أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - عزالدين اللواج - عالم ما بعد 11سبتمبر_الا شكالات الفكرية والا ستراتيجية















المزيد.....



عالم ما بعد 11سبتمبر_الا شكالات الفكرية والا ستراتيجية


عزالدين اللواج

الحوار المتمدن-العدد: 1784 - 2007 / 1 / 3 - 12:05
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


- مدخل
ما أن انتهت دقائق أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 حتى بادرت الولايات المتحدة الأمريكية باتخاذ جملة من الترتيبات الاستراتيجية التي فرضتها بإلحاح تداعيات تلك الأحداث المأساوية على الشعب الأمريكي بشكل عام وعلى صانع ومتخذ القرار السياسي في الإدارة الأمريكية بشكل خاص .
فلقد طفقت الولايات المتحدة الأمريكية منذ التفجيرات التي استهدفت أبرز رموزها السياسية والاقتصادية والعسكرية في تبني عدة تدابير مفصلية يرى مؤلف كتاب " عالم ما بعد 11 سبتمبر 2001 ـ الإشكاليات الفكرية والاستراتيجية " إنها أحدثت تحولات مؤثرة وفاعلة في المنظومة الدولية برمتها ، وإن أبرز ملامح تلك التحولات يتمثل في الشق النظري المعرفي والشق الاستراتيجي اللذين يتناولهما الدكتور السيد ولد أباه الأكاديمي والكاتب الصحفي بصحيفة الشرق الأوسط الصادرة بلندن من خلال ست وقفات فصلية تضمنها كتاب من الحجم الكبير احتوت صفحاته الـ ( 176) على محاور واستخلاصات تحليلية جديرة بانتباه أي مهتم أو دارس لموضوعة تفاعلات أحداث الحادي عشر من سبتمبر .
- فما الذي تحدت عنه بالضبط السيد ولد أباه في كتابه المشار إليه آنفاً ؟ .
- وما الذي أضافه ذلك الكتاب على روزنامة تحليلات أحداث 11 سبتمبر التي لا تزال حتى يومنا هذا الشغل الشاغل لعدة أبحاث ومؤلفات تنتمي في مجملها لحقول معرفية وعلمية مختلفة ؟
- وهل الإشكاليات الفكرية والاستراتيجية التي نجمت عن تلك الأحداث هي إشكاليات مؤقتة وعابرة أم أنها ذات أثر حدثي طويل الأمد ؟ .
للإجابة عن الأسئلة الآنفة وغيرها سيكون مهماً عزيزي القارئ أن نتفحص العناوين والمحاور التالية والتي سنحاول من خلالها تقديم عرض مختزل ومقتضب عن أهم مضامين كتاب السيد ولد أباه " عالم ما بعد 11 سبتمبر 2001 ـ الإشكالات الفكرية والاستراتيجية ".
- الحصيلة الهزيلة للحرب الموعودة :
في مقدمة فصله الأول الذي عنونه بـ " 11 سبتمبر الحدث والمفهوم يتعرض " ولد أباه لأهم الرؤى والمناقشات التي اجتهدت من أجل تقديم تفسيرات نظرية مقنعة حول أحداث الحادي عشر من سبتمبر ، حيث يختصر أباه تلك الرؤى والمناقشات في ثلاثة اتجاهات رئيسة هي :
أ ـ الاتجاه الذي اعتبر أحداث الحادي عشر من سبتمبر تكريساً نهائياً للمسار البارز منذ سقوط الاتحاد السوفيتي وانهيار معسكر الشرقي ، فمشهد الهيمنة الأميركية الأحادية الذي ترتب على ذلك السقوط والانهيار ، هو مشهد كانت أحداث الحادي عشر من سبتمبر بمثابة الرافد الحيوي الهام لغطائه الاستراتيجي الذي طالما كانت إدارة بوش الابن في مسيس الحاجة له وإن كانت طبعاً لم تتصور إطلاقاً بأن يكون ثمن تلك الحاجة هو كارثة ومأساة بحجم أحداث الحادي عشر من سبتمبر .
ولقد كان من بين أبرز أنصار هذا الاتجاه جورج سورس رجل الأعمال الأميركي الشهير الذي اعتبر زلزال أن 11 سبتمبر قد وفر لإدارة بوش الابن فرصة تجسيد مشروعها الإمبراطوري ذي الخلفية الإيديولوجية المحافظة والقائم على ثلاثة مرتكزات أساسية هي التفوق العسكري والأصولية الدينية وأصولية السوق ،فلقد وظفت الإدارة الأمريكية الهزة النفسية الهائلة التي خلفتها أحداث 11 سبتمبر من أجل تمرير أجندتها وتبرير مضاعفة الإنفاق العسكري وتكثيف التدخل في الخارج . ص 12.
ب ـ الاتجاه الذي فسر الأحداث من خلال الإحالة على محور الصراع الحضاري والذي يؤكد مؤلف الكتاب على أنه لا يزال المحور الأكثر بروزاً وحضوراً في المتخيل الاجتماعي الغربي فعلى الرغم من " أن الكثير من المحللين والكتاب لا يذهبون إلى حد اختزال الصراع الدائر راهناً في صدام الإسلام والحضارة الغربية المعاصرة ، إلا أنه من الواضح أن هذه الخلفية حاضرة في الأذهان ، حتى ولو سلكت مسارب ضيقة خفية ، مثل التركيز على بعض البلدان الإسلامية بعينها " مثل المملكة العربية السعودية وباكستان ، أو بعض المجموعات والألوان الإيديولوجية والسياسية " الأصولية الإسلامية " ، ومن ثم الصعوبة البالغة في الفصل بين الإرهاب والمجال الإسلامي في الخطاب الأمريكي الرسمي وفي الأدبيات الغربية السيارة . ص 13 .
