أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عصام مخول - أطروحات الحزب الشيوعي في المسألة القومية – حالة الجماهير العربية في اسرائيل! - الجزء الثاني















المزيد.....


أطروحات الحزب الشيوعي في المسألة القومية – حالة الجماهير العربية في اسرائيل! - الجزء الثاني


عصام مخول

الحوار المتمدن-العدد: 1789 - 2007 / 1 / 8 - 12:36
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


الصراع الأيديولوجي حول موقع الجماهير العربية وأذرع الهيمنة الفكرية في اسرائيل!
ألتحديات الحادة التي تواجهها الاقلية القومية العربية في اسرائيل، لا تقتصر على التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لكنها تتعرض، من اجل تفسير وتبرير التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الى هجوم ايديولوجي خطير، يشكل احد اخطر الوسائل الاستراتيجية، لمواصلة التنكر لحقوق هذه الاقلية القومية واحكام السيطرة على امكانات تطورها، وعلى الحد من قدرتها على استعمال وزنها للتأثير على وجهة تطور المجتمع الاسرائيلي كله، وعلى طابع هذا المجتمع والمساهمة في حسم خياراته في قضايا جوهرية مثل، دمقراطية الدولة او يهوديتها، سياسة سلام ام سياسة حرب واحتلال واستيطان، الدفاع عن حقوق العاملين، او الدفاع عن ديكتاتورية رأس المال الكبير في ظل هيمنة النهج الليبرالي الجديد! هذه الاسئلة ليست اسئلة عابرة. لأن امكانات احداث التغيير، وتجاوز الوضع القائم في اسرائيل لن يتم من دون الوزن الكبير لهذه الاقلية القومية التي تشكل قوة دمقراطية وسلامية اساسية في اسرائيل، وحدها لا تستطيع احداث التغيير ومن دونها لا احد يستطيع ذلك في القضايا المحورية الاساس. وهناك من يخلق الارضية الفكرية الايديولوجية لعزل هذه الجماهير عن حلفائها في هذه المعارك.
وليس صدفة ان الهجوم العنيف على حقوق الجماهير العربية في اسرائيل، وعلى موقعها وعلى شرعية مواطنتها وخياراتها السياسية وحرياتها الدمقراطية وميزانياتها وحقها بالمساواة، ترافقت مع هجوم غير مسبوق قامت به وتقوم على مدار السنوات الاخيرة المؤسسة الايديولوجية الرسمية المهيمنة، التي تسرح وتمرح في المؤسسة الاكاديمية، ومراكز الابحاث، ومؤسسات المجتمع المدني، ومجلس الامن القومي في اسرائيل، والفوروم الاستراتيجي – في المجلس الصهيوني في اسرائيل، وغيرها الكثير، من خلال هذا السيل العرمرم من الابحاث واوراق العمل، والدراسات التي تتناول الجماهير العربية في اسرائيل، وسط كمّ هائل من المغالطات، والاخطاء التاريخية البشعة في بعضها، المقصودة وغير المقصودة في سرد رواية وواقع الاقلية القومية في اسرائيل. ان ما يميز هذا النوع من الدراسات والابحاث انها لا تنطلق من الحاجة الى توفير الادوات الفكرية التي تحتاجها الاقلية القومية العربية في اسرائيل، للتحرر من قيودها واوضاعها وتحقيق مساواتها، في الحقوق القومية والمدنية، بقدر ما توفر تبريرا لهذه القيود والاوضاع والتمييز في الحقوق القومية والمدنية.
