جريس الهامس
الحوار المتمدن-العدد: 1791 - 2007 / 1 / 10 - 11:51
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
رأينا في الحلقة الرابعة جهود العلماء والمفكرين السريان الضخمة والمضنية , في نقل شتى أنواع العلوم والفلسفة من مخطوطات الكتب اليونانية والسريانية إلى اللغة العربية وكان من أبرزهم علماء وأساقفة مدرستي الرها ( أورفة اليوم ) ونصيبين وإنطاكية وغيرها ثم في العهود اللاحقة بعد القرن السابع الميلادي : يعقوب ا لرهاوي و حنين بن إسحق ويوحنا الدمشقي , والعلاّمة إبن العبري وغيرهم .. , ليتتلمذ عليها مئات من العلماء والأطباء والمؤرخين والفلاسفة العرب . ومن أبرزهم : إبن رشد وإبن سينا والكندي والرازي والجاحظ .. وغيرهم ...
ونتابع هنا بقاء اللغة السريانية وجذورها في لغتنا العربية العامية والفصحى كما هي في الأصل حيناّ أو طرأ عليها التحوير والتصحيف والتطوير لمواكبة تطور الواقع الموضوعي المتجدد لحياة الناس . الأمر الذي نتج عنه إحالة اّلاف الكلمات القديمة غلى المعاش بعيدة عن الإستعمال لتغفو في صفحات القواميس والمعاجم وكتب التراث بعد استبدالها بكلمات واشتقاقات وتعابير جديدة , وتعريب لكل جديد في العالم المتطور في كل ساعة نحو منتج جديد ....ونحن مع الأسف ما نزال نحوم لنبكي على الأطلال أو لندبّج الأشعار في المديح والهجاء حول مضارب القبيلة وحول قصور الطغاة المتربعين على رقابنا جميعاّ باسم الحق الإلهي - .....وهذا التطور اللغوي. فرضه تطور البناء التحتي للمجتمع العربي التابع الإلزامي للتطور العالمي .. فماهو جديد ومستحدث اليوم في البناء التحتي والفوقي سيصبح بعد عشرات السنين قديما يحتاج للتطوير والإبداع التسهيلي والعملي أكثر لتطور المجتمعات ووسائل إنتاجها .... كما أدّى اكتشاف الكهرباء إلى الإستغناء عن الفحم في وسائل النقل كما أن صنع السيّارة والطائرة ألغى عربة الخيل ....الخ
لكن في تطور اللغة ليست القضية ميكانيكية كما في الصناعة والإقتصاد لأن اللغة كائن حي كالإنسان وجزء لايتجزأ من نتاجه الفوقي العقلي .. لذا فمعالم جينات الأصل تبقى واضحة في الفرع ومتطورة بتطوره ... وهنا نأخذ مثالاّ واقعياّ من الفن الشعبي في الغناء والموسيقا الموروث والمتطور إلى أيامنا في الطرب الأصيل :
فجينات وأوزان الاّرامية والسريانية وسّلمها الموسيقي لاتزال حيّة في الطرب العربي القديم الذي يهزنا من الأعماق في المقامات العراقية , والقدود الحلبية , والموشحات الأندلسية وغيرها وجميعها ألحان وإيقاع اّرامي سرياني يمكن إدراكها بسهولة ووضوح بمقارنتها مع ألحان التراتيل والأناشيد في الكنائس السريانية حتى اليوم وقد قدمت عدة دراسات وعدة أطروحات دراسة عليا في جامعة بغداد , وفي فرع اللغة السريانية في المجمع العلمي العراقي في التسعينات تؤكد هذه الحقائق .. كما أن ألحان وأوزان العتابا والميجانا والقرّادي والمعنّى وغيرها من التراث الفني الشعبي . هي ألحان سريانية في أغلبها ..
إلى جانب ذلك فإن الكثير من الكلمات السريانية والاّرامية ٌد أخذتها شعوب أوربا الغربية والشرقية ولا تزال حية حتى اليوم في اللغات السلافية أيضاّ . فكلمة – أوربا _ هي كلمة اّرامية سريانية الأصل ( غروبا ) وتعني الغرب
والفينيقيون أبناء الاّرامية أعطوها هذا الإسم ولم يكن لها إسم قبلهم ( 39 ) كما أكدت مكتشفات إيران في متحف طهران بأن معظم الكتابات القديمة الباقية على الأرض كتبت باللغة الاّرامية , بعد هجر اللغة المسمارية التي كانت سائدة قي حضارة ما بين النهرين ...