ج ـ الاتجاه الذي يرى في أحداث 11 سبتمبر مؤشراً هاماً لأفول الإمبراطورية الأمريكية وهو اتجاه يجد انتشاراً وذيوعاً وارفاً في العالمين العربي والإسلامي .
وكان من مفارقاته المثيرة إن بداية تأصيله النظري لم تكن من خلال كتابات عربية وإسلامية بل كانت من خلال كتابات مفكرين أمريكيين منشقين عن مدرسة الهيمنة من أمثال العالم اللغوي الشهير ناعوم تشومسكي .
وفي تعقيب ناضج وعميق على المتصور الفكري المؤسس لهذا الاتجاه الذي كما ذكرنا يجد انتشاراً كبيراً في العالمين العربي والإسلامي يقول السيد ولد أباه أنه مهما " كانت نقاط الضعف في النظام الأمريكي ، ومهما كانت التناقضات البادية في العلاقات الدولية ، فإن المشهد الثابت في النظام العالمي الحالي هو تحكم الولايات المتحدة في الرهان الاستراتيجي العالمي وفي بيئة الاقتصاد العالمي الموحد ، والواقع إن زلزال أحداث 11 سبتمبر ولد أزمة نظرية حادة طالت الفكر الاستراتيجي وأنساق التأويل المألوفة في العلاقات الدولية .
فمع أنه يكثر الحديث في أيامنا هذه عن التغيرات الهائلة والمفاجئة التي خلفتها تفجيرات نيويورك إلا أن هذا الحديث نادراً ما يرقى إلى درجة الاستكناه المعمق والتفكير الرصين ، وكأن العقل الغربي أضاع موجهاته ومعاييره المألوفة بعد الهزة العنيفة والحادة التي تعرض لها مركز المنظومة الدولية " . ص 44 .
وبعد عرض هذه الاتجاهات ينتقل المؤلف لجزئية نظرية هامة تتعلق بوجود ثلاثة ديناميكيات كان زلزال 11 سبتمبر تعبيراً صريحاً عن مأزق معادلتها وهذه الديناميكيات تتجسد في التالي :
أـ ديناميكية الشكل الهلامي المترتب على انهيار نظام القطبية الثنائية فلقد بدأ واضحاً بعد ذلك الانهيار إن " خارطة العلاقات الدولية تتأرجح بين اتجاهات متباينة عصية على الحسم : قوة أحادية ( الولايات المتحدة ) فاقدة لآليات الهيمنة الفعلية على باقي مناطق العالم ( فشل استراتيجية الأنظمة الإقليمية الحليفة وإخفاق نهج تفعيل الشرعية الدولية من خلال نظام الأمم المتحدة ، بقدر ما هي عاجزة عن تحمل مسؤولياتها إزاء أزمات عالم لا منافس لها فيه ، وعلى رأس هذه الأزمات الحروب الأهلية والإقليمية التي تزايدت وتيرتها وتفاقمت فظاعتها أكثر من الحروب الباردة " ص 16 .
ب ـ ديناميكية العولمة وإسقاطاتها المختلفة على دور الدولة الوطنية والقومية .
ج ـ الديناميكية الثقافية المتعلقة بغياب أرضية ثقافية من شأنها توفير مضمون لإيديولوجيا النظام الدولي الجديد الذي تبشر به الأدبيات الأمريكية أو توفير إطار مرجعي لديناميكية العولمة في ما وراء طابعها التقني ـ الاقتصادي " . ص 17
إن الديناميكيات الآنفة هي ديناميكيات لعبت من وجهة نظر أباه دوراً حاسماً في التمهيد لزلزال 11 سبتمبر الذي دفعت بعده أمريكا حلفائها لرفع شعار الإمبريالية الدفاعية " أي تدخل المجموعة الدولية لإنقاذ الكيانات المفككة الضعيفة والفقيرة والتي تشكل بؤر لقواعد الإرهاب والتطرف ، ولقد كان من الطبيعي جداً أن يتولد عن استحضار هذا الشعار مفهوم " الحرب الاستباقية " الذي كان العامل والرافد الرئيسي للتدخل الأمريكي في أفغانستان والعراق وفي صياغة تحولات جيوسياسية دولية عدة ، يصل السيد ولد أباه بعد سبر تأملي وتحليلي في مضمونها وتداعياتها إلى استنتاج مفاده أنه " على الرغم من الانتصارات الأمريكية المعلنة على الإرهاب ، وهي انتصارات تمت في شكل حروب تقليدية غير متكافئة بين نظام معزول عن العالم يعود للعصور الوسطى ( حكومة طالبان ) ونظام آخر هش يعاني من الحصار والتآكل الداخلي ( نظام صدام حسين في العراق ) ، إلا أنه من البين أن حصيلة الحرب الموعودة ضد الإرهاب هزيلة ومحدودة كما يقر الكثير من أبرز الكتاب السياسيين الأمريكيين هذه الأيام " . ص 20