لقد أصاب رئيس لجنة رؤساء السلطات المحلية العربية شوقي خطيب، عندما اقدم على دعوة باحثين واكاديميين عرب، الى بناء ورقة عمل، تطرح القضية من باب الفكر السياسي للاقلية القومية العربية في اسرائيل، وهو اسهم بهذه الدعوة في نقل النقاش الداخلي في لجنة المتابعة ولجنة الرؤساء، الى مستوى النقاش الصريح والاستراتيجي، الذي يستدعي من الجميع التعامل مع الاسئلة الصعبة، وليس مع انعكاساتها السياسية الصحفية فقط. وعلينا ان نتعامل مع دعوة شوقي خطيب على انها دعوة لا زالت في بدايتها وليس في نهايتها. وان الاوراق التي قدمت لمواجهة الهجمة الايديولوجية الرسمية ونصف الرسمية على موقع الجماهير العربية في اسرائيل، باسم لجنة الرؤساء، هي اجتهاد اولي، يحتاج الى مساءلة ومناقشة وتلخيص. ولأنني اعتقد اننا في هذه المحاضرة، لن نستطيع ان نعطي ما استطيع تسميته الصراع الايديولوجي – حول موقع الجماهير العربية في اسرائيل حقه، ما دام هذا البحث معدا لطرح ورقة العمل التي قدمها الحزب الشيوعي منذ ثلاثين عاما، وما دامت العناصر الاساسية جميعها في تحليل الحزب، كانت صحيحة واضحة في المؤتمر الـ 18، واصبحت اشد وضوحا وصوابا في ظل النقاش الفكري الدائر، فسأكتفي بملاحظتين على ان نعود ونخصص لهذا الصراع الايديولوجي حول موقع الجماهير العربية، مساحة اكبر في الاطروحات التي نعدها نحو المؤتمر الـ 25 للحزب. الملاحظة الاولى، ان أي بحث لا بد ان يبدأ من مسح الفكر السياسي القائم والذي رافق الجماهير العربية في معاركها منذ قيام دولة اسرائيل وحتى اليوم. ان الايديولوجية الرسمية السائدة في اسرائيل، المعنية بتجاهل وجود الاقلية القومية العربية في اسرائيل والاصرار على الاعتراف بها اقليات دينية وطائفية وحمائلية فقط، هي ايديولوجية معنية بمحو الفكر السياسي الاستراتيجي الذي اعتمدته الجماهير العربية في بلورة وعيها كأقلية قومية وجذرت من خلاله بقاءها في وطنها ودورها في احداث التغيير. ان المؤسسة الايديولوجية الاسرائيلية المعنية بالتنكر لموقع الاقلية القومية العربية معنية بالضرورة ان تمحو من الذاكرة، دور الفكر السياسي الذي قاده الحزب الشيوعي الاسرائيلي وعلى اساسه نجح في قيادة معارك هذه الاقلية القومية العربية - ومن حقنا على باحثينا ان يقوموا بعملية المسح للفكر السياسي بين الجماهير العربية بأمانة، ليس دفاعا عن الحزب الشيوعي وطريقه وفكره، وادبياته ومؤتمراته (وجميعها متوفرة) وليس حنينا الى الماضي، بل دفاعا عن الجماهير العربية ومستقبلها، وسلامة طريقها الكفاحي، ورفضا للوقوع في شرك مؤسسات البحث، وصناديق التمويل لاعادة كتابة تاريخ الجماهير العربية، او محو معالمه.
والملاحظة الثانية – ان الجو السائد في الاكاديمية وفي الصراع الفكري الدائر في المجتمع الرأسمالي الاسرائيلي، هو جو جارف، يعمل على ابقاء الخيارات كلها في اطار الفكر البرجوازي الذي تحمله المؤسسة الايديولوجية وتدافع عنه، وتعمل من خلاله على تسويق النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي السائد. وفي داخل هذا الاطار، فان الاكاديمية تعترف بحرية الفكر، وحرية التحليل والبحث. شريطة الا تطرح اسئلة تضع علامة استفهام حول النظام السائد نفسه. وفي رأيي ان هذا هو السبب في ان الخيار القائم اليوم بخصوص تحليل واقع وموقع الجماهير العربية في اسرائيل كأقلية قومية، هو اما الخيار الفكري الطبقي البروليتاري الواضح الذي انطلق منه الحزب الشيوعي، وبنى على اساسه اطروحات المؤتمر الـ 18، واما الطرح البرجوازي على تفاوتاته، والذي يهدف في نهاية المطاف الى تفسير الواقع بمفاهيمها من اجل تبريره والابقاء عليه لا من اجل تغييره تغييرا ثوريا، مهما تشكلت اوراق العمل، ومهما تغير الانتماء القومي للباحثين.
