أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - ناظم ختاري - محطات من انفال به هدينان - المحطة الخامسة عشرة















المزيد.....


محطات من انفال به هدينان - المحطة الخامسة عشرة


ناظم ختاري

الحوار المتمدن-العدد: 1790 - 2007 / 1 / 9 - 12:15
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
    


بعد منتصف الليل كنا في الوادي الذي يقع خلف قرية خور زان وفي الجهة المقابلة لبير موس واخترنا منه بقعة للمكوث فيها نهارا وهي عالقة في سفح هذا الجبل بالقرب من أحد القطوع الصخرية القليلة المتواجدة في هذه الناحية من الجبل ، نستطيع من خلالها نهارا رؤية بير موس بشكل كامل فضلا عن ( لحفا قاييديا )1 التي تمتد الرؤى فيها أفقيا إلى مسافة بعيدة عبر نهر دجلة كأفق أحلامنا التي لم تكن لها نهاية أيضا . من هناك كان المرء منا يصوب نظرته إلى الحدود السورية التي كنا نأمل أن نصلها بأمان بعد أن حولت السلطات البعثية كل شئ في وطننا إلى أشياء مخيفة يرتعش المرء خوفا عندما كان يفكر إنه يعيش في العراق ، فأي عراق كنا نعيش فيه ..؟ فقد كان أرضا تتسابق فيها أجهزة القمع على اضطهاد أبناءها وسلب حريتهم وكرامتهم وأرضا للسجون ولقوانين الموت التي وصل تعدادها إلى العشرات ، والموت ( قاتلا أو مقتولا ) يقابلك في أية لحظة وأينما ذهبت ، وميدان حروب خارجية خاسرة وحرب داخلية لم تنتهي ومساحة موت بالكيماوي ، كان عراقنا قاسيا دون حدود حتى إن قسا وته أنجبت ما بعد صدام من أنسوا الشعب تعسفه وظلمه وجبروته والدماء التي سكبها وجرائمه البشعة .

هناك في هذا المكان شعرت شخصيا بالأمان أكثر من أي مكان آخر وأكثر من الأيام الماضية المليئة بالصعاب والتي كان يشعر خلالها كل واحد منا أحيانا باستحالة التخلص من الطوق الرهيب الذي كان مفروضا علينا من قبل القوات العراقية بمختلف أصنافها .. أعتقد إن سبب هذا الشعور كان ناتجا بالدرجة الأساسية عن ثقتي العالية بقدراتنا على مناورة خطط أجهزة السلطة القمعية ، كونها منطقتنا ونعرفها بكل تفاصيلها فضلا عن وجود تنظيمات نشيطة للحزب في هذه المناطق أفرادها مستعدون لاجتراح مآثر وتحقيق أساطير في البطولة ونكران ألذات من أجل تأدية واجباتهم الحزبية ومن أجل سلامة كل فرد فينا ، وفي الحقيقة هذه كانت الصفة الغالبة لأكثرية الشيوعيين في هذه المناطق من أجل قضيتهم وعدم الاستسلام لرغبات أجهزة السلطة القمعية أو تمكينها القضاء على كوادر الحزب وأنصاره ومنظماته في مثل هذه الظروف الصعبة . وكل واحد من الرفاق من أهالي المنطقة ضمن هذه المجاميع كان ينتظر دوره لكي يتحرك بكل اندفاع لتنظيم العلائق بين مجموعات من رفاق المنظمات وعوائل الشيوعيين لتأدية واجبهم في إنقاذ أكبر عدد ممكن من الأنصار .