- 11 سبتمبر الصدمة والتحديات :
في وقفته الفصلية الثانية يوضح السيد ولد أباه مدى تداعيات واعتداءات 11 سبتمبر على منظومة العلاقات الدولية وتفاعلاتها المختلفة مُدشناً تحليله الفكري لتلك التداعيات من خلال تناوله لأهم نتائجها المادية والمعنوية على الولايات المتحدة الأمريكية حيث يؤكد أباه في هذا السياق على " إن اعتداءات 11 سبتمبر 2001 شكلت صدمة رهيبة للعقل الاستراتيجي الأمريكي الذي بدأ عاجزاً عن استيعاب هذه الهزيمة العنيفة التي كشفت عن شعور عارم بالضعف والهشاشة في مواجهة خطر بدائي لا يتركز في كيان قومي أو تحدٍٍ إقليمي أو دولي تقليدي ، فالحكم الأمريكي تحول إلى كابوس ثقيل ، بعد أن فقد الشعب حسب تعليقات إحدى الصحف السيارة " زهوه بنفسه " ، ووصلته نكبات الجنوب إلى قلب عنوانه وتفوقه بقدر ما أن القوة العسكرية والتقنية بدت عقيمة في مواجهة نمط جديد لا تتوفر آليات التعامل الفعال معه ، أما الريادة المالية والاقتصادية التي تعززت بفعل ديناميكية العولمة التي تحكم فيها الولايات المتحدة من حيث هي مركز اقتصاد العالم فقد أصيب في الصميم ، من خلال الاعتداءات على بناية مركز التجارة الدولي في منهاتن ، في وقت كان الحديث قد بدأ يعلو عن دخول الاقتصاد الأمريكي مرحلة جديدة غير مسبوقة من الكساد " . ص 40
ونتيجة لما وصفه مؤلف الكتاب بتزايد عزلة الولايات المتحدة الأمريكية على الساحة الدولية بعد انحسار موجة التعاطف العارم معها مباشرة بعد تلك الاعتداءات ، ونتيجة أيضاً للعمق الكونيالي الذي يرصع آليات فكر المحافظين الجدد التي يخصص لها أباه جانباً لا بأس به من الحصة التحليلية لهذا الفصل ، فقد باتت الولايات المتحدة الأمريكية تواجه على الصعيد الدولي تحديات مختلفة ربما أن أبرزها يكمن في تحدي علاقتها مع القارة العجوز " أوروبا " وكذلك تحدي القوى الدولية الصاعدة " روسيا والصين " .
فعلى صعيد التحدي الأوروبي يشير كيسنجر " إلى ما اعترى علاقات التحالف الأوروبية ـ الأمريكية من ضعف وتآكل منذ أحداث 11 سبتمبر على الرغم من موجة التعاطف الواسع التي أظهرها الشارع الأوروبي وحكوماته لأمريكا الجريحة .
وقد وصل الخلاف ذروته خلال حرب العراق التي كشفت عن هوة عميقة بين الجانبين من حيث الرؤية والتوجه وآليات الفعل الدبلوماسي ، إلى حد أن بعض أركان الإدارة الأمريكية ذهب إلى تصنيف فرنسا وألمانيا ضمن محور الشر ، وطالب بفرض عقوبات مشددة عليهما ، في الوقت الذي ظهرت أصوات أوروبية متصاعدة تدعو لإنهاء حقبة العلاقة الخصوصية بين الطرفين ، وسجلت أعتى مشاعر الكراهية للولايات المتحدة في البلدان التي وقفت حكوماتها مع أمريكا في الحرب ، وقد بدأ من الواضح أن دوائر الشراكة الأمريكية ـ الأوروبية غدت مشلولة ، عاجزة عن التوافق المنشود ، سواء تعلق الأمر بالملف الأطلسي ، أو مجموعة البلدان الثمان الصناعية ، أو المؤسسات الدولية الكبرى وعلى الأخص مجلس الأمن " 52 ـ 53 .