ومن الأسماء السريانية التى لاتزال كما هي في العربية : اللقب الذي أطلقه سريان بلاد الشام على عمر بن الخطاب ( الفاروق ) وهي كلمة سريانية تعني ( المخّلص أو المنقذ ) ( 40 )
رأينا كيف اقتبس العرب الأرقام الهندية من السريان كما أخذوا خطهم منهم كما سبق .. ومازال العرب يتشاءمون من الرقم 13 فمن أين أتت هذه العادة ؟؟ : الرقم 13 في السريانية يغني يوم الأحد لأن لكل حرف في السريانية قوّة عددية تمثله فكلمة أحد مؤلفة من الألف وقوتها العددية 1 والحاء وقوتها العددية 8 , و الدال وقوتها العددية 4 بهذا يكون مجموعها 13 أي يوم الأحد الذي يعتبر عطلة دينية للراحة والصلاة في قانون الكنيسة ومن عمل فيه فقد أغضب الإله كما يعتقدون ..ومن الأدلة الأخرى على اشتقاق العربية من السريانية هي حذف الألف إذا جاءت في حشو ( وسط ) الكلمة وتلك قاعدة مضطردة في الكتابة السريانية كتبت المصاحف بها مثل حذف الألف في الأسماء التالية : إبرهيم , إسرئيل , إسمعيل , الرحمن , الملئكة , الخسرون وغيرها وكذلك إبدال الألف واواّ في وسط الكلمة مثل الحياة – الحيوة -. وغيرها ( 41 ) ومن أبرز السمات السريانية التي لاتزال قائمة ومستعملة في العربية العامية والفصحى :
1_ تسكين المتحرّك في أول الكلمة مثل : مُليح , قصير , طويل , كبير ..الخ
2 – قلب ميم الجمع إلى نون في العامية مثل : أبوكن , أمكن , بيتهن , كرمهن ...الخ
3 – إسكان الفعل الماضي المبني على الفتح مثل : قامُ , نامُ , باعُ . ذهبُ ...
4 – التصغير في السريانية والاّرامية بإضافة واو ونون في اّخر الإسم مثل أسماء قرى حلبون , مكان الحليب – والقابون , الغابة الصغيرة ..وغيرها استعملت هذه القاعدة في العربية مثل : زيدون تصغير زيد , وخلدون تصغير خالد وغيرها
5 – اّلاف الكلمات السريانية لاتزال مستعملة في العربية كما هي أو بتحوير بسيط مثل : بيث = بيت , قريثو = قرية وكذلك كفر = قرية , مدينتو = مدينة , سكّر = أغلق , شوب أي حر , غشيم , غوشمو في السريانية تعني الجسم .. وفلان غشيم تعني جسم بلا عقل كما يقال عن الحجر غير المنحوت في البناء حجر غشيم ..
6 – الياء والألف في نهاية الإسم علامة الجمع في السريانية والاّرامية وهي تشمل كثير من أسماء القرى والمواقع مثل : صيدنايا وتعني ( الصيّادون أو الصيادلة ) وداريّا وتعني ( المذرّون , الذين يفصلون الحبوب عن التبن في البيادر قبل استعمال الاّلة )
وكذلك الياء والنون علامة الجمع أيضاّ مثل : جبّعذين وتعني ( التلال المرتفعة ) وبقّين وتعني ( مكان وفير المياه كثير القصب ) وكلها أسماء قرى في محافظة دمشق وكل الأسماء الأخرى لم تتغير خصصت قسماّ خاصاّ لها في القسم الأخير من هذه الدراسة ( 42 )
المصادر
(39) كرم بستاني – أساطير شرقية – ص 45
(40) إسحق ساكا _ تاريخ الكنيسة السريانية – ص 53
(41) بببولس بهنام – تحقيقات تاريخية لغوية – ص 27
- المطران يوسف داوود – القصارى ص 25
( 42 ) د . أنيس فريحة – معجم أسماء المدن والقرى اللبنانية –بيروت 1972
- القاموس العربي السرياني – لميخائيل مراد السرياني – حلب 1994
- يتبع – لاهاي 9 / 1
#جريس_الهامس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