أعتقد كانت الليلة التالية هي ليلة موعدنا مع مجموعات أخرى من المفترض إنها وصلت إلى هذا الجبل لنبدأ العمل والحركة . ولكنه كان علينا قضاء ما تبقى من الليل والنهار التالي في هذا الوادي بانتظار حلول الليل مرة أخرى للذهاب إلى مكان الموعد ولقاء رفاقنا ، وهكذا أعددنا أمكنتنا بين الصخور والشجيرات التي تكثر في هذا المكان آخذين بنظر الاعتبار احتمالات الأخطار الغير المتوقعة والتي قد نتعرض لها أثناء النهار ، بقينا في هذا المكان طيلة النهار دون حراك أو الانتقال إلى اتجاهات أخرى خشية من أي تواجد للجيش في أحدى المناطق القريبة من هذا المكان ، وفي وقت متأخر من العصر وجدنا مفرزة من الجيش تتوجه إلى بير موس وهناك أصبحت تبحث عن كل شيء وتفجر هنا وهناك .. وكانت الأدخنة تتصاعد من عدة أماكن بسبب هذه الإنفجارات المتكررة وأثناء تواجد هذه القوات في بير موس تهيأنا لاحتمال قدومها نحونا عن طريق الصدفة أو أن تكون قد حصلت على معلومات بخصوص تواجدنا في هذه المناطق ، ولكنها لم تفعل فاستمرت في تفجير قدر ما استطاعت من مخابئ وأماكن تواجدنا وعادت أدراجها بعد ذلك باتجاه قرية بالطة قبل حلول الظلام ، بعدها قررنا النزول إلى قاع الوادي كي نقضي هناك فترة من الزمن وتشكيل مجموعة للذهاب إلى بير موس للتزود ببعض الأرزاق إن كانت باقية هناك كنت من بين رفاق هذه المجموعة الصغيرة التي ذهبت إلى بير موس بعد حلول الظلام مباشرة ، وهناك كنا نعرف الأمكنة التي أخفينا فيها المؤن فوجدنا إن أغلبها جرى تفجيرها و تدميرها أو تمزيق حاوياتها بالحراب ، على أية حال كان هناك ما كنا بحاجة إليه من الأرزاق فحملنا منها قدر حاجتنا ومن هناك ذهبنا إلى النبع من اجل الماء وإلى بستان المقر فقطفنا من ثماره بعض حبات الطماطم والباذنجان والبامية وربما أشياء أخرى لا أتذكرها الآن ، وانحدرنا نحو الأسفل للعودة إلى رفاقنا وبعد مسيرة حوالي عشرة دقائق شعرنا بأصوات تتقدم نحونا من الأسفل فأخذنا مواقعنا على جانب من الطريق لتجنب القادمين إن كانوا أعداء ، ولكننا عرفنا إنهم مجموعة من رفاقنا بعدما سمعنا أصواتهم يتحدثون جاؤوا أيضا لسبب التزود بالأرزاق كان بينهم كل من (حميد سور) و(سعيد)2 ، التقينا بعد تبادل ( توو كى .. و.. توو كى ) ، كان اللقاء حارا جدا والفرحة شديدة تحدث لنا الرفيق سعيد كيفية وصولهم إلى هذه المنطقة من مه رانى وإنهم كانوا قلقين بصدد مصيرنا الغامض لديهم وتحدث حميد بشكل سريع عن ما حدث له بعد أن ذهب برفقة أبو فلاح إلى قرى الده شت قبل انسحابنا من بير موس في 24- 8 – 1988 وكيف عاد إلى الجبل وعاش أكثر من أسبوع فيه دون أن يجد أو يلتقي بشرا وكيف إنه حاول مرارا الالتحاق بمقر مه رانى ولكن الطرق كلها كانت مغلقة بوجهه من قبل قوات الجيش العراقي وبعد وصول مجموعة سعيد إلى هذه المنطقة التقى بهم عن طريق الصدفة وهو لا يصدق ذلك أبدا.. لذا قال سعيد إنه كان يحضننا ويقبلنا طويلا ويقول أنا لا أصدق إنني عدت إلى رفاقي ثانية .. ولا أصدق إنني أرى بشرا .. كنت أشعر بالوحدة الموحشة .. كانت رهيبة جدا .. كنت لا أعرف شيئا بتاتا .. ماذا حصل في مقراتنا وما هو مصير الرفاق ..؟ وأين ذهب سكان هذه القرى ..؟ كيف يمكنني الاستمرار وحيدا وسط مفارز الجيش التي تتحرى في كل مكان ..؟ كنت أنام تحت وطأة قلق شديد .. لم يكن بوسعي العودة إلى قرى الده شت .. فلم أكن اعرف فيها أحدا غير أبو فلاح وقد تركني لكي يستسلم إلى السلطات ..!! ولكنني حاولت البقاء لأطول فترة ممكنة في هذا الجبل عسى ولعله أن يمر الرفاق من هنا وهذا ما حصل .. وها أنا بينكم وأعرف إن مصيري مرتبط بمصيركم ولا يهمني ما يحصل بعد هذا ما دمت بين رفاقي ..!