والتحدي الآنف يزيد من وطأته نهاية مقولة الغرب الاستراتيجي وشعور القيادات الأوروبية بمأزق الخيار الذي يجعلها تقف حائرة بين الاندماج المطلق والكامل في ترتيبات إدارة المحافظين الجدد المعروفة بخلفيتها الكونيالية التي لم تسلم منها حتى البلدان الأوروبية الحليفة أو التحرر من القبضة الأمريكية واستثمار " عناصر القوة الاقتصادية والاستراتيجية في بناء منظومة دفاعية قوية تحمي القيم الأوروبية المتميزة وتفرض مصالح القارة القديمة التي غدت تتحدد في اتجاه الشراكة الأسيوية وليس العلاقات الخصوصية مع أمريكا " ص 58
هذا على الصعيد الأوروبي أما على صعيد القوى الدولية الصاعدة ( روسيا والصين ) فإن مؤلف الكتاب يلاحظ بخصوص الملف الروسي استمرار مشاعر الخوف الأمريكي من النزوع التوسعي الإمبراطوري الروسي وهي مشاعر عزز من تفاعلها وصول بوتين للسلطة والمواقف الروسية المخالفة للسياسات والتوجهات الأمريكية والتي ربما كانت واضحة جداً من خلال الموقف الروسي للغزو الأمريكي للعراق ، ومع ذلك فإن ولد أباه يتفق مع باحث الاستراتيجيات الكسندر آدلير في أن " روسيا بحاجة لأمريكا لمساعدتها في تجاوز أزمتها الاقتصادية ، في حين تحتاج الولايات المتحدة لروسيا لأهداف استراتيجية بعيدة المدى كاحتواء العملاق الصيني الصاعد ، ومحاربة الإرهاب الشرق أوسطي ، وتأمين انسياب النفط واستقرار أسعاره ، فروسيا الجديدة الساعية لاستعادة مواقعها في أوكرانيا كازاخستان والدول القوقازية وبلغاريا وربما صربياً ستؤدي بالنسبة للولايات المتحدة دوراً محورياً لا يقل عن دور الشراكة الإنجليزية الروسية في القرن الثامن عشر لاحتواء مخاطر القوة الفرنسية " ص60
أما فيما يخص الملف الصيني فإن الملاحظة الأهم في هذا الصدد تتعلق بأهمية أن تحسم الولايات المتحدة خيارها الاستراتيجي مع الصين وهو خيار كما هو واضح من معطيات الأمور " تأرجح خلال العقود الثلاثة الأخيرة بين الشراكة الاستراتيجية الحذرة والاشتباك المحدود ، فالصين تملك أطول تاريخ غير منقطع في العالم وهي تحكم بآخر حكومة رئيسية تسمى نفسها شيوعية ، إنها الدولة ذات الإمكانات الأكبر التي تحولها إمكانياتها لكي تصبح منافساً للولايات المتحدة في مرحلة ما من القرن الجديد حسب عبارة كيسنجر .
ويبدو أن التهديد الصيني أصبح نغمة شائعة وهماً رئيسياً في الفكر الاستراتيجي الأمريكي الجديد ، وقد برز اتجاه واضح إلى التعامل مع الصين بمعايير الحرب الباردة على طريقة الاشتباك العدائي مع الاتحاد السوفيتي ، وإن كانت الإدارة الأمريكية تنتهج لحد الآن خطاً وسطاً بين الائتلاف الذي تقضيه حرب الإرهاب والصدام المتولد عن صدام المواقع في الفضاء الآسيوي ، أي ما عبر عنه زلماي خليل زاد بالالتزام الاحتوائي " .ص63
- العرب بين مطرقة الإصلاح الخارجي و سندان الإصلاح الداخلي :
على غير عادة الكثير من الباحثين والمحللين في منطقتنا العربية اختار السيد ولد أباه التمهيد لموضوعة الإصلاح من خلال المرور في الفصل الثالث من كتابه على جزئية هامة وحيوية تتعلق بالدلالات الفلسفية والاستراتيجية لنظرية الحرب العادلة والتي يلاحظ أباه أنها نظرية غدت مألوفة في أقسام العلاقات الدولية بالجامعات الأمريكية منذ السبعينات من القرن المنصرم ، وقد تجدد الاهتمام بها لدى بعض الدوائر الأكاديمية والدينية في سياق مغاير للنزوع الحربي الراهن ( الدعوة إلى التأطير الأخلاقي للحرب وضرب القيود على استخدام العنف في مرحلة وصل فيها السباق النووي وإنتاج أسلحة الدمار الشامل إلى أوجه ".
ولقد شكل كتاب مايكل فالزر الصادر عام 1977 م بعنوان " الحرب العادلة والحرب غير العادلة " أهم مرتكز مرجعي لهذا الاتجاه الذي سعى لإعادة بناء النظرية الدينية الوسيطة على أسس ليبرالية جديدة " ص 77 -78 .
كما أن نظرية الحرب العادلة كانت رافداً أساسياً لاستراتيجية المحافظين الجدد تجاه المنطقة العربية ومختلف أنحاء العالم ، وهي استراتيجية كما نعلم تقوم في جزء كبير منها على ثلاثة مبادئ رئيسية تحدد وفق عقيدتهم مهمة أمريكا المستقبلية ومسؤوليتها في العالم وهذه المبادئ الثلاثة هي :
أولاً ـ الانتقال من الردع إلى الاستباق لمواجهة المخاطر المتولدة عن الإرهاب وانتشار أسلحة الدمار الشامل .
ثانياً ـ الانتقال من الاحتواء إلى تغيير الأنظمة باعتبار أن الأحكام الاستبدادية هي في ذاتها خطر على المصالح القومية الأمريكية .
ثالثاً ـ الانتقال من الغموض إلى القيادة أي وعي أمريكا بدورها الريادي في العالم وتبوأ مسؤولياتها بصفتها الأمينة على استقراره وأمنه ، ص 85 .
ومن خلال هذه المرتكزات بدأت بعد أحداث 11 سبتمبر الدعوات الأمريكية الرامية للضغط على النظم الرسمية العربية وحثها على تبني الإصلاحات التي من شأنها خدمة تلك المرتكزات وعدم تكرار مشهد التورط غير الرسمي العربي في اعتداءات مثل اعتداءات 11 سبتمبر 2001 م .
حيث باتت معزوفة الإصلاح هي المعزوفة الأنسب لصانع ومتخذ القرار السياسي الأمريكي وهي معزوفة يخصص لها مؤلف كتاب " عالم ما بعد 11 سبتمبر " فصلاً هاماً هو الفصل الرابع الذي يتناول فيه السيد ولد أباه مسألة الإصلاح من خلال بعدين رئيسين هما بُعد الإصلاح الديني والثقافي وبُعد الإصلاح السياسي .
