أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود يعقوب - الرجاء الصالح (الى استاذي د.شاكرخصباك )قصة قصيره















المزيد.....

الرجاء الصالح (الى استاذي د.شاكرخصباك )قصة قصيره


محمود يعقوب

الحوار المتمدن-العدد: 1801 - 2007 / 1 / 20 - 07:00
المحور: الادب والفن
    



الى استاذي الدكتور شاكر خصباك
لئلا تفسد انفاسكم رائحة النجاسات التي سوف أرميها بين أقدامكم,أنصحكم راجيا ان تسدلوا الأكمام حول أنوفكم قبل الشروع في قرائتها,وان تأذنوا لنسائكم بحرق البخور العربي ونشره في كل زاوية في بيوتكم,وان يصفحن عني لفعلتي هذه!..
ها أن صدري يمور,ومعدتي تنتفض,وريقي المر ينقذف الى جوف حلقي..هيا اذن فلنبدأ الان.على غرة..جرى سطو غريب,لم آلفه من قبل,اشجاني وقطع اوصالي بالقدر الذي اضرم في قلبي الحيرة والحنقُ وكنت انا ضحيته الاولى..سرقوا عقار جدي!؟..العقار الذي كان فيما مضى بيتا ثم آل الى السقوط..ولم يكن من سارق غير دائرة العقار نفسها!..نفسها هي التي اكلت هذه الاكلة العطنة,وأسقطتني صريع احساس هائج بالغدر والخيانه,لم اهدأ ولم استكن حتى يومنا هذا..لقد حنقت وعيل صبري حتى توسلت ابنائي في وصيتي ان لا ادفن عن عمق ثلاثة اقدام كما جرت العادة والاعراف,بل صممت ان اوارى في الاعماق السحيقه,في ابعد مثوى يمكن ان تصله الحفارات لا لشيْ الاّ لاني اريدُ ان اكون اخر من يبعث الى جهنم في قيامة اللّه وحتى ارى تلك الاعناق الغبيه تدق الواحدة تلو الاخرى امام ناظريّ.آه..لو يفعلها اللّه,لدخلت جهنم اثرهم دخول الظافر المنتصر..وبعد انحسار الدخان والغبار الذي غمرتني به قذيفة الظلم هذه تحاملت ونهضت بكل جراحي ودرجت قاصدا تلك الدائرة.وخلال وقت ثقيل ادمنت الذهاب فيه اليها بانتظام وغير انتظام ,لاجد نفسي وقتها عالقا في مسلكٍ وعر مزروعٌ بالحواجز والاسلاك الشائكة التي لايخترقها الا جنديٌ محترف مقدام,لا رجل بسيط الى حد السذاجة مثلي..طرحت رأسي على سرير الامل حلماً ذليلاً,ورحتُ اصبحَ عندهم واغدوا الى بيتي اسمرا,طويلا,خائب الرجاء.وبصراحة اقول رأيت نفسي بين ثلة من الانكشاريين الذين احرقوا عمائم العثمانيين ومرغوا سجلاتهم العريقه بالوحل.
ولم يكن من املٍ غير ان احمل شكواي الى احد المحاكم في صباح يوم مبلل معفر برائحة التراب.
كان مجرد ذكر المحاكم تلك كافيا ليثير الرعب والارتباك في نفسي,فقد كنت انظر اليها بمقام لايقل عن مقام بيوت اللّه ان لم تكن اكثر سموا منها,ذلك لانك في بيوت اللّه تستغرق وقتا متضرعا مستعطفا اللّه العدل والانصاف بينما لاينبغي عليك في تلك المحاكم كما كنت واهما سوى ان تبسط راحتك حتى تجد الحق قائما فوقها.لذا دلفت الى هذا المكان بكثيرً من التردد والنكوص.وكنت ساعتها جسدا من حطام,جسد معبأ ببارود الاحاسيس اللاذعة,وبإختصار كانت حالتي على درجة عالية من السوء..وحين صاح المنادي بأسمي ارتعدت وانا اخرج من ذلك الحطام وادخل قاعة المحكمة مشتتا مسلوب الوعي..
