكثر من اللازم، فحاولت أن تجعله مطلقاً في الاستفراد بشبعها، تفعل به ما تشاء وتوظف خيراته كما يحلو لها."
من الواضح ان في هذا التبسيط مغالطة مؤلمة. فعبد الكريم قاسم دون الآخرين, قد قاد فعلاً معركة من اجل السيادة الوطنية, وكانت تنائجها عظيمة, إلا اذا كان المخ يريد اقناعنا ان قانون 80 للنفط مثلاً كان مؤذياً للعراق, وانه كان من الأفضل ترك كل الأراضي العراقية تحت سيطرة شركات النفط الغربية.

وفي جملة مطولة تخلط الأخضر باليابس يعيد المخ المشكلة العراقية الى "المثال البابلي القديم" ويختصر كل مشاكل العراق منذ القدم وحتى الآن في كلمة شيطانية واحدة هي"السيادة" فيقول: "وعلى نحو ما اختصرت هذه السلطات المجتمع العراقي، الذي استولت عليه وأسلم إليها قياده في أسمائها وشخوصها وسياساتها، اختصرت الحروب والمجازر الجماعية التي توالد بعضها من بعض الهياكل السياسية والاجتماعية والثقافية العراقية، إلى معان شحيحة صبت في الإجمال بمفهوم السيادة، التي لم تكن، في واقع الحال، سوى تسلط عام على الحكم والإدارة والمرافق الاقتصادية والقضاء والجيش والثقافة والتعليم والنقابات والإعلام، واختصارها السياسة إلى فعل القوة والتحكم، وزعمها القدرة على أن تحيي وتميت على المثال البابلي القديم."

ليس في جملة المخ السابقة الكثير من الإدعاءات التي لايكلف نفسه عناء برهانها بل هي تمتلئ ايضاً بالمراوغات اللفظية. ففي قوله ان "السيادة، التي لم تكن، في واقع الحال، سوى تسلط عام على الحكم والإدارة والمرافق الاقتصادية والقضاء والجيش والثقافة..(الخ)" خلط لغوي خطير. فمن الواضح ان "السيادة" لم تكن ذلك "التسلط" بل استخدمت كحجة مزيفة له, والفارق كبير. وان قال المخ ان هذا هو ما كان قصده من الجملة فاقول ان الحجج التي يستخدمها المتسلطون على شعوبهم ومستعمريها, كانت دائماً حججاً مغلفة بمبادئ اساسية وانسانية سامية, فهل يتوجب علينا ان نتخلى عن كل مبدأ سامي إذا ما استخدمه وغد يوماً كحجة لخداعنا, ام ان نميز ما كان حقيقياً منها عمن هو حجة مزيفة؟ لقد قال هتلر ان احتلاله للجيك كان دفاعاً عن النفس, فهل يجب ان يحتقر الجيك بعد ذلك مبدأ الدفاع عن النفس؟ لو فعلنا ذلك لما ابقى لنا صدام مبدأً انسانياً إلا واحتقرناه, بل لما ابقى الأوغاد في كل مكان للإنسانية اي مبدأ تسعى نحوه.

من اين جاءت فكرة المخ اذن ان دول العالم مشغولة بالتنازل عن سياداتها؟

في تقديري ان ذلك متأت من الوعي الحالي بأن من يقود الهجمة الحالية على سيادات الشعوب ليس الدول الإستعمارية المعتادة بل شركاتها. لقد كان الأمر كذلك منذ عصور, لكنه لم يكن بهذا الوضوح كما هو اليوم. فالمراقب لما يجري في العالم لايمكنه ان يفشل في رؤية ان الزخم العام المتمثل في ضغوط حرية السوق وحرية التجارة والعولمة, زخم تدفع به الشركات الكبرى التي صار نفوذها يزيد كثيرا على نفوذ الشعوب حتى في دولها المتقدمة والديمقراطية. وليس ذلك غريباً, فما تمتلكه شركة مايكروسوفت مثلاً يزيد عن الناتج القومي السنوي لدولة تقف في الربع الأول من الإنتاج في العالم, وليست ميكروسوفت لوحدها في ذلك.
وإن كانت هذه الشركات تستعمل امكانيات دولها العسكرية والسياسية والدبلوماسية في هجومها على بقية العالم, ورغم ان تلك الهجمات تأتي تحت ستار "المصلحة القومية" ولـ "ردع الخطر المحدق بالوطن" و "الدفاع عن الوطن ضد الإرهاب" وهي الحجج الأساسية للهجوم الأمريكي الاخير على العالم, الا ان المحرك الحقيقي لها لم يعد يخفى على احد. فمن الواضح ان تلك الأخطار استعملت ذريعة للدخول في تلك الحروب التي لن يكسب منها الشعب الأمريكي شيئاً, بدليل كثرة الدراسات التي تبين ان مثل هذه الخطوات انما تزيد الأرهاب والخطر بدلاً من ان تقلله. لذا لا يبقى من مكسب الا للشركات الكبرى من شركات سلاح ونفط وغيرها.