فبخصوص بُعد الإصلاح الديني يقر السيد ولد أباه " بأن أحداث 11 سبتمبر كشفت للعيان بعض الثغرات الخطيرة في الثقافة الإسلامية المشتركة ، ولسنا بحاجة إلى جمع الأدلة النظرية والبراهين التاريخية على انفتاح الإسلام وسعته وتسامحه ، فتلك من الحقائق الراسخة التي نادراً ما يتم إنكارها ، وإن كان يتعين التنبيه إلى تباين المقاربات والتصورات والتجارب المستندة للمرجعية الإسلامية من حيث انفتاحها وقبولها للآخر وهو تفاوت يفسر بأطر وظرفيات تشكل الممارسات التأويلية المتمايزة بحسب السياقات والأرضيات التاريخية ـ الاجتماعية ـ كما أن الثقافة الإسلامية المشتركة ليست هي الخطاب الأصولي المتطرف أو تيارات الإحيائية الإسلامية ، حتى لو كان هذا الخطاب يوفر لهذه الثقافة أحياناً بعض مكوناتها ورافدها ، كما أن هذه الثقافة تختلف عن المخزون التراثي الوسيط وعن التقاليد النخبوية في الجامعات ، وتشكل أساساً من صورة سائدة ينقلها الإعلام وتبثها المقررات التربوية وتكرسها التربية الأسرية والوعظ الديني في المساجد " ص 108
ويلاحظ في هذا السياق بأن المحاولات القليلة النادرة التي حاولت خلال الآونة الأخيرة تقديم مشاريع فكرية تهدف لتجديد الخطاب الديني وإصلاحه لم تتمكن من حسم اشكالات ثلاثة أساسية يعتبرها أباه بمثابة مفاصل محورية ورئيسية في عملية الإصلاح الديني وهذه الإشكالات هي : ـ
أولاً ـ هل لا تزال البنية الأصولية القديمة كما ضبطت في عصور التدوين صالحة وكافية لاستثمار النصوص الشرعية واستنطاقها في ضوء المستجدات الراهنة ؟ وهل هذه البنية من نسيج الشرع ذاته ومن مقتضياته أم هي مجرد كسب تأويلي ونتاج مقاربة تاريخية ليس لها طابع إلزامي ؟ .
ثانياً ـ هل الأولوية في المشروعية الإسلامية هي للنص من حيث دلالته الحرفية ومضامينه العينية أم لمقاصد الدين وأهدافه واتجاهاته ؟ وما هو الهامش المتاح للمأول والمجتهد في ترتيب الأولوية بين النص والمصلحة ؟ .
ثالثاً ـ ما هي الإمكانات المتاحة للاستفادة من علوم النص المعاصرة في تأويل واستنطاق النصوص الشرعية ، مع ملاحظة أن هذه العلوم ( اللسانيات والسيمياء ) قد انبثقت في سياق غربي مغاير للمجال الإسلامي ، هو في نهاية التحليل نتاج مسار نزع القداسة عن النصوص المسيحية ، وإن كانت في الآن نفسه تقدم إمكانات تأويلية هامة لا تتعارض والمصدر الإلهي للنصوص الدينية ؟ ص 110 -111
أما بخصوص بُعد الإصلاح السياسي فإن مؤلف الكتاب يتناول البعد من خلال زاوية نظرية محددة هي الزاوية المتعلقة بالأبعاد الداخلية والخلفيات الاستراتيجية لموضوعة الإصلاح السياسي في المنطقة العربية والتي يمهد أباه حديثه عنها بالإشارة إلى أنه " ما أن وضعت حرب العراق أوزارها ، حتى بدأ الحديث عن الإصلاح يعلو في مستويات وعلى أصعد متعددة وبوتائر متمايزة ، وشكل خطاب الرئيس الأمريكي جورج بوش في جامعة كارولينا الجنوبية يوم 9 مايو 2003 م علامة بارزة في هذا المسار بطرحه أول صيغة لمبادرة الإصلاح الأمريكية التي اتضحت اتجاهاتها وخطوطها التفصيلية من خلال المشروع الذي غدا معروفاً بتسمية مبادرة الشرق الأوسط الكبير " الممتد من موريتانيا إلى أفغانستان " ص 25
ويلاحظ أباه في هذا الإطار ظهور أطروحات فكرية عربية مبتسرة تروج للمشروع الأمريكي للإصلاح بشكل غير مباشر وتنطلق توجهاتها وأدواتها التحليلية من خلال الرؤى التالية :
أولاً ـ المماهاة بين حاجة المجتمع العربي للتحديث والانفتاح الديمقراطي والتنمية الناجعة والاندماج النشط في النظام الاقتصادي العالمي من جهة والاختراق الأمريكي المتزايد للمنطقة والذي يتخذ شكل مشروع هيمنة لفرض ما يقدم بأنه النموذج الأمريكي من جهة .
ثانياً ـ اعتبار واقع الهيمنة الأمريكية على العالم مرجعية استراتيجية جديدة لا يمكن الخروج عنها ، بل يتعين الاندماج فيها لانتزاع الحقوق العربية المسلوبة ، بدل نهج المقاومة الذي استنفذ أغراضه وصار شعاراً من شعارات الماضي المهزوم.