كان باب القاعة مشرعاً بدرفتيه الواسعتين,وانا اقفُ في وسطها تماما.كنت عمود دخان اسود اتصاعد من كومة حطب وسط مرج فسيح امام صفوف بعيده من اشباح الشجر,عمود يتصاعد بسكينة وترعشه الريح وترمقه كل الاصقاع!..الهدوء يسربل القاعة بملاءة شديدة البروده.وقد توسطتها منضدة صغيرة تجلس خلفها فتاة مترهلة عرفت انها كاتبة الضبط..وخلفها تنتصب منضده ضخمة عاليه يجلس خلفها رجلان.طالَ مكوثي هنا..وكان لذلك اثر في تسكين روعي ولم شتات افكاري وهواجسي في الوقت الذي رحت احشوا قلبي بالقوة والعزم..كانت القاعة على جانب لابأس به من الترف..مصبوغة باللون البحري الصافي الذي يخيم على بقعة بيضاء من الموزائيك الابيض والذي تفرقت فوقه تلك الاثاث الصاجية والسنديانية الالوان.حين تأملتها مليا قفزت الى ذهني صورة خارطة العالم التي تحتضن بزرقتها الوديعه قارات الارض وتضاريسها التي ترسم غالبا بمثل هذه الاوان.لقد هيأت لي هذه اللمحة الخاطفه احساساً بالألفة.
تقدمت فتاة تحمل حزمة اوراق وانحنت باحترام وهي تضعها بين يدي احد هذين الرجلين الذي بادر الى وضع إمضاءه عليها فورا..قلت لنفسي انه السيد القاضي..
اللّه ..اللّه .. هذا هو اله العدل اذن,هذا نصير الحق وغياث المستضعفين,فلتغمرك النشوةُ ايها الطفل العنيد,اصبت اليوم مأربك..اصبت مأربك,وانتِ ايتها الحقيقه..الان بت ادركك واراك بين اصابعي-الحقيقه-ايتها السمكة المراوغة,خضت الانهار طويلا خلفك..لم تفلتِ مني بعد اليوم..اليوم ازهق روح الشر السوداء..كان اله العدل نحيفا,يختبأ جسده في سترة نيلية شديدة اللمعان,ما فتئ يتلقف بطرف انامله الرشح النازل من انفه ..وكلما رفع نظارته الى اعلى انفه الدقيق تعود وتنزلق مرة اخرى.كان مشغولا بالحديث وتبادل الاوراق مع صاحبه.ثم توقف ورفع نظارته الى الاعلى وحدق مليا بورقة ونطق بأسمي,فقلت برهبة:نعم,قال:واين خصمك؟.فهتف محامي عجوز يكادُ وهجُ الحياة ينطفأ في عينيه:نعم مولاي..
وعند خط الشروع هذا بدأ سباق جريٍ مرعب وطويل.ومرت كثير من الشهور,انعقدت خلالها جلسات طويلة ومستفيضة بلا طائل.وكان لعدالة قضيتي وايماني بانصاف المحكمة وقع كبير في تهدئة افكاري ووسواسي لهذا رحت اقف امام القاضي بشيءً من الاطمئنان وثبات اليقين.وفي جلسة طويلة وحاسمة,طفق القاضي يستنطق خصمي بفن وحكمة انثالت معها مشاعري وأحتد يقيني,وكانت تلك المشاعر تضطرم وقناعتي تترسخ بذلك العدل وبعزم وقوة شكيمة القاضي كلما قاطع خصمي بملاحظاتهِ الذكيه..ولحظة بعد لحظة..اخذت روحي تغص بالمتظاهرين الذين تدافعوا في داخلي يهتفون للعدل ولاله العدل ,وكان بينهم رجل يرفعونه فوق الاكتاف يهتف بصوت رنان ويرش الاشعار..
(يحيى العدل..يحيى العدل)وكان جسدي يعيد الصدى الى روحي..حتى اذا ماجاء دوري راح القاضي يستنطقني أيضا,ورحت اجيب عن اسئلته التمهيدية بيسر,لكنه فاجئني بوابل من الاسئله المحيرة التي لم انجح في اجابتها,وكانت نظارته قد انزلقت حتى طرف انفه واخذ ينظر الي من فوقها مرة ومن خلالها مرة اخرى ولم يكن ذلك ليروقني فأنا اكره الريح اللعوب.
وحقيقة كنت واقفا أمام القاضي بوجه وجسدً مكشوف,لم استطع الصمود لنقاشه وراح قفازه ينهال علي لكما موجعا,الأمر الذي حفز خصمي وحدى بهِ إلى أن يشهر قفازه بوجهي هو الأخر,حتى وجدت نفسي أخيرا محشورا في زاوية من الحلبة شبعت فيها لكما من الخصم والحكم!..ومع انهيال اللكمِ لاح لي ان قربتي قد ثقبت..وقد هد إحساس الفشل هذا كياني,فوقفت مترنحا ومتشبثا بمنضدة كاتبة الضبط.في ذات الوقت الذي راح فيه المتظاهرون ينفضون من حولي..وكان رجل الهتافات الرنانة قد توقف وجعل أذنه لصق قلبي فزعا من دفق الوجيب..قذفني القاضي بنظرة ثاقبة من فوق نظارته وقال:تؤجل الدعوة أسبوعا أخرا..