ان الاطروحات والتحليلات البرجوازية ستبقى محصورة في البحث عن مكان تحت الشمس، ليس لاوسع الشرائح الاجتماعية بين الجماهير العربية في حالتنا، وانما ستجهد في البحث عن مكان للنخب العربية على اطراف طاولة النخب الاسرائيلية. وهي تتحدث عن عملية يتحاور فيها اليهود (كل اليهود من جهة) والعرب (كل العرب من الجهة الاخرى) من اجل ايجاد معادلة جديدة تحسن مواقع النخب العربية الناشئة، على الساحة السياسية والاكاديمية واحيانا الاقتصادية. ان الصراع في هذه الحالة يدور على قطعة اكبر من الكعكة للنخب العربية الناشئة. ولا بأس في ذلك، ولكن السؤال الذي يبقى غائبا والذي تطرحه فقط الرؤية البروليتارية الماركسية اللينينية – ويطرحه الحزب الشيوعي – كيف نساهم كأقلية قومية في تغيير الكعكة، وتركيبتها وطعمها. ان الاكثار من الحديث عن دمقراطية توافقية مؤخرا، و "التعددية الثقافية" كمخرج من الازمة في حالة الجماهير العربية، يتطلب ايضا مساءلة اكثر جذرية، لنظام يقوم على المحاصصة في السلطة، على اساس اثني او طائفي او قومي – والحالة اللبنانية – نموذج واحد. ان المعركة التي تدور الآن في لبنان، تدور على تعديل الحصص في السلطة بسبب التغيرات الديموغرافية، وان الفرق بين هذا المطلب الذي يخلد الازمة، وبين مطلب الحزب الشيوعي اللبناني، ان الاخير يعتبر ان الخروج من الازمة لن يتم الا بالخروج من نظام المحاصصة والانتقال الى دمقراطية حقيقية.
ان الحاجة ملحة الى العودة القريبة لمناقشة جوانب جديدة في اوراق العمل المقدمة، الجديدة والقديمة.. اوراق العمل التي تنتجها المؤسسة الايديولوجية الرسمية، واوراق العمل التي ينتجها باحثون عرب ومراكز ابحاث، ولكن الآن سأتركز في طرح ورقة العمل التي وضعها الحزب الشيوعي في مؤتمره الثامن عشر، لأنه التحليل الاكثر صحة ودقة وعمقا، والاكثر وطنية ايضا. ان الاستراتيجية الاممية للحزب الشيوعي تنكشف على انها الاستراتيجية القادرة على تدعيم الاقلية القومية العربية، والقادرة على الدفاع عن مصالحها الوجودية، وعن حقها في المساهمة في احداث التغيير الثوري والدمقراطي العميق، لأنها استراتيجية طبقية، لا ينحصر فيها فضاء الاقلية القومية العربية في سقفها القومي، بل تحتفظ لنفسها بالافق المفتوح الممتد الى فضاء الطبقة العاملة الاسرائيلية، وفضاء شعبها الفلسطيني، لتؤثر وتتأثر. هذا هو الفرق بين طروحاتنا، وكل الطروحات البديلة.

* وطن هو – مصدر المواطنة – ومواطنة هي مدخل الدفاع عن الوطن
يجدر القاء نظرة تاريخية تراجعية على عدد من المفاهيم السياسية الحاسمة تاريخيا، في تحليل موقع الجماهير العربية في اسرائيل. فالجماهير العربية الفلسطينية التي بقيت في المناطق التي قامت عليها دولة اسرائيل بعد نكبة العام 1948 بلغ تعدادها 150 - 160 الفا من السكان المهشمين، والمهمشين اليائسين والمحبطين، بقايا شعب مهجر ومنكوب، بقوا في وطنهم كالايتام على مائدة اللئام. وقد برزت وجهتا نظر متناقضتان في فهم تميز هذه الجماهير العربية في الظروف الناشئة:
الاولى، نظرة رجعية، مستندة الى فكر برجوازي تابع وسائد، اعتبرت ان الجماهير العربية اختارت ان تتخلف عن ركب شعبها اللاجئ، واعتبرت ان هذه الجماهير ببقائها في وطنها فكت ارتباطها، وقطعت مصيرها عن مصير شعبها، وانها قبلت العيش في اسرائيل "دولة العدو". ووفقا لهذا المفهوم فان الجماهير العربية التي بقيت في وطنها الذي قامت عليه اسرائيل، تكون قد خانت شعبها.. وخلقت هذه العقلية الوهم، وكأن الدور التاريخي للجماهير العربية في اسرائيل يقتصر على الانتظار على "قارعة المجتمع الاسرائيلي"، وعلى هامش المجتمع الفلسطيني، الى ان يأتي النصر من العالم العربي، او ما كان يطلق عليه، اميل حبيبي، "الفرج العربي" لتجد قضايا الجماهير العربية حلها. ان البقاء في الوطن وفق المفهوم القومي البرجوازي السائد، كان عقب آخيل، بالنسبة للجماهير العربية في اسرائيل، وموضع ضعفها، وربما مصدر عارها وحدبتها التي كان عليها التخلص منها.