ثالثاً ـإفلاس خطاب الهوية والخصوصية الحضارية الذي لم يجن على الأمة إلا مزيداً من الهزائم والتجزؤ والانهيار ، مما يعني أن على العرب أن يغيروا أفقهم الاستراتيجي والفكري الذي تحدد طيلة نصف قرن بالمشروع القومي العربي الذي انتهت آخر لبناته مع نهاية النظام البعثي العراقي ، وفي مقابلة يتعين التفكير في خيارات بديلة ، على رأسها دولة السوق المندمجة في نظام العولمة .
ويرد مؤلف كتاب " عالم ما بعد 11 سبتمبر 2001 ، على الرؤى الآنفة بالإشارة إلى المعطيات الرئيسية التالية :
أولاً ـ إن أصحاب هذه الأطروحة ينقصهم أدنى إطلاع على أدبيات الفكر الاستراتيجي الأمريكي الجديد ، حتى ولو كانت منشورة ومتوفرة للقارئ اليقظ ، وإنما لا تتجاوز معلوماتهم في الغالب شاشات الفضائيات الأمريكية التي لا تقل تحيزاً وحماساً عن فضائياتنا الصحافية ( من اسم محمد سعيد الصحاف وزير الإعلام العراقي السابق ) .
ثانياً ـ إن التجارب أثبتت أن آلية التدخل الخارجي عاجزة عن إحداث الإصلاحات المجتمعية الجذرية التي يتعين أن تصدر عن ديناميكية تحول داخلية تتوفر لها المشروعية القيمية والزخم الشعبي .
ثالثاً ـ إن نهج الاحتلال الذي تبنته الولايات المتحدة إبان تطبيقها لمشروعها الإصلاحي هو نهج عاجز عن إفراز المعادلة الديمقراطية المنشودة لأسباب عدة من بينها ما يلي :
أـ أن الاحتلال لا يمكن أن يقوم إلا على القمع والاستبداد وخنق الحريات ومن ثم فإنه لا يمهد بذاته للانفراج الديمقراطي بل يزيد الوضع السياسي احتقاناً وتأزماً بالنظر لسمة الإكراه المزدوج التي تسمه ( الهيمنة العسكرية المفروضة من الخارج ) .
ب ـ إن الاحتلال يؤدي ضرورة إلى انبثاق مقاومة وحركة تحرر وطنية ، تجعل هدفها الأوحد شحذ وتنمية الحس الوطني ضد العدو الخارجي ، فتغيب وتعلق التطلعات والمطامع الديمقراطية لأجل هذا الهدف المقدس الأنبل ، وهو تحرير الوطن والأمة وتصفية الحضور الأجنبي ، ولا شك أن مناخ التحرر والمقاومة ليس هو الأرضية الملائمة للانفتاح الديمقراطي ، بل هو مناخ حرب ومواجهة يسمح بتبرير أفظع حقوق الإنسان وأسوأ أنظمة الاستبداد .
ج ـ إن واقع الاحتلال والتدخل الخارجي يؤديان إلى تفويض التوازنات الهشة التي تولدت خلال عقود الاستقلال الأولي ، وفي مقدمتها البنيتان البيروقراطية والعسكرية ، اللتان كان يتأسس عليهما هيكل الدولة الحديثة ، مما يفضي ضرورة إلى الانكفاء على الخصوصيات القومية والطائفية الضيقة المرشحة للتعبير عن نفسها في أشكال استبدادية مغلقة تؤول إما إلى واقع هيمنة جديد أو إلى حرب أهلية مدمرة ، صحيح إن ثمن هذه التوازنات هو الطغيان والإقصاء ، بيد أن الإصلاح الديمقراطي يقتضي حتماً بيئة استقرار وأمن بدونهما يغدو مستحيلاً ، حتى ولو كان لابد من الإقرار أن الاستبداد من المسببات الرئيسية للفتنة وانعدام السلم والاستقرار.
رابعاً ـ إن التحدي الذي يواجه النظام العربي هو رسم الموقف الناجح الذي يضمن في آن واحد التحصن ضد مشروع إصلاحي مفروض من الخارج واستيعاب صدمة التحولات الهائلة التي عرفتها المنطقة في الآونة الأخيرة .ص131-134.
- الإســــلام في الخطاب الغربي " وهم الصورة ووهم الخطر"
في مقدمة الفصل الخامس يتناول ولد أباه جدلية الإسلام والغرب من خلال دراستة لمتغير تداعيات الخطاب الغربي على مسار تلك الجدلية ، أباه مهد لموضوعة تداعيات متغير الخطاب الغربي عبر إشارة مقتضبة لأهم تجليات النظرة العدائية للإسلام والتي تضمنتها العديد من الكتابات الإعلامية الغربية من بينها كتابات الكاتب والمحلل الفرنسي الشهير باتريك دكليرك الذي ذهب في مقالة عدوانية فجة إلى القول بأن الإسلام دين يجلب الجنون والعته لأنه يقيم فصلاً بين الجنسين ويمارس القمع الرهيب على المرأة ، كما ينعته بأنه نسق فكري يقوم على الحرب المقدسة، ومن ثم فإن الذبح وقطع الرؤوس ظاهرتان تندرجان في قلب الإسلام ذاته.