عدنا إلى رفاقنا وتهيأنا للذهاب إلى (نه هـداركى )3 للقاء رفاقنا في المجاميع التي وصلت قبلنا ، هناك عرفنا إن مجموعة أبو سربست كانت طيلة هذا النهار في نفس الوادي الذي كنا نحن فيه ، جرى الاتفاق في هذا اللقاء البقاء في هذا الوادي ليوم آخر ..لا أتذكر لأي سبب كان ذلك ولكنني أتصور إنه كان يجب أن يعد الرفاق في قيادة المحلية لخطة نتحرك على ضوءها وخصوصا إن الغالبية منهم وصلت إلى هذا الجبل . كان بينهم كل من أبو سالار وأبو جواد و توفيق وأبو سربست وأبو امجد ضمن مجموعتنا إضافة إلى أبو داود وعدد من الأنصار الآخرين زاد عددهم على ثلاثون فردا وهم منتشرين في عدة أماكن من هذا الجبل كان بين هذه الأماكن مخابئ لا يعرفها إلا القلة القليلة من الناس .

لم نشعر أثناء الليل أو النهار التاليان بأية مخاطر مثيرة لروايتها هنا الآن ، سوى إن العلاقة مع النصير حسين خرتو (إبراهيم)الذي تحدثنا عنه في المحطات السابقة في ظل هذه الخطورة أصبحت صعبة جدا ، فكان هو من جانبه يريد التحرك في المنطقة وكأن شيئا لم يحدث فقد ذهب باتجاهات عديدة ووصل إلى بعض القرى وعاد منها وأحيانا كان يريد استخدام بندقيته الكلاشين (وهو يقول علينا تنفيذ حكم الإعدام بفلان أو فلان ، كان يدعو إلى المقاومة ومواصلة الحرب البارتيزانية ويعتبر التخلي عن هذه الحرب هزيمة لا ينبغي على الشيوعيون القبول بها ، وأحيانا كان يطلب من المفارز التي تتوجه إلى مهماتها أن تزوده بكتب عن الرياضيات لكي يعتمدها في تحليل ومعرفة الفترة التي يسقط فيها النظام) 4 هذه التصرفات إلى جانب غيرها الكثير والكثير كانت تشكل تهديدا لسلامة المجاميع الموجودة في المنطقة ، لذا كان من الضروري التعامل معه بحذر وبما يمكن الحفاظ على هدوءه كي نتجنب النتائج المحتملة من تصرفاته التي لا يستطيع السيطرة عليها بسبب مرض انفصام الشخصية الذي أصابه في ظروف معقدة ، ولذلك حاول الرفاق مرة تجريد بندقيته من إبرتها ولكنهم لم يفلحوا في تحقيق ذلك بسبب يقظته الشديدة ، فإزاء وضعه هذا كان من الصعب جدا التفكير بالهرب معه عبر المدينة إلى سوريا وخصوصا كان يرفض أي شيء آخر بديلا عن مواصلة الحرب البارتيزانية . بكل تأكيد لم يكن أمامنا أي خيار غير أن نترك له المجال لكي يذهب إلى قرى منطقتنا ويسلم نفسه ولهذا ُترك له أمر الذهاب أو عدمه مع مجموعة ذهبت لتسلم نفسها ولكنه رجع عائدا من منتصف الطريق قائلا لهم يبدوا إن نيتكم هي التسليم فأنتم خونة وأما أنا فسأعود إلى الحزب .