سوّى رجل الهتافات كوفيته البيضاء,ولفها جيدا حول عنقه ومضى خائبا ليتركني وحيدا في ساحة روحي.وأخليت القاعة طارق الرأس وأنا لم اشأ ان أغادر المحكمة بسبب ذلك الأيمان العميق الذي ترسب في داخلي والذي يدفعني عن الاستسلام رغم مشاعر الخيبة الطاغية.ولا ادري ما الذي يتعين عليّ فعله سوى انني تهالكت جانبا في رواق المحكمة بفكر محموم لائذاً بالصمت..وصادف ان استلقى الى جانبي شخص اخر تفرسته فتبين لي انه منادي المحكمة وكان على جانبً من الجرأة والصلافه,فقد مدّ يده دون ان يفوه بأية كلمة ليأخذ السيكَاره من بين اصابعي ويوقد سيكَارته.وبعد لحظات وجدت نفسي اسكب على هامته سيلا من الاسئلة التي يغص بها فكري..اسئلة بلا حدود.وقد فطن هو الى حيرتي وارتباكي لذا استفهم مني عن قضيتي مانحا إياي فرصة لافراغ همومي,اخذت اقص عليه تفاصيلي المملة,وكان يقاطع حديثي كل مرة ويسألني عن جلسة المحكمة لهذا اليوم,ذلك السؤال الذي لم افهم مغزاه بادئ الامر.وكان الرجل قد دفع رأسه الى الخلف طاويا احدى ذراعيه تحت رأسهِ كمن يتهيأ للنوم,حتى اذا ما انتهيتُ صاح:ياللسذاجة..يالقلة الخبرة..هل ترى قضيتك عادلة؟قلت:نعم.قال:وهل ان حقك لا يتقاطع مع حقوق الاخرين؟.قلت:نعم..وهنا تنبهت الى ان القانون يغلف اسئلته لذا رحت اصغي اليه بدقة,قال:الدرب سالكة لمن يعرفها.وراح يحكي عن قضايا كثيره مختلفه او مشابه لحالتي وروى لي امورا غريبة وعجيبة حتى خلص الى ما كان يروم اليه فقال:يا أبن أخي..اصغ إليَّ
اذا اردت النصح فأنا دليلك وعليك ان تفعل هذا..وأخذ يهديني اهداء المرشد المدل..بكل صراحة.ورغم اثم ودناءة فكرته,الاّ انني وجدت اقدامي تسلك دربا اسودا من دروب الكفر..لقد سعيت الى غايتي بعقل لا يريد ان يقر بهذا الظلال.
اقيمت جلسات ومداولات كثيرة بعد ذلك,كان السيد القاضي يتحاشى النظر الي بشكل واضح حتى حانت منه في جلسة قريبة نظرة خفية كان مكتوب فيها بكل جلاءٍ(لست ممن ينسى).واذن اليوم الذي اعلن فيه السيد القاضي انتهاء المداولات في القضية واعلن بأسم اللّه وبأسم الشعب قرار حكمة الذي اعاد حقي السليب,ودفع اللّه ما كان..ولاول وهلة سرى تيار رعشة..رعشة الفوز والانتصار من رأسي الى قدمي اللتين ترتكزان على مربعين صغيرين من الموزائيك الابيض وتحملان رأسي عاليا..غير ان روحي ابت الا ان تعود الى طبعها القاتم الحزين فسرعان ما وجدت نفسي مجللا بالخزي وان هذين المربعين من الموزائيك يغوصان بي الى الاعماق البعيده.
ارتبكت مجددا,وزاغت أنظاري التي ظلت تتنقل سريعا على غير هدى في تلك القاعة ذات اللون البحري.وطال وقوفي منتظرا استكمال الاجراءات الاصوليه,وقد اخذت صورة خارطة العالم تؤوب الى ذهني مجددا,كنت اتلذذ كثيرا بقلب خارطة العالم رأسا على عقب اذ يتراءى لي شكل القارات وتضاريسها مثل حيوانات أليفة طافية فوق مياه البحر بوداعة وسلام.فحاولت ان اقلب صورة القاعه بزرقتها واثاثها لذلك تراجعت قليلا الى الخلف وادليت برأسي الى الاسفل بأقصى ما تستطيع رقبتي من انحراف وصرت اتفحص صورة القاعة بالمقلوب وانا اسمع صوت كاتبة الضبط تناديني بسمع ثقيل صائحة:ماذا فقدت ايها السيد؟..بدت الصورة تتكشف لي..مستطيلات تدلى منها اشكال ادمية تغوص متشنجة وغارقة الى حد الموت ويتيبس على وجوهها بكاء صامت..ووفق مزاج قلب الحقائق هذا وفور طبع ونشر قصتي..صدقوني سوف تثور ثائرة الانكشاريه مطالبين بقلب هذه القصة التي يستحيل قلبها!..



#محمود_يعقوب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أللوز ..من ذلك ألجبل أ لبعيد


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود يعقوب - الرجاء الصالح (الى استاذي د.شاكرخصباك )قصة قصيره