الوجهة الثانية، نظرة شيوعية تقدمية، رأت ببقاء الجماهير العربية في وطنها، انجازا هائلا وعقبة هامة امام المؤامرة على الشعب الفلسطيني، واعتبرت ان مجرد البقاء في الوطن، هو القيمة المضافة في نضال الجماهير العربية في اسرائيل.
فهذه الجماهير لم تحصل على مواطنتها "بفضل" "قانون العودة" الصهيوني وانما بفضل بقائها في وطنها على الرغم من "قانون العودة". بفضل البقاء في الوطن حصلت هذه الجماهير على مواطنتها، وبفضل مواطنتها حافظت على ارضها، وعلى قطعة الوطن التي تنتمي اليها وتعيش فوقها. انها جدلية الوطن والمواطنة، الوطن هو مصدر المواطنة، والمواطنة مدخل للدفاع عن الوطن.
هناك شيء هام ومتميز في هذا التفاعل المثير بين الرؤية الاستراتيجية للحزب الشيوعي، وبين الجماهير العربية في اسرائيل، وفي جاهزيتها لتبني هذه الاستراتيجية في نضالها الصعب والمعقد. ان هناك شيئا لافتا للنظر في الثقة التي قامت بين الجمهور العربي في اسرائيل وبين الحزب الشيوعي منذ ان خرج قادة الحزب ونشيطوه ليلقوا باجسادهم امام عجلات حافلات الترحيل والتهجير في العام 1948 لمنعها من مواصلة الاقتلاع والترحيل، والاعلان عن معركة البقاء في الوطن، جوابا قاطعا ونقيضا للنكبة. ومنذ ان قاد هذا الحزب المعركة اليومية للجماهير العربية مترجما النظرية الطبقية التحررية الكبرى، الى نضالات عينية، يومية، صغيرة، كانت تفاصيلها هي تفاصيل حياة الناس في السنوات الاولى لقيام اسرائيل، من حرية الحركة والتنقل في ظل الحكم العسكري، الى عدد البيضات التي يحق تسويقها، ومنذ ان خاض المعركة على وعي الناس، من خلال وضع قضاياهم اليومية العينية الصغيرة، في اطار النظرية الطبقية التحررية الكبرى، يجدل من تفاصيلها الفكر البديل ومشروع المجتمع الانساني البديل والارقى.
وكما يبدو، فانه كما في كل الحروب، كانت حرب 1948 ايضا، قد ابقت في المؤخرة الاقسام المستضعفة من المجتمع، عديمي الحيلة، الاكثر فقرا. ليس الشرائح البرجوازية وبقايا الاقطاع، وانما الفلاحين والعاملين البسطاء، وصغار التجار. ولم يكن مجرد صدفة، انه في هذه الحرب ايضا، كانت البرجوازية والقيادات التقليدية والاقطاعية، هي اول من هاجر ورحل، تاركة من ورائها، بقية جريحة من شعب منكوب، وحزبا شيوعيا ملتصقا بهذه الجماهير مثابرا على معركته لمد هذه الجماهير بوسائل الصمود في الكفاح الوطني والطبقي الشامل.
لقد صبّ هذا الاندماج بين النضال العنيد والصعب والمعقد، الذي خاضته الجماهير العربية في اسرائيل، في ظروف هي ايضا صعبة ومعقدة، وبين الاستراتيجية السياسية المسؤولة والشجاعة التي صاغها الحزب الشيوعي، في مصلحة الجماهير العربية تاريخيا، وبفضل هذا الاندماج والتداخل، وتحول استراتيجية الحزب الى استراتيجية شعب، تجذرت الجماهير العربية في وطنها، جزءا متميزا من الشعب الفلسطيني. لم تعد جمهورا يقيم على هامش الشعب الفلسطيني، ولا على هامش المجتمع الاسرائيلي، بانتظار النصر القادم من الخارج، وانما قوة وطنية ودمقراطية مكافحة من اجل احقاق الحقوق القومية لشعبها وفي طليعتها ممارسة حقه في تقرير المصير في دولته المستقلة وفي سبيل احداث التغيير العميق في اسرائيل، نحو دمقراطية حقيقية وسلام عادل.