ويسلك الكاتب الفرنسي المذكور بهذه المقالة النهج الذي اتبعه العديد من الكتاب والإعلاميين الغربيين المشهورين ، من أوريانا فا لا شي في كتابها الغضب والكبرياء التي نعتت فيه الإسلام والمسلمين بأفضع النعوت ، والكسندر دفال في كتابه حول " الكليانية الإسلامية" الذي اعتبرها التحدي الشرس الذي يواجه الديمقراطيات الغربية، والروائي ميشال هولبك الذي اعتبر الإسلام " الدين الأكثر سخافة " ، مروراً بجيري فالول الذي اعتبر النبي محمد صلى الله عليه وسلم إرهابياً " وفرانكلين غراهام المستشار الديني للرئيس بوش الذي وصف الإسلام بأنه ديانة شيطانية مريرة، انتهاء بدانيال بايبس وريتشارد بيرل وغيرهما من أركان تيار المحافظين الجدد " ص 137 ـ 138 .
وتعقيباً على النظرة السمجة والسافرة الآنف ذكرها يحلل ولد أباه بمنظور ابستمولوجي أهم النماذج النظرية التي لعبت دوراً بارزاً في تفعيل تلك النظرة بعد أحداث 11 سبتمبر، حيث يركز في هذا السياق على ثلاثة نماذج رئيسية هي :
أولاًـ نموذج الإسلام ضمن التقليد الكتابي:
وهو نموذج يرى أباه بأنه يتعلق في الأساس بعلاقة الإسلام " بالتقليد الكتابي اليهودي المسيحي الذي غالباً ما يقصى منه ، بالرغم من كونه خاتمته وامتداداً له ، ومن هذه المنظور تتأرجح المقاربة السائدة بين النكوص للأحكام الاستشراقية القديمة إلى كون الإسلام إما يهودية محرفة أو مسيحية محرفة أو النظر إليه بصفته ديانة جامدة عاجزة عن التجدد عصية عن الإصلاح في مقابل الديانتين اليهودية والمسيحية اللتين عرفتا منذ القرن السادس عشر ثورات إصلاحية متتالية مكنتها من التحرر من التصورات والقيم المعيقة للحداثة " ص 138 .
وبعد أن يناقش مؤلف كتاب عالم ما بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 أهم معطيات أنصار المقاربة المغلوطة الآنف الإشارة إليها وتحديداً من خلال دراسته أفكار المستشرق موريس يورمان والمفكر الأمريكي المحافظ مايكل نوفاك يشير الكاتب لانتقادات أركون لمعطيات تلك المقاربة التي اعتبرها تعبيراً واضحاً عن ضحالة فكرية غير بريئة إيديولوجيا كما يشير أيضاً لانتقادات أدوارد سعيد لمثل تلك المقاربات الاستشراقية وفي ختام تناوله لهذا النموذج يرى ولد أباه إن دراسة الإسلام ضمن التقليد الكتابي اليهودي المسيحي تبين بما ليس فيه مجال للشك إن ثمة هناك استراتيجية " تأويل تدميرية واسعة، تخرج النصوص عن سياقاتها ، وتحرفها عن مقاصدها ، وتسقط إشكالات وهموم الحاضر على الماضي البعيد، لإثبات وهم عداوانية الإسلام وإقصائيته ، بدل تحليل ظاهرة الإرهاب في إطارها التاريخي ـ المجتمعي بصفتها من حيث الرؤية والمنطق الغائي نمطاً من إثبات الذات والاحتفاء بها ولو بنفيها من خلال الموت المسرحي المغطى إعلامياً ـ فهي بهذا المعنى ظاهرة تنتمي لمقاييس الحداثة وتحمل بصمات الراديكالية الثورية المعاصرة ولو استخدمت أدوات ورموز إسلامية على غرار الأنماط الأخرى من الإرهاب التي برزت في كل السياقات الدينية والثقافية " ص 142.
ثانياً ـ نموذج الإسلام من منظور الحداثة :
وهو النموذج الذي تأسس على يد عالم الاجتماع المعروف أرنست غلنر والمرتكز على رؤية عدائية مفادها " إن الإسلام دين نصي طهوري له مضمون ثابت لا يتغير في ما وراء التحولات التاريخية والمجتمعية التي شهدها العالم الإسلامي، وهو بذا نسق مغلق محصن ضد التحديث والتطوير.
فمرتكزات الحداثة من هذا المنظور ـ وأهمها نزع القداسة عن العالم ، والنزعة الذاتية الفردية ـ غير قابلة للاستيعاب داخل الرؤية الإسلامية القائمة على مركزية مفهوم الأمة وهيمنتها والربط العضوي بين الدولة والدين" ص 143.
وفي سياق تناوله لهذا النموذج يخصص السيد ولد أباه حيزاً من مناقشته لمضامين هذا النموذج لأفكار المستشرق برنارد لويس للمقاربات الإسلامية والعربية التي كانت متوافقة لحد ما مع العديد من محاور رؤية غلنر ، مؤكداً في ختام نقده لما أسماه بالمسلك الوضعي ـ التاريخاني النضالي بأنه " لا يمكن الجزم بأن المجتمعات الإسلامية هي نسخ مكررة من المجتمعات الوسيطة ، أو حتى أن ثقافتنا ـ بما فيها جانبها الديني الفقهي ـ امتداد للثقافة الوسيطة ، فالمسارات الثقافية المجتمعية تحمل بصمات التاريخ ، والهوية ليست أحادية الجانب ، بل مركبة ينخرها الاختلاف وتسمها الكثافة ، وكما يقول داريوش شايغان أننا بهوية ثلاثية الأبعاد يحيل أحد جوانبها إلى ثابت الانتماء الموروث ، ويحيل جانب آخر إلى المعطى القومي المحلي، ويحيل جانب ثالث إلى الحداثة التي تنتمي إليها شئنا أم أبينا ، وكل منتم إلى هذا العصر ينتسب إلى هذه الهوية المركبة المتنوعة.
