أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دينا سليم حنحن - طائرات العيد














المزيد.....

طائرات العيد


دينا سليم حنحن

الحوار المتمدن-العدد: 1786 - 2007 / 1 / 5 - 12:36
المحور: الادب والفن
    


استلمتُ دعوة بالبريد لحضور مراسم عيد الميلاد, بما أني في بلد جديد, وتقبلتها شاكرة.

كانت الاستعدادات لهذا العيد مغايره, ولها طعم آخر, نصبتُ سروة بيضاء, (كما تمنيت دائما) ودشنتها في ركن بيتي الجميل بالكرات الحمراء المتلألئة, وضعت في أسفلها الهدايا المغلفة بضحكات بابا نويل, الخ, فكانت أولى بهجة العيد !

كما كانت أيام العيد حافلة بالبطاقات والهدايا على جميع أشكالها, ألوانها ومعانيها, التي ملأت صندوق بريدي الألكتروني والعادي, المُهم...

مكان الدعوة نهر (بريزبن) الساحر, الذي امتلأ بالناس, توافدوا من جميع المناطق المحيطة, ملأوا المكان بقبعاتهم البابانويلية, ضحكاتهم وسرورهم, اكتظت الجسور العريضة والواقعة على النهر بالحشد والأعلام المرفرفة عاليا. اتخذتُ لي مكانا, بالقوّة وجدتهُ, على طرف الجسر, وبهرني المنظر بينما كانت الموسيقى المنبعثة تغمر المكان بأغاني العيد الجميلة.
بهرتُ بكل هذه الآلاف التي انضمت الى الحفل, أيقنتُ حينها أنني لستُ الوحيدة التي أرسلت لها دعوة للحضور !

انسابت مياه النهر بخفة وهدوء, جمع النهر في حضنه قوافلا من الأضواء المنعكسة بألوانها المختلفة, للمباني العالية القريبة, والأشجار الشامخة المرتصة المتلاصقة المضيئة, التي يعجز عن توثيقها أعظم رسام كوني.

لم أنتظر كثيرا, فمن عادتي عدم الالتزام للمواقيت, خاصة وأن الدعوة كانت مفتوحة لحضور فعاليات استمرت طوال النهار وحتى منتصف الليل, يا لهذه الولاية العملاقة, تظافر كافة جهودها من أجل احلال البسمة في قلوب مواطنيها !

توقفت الموسيقى, اعتلى المنصة من بعيد, مذيع التلفاز للقناة المحلية, الذي انضم الى الاذاعة المحلية أيضا, مكان البنايتان مجاورا للنهر حيث يقف الآلاف, أعلن اقتراب ساعة الحسم. دقت الساعة, والناس تترقب حدثا لم أعهده أنا من قبل:
- عشرة, تسعة, ثمانية, سبعة...
وما أن وصل الصفر ليحتل منصة العدّ, إذ بطائرات حربية تخترق الجو بصخبها المخيف, هديرها المميت, وضخامتها المحكمة, تقترب الى النهر, ظهرت من بين بنايتي التلفاز والاذاعة, حلّقت بتعدادها, نثرت الرعب في قلبي المهدور, ملأتني ريبة ما بعدها ريبة. تطلعتُ الى السماء أستكشف الحدث, لم أجد الإجابات على تساؤولاتي السريعة, ترددتُ , وفكرت بالهرب, لكن من أين؟ وكيف , والعشرات يحيطونني, إن لزم الأمر لتسريحهم فسيكون الجميع مدججين بدمائهم, أحسستُ بالخوف لأني لا أستطيع السباحة ونهر (بريزبن) عميق, أردت الهروب اليه, الى أحضانه, فهو أرحم من كل تلك الطائرات الحربية التي استولت على السماء , كانوا أقرب من رمش العين عليّ, يا الهي , انها خديعة!

تضرعتُ الى السماء التي بدت هي أيضا قريبة جدا, سألت الله عما يجري, لم يجبني ! فقد كانت اللحظات الحاسمة أقرب من انزال جواب ما, لا من الله ولا من عبيده الذين احتشدوا بألوفهم وتجمهروا بأبنائهم وأصدقائهم, سألتُ نفسي:
- ترى , هل هي خديعة مدبّرة من أجل قمعنا هنا بالذات وفي ليلة العيد ؟ ولماذا, هل وصلتنا (طرطوشة) من الحرب السائرة في شرقنا!

بدل أن أغلق عيناي مستسلمة خاضعة لموت أكيد وبهدوء, رأيتني أحملق بالطائرات الحربية التي طوقت المكان, راقبتُ الحدث بملإهما. ارتجف قلبي وارتعشت أوصالي من الأزيز الذي دعا الجسر يرتعد تحت قدميّ.

التزمت الطائرات العشرة صفين متوازيين, متقاربين, ثم اتخذت عدّة أشكال لا يتقنها سوى خيرة الطيارون, تبادلوا الأمكنة, توازنوا بخفة, قاموا بحركات بهلوانية في الجو, غادروا ثم رجعوا, رجعوا وهم يحطون رحال صخبهم من جديد على الكون وعلى الحشد الذي أصرّ على المزيد.
ارتفعت الطائرات العشرة, بينما يختفي التصفيق بين أزيزها المخيف, اشتد التصفيق, آلاف يصفقون ويصرخون, والمذيع يهنىء الحضور بهذه المفاجأة التي أعدتها الدولة لمواطنيها.

الدولة تكرس الطائرات الحربية, من أجل الترفيه, يا للغرابة! تريد لشعبها أن يكون أكثر سعادة وقوّة مما هو عليه, الولاية تعمل على تدعيم وسائل السعادة لمواطنيها فيختارون نهر ومواطني (بريزبن) لأجل هذا الهدف الهام في الحياة هنا, أن يكون الجميع سعداء, المسؤولون هنا يتحاورون, يتجادلون ويتناقشون ,طوال السنة,على كيفية صنع السعادة في القلوب ورسم الابتسامة على أفواه العبيد, نحن!

ارتجف قلبي لوعة وخشوعا, أنا أمام طائرات حربية لا تخيف, أتت كي تبرهن أنها تحب السلام وتكره الحروب, تقول أننا مستعدون, لكن لغير الحرب, لا للقتل , نحن ندعم الانسانية فالبشرية أثمن شىء في الوجود.
لم أعلم كيف أكون حينها, وأن أكون أو لا أكون! أن أكون بشرية تحب السلام, أم أكون مجرد انسانة أتت من الشرق الذي يحترق, معتادة على القصف والحروب, على الكراهية والحقد ! بربكم أعينوني, كيف يجب أن أكون !



#دينا_سليم_حنحن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل بقي ما نحتفل من أجله !
- قصة قصيرة-المُهرج الباكي
- المرآة الهشّة لا تخفي الحقيقة
- (عقارب) قصة قصيرة
- كائنات في الظل
- اللوحة الخالدة
- صندوق بريد
- لماذا لا تبكي جدتي
- عيون الليل الحزين
- السماء لا تمطر أقنعة
- وتر بلا عازف
- استسلام بكبرياء
- ناطحة سحاب وبرج حمام
- وفي قلمها ينطوي العالم الأكبر...!!!
- ناجي ظاهر بين التفاؤل والحزن والتعلق بالمكان
- في يوم المرأة العالمي وعيد الأم أناجي أمومتي
- لماذا نخفي رؤوسنا ونغمض أعيننا أمام الشعارات الزائفة
- امرأة من زجاج
- لا تنزع عنكَ أبدا قناع الحرية
- دموع الشموع


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دينا سليم حنحن - طائرات العيد