* من يخاف من المواطنة؟؟!
في هذه الايام ذاتها، التي يهب فيها دعاة الترانسفير على انواعهم، لزعزعة حق العرب في مواطنتهم، ويجهدون في البحث عن وسائل وبرامج فاشية، للتخلص من حق المواطنين العرب بالمواطنة، نقف امام تحليلات جديدة، تنشرها نخب عربية تحمل فكرا بديلا لفكر الحزب الشيوعي، فكرا "متبرما" "بالمواطنة الاسرائيلية" "التي فرضت على الجمهور العربي"!
نحن نرفض ان تتم مطالبة الجماهير العربية في اسرائيل بالاعتذار عن بقائها في وطنها، والاعتذار عن مواطنتها في اسرائيل.
لقد مرت مرحلة في حياة الجماهير العربية في اسرائيل امتدت حتى اواسط السبعينيات من القرن الماضي، تميز موقف المؤسسة الحاكمة في اسرائيل خلالها بالتعبير عن انزعاجها وامتعاضها وقلقها، من نمو الوعي لدى المواطنين العرب في اسرائيل، للمركب القومي – الفلسطيني في هويتهم. وقامت المؤسسة الحاكمة بكل وسائل القمع والابتزاز بمحاولة خنق هذا الوعي ومنعه من التطور. لقد مرت هذه المرحلة دون رجعة وتحطمت سياسة الخنق السلطوية وترسخت مقولة الحزب الشيوعي الاسرائيلي، حول: "الاقلية القومية العربية، التي تشكل جزءا حيا وواعيا ونشيطا، من الشعب العربي الفلسطيني" وحسم النقاش مع المؤسسة التي اضطرت الى التسليم بهذا الوعي الذي اصبح امرا طبيعيا مفروغا منه.
ولكننا اليوم، نشهد هجمة من نوع آخر، تقوم فيها المؤسسة الحاكمة، السياسية والامنية، واذرعها اليمينية الفاشية، بالتحريض على المركب المدني – الاسرائيلي، في هوية المواطنين العرب، ومحاولة التخويف منه والقضاء عليه، وتحاول ان تخنق وعيهم المتعاظم لهذا المركب في هويتهم، وجاهزيتهم لاستعمال الوزن النوعي المتميز لهذا المركب المدني – المواطني.
ان الدعوات العنصرية التي تتعامل مع الجماهير العربية على انها "خطر دموغرافي" والمشاريع الفاشية للتخلص من مواطنة نصف مليون مواطن عربي غالبيتهم من المثلث، يؤكد بعد النظر الذي تحلى به الحزب الشيوعي "حين رفض" في مؤتمره الثامن عشر: "المفاهيم والاسس الصهيونية التي اعتمدتها الحكومة في تعاملها مع مسألة الجماهير العربية في اسرائيل، ومع مسألة طبيعة وطابع دولة اسرائيل.." "ورفض المؤتمر رفضا قاطعا، تصريحات رئيس الحكومة، بأن اسرائيل هي دولة يهودية صهيونية، ولذلك ترفض الاعتراف بالحقوق القومية للجماهير العربية في اسرائيل، وترفض الاعتراف بها اقلية قومية".
وجاء ايضا.. صحيح ان دولة اسرائيل، هي دولة يهودية، بمعنى انها تعبر عن ممارسة حق تقرير المصير للشعب اليهودي في البلاد، الا ان اسرائيل ليست دولة يهودية فقط، وانما دولة يعيش فيها اكثرية يهودية، واقلية قومية عربية ذات وزن كبير".. "في دولة اسرائيل دمقراطية حقيقية، يتمتع جميع المواطنين بالمساواة الكاملة، ويتم احترام الحقوق القومية للاقلية القومية العربية".. "ان الجماهير العربية في اسرائيل، هي اقلية قومية في دولة اسرائيل وجزء من الشعب الفلسطيني. وعامل له وزنه الكبير كميا ونوعيا في دولة اسرائيل. وعلى حكومات اسرائيل ان توفر له المساواة الكاملة في الحقوق المدنية والقومية. ان المجتمع الاسرائيلي هو الساحة السياسية التي يفترض ان تفعل فيها وتؤثر عليها هذه الاقلية القومية العربية". "ان الاقلية القومية العربية في اسرائيل لها الحق الكامل، في النضال ضد سياسة التمييز والاضطهاد القومي".. "ان الجماهير العربية تناضل في اطار دولة اسرائيل".. "المشكلة ليست ان الجماهير العربية، لا تعترف بحق اسرائيل بالوجود، المشكلة هي ان حكومات اسرائيل ترفض الاعتراف بالاقلية القومية العربية في دولة اسرائيل".