أخطأنا التقدير حين توقعنا من أن السلطات يمكن لها الرأفة به عندما تجده مريضا ، ولكنه أصبح في عداد المفقودين منذ أن استلمته هذه السلطات من العناصر المتعاونة معها من أحدى قرى منطقتنا عندما ذهب إليهم للاستسلام عن طريقهم .. قيل عنه أثناء هذه الفترة ، إن رجلا وصل إلى القرية في عصر متأخر كان يحمل على كتفه بندقية كلاشين من النوع الروسي المحسن وعدد من المخازن وكانت هيئته هزيلة أتعبته مصاعب جمة على ما يبدو وكان من الواضح إنه لم يذق طعاما منذ أيام عدة وكان قد تحول من أخمص قدميه إلى قمة رأسه إلى قطعة متفحمة سوداء كان وضعه يثير الحيرة لدى من جاء ليستسلم للسلطات عن طريقهم .. كيف لبشر أن يتحمل كل هذا ولأجل ماذا..؟؟!! فسألوه من أنت..؟ قال لهم إنني من أنصار الحزب الشيوعي جئت أسلم نفسي بعد أن لم يبقى أمامي غير هذا .. وقال إنني التحقت بمحض إرادتي وها أنا أعود لأنني مقتنع إن إمكانية مواصلة الحرب انتهت والعودة إلى سابق قوتنا أصبح مستحيلا .. فلذ لك جئت استسلم بمحض إرادتي أيضا ، ومن جانب آخر أشار إلى أن كل هذه الوديان مليئة بالبيشمه ركه ، وفي الحال أعدوا له حماما ساخنا وطعاما أكل منه بشهية .. وقالوا له نرى أن تعمل بنصيحتنا وما نقوله لك .. وهو أن تسلم بندقيتك لنا وتستلم عنها أخرى لأن بندقتك من النوع المحسن وصناعتها روسي ولا نريدها أن تكن من نصيب غيرنا هذا أولا وثانيا عند التسليم ينبغي أن تقول إنني من مسلحي حدك وليس الحزب الشيوعي لأن ذلك قد يخفف من عقوبتك وأن عقوبات الشيوعيين دائما تكون ثقيلة .. هذان الأمران أثارا غضبه بشدة فقال كل الذي فعلته كان بقناعتي التامة ولازلت مقتنعا بانتماءي إلى الحزب الشيوعي ، فكيف تريدونني أن أغير هذه الحقيقة أمام عاصفة كهذه وأنا لا أخافها ..؟؟ وماذا عن كل الذي فعلته وسط كل هذه المخاطر من أجل الوصول إلى هنا من جبل كارة ..؟؟ هل كان كل هذا لكي أغير انتماءي ..؟؟ أنا أرفض عرضكم يا سادة ..!! المهم حاول مسئول هؤلاء المسلحين أن يتعاون معه ولكنه لم يفلح . وللتاريخ أذكر ، هكذا قال محدثي إن المسئول قال له إنك أمام خيارين أما أن تذهب إلى ما تـشاء بعد أن تسترد عافيتك لفترة ترتضيها أنت ،أي العودة إلى الجبل ، أو أن تسلم نفسك بعد أن نقوم بإيصالك إلى بحزانى ولقاء أهلك أو نأتي بهم لهذا الغرض إلى هنا وثم تقرر مصيرك.. فأجاب إنه وحيدا وإنه يريد تسليم نفسه هنا ولا يريد غير ذلك .. كان الرجل يريده أن يبقى سالما ولكنه لم يكن قادرا على فرض هذا الأمر عليه في مثل هذه الظروف الصعبة وحالته الصحية المعقدة .

وماعدا هذا إننا أردنا أن نتناول طعاما مطبوخا في عصر نفس اليوم فلم نجد أي إناء للطبخ فيه غير علبة فارغة لحليب كيكوز فطبخنا فيها حساءا من ثمار الطماطم والباذنجان وغيرها التي حصلنا عليها من مقر بير موس ولما نضج الطبخ عملنا حفرة في الأرض ووضعنا عليها قطعة من النايلون لكي تحل محل صحن نأكل فيها حساءنا ولكن النصيرتان أم أمجد وكنار حسبما أتذكر عندما أرادتا تفريغ العلبة من الحساء في هذه الحفرة لتناوله لم تسيطرا على العلبة بسبب حرارتها فوقعت وخسرنا الحساء الذي حرصنا على طبخه بعناية بعدما انتشر على الأرض بين التراب ، ولكن رغم ذلك صرنا نغمس خبزنا فيه ونأكله وكأننا في مطعم بمدينة .. كان الحساء طيبا رغم اختلاطه بالتراب.

بعد حلول الظلام توجهنا إلى مكان آخر للقاء الرفاق مرة أخرى وهناك أًبلغت بأنني سأتحرك هذه الليلة مع مجموعة من الرفاق متكونة من توفيق وأبو داود وأبو حازم مع رفيق آخر لا أتذكره من كان إلى قرية (حتارة )5 ... (ولابد لي أن أوضح هنا إن زياراتي خلال هذه الأيام مع مجاميع من الرفاق إلى هذه القرية والعودة منها إلى جبل خورزان تكررت لتنفيذ مهماتنا واستكمال مستلزمات أمان للخط الذي كنا نربطه بسوريا والعبور بيسر ، وأمام هذا فأنني أعترف إن معلومات أول زيارتين اختلطت لدي أي ربما جاءت متقدمة أو متأخرة .. فمثلا من من الرفاق كان ضمن المجموعة الأولى أو الثانية عدا توفيق وأبو داود..؟ ولكنني أحاول أن أنقل الأحداث كما حصلت ، وإن الأشخاص الذين وردت أسماءهم في هذه المحطة والذين سترد أسماءهم في المحطة القادمة كانوا ضمن أول زيارتين إلى مخبأنا في أطراف القرية ومن هناك انطلقوا إلى المدينة) .