هل هذا "الهجوم على السيادة" جديد في نوعه, وهل هو بديل عن الهجمات "القومية" السابقة؟

كلا على الإطلاق. فغالبية الحروب الإستعمارية السابقة كانت, رغم شعاراتها القومية اللاهبة, مدفوعة من قبل الشركات وارباح الشركات, ويشير نعوم جومسكي في احد كتبه الى دراسة تبين ان الشعب الأنكليزي لم يستفد في المحصلة النهائية من كل الحروب الإستعمارية التي خاضتها امبراطوريته, وان نتائج تلك الحروب كانت تذهب الى الطبقة العليا الغنية فيه لوحدها, اما ما يصل الشعب من تلك الفوائد (السرقات) فلم يكن اكثر من خسائره. وسواء كانت تلك الدراسة صحيحة ام خاطئة فمما لاشك فيه ان المستفيد الأكبر من مثل هذه الحروب هي الشركات وانها كانت الدافع وراءها, ولا يختلف اليوم في هذا عن البارحة.

لذا فلا ارى في لوم السيد المخ للرئيس الطالباني بسبب ما قاله عن السيادة اي اساس, بل ارى ان السيد الطالباني وكل الحكومة العراقية مقصرة اشد التقصير في الدفاع عن سيادة البلد والشعب, ونلاحظ أن الرئيس لم يتذكر السيادة الوطنية إلا عندما تعرضت مصالح الأكراد الى التهديد من خلال التقرير المذكور, فلم نره يذكرها في مواقف اخرى اهينت فيها تلك السيادة باشد من تقرير بيكر – هاملتون بمراحل متعددة وماتزال تلك الإهانات تتكرر وتتصاعد في وقاحتها. ليست هذه الحكومة "متعصبة في "سيادتها" لكي يطالبها احد بالمرونة في الموضوع بل هي تسير كالمنوم مغناطيسياً بالرعب والإرهاب نحو المزيد من التنازلات السيادية وبلا تفكير. فأية حكومة ذات سيادة تلك هي العاجزة عن حماية ليس مواطنيها وسجنائها فقط من التدخل المسلح الأجنبي, بل حتى عن حماية ضيوفها من الأجانب, بل و حتى من كانوا ضيوف الرئيس شخصياً!
وبمناسبة الحديث عن الرئيس فقد قرأت البارحة خبراً يقول ان الرئيس العراقي وعد البعثات الدبلوماسية العربية بالحماية. اثار الخبر ابتسامتي وتساؤلي: هل يقصد حمايتهم من الإرهاب ام من الأمريكان ياترى؟ لكن تساؤلي زال حين عرفت ان تلك الدول من المحببة لأميركا واسرائيل.