ان الجماهير العربية في دولة اسرائيل، بتذويتها استراتيجية الحزب الشيوعي، لم تسلم بقبول موقعها على الهامش، بل قررت استعمال وزنها المتزايد ووزن مواطنتها من اجل ان تكون شريكا كاملا في احداث التغيير الدمقراطي العميق، داخل دولة اسرائيل وفي النضال من اجل السلام العادل الاسرائيلي الفلسطيني، والاسرائيلي العربي، جنبا الى جنب مع القوى الدمقراطية وقوى السلام في اسرائيل.
ليس فقط، ان الجماهير العربية لم تختر ان تجلس مكتوفة الايدي في انتظار الخلاص والفرج من الخارج. وانما اختارت ان تكون عاملا فعالا ونشيطا في النضال من اجل الحل العادل لقضية شعبها الفلسطيني، من موقعها داخل اسرائيل.
ان المفهوم الاستراتيجي الاممي الذي يطرحه الحزب الشيوعي الاسرائيلي، هو ليس نقطة ضعف الحزب الشيوعي في المسألة القومية، العكس هو الصحيح، هذا المفهوم الاممي هو نقطة قوة الحزب، وقيمته المضافة. جدلية الانتماء القومي الواضح وغير المتردد للشعب الفلسطيني، وفي الوقت ذاته، الانتماء الواضح وبلا تأتأة الى المجتمع الاسرائيلي والى الطبقة العاملة في اسرائيل. دور فاعل ونشيط في المعركة لاحقاق الحقوق القومية المشروعة للشعب الفلسطيني، وعلى رأسها حقه في التحرر والاستقلال، ودور فاعل في احداث التحويل الدمقراطي العميق للمجتمع الاسرائيلي.
لقد حصلت الاكثرية الساحقة من الجماهير العربية التي بقيت في وطنها والتي لم تطلها سياسة التهجير، على المواطنة الاسرائيلية، بفعل بقائها. لكن جمهور المواطنين العرب، لم يكن قادرا على الاكتفاء بالمواطنة، بل كان عليه ان يخوض نضالا مريرا من اجل حقه في البقاء والتطور الكريم فوق ارضه. في وجه حكومة عملت مباشرة بعد قيام الدولة على سلب الاراضي العربية والسيطرة عليها.
ان النضال الذي تخوضه الاقلية القومية العربية في اسرائيل، يدمج بشكل عضوي، المعركة على الدفاع عن الارض مع المعركة على الدفاع عن المواطنة وعن الحقوق المدنية والتمسك بالحقوق القومية. لقد دحض المواطنون العرب العقلية التي ترى ببقائهم في وطنهم وبمواطنتهم في دولة اسرائيل، تعبيرا عن ضعفهم وتعبيرا حتى عن "خيانة القضية القومية". لقد تبنت الجماهير العربية وجهة نظر الحزب الشيوعي، وتحليله، مؤكدة ان دور الاقلية القومية العربية، ونضالها من اجل حقوقها القومية والمدنية، يشكل جزءا لا يتجزأ من النضال دفاعا عن الحريات الدمقراطية وتحقيق السلام العادل والدائم سواء بسواء.
لقد اكد هذا التوجه، ان الجماهير العربية ليست عبئا على الدمقراطية الاسرائيلية، وانما احد اعمدتها الاساسية، وان موقع الجماهير العربية المدني والسياسي، وموقعها في الدمقراطية الاسرائيلية، هو المقياس الحقيقي الذي يجب ان تقاس به هذه الدمقراطية، وهو عامل اساسي في موقع الدمقراطية من المجتمع الاسرائيلي. ان كل هجمة ضد حقوق الجماهير العربية، تشكل في نهاية المطاف، هجمة على الدمقراطية الاسرائيلية، وكل انجاز تحققه في معركة مساواتها، يعزز من مكانة الدمقراطية ويشكل تدعيما لها.
ان الاستنتاج الذي يمكن استخلاصه من هذه الرؤية المبدئية والواقعية، يفترض ان القضايا الوجودية الاساس للجماهير العربية، يمكن ان تجد حلها من خلال النجاح في المعركة على تطوير الدمقراطية في اسرائيل وتعميقها، وتوسيع حقوق الانسان والمواطن، ودفع مسألة المساواة قدما، الا ان اسرائيل لا تستطيع ان تصبح دمقراطية حقيقية من دون التخلي عن سياسة التمييز ومن دون حل هذه القضايا الاساس.
وعلى ذلك فان للجماهير العربية مصلحة بنيوية وعضوية عميقة في تعزيز الدمقراطية، وتساهم هذه الجماهير في الوصول الى ذلك، من خلال النضال ضد التمييز تجاهها، وضد كل تمييز، وضد اضطهادها، وضد كل اضطهاد. ان التغيير العميق القادر على تحقيق المساواة الكاملة في الحقوق القومية والمدنية لن يتم بدون الجماهير العربية او في مواجهتها، ولكنه لن يتم ايضا عن طريق الجماهير العربية وحدها.
ومن هنا، فان النضال الدمقراطي اليهودي – العربي المشترك، وضع في الجانب الواحد من المتراس، كل اولئك الذين لهم مصلحة في العدالة الاجتماعية والقومية، يهودَ وعربا، وفي الجانب الآخر منه، كل اولئك الذين لهم مصلحة في الاحتفاظ بالنظام الاجتماعي القائم، والذي يوفر الظروف لتعميق الاستغلال الطبقي والقومي.

من محاضرة الأمين العام للحزب الشيوعي عصام مخول في الاجتماع الموسع للجنة المركزية في 22/12/2006



#عصام_مخول (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أطروحات الحزب الشيوعي في المسألة القومية – حالة الجماهير الع ...
- من العبث تحميل الفلسطينيين مسؤولية ضمان يهودية دولة اسرائيل!
- فشل استراتيجية بوش- يجعله اكثر خطرا
- حزبنا الاممي اليهودي العربي يشكل موضوعيا الجواب والامل والمس ...
- غيوم الخريف- وخريف الرئيس بوش!
- من مجزرة كفر قاسم إلى -تحرك أم الفحم-! دور الحزب الشيوعي في ...
- التجربة النووية الكورية الشمالية: بين نظرية الأمن الأمريكية ...
- لا بشائر حقيقية دون وقف العدوان - لإطلاق سراح الشعب الفلسطين ...
- انطلقوا.. نخترق واياكم جدران الفصل العرقي
- الإنتخابات لم تخرج إسرائيل من الأزمة السياسية والإجتماعية-ال ...
- عرب 30 اذار 1976 تغيّرنا فانجزنا يوم الارض وعندما انجزنا يوم ...
- السياسة الإسرائيلية مصابة بانفلونزا الطيور ان لم تحاصرها حاص ...
- المعركة الانتخابية فرصتنا لابراز تميز بنيتنا اليهودية-العربي ...
- ذاهبون لننجز - دَعَوْنا تاريخيا لوحدة الصف الكفاحية في تميزه ...
- التغيير في رئاسة حزب -العمل- فرصة لتوسيع تأثير الحزب الشيوع ...
- على معسكر السلام أن يتحرك! إستراتيجية الحزب إزاء تعمق الأزمة ...
- ألمطران ريا – كان رجل دين ورجل وطن، لا يكتمل الاول الا بالآخ ...
- ألطيبة: حالة مريضة نحن نوفر لها طبيبا ماهرا!
- -أم النور- – أيّ من ألقابها هو اسمها الحركي؟
- تسونامي الفساد لا سقوط بعد الحضيض!


المزيد.....




- نيويورك.. الناجون من حصار لينينغراد يدينون توجه واشنطن لإحيا ...
- محتجون في كينيا يدعون لاتخاذ إجراءات بشأن تغير المناخ
- التنظيمات الليبراليةَّ على ضوء موقفها من تعديل مدونة الأسرة ...
- غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب
- الرفيق حنا غريب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في حوار ...
- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عصام مخول - أطروحات الحزب الشيوعي في المسألة القومية – حالة الجماهير العربية في اسرائيل! - الجزء الثاني