وعرفت إن مجموعة أخرى تحركت أو ستتحرك إلى ألقوش من أجل الطعام علاوة على توجه النصيرين علي حاول و(فرهاد)6 نحو الحدود السورية عبر المناطق القريبة من (مجمع خانك)7 عسى أن يستطيعوا من هناك أيجاد منفذ إلى سوريا .. كانت مهمتي تدبير وسيلة لإيصال أبو حازم إلى مدينة الموصل .. وكان على أن اكتب رسالة إلى أحد الرفاق في سنجار أحدد فيه مكان اللقاء (مخبأنا ) باسمه المتداول بيننا والسري في أحدى مناطقنا والذي لولا استخدامه (الاسم السري للمخبأ) لما جازف الرفيق بالمجيء إلى هذا المكان فكان هذا الاسم السري متداولا بيني وبينه فقط لا يعرفه غيرنا وهذا كان بمثابة تأكيد له إن الذي ينتظره هو أنا وإننا لازلنا بخير ونحن بحاجة إلى جهوده ، وليس هناك ما يدعو إلى التردد وبذلك فإنه سيتوجه إلى المكان بكل اطمئنان .. كان لابد من كل هذا لأن هذا الرفيق لم يكن مستعدا أن يقدم على ما هو غير مضمون في مثل هذه الظروف المعقدة والمحفوفة بالمخاطر .. وحمل الرسالة إلى هناك أحد الشيوعيون القدامى (ملحم معجون )8 بتكليف من الرفيق توفيق .

تحركنا في نفس هذه الليلة ومعي رزمة مغلفة بعناية لم أكن أعرف محتواها سوى إنها حاجة خاصة بأبو سالار كلفني بإيصالها إلى مكان أمين وإعادتها عند الحاجة ( عرفت بعد ذلك بفترة إن هذه الرزمة كانت نقودا بالعملة الصعبة " الدولار " وفيها أكثر من 50000 خمسين ألف منها ) المهم وصلنا إلى مخبأنا قبل منتصف الليل وهو يقع خارج قرية حتارة وبعدما ذهبنا لغرض تعبئة عدد من حاويات الماء التي كنا نستخدمها في هذا المخبأ لكي يستفيد منها الرفيقين أبو حازم والآخر الذي لا أتذكره ، توجهنا إلى القرية ومنها ذهبت إلى رفاق المنظمة للبدء بمهمتي وإعداد سيارة لنقل أبو حازم إلى الموصل أو أطرافها ومن هناك يتدبر أمره ، وتوجه كل من توفيق وأبو داود أيضا للبدء بإعداد بعض الأمور التي ترتبط بنفس المهمة ( الإنتقال إلى سوريا ) .

دخلت دارا لم يصدق أهله بأنني لازلت على قيد الحياة أو على الأقل لازلت مسلحا وموجودا بينهم وفي الده شت بالذات .. فأجهشوا بالبكاء فرحا .. تألموا كثيرا لما وجدوني في حال غير طيبة .. فملابسي كانت قد تفحمت وتحولت إلى قطعة قماش سوداء جراء النيران التي كانت تشتعل في الغابات التي كنا نمر عبرها وبنيتي كانت قد أصبحت هزيلة بسبب أيام الجوع المتكررة فضلا عن القلق والخوف الدائمان وقلة النوم ووجهي كان متفحما متحولا إلى اللون الرمادي مع بقع وخطوط سوداء تنتشر في كل مكان منه، شبيها بوجوه لسعتها حرارة النيران وأحرقتها خيوط أشعة شمس عمودية ، فلولا صوتي المعروف لدى أهل الدار لما كان بقدورهم التعرف عليً بسهولة .. وهكذا وجدت نفسي عندما وقفت أمام مرآة كانت عالقة في غرفة استقبال بيتهم والتي هي غرفة نومهم ، فسرعان ما أحضروا لي ماءا ساخنا لكي أستحم ولما نزعت بذلتي العسكرية وجدت إن سيقاني ليس أفضل لونا من لون سروالي المتفحم ووجهي الشبه محروق . بعد الاستحمام تناولت طعاما طيبا ، شعرت بالنشاط والحيوية ، ثم خرجت واتصلت بعدد من الرفاق فأعددت سيارة ثم وجدت نفسي بين عائلة أخرى ، أعدوا لي فراشا بالقرب من مخبأ كان قد أعد للهاربين من الجيش والحالات الطارئة عندما نحل فيها ضيوفا عليهم ، وفي الواقع إن غالبية الشباب العراقي وخصوصا في المناطق التي تتردد إليها مفارز الأمن والجيش الشعبي كانوا يلجأ ون إلى مثل هذه المخابئ أو الملاجئ ، وأخير ضبط صدام حسين في واحدة مثلها .