صحيح إن الإيديولوجيا الخصوصية المتطرفة وهاجسي الحفاظ على الهوية والاحتماء الممتنع بالجذور النقية والتماهي المستحيل مع الأصول عوائق موضوعية تحول دون تحقق المطالب الموضوعية وأفق تحديثي وحسن إبداعي ، وهي مطالب لا غبار عليها ، لكنها لا تتحقق بالمسلك الوضعي التاريخاني النضالي الذي هو أحد هذه العوائق الموضوعية " ص 147 -148.
ثالثاً ـ نموذج الإسلام من المنظور الاستراتيجي:
وهو نموذج يتعلق وفق تحليل السيد ولد أباه بالبعد الاستراتيجي لعلاقة الغرب كمفهوم جيوسياسي بالإسلام من حيث هو فضاء إقليمي وبشري له عناصر قوة كثيفة تسمح له بأن يشكل التحدي المستقبلي للريادة الغربية ولا شك إن هذا النموذج هو الأكثر وروداً وانتشاراً ، وقد تجذر منذ أن بلوره عالم السياسة الأمريكي صامويل هانتغتون في نظريته الشهيرة " صدام الحضارات " التي عرفت اهتماماً وارفاً بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 ، واعتبرت مصداق هذه الخيفة من العدو الأخضر الراهن " ص 148.
مقاربات ومحاور عدة تناولها أباه في هذا النموذج الديناميكي المتضمن في بعده التحليلي على عدة مستويات فكرية وأسئلة ابستمولوجية ملحة ربما من بينها السؤال المتعلق بمدى مصداقية وعقلانية استخدامنا لمصطلح الغرب إبان تناولنا لأي مقاربة تتعلق بجدلية الإسلام والغرب ، فالسيد ولد أباه يرى أن مصطلح الغرب هو مصطلح يحتاج إلى تمحيص وتدقيق فنجده مثلاً يتساءل عن حدود الغرب المفهومية والتاريخية والإقليمية التي تميزه في خصوصيته وتفرده " هل هي الجذور الإغريقية ـ اللاتينية التي شكلت مهارة الفكري الأصلي ، مع العلم إن هذا الفضاء الإغريقي ـ اللاتيني لا ينفصل عن المجال الشرقي الواسع الذي يتداخل معه جغرافيا وحضارياً ، مما يدركه أهل الاختصاص جيداً ؟ ام هي الخلفية اليهودية ـ المسيحية التي لا يخفى أن حقل انبثاقها هو التقليد التوحيدي الشرقي الذي شكل الإسلام خاتمته ومن الخلف إقصاؤه منه بأي ذريعة ؟ أم أن الغرب هو مفهوم ينتمي لعصور الحداثة والتنوير التي كانت خاصة بالمجال الأوروبي وامتداده الأمريكي ، وقد أفضت إلى صياغة نموذج مجتمعي وحضاري متكامل قوامه القيم الفردية والإنسانية ، والممارسة الديمقراطية التعددية ، والليبرالية الاقتصادية ، وتلك هي السمات المشتركة اليوم بين مكونات الفضاء الغربي الواسع ؟ ففضلاً عن كون هذا التحديد ، يخرج من مفهوم الغرب العديد من الأمم التي لم تعش هذا المسار التحديثي، ولا تزال تتعثر فيه كما هو شأن العديد من بلدان أمريكا الجنوبية ، فإنه يتخذ من محدد تنموي ـ قيمي قابل للاستيعاب والاستنبات داخل ساحات ثقافية متمايزة ومتغايرة مقوم هوية حضارية خاصة " ص 153.
- نحو مقاربـــة كونيـــــــة منفتحــة وتواصليـــــة
ترتبت على أحداث الحادي عشر من سبتمبر عدة إشكالات فكرية قادت فيما بعد إلى تمظهرات استراتيجية متأزمة ، الأمر الذي دفع بالبعض ، إلى إثارة الموضوع المتعلق بماهية الحضارة الإنسانية وذلك من زاوية أحاديتها أو تعدديتها وهو موضوع يرى الدكتور السيد ولد أباه في الفصل الأخير من كتابه إنه رغم تشبعه ابستمولوجياً بالعديد من المضامين الناضجة فإن السؤال المسكوت عنه في تناول الموضوع ظل يتمحور حول " سؤال المقومات العقدية القيمية الذي يتنزل في أرضية فلسفية معقدة نادراً ما يتم التعرض لها في الكتابات السيارة ، فإذا كانت الحضارة الإنسانية اليوم حضارة واحدة لعالم توحدت أركانه وترابطت حلقاته فما هو المضمون المعياري لهذه الحضارة الواحدة وأي قيم تستند إليها ، وما هي شرعية هذه القاعدة القيمية الموحدة؟.
أما إذا كانت الحضارات البشرية متعددة ، مختلفة ، متمايزة من حيث الشرعية فكيف يتسنى ضبط مقتضيات الكونية المتجسدة في واقع قائم تجري محاولات كثيفة لصياغته ثقافياً وقيمياً؟ " ص 158.
وللإجابