بقيت مبادرة المجلس الوطني للحزب الشيوعي اللبناني القاضية بإطلاق ورشة حوارية داخلية تمهد لانعقاد المؤتمر الوطني التاسع، محور أسئلة لدى هيئات الحزب كافة من جهة ولدى المعنيين بالتدابير التنظيمية التي أقرت في إطار التحضير للحوار من جهة ثانية.
ومن المنتظر ان تكون هذه المبادرة محور نقاش هيئات الحزب في المناطق كافة فضلا عن لقاءات سيتولى عقدها الأمين العام فاروق دحروج مع عدد من المشمولين بالتدابير او الذين قرروا تجميد عملهم طوعا في الهيئات القيادية للحزب في مرحلة ما بعد انعقاد المؤتمر الثامن.
والملاحظ ان ما يسمى ((الفريق المتشدد)) في الحزب لا يملك رؤية واحدة للحوار، إذ ان البعض من أهل هذا ((الفريق)) يقول بأن ((تردد القيادة الحالية هو الذي أسهم في إضعاف فعالية الحزب وتشتيت طاقته وبالتالي صار المطلوب الحسم مع ((الظواهر النافرة)) في الحزب وإنهاء الوضع المتأزم بأسرع وقت ممكن))
بيد اننا نجد البعض من الفريق نفسه وهو يعتبران تجربة الحزب بعد المؤتمر الثامن ((تقتضي استخلاص العبر بما يؤمن للحزب وحدته وتنوعه وفاعليته وبما يؤدي الى الاسهام في توحيد صنوف قوى اليسار)).
وفي مقابل هذين الرأيين ضمن ((الفريق)) الواحد نفسه، يواجه المعارضون داخل الحزب ايضا، مأزق صياغة موقف موحد ازاء المبادرة التي أطلقها المجلس الوطني، فيما يواصل الأمين العام فاروق دحروج محاولة شبه مستحيلة للتقريب بين ((المعارضين)) و((المتشددين)).
وفي خضم هذه الورشة، وسعيا الى توسيع دائرة النقاش ازاء ما يجري في الحزب الشيوعي، تنشر ((السفير)) اليوم مضمون الورقة التي أعدها المكتب السياسي للحزب وقدمها الى المجلس الوطني الذي أقرها كأساس للنقاش والحوار الداخلي في الحزب.
ويقول نائب أمين عام الحزب سعدالله مزرعاني ل((السفير)) ان هذه الورقة ((هي عبارة عن عناوين غير حصرية للحوار داخل الحزب بالاستفادة من محاولات اخرى جرت ولا سيما ((لجنة الحوار)) التي توقف عملها قبل ستة شهور تقريبا بسبب افتقادها لمنهجية واضحة في تناول القضايا ولكي لا تتكرر هذه التجربة كانت هذه العناوين المقترحة مع آليات حددها المجلس الوطني في تقريره التنظيمي)).
تجدر الاشارة الى ان ورقة ((عناوين للحوار)) تبدأ بمقدمة عامة تشير الى المنهجية التي تحدث عنها مزرعاني وذلك في إطار السعي الى ((وضع الحصان أمام العربة وليس العكس))
كما تؤكد الورقة انه من شأن المضي بالحوار بشكل سليم ومثابر التوصل الى تعزيز مسيرة الحزب الديموقراطية التي أُنجزت منها خطوات مهمة في عملية انتخاب الهيئات جميعا وفي عملية النقاش والحوار والاختلاف حول كل المسائل الفكرية والسياسية وفي حق إبداء الاعتراض حول كل المسائل بما فيها التنظيمية دون الاخلال طبعا بوحدة التنفيذ كما كان ينبغي ان يحصل في السابق واليوم وفي المستقبل)).
وفي ما يأتي مواضيع الخلاف الفكرية والسياسية والتنظيمية كما عرضت لها ورقة المكتب السياسي للحزب:
أولا: المواضيع الفكرية:
قدمت وثيقة المؤتمر الثامن مساهمة مهمة في تحديد المنطلقات الفكرية وروحية الأخذ بها مع حق استمرار النقاش حول ما تطرحه من اشكاليات، الا ان بعض النقاش ما زال يدور ولو بشكل محدود، حول الهوية الفكرية والطبقية للحزب وحول المدارس الفكرية والسياسية التي عرفتها الماركسية وطريقة التعامل معها... وجزئيا تطرح ايضا مسألة طبيعة الحزب...
ونحسب ان نص المؤتمر الثامن ما زال صالحا بشكل عام بمقدار ما هو ايضا قابل للتطوير. والمشكو منه في الواقع، هو النقص في حيوية النقاش الفكري كماً ونوعاً وندرة المساهمات والمساهمين في ذلك.
ويعبر اعضاء في المنظمات والأجيال الجديدة من الرفاق عن الحاجة الى التثقيف. وهذا الامر شكل وما يزال ثغرة خطيرة في انتاج ومراكمة مادة حوار فكري ومعرفي في قضايا التغيير والثورة والديموقراطية والعدالة والاشتراكية في بلدنا وفي منطقتنا وحتى على المستوى الدولي. ولذلك، دون شك، ثمنٌ ندفعه على مستوى تباطؤ نضوج عامل أساسي جدا من عوامل نضوج الوعي المعرفي والديموقراطي في مسيرتنا الراهنة.
ان النقاش حول المسائل الفكرية يجب ان يبقى مفتوحا. وهو مطلوب دائما ويجب تنظيمه والحث عليه وإيجاد المنابر الضرورية لذلك. ولا ينفي ذلك ضرورة تثبيت خلاصات تشكل بالاضافة الى المرتكزات الاساسية (الماركسية) قاعدة الانطلاق التي يجري بها الاسترشاد في عملية يجب ان تغتني باستمرار بكل جديد يجري اكتشاف تأثيره في مجرى عملية الصراع من أجل التقدم والديموقراطية والاشتراكية في عالمنا الذي تجتاحه عولمة طابعها الرئيسي الجموح الاميركي نحو السيطرة الشاملة على مصائر الكون وثرواته وقاراته جميعا...
الشيوعي: أي تحالفات؟
ثانيا: المواضيع السياسية:
اتسمت التباينات حول هذا العنوان بكثير من المد والجزر. وما تبلور منها في المراحل الاخيرة هو الأوضح:
في المؤتمر الثامن وما قبله، طورت هيئات الحزب القيادية توجهات ومواقف تضمن الكثير منها التقرير السياسي الاخير للمجلس الوطني. وجوهره الآتي:
أ الشعار الراهن لنضالنا هو اقامة ((بديل ديموقراطي للنظام الطائفي اللبناني)) المولد للحروب والأزمات والعاجز موضوعيا عن توفير عناصر تحصين سيادة البلاد وتطوير مؤسساتها على قاعدة المساواة والديموقراطية والعدالة.
ب مرتكزات هذا البديل هي أربعة:
1 قضية التحرير والسيادة (تحرير ما تبقى من الارض والأسرى من العدو الاسرائيلي، تصحيح العلاقات السورية اللبنانية بحيث تتمكن مؤسسات الدولة من تحمل مسؤولية القرار في الشؤون اللبنانية كافة).
2 قضية المساواة بين اللبنانيين وجوهر ذلك إلغاء الطائفية السياسية، وفق ما نص عليه اتفاق الطائف، وإقرار قانون انتخابات غير طائفي يعكس حقيقة التمثيل (النسبية والدائرة الموسعة).
3 قضية الديموقراطية وحقوق الانسان واستقلالية القضاء وانفلات الاجهزة والميل الى نظام قمعي أمني.
4 قضية العدالة الاجتماعية: توفير الشروط لبناء اقتصاد وطني ينهض على قواعد تعزيز الانتاج الصناعي والزراعي وتطوير السياحة والاستثمار في تنمية ما يملكه لبنان من طاقات بشرية يوظفها فيه وفي محيطه العربي ضمن سياسة وطنية سليمة للرعاية والحماية. المكتسبات الاجتماعية وتطويرها ومنع تدفيع الفئات الشعبية المتوسطة والفقيرة اثمانا متزايدة في نشوء الأزمات او في تلقي انعكاساتها ومعالجة كل ذلك... تطوير التعليم الرسمي والجامعة اللبنانية من ضمن خطة أشمل لتعزيز الانتماء الوطني...
ويتصل بهذه المرتكزات التأكيد على دور لبنان كعنصر فاعل في قضايا أمته العربية وخصوصا في الصراع مع العدو الاسرائيلي.
هذه المرتكزات مترابطة وبالاستناد اليها توضع خطط الحزب التنفيذية وتتجدد نضالاته وتحالفاته وعلاقاته. وشرط كل ذلك، موضوعيا. تأكيد استقلاليته وتمايزه بعيدا عن اي ارتهان خارجي او داخلي.
ولا يعني ذلك، كما جاء في تقرير المجلس الوطني، انتفاء تقديم مرتكز من المرتكزات المذكورة في هذه المرحلة او تلك على ما عداه، ليصبح أولوية تكتيكية تبنى عليها لقاءات وعلاقات وصيغ تنسيق وعمل مشترك. لكن دون ان يخل ذلك بالموقف الخاص بالحزب، كقوة ديموقراطية وغير طائفية ينبغي ان يتأكد طابعها هذا بالاستمرار من خلال التحالف مع القوى الديموقراطية واليسارية التي تشاركه الكثير من شعاراته ومرتكزات بديله الديموقراطي.
واحد من عناصر الخلاف: هل يبني الحزب تحالفاته على أساس مجمل او معظم مرتكزات برنامجه، ام على أساس بند وحيد منها يتخذ صفة الاولوية في مرحلة من المراحل مضحيا بالضرورة، وخصوصا عندما يتعلق الامر بموضوع الوجود السوري في لبنان، بالبنود الاخرى، وخصوصا منها بند الطائفية؟ وتتداعى عن هذا التساؤل تساؤلات اخرى ارتباطا بالمشهد الواقعي الراهن والسابق للحياة وللصراعات السياسية في لبنان:
1 هل يناضل الحزب من اجل تصحيح العلاقات اللبنانية السورية من ضمن موقعه المستقل والمتحالف مع عدد من القوى غير الطائفية (التجمع الوطني للانقاذ والتغيير) او من موقع التعاون مع قوى ذات منطلقات طائفية ينطوي برنامجها بالضرورة على محاولات لاعادة النظر بالتوازنات الطائفية في عملية تكرر الصراع التاريخي في هذا الصدد (قرنة شهوان)؟
2 هل يعني نضال الحزب من موقعه المستقل الانعزال عن القوى الداعية الى تطبيق الطائف واعادة نشر القوات السورية (قرنة شهوان)، أم ثمة اشكال للتنسيق حول هذا الشعار مع سعي من قبلنا لإعطائه المحتوى الديموقراطي وغير العنصري والساعي الى اقامة العلاقات اللبنانية السورية على أسس صحيحة؟
3 هل تتسع صيغ القوى ذات المنطلقات الطائفية لموقع متميز ومستقل لعمل الحزب؟ ام ان المطروح مجرد الالتحاق خدمة للهدف المشترك؟ اي ان التنازل المطلوب هو من الحزب وليس مساومة مع هذه القوى يجري من خلالها تبادل التنازلات لخدمة السيادة والديموقراطية في آن ولكي لا تستبدل هيمنة بهيمنة ووصاية خارجية بأخرى؟
4 لقد قام تحالف الحزب في نطاق ((الحركة الوطنية)) على أساس برنامج واضح ومعروف من الجميع. هل يتعذر قيام مثل ذلك الآن، وما هو المطروح او المعروض بالتحديد في صيغة ((المنبر الديموقراطي)) التي يدعمها وليد جنبلاط؟
5 هل يستطيع الحزب ان يكون شريكا عبر هيئاته، وان يكون ((علنيا)) أم هو مضمر عبر صيغ عمل لاستدراج ممثلي بقية الطوائف الى الموقف المطلوب؟
6 ما هو خطر التحاق شيوعيين (كما يمكن ان يحصل) مع قوى تعبر من ((خلال كنيستها)) (كما نظر علمانيو القرنة) برئاسة المطران بشارة على برنامج الحزب بل وعلى وحدته وبقائه أصلا؟
7 هل نستعيد نظرية ((الطوائف الوطنية)) (السيادية) و((الطوائف غير الوطنية))؟
8 كيف يعالج موضوع الوجود السوري والعلاقات اللبنانية السورية؟ بالقوة الضاغطة أم بالرأي العام الضاغط بالوسائل السليمة... وما هي جدوى ومخاطر كل أسلوب على لبنان وعلى سوريا وعلى البلدين معا؟
العلاقة مع جنبلاط
9 العلاقة مع الحزب التقدمي الاشتراكي: هل هي علاقة يقيمها أفراد على صلة صداقة مع وليد جنبلاط، أم هي علاقة بين حزبين على أسس تعاون واضحة لا تخل ايضا بموقع الحزب المستقل وبموقفه عندما يتطلب الامر ذلك (دون افتعال)، ومع الحرص على التعاون عندما تتوفر أسسه وتنشأ ضروراته؟ وهل العلاقة مع وليد جنبلاط خيار متكامل ثابت تبنى عليه استراتيجية كاملة في هذه المرحلة وفي كل مرحلة، ام هي علاقة سياسية تتغير حسب القواسم المشتركة والتباينات من هذا الموضوع او ذاك في هذا الوقت او ذاك.
هل ((الجديد)) عند وليد جنبلاط وحلفائه (منذ الانتخابات النيابية الى اليوم) هو ما يبرر بناء استراتيجية في العلاقة معه (حسب ما يبدو من مواقف عدد من الرفاق)، أم ((كل)) وليد جنبلاط بقديمه وجديده، هو ما يجب التعاون معه في كل الظروف، كما تشير مواقف رفاق آخرين؟
ثالثا: المواضيع التنظيمية:
تبدأ من فلسفة الحزب وأي حزب نريد، الى قضايا التنظيم المباشرة والالتزام بما تقره المؤتمرات:
1 طبيعة الحزب: حزب يكرر الصيغة اللينينية المعروفة أم حزب متجدد دون ان يقطع مع الصالح من هذه الصيغة والآخذ بعين الاعتبار التجربة وسلبياتها وظروف العصر ومتطلباته أم حزب منابر وتيارات بحيث يصبح هو نفسه أقرب الى تحالف او الى تيار تزداد فيه عوامل التباين وتضعف عناصر الوحدة والمركزية.
2 الالتزام بالهيئات، وموضوع الديموقراطية، ومسألة العضوية: هل لهذه العناوين حدود وضوابط أم تشمل الديموقراطية حرية التنفيذ المختلف والتحالفات المغايرة والعلاقات الاعتراضية؟ وما هي شروط قيام ديموقراطية صحيحة (ما بين حرية إبداء الرأي والترويج له من جهة والالتزام بالاكثرية أي بقرار الهيئات بعد استنفاد النقاش والسماع الى كل الآراء قبل اتخاذه من جهة اخرى)؟
3 المنظمات الجماهيرية ذات الصلة وعلاقتنا بها: منظمات تشكل أذرعة للحزب. وتعمل تحت إشرافه وتتغذى من منظماته وملاكاته وعلاقاته وتضيف اليها من خلال عملها في الوسط الشعبي والديموقراطي... أم منظمات صديقة تعمل بشكل شبه مستقل او مستقل، دون ان تأخذ مصالح الحزب وتوجهه العام بعين الاعتبار...
اننا إذ نورد هذه العناوين والقضايا والمسائل، فاننا نشير الى ان ثمة العديد من الامور في مقررات المؤتمر الثامن، لم تختبر او حتى لم توضع موضع التنفيذ، والسبب في ذلك الاعاقة او التقصير اللذان برزا منذ لحظة انتهاء أعمال المؤتمر، وهذا ما يجعل من المستحيل طرح ((فعالية الحزب وهيئاته القيادية)) بمعزل عن هذا الموضوع (دون تبرير للتقصيرات التي تناولها بشكل صريح تقرير المؤتمر الثامن واستمر قسم كبير منها بعد المؤتمر). ومع ذلك يطرح في هذا الصدد موضوع كيف تتوفر الفعالية ومن ضمن اي توجه ومعايير...
وفي الختام، تؤكد الورقة ان المكتب السياسي الذي سيتقدم الى المجلس الوطني بخلاصات متلاحقة من نقاشاته الداخلية ومن حواراته مع رفاق آخرين، ((يؤكد تصميمه على المضي في هذه العملية وإشراك أعضاء الحزب فيها من خلال أمرين: الاطلاع على مجرياتها ووقائعها من جهة والمساهمة فيها كتابة وقولا بشكل علني وعام من جهة اخرى)).
©2002 جريدة السفير
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
اليوتيوب
لينكدإن
تيلكرام
تمبلر
بلوكر
الموبايل