في الليل حملت معي طعاما وملابس نسائية ورجالية مدنية تكلف بشرائها من مدينة الموصل عدد من رفاق المنظمة فكان بحوزتنا من أموال الحزب ما يكفي .. ولم يكن هناك قيود حول الصرفيات ... وذهبت إلى المخبأ الذي يقع خارج القرية وعاد كل من توفيق وأبو داود وبعد ذلك وصل رفيقنا من سنجار ، جرى الاتفاق معه للعبور إلى سوريا لإعداد مستلزمات استقبالنا في الطرف السوري من قبل رفاقنا العاملين في مكتب قامشلي للحزب . على أن تتحرك المجاميع الأولى نحو سنجار بعد أيام قليلة من هذا الوقت. ولهذا السبب عاد الرفيق سريعا لأن الوضع كان يتطلب التحرك بسرعة . نمنا في هذا المخبأ في ليلتنا هذه . وعصرا بدأ أبو حازم يستعد لكي يستقل سيارة توصله إلى الموصل أو أحد أطرافها القريبة .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- ( لحفا قاييديا ) مجموعة قرى تسكنها عشائر أيزيدية تحت اسم عشائر قائيدي ، وهذه القرى هي سينا وشيخ خدرى وشاريا وخه رشه نيا وكه لى به درى ، جرى تهجير سكانها أثناء فترة الأنفال وإسكانهم في مجمع قسري سمي بمجمع شاريا ومعهم سكان قريتي كه به رتوو وكرى بانى . وفي أحدى قرى هذه المنطقة وهي قرية سينا خاض أنصارنا معركة بطولية أثناء تعرضها للحصار ليلا من قبل قوات الجيش العراقي ، قدم فيها رفاقنا شهيدين وألحقوا خسائر كبيرة بالقوات المحاصرة ( تحدث عن هذه المعركة بالتفصيل النصير صباح كنجي ، تحت عنوان ماذا حدث في سينا ) وتفاصيلها منشورة في العديد من الصحف ألالكترونية .

2- (سعيد) أحد الأنصار الأوائل الذين التحقوا بصفوف قوات الحزب في ناوه زه نك ومن هناك انتقل إلى به هدينان وشارك بمختلف الأنشطة الأنصارية ، وهو أبن أخ الشهيد أبو ماجد فقد اكثر من 30 فردا من عائلته وأقاربه في حملة الأنفال التي نتحدث عنها بمن فيهم ولده الوحيد والبكر ألند ، يعيش الآن في ألمانيا ، لازالت السلطات الكوردستانية لم تفعل ما يساهم على إثبات وفاة أفراد عائلته في هذه الحملة أو تنفيذ معاملاتهم لغرض التعويض أو التقاعد وفق القانون الخاص بهذا الشأن .

3- (نه هـداركى ) الأشجار التسعة ، قمة في جبل خورزان ينبت فيها تسعة أشجار وهي أكثر أشجار كل المنطقة عمرا ويرتفع قاماتها في مساحة محدودة ، جرى تسييجها بجدار من الحجر ويبدو إنها مقدسة عند أبناء الديانة الأيزيدية . لم يتسنى لي الوقت للاستفسار عنها وأنا انشر هذه المحطة.

4- كل ما جاء بين قوسين في هذا التسلسل الرقمي إضافة إلى أشياء أخرى عن إبراهيم ساعدني في تذكره الرفيق أبو سربست ، كونه كان الأكثر قدرة في التعامل مع النصير إبراهيم ، وتهدئته في الأوقات الحرجة ، فقد كان يصرف جهدا استثنائيا معه رغم مشاغله المتعددة .



5- (حتارة ) وهي قرية حتارة الكبيرة وتابعة إلى ناحية ألقوش _ قضاء تلكيف ، وأنا أنتمي إليها ولكنني لم أولد فيها ، سكانها أيزيديون يبلغ عددهم 13000 نسمة ، لم أستطع زيارتها في ظروف طبيعية أي نهارا منذ بداية 1978 وإلى يومنا هذا . أي بعدما بدأ نظام البعث حملته الهستيرية ضد منظمات الحزب الشيوعي في كل مكان في العراق.

6- (فرهاد) من الأنصار الأشداء ، استطاع خلال هذه الفترة الوصول إلى سوريا مع رفيقه علي حاول وسط صعوبات بالغة ، وهناك في سوريا أعتقلتهما السلطات وأودعتهما السجن وعاشا ظروفا بالغة الصعوبة حتى كثر فيهما القمل وأصابهما المرض ، وخرجا بعد معرفة قيادة الحزب بوصولهما إلى سوريا والتدخل من أجل الإفراج عنهما .

7- (مجمع خانك) وهو تجمع سكاني قسري أقامته السلطات العراقية من قرى عديدة تسكنها عشائر الدنائية والهويرية وهي عشائر أيزيدية ، ويقع هذا المجمع بالقرب من نهر دجلة في ناحية فايدة .

8- (ملحم معجون ) كلما أتذكره منذ أن كنت طفلا كان ملحم شيوعيا يتردد إلى بيتنا كثيرا برفقة آخرين من رفاقه ، ولكن شخصيته كانت خاصة تثير الكثير من المرح في الآخرين بسبب حركاته وأنفه الطويل ، ومقابل هذا كان العديد من المنتمين إلى الأحزاب الأخرى يحاولون السخرية والنيل منه بكلمات جارحة . وفي الواقع كانت شخصية ملحم السياسية غير مؤثرة ولكنها مقبولة اجتماعيا بالرغم من نواقصها ، غاب عن هذه الدنيا بغدر اجتماعي غير مقبول .



#ناظم_ختاري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محطات من أنفال به هدينان - المحطة الرابعة عشرة
- محطات من أنفال به هدينان - المحطة الثالثة عشرة
- محطات من أنفال به دينان - المحطة الثانية عشرة
- ماذا عن الميليشيات ..! أليست إرهابية ..؟
- محطات من أنفال به هدينان - المحطة الحادية عشرة
- محطات من أنفال به هدينان - المحطة العاشرة
- أبا فؤاد يوارى الثرى
- المحطة التاسعة - محطات من أنفال به هدينان
- الممنوع الجديد في العراق الجديد ..!!
- !..حربكم قذرة .. الوطن يحترق بنيرانها .. أنتم تتحملون مسؤولي ...
- محطات من أنفال به هدينان- المحطة الثامنة
- محطات من أنفال به هدينان - المحطة السابعة
- محطات من أنفال به هدينان - المحطة السادسة
- محطات من أنفال به هدينان - المحطة الخامسة
- محطات من أنفال به هدينان - المحطة الرابعة
- محطات من أنفال به هدينان- المحطة الثالثة
- محطات من أنفال به هدينان - المحطة الثانية
- محطات من أنفال به هدينان
- محطات من أنفال به هدينان - ما قبل المحطات


المزيد.....




- نيويورك.. الناجون من حصار لينينغراد يدينون توجه واشنطن لإحيا ...
- محتجون في كينيا يدعون لاتخاذ إجراءات بشأن تغير المناخ
- التنظيمات الليبراليةَّ على ضوء موقفها من تعديل مدونة الأسرة ...
- غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب
- الرفيق حنا غريب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في حوار ...
- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024


المزيد.....

- سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول / ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
- سلام عادل -سیرة مناضل- / ثمینة یوسف
- سلام عادل- سيرة مناضل / ثمينة ناجي يوسف
- قناديل مندائية / فائز الحيدر
- قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني / خالد حسين سلطان
- الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين ... / نعيم ناصر
- حياة شرارة الثائرة الصامتة / خالد حسين سلطان
- ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري ... / خالد حسين سلطان
- قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول / خالد حسين سلطان
- نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف / سعيد العليمى


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - ناظم ختاري - محطات من انفال به هدينان - المحطة الخامسة عشرة