لا شك عندي اننا لن نستطيع ان نجد مثالاً مشابهاً لهذه الحالة من "السيادة المبالغ بها" كما يراها السيد المخ, إلا إذا عدنا في بحثنا اكثر من نصف قرن الى الحكومات العميلة تحت الإحتلال النازي, فما هو دافع زهير المخ الى مثل هذا التفكير والكتابة؟
.انه التعب...فكما تعب القوميون من كلمة "وحدة" وتعب اليساريون من كلمة "اشتراكية" فصارا يخجلان منهما او يشيحان بوجهيهما عنهما لا لأنهما اثبتا خطأهما بعد تجربتهما, بل لأنهما تعبا من الركض وراءهما بلا طائل, وشعب العراق يأمل بسيادته على ارضه منذ زمن بلا طائل لحد الآن.
ليس ما ينقصنا "التساهل" و"التنازل" فقد كنا دوماً سباقون اليهما دون ان يكون لنا خيار في ذلك. ولو كان السباق الحضاري يتمثل فعلاً في سرعة التنازل عن السيادة لكان الشعب العربي والعراقي في ظرفه الحالي قمة حضارية كبرى ولكان المخ جديراً بدعوة العالم للإمتثال به وليس العكس. لكن الأمر ليس كما يطرحه المخ للأسف, فالتنازل عن السيادة لايورث غير التراجع والهزائم والمزيد من التنازل عن كل شيء اخر. ليس العالم اليوم مكان حضاري تتبادل فيه الشعوب التنازل عن سيادتها بحرية ولطف كما يصوره زهير المخ, فلماذا تصاعدت مثل هذه الأصوات المطالبة بالمزيد من التنازل؟
هل لاحت علينا علامات التعب من الدفاع عن سيادتنا وعن ما بقي لنا من انفسنا؟ هل تهيئنا مثل مقالة المخ هذه لتنازل جديد وتراجع جديد وهزيمة جديدة, بحثاً عن راحة الإستسلام؟



(*) وهم اسمه السيادة - زهير المخ:
http://www.asharqalawsat.com/leader.asp?section=3&issue=9356&article=244085



#صائب_خليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الوحي زار حاكم العراق في المنام
- مسرحية الإعدام ودفع العراقيين لخيار بين الجنون واحضان الإحتل ...
- إعدام ومقاييس مختلة -1
- محاكمة العراق الناقصة، قمة عالمية في العدالة يصعب تكرارها
- مقطعان ملفتان للنظر من رسالة صدام حسين الوداعية
- الخوف من محاكمة الحقائق- رد على سامر عينكاوي
- ارهابيي الرياضة والرمز: وعي متقدم لاطائفي
- دفع المالكي الى الإنتحار
- القابض على الجمر: مراجعة للتهم الموجهة الى جيش المهدي
- ثلاثة افكار من اجل رد ثقافي على الطائفية والإرهاب
- عادل امام يصالح السنة والشيعة
- الإعتقال المطول السابق لتوجيه الإتهام نوع من التعذيب
- ذكرى مقتل جون لينون, الخنفس اليساري الذي ارعب اقوى رجل في ال ...
- البعث يدافع عن مجتثيه
- إنتقم من الخطأ
- عن وردة سعدون وارض الخوف وميلاد المقاومات الثلاثة
- قتل الأمل
- الإنتخابات الهولندية: عواصف شديدة فوق الأراضي المنخفضة
- خطة طوارئ للدراسة الجامعية في زمن الإرهاب
- كيف يتخذ الإنسان العراقي موقفاً من كل هذا؟ -2: ضرورة القراءة ...


المزيد.....




- أحمد الطيبي: حياة الأسير مروان البرغوثي في خطر..(فيديو)
- خلل -كارثي- في بنك تجاري سمح للعملاء بسحب ملايين الدولارات ع ...
- الزعيم الكوري الشمالي يشرف على مناورات مدفعية بالتزامن مع زي ...
- الاحتلال يقتحم مناطق في نابلس والخليل وقلقيلية وبيت لحم
- مقتل 20 فلسطينيا في غارات إسرائيلية على غزة
- بالصور: زعيم كوريا الشمالية يشرف على مناورات -سلاح الإبادة- ...
- ترامب يفشل في إيداع سند كفالة بـ464 مليون دولار في قضية تضخي ...
- سوريا: هجوم إسرائيلي جوي على نقاط عسكرية بريف دمشق
- الجيش الأميركي يعلن تدمير صواريخ ومسيرات تابعة للحوثيين
- مسلسل يثير غضب الشارع الكويتي.. وبيان رسمي من وزارة الإعلام ...


المزيد.....

- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 4 - 11 العراق الملكي 2 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - صائب خليل - البحث عن راحة الإستسلام: رد على هجوم زهير المخ على مبدأ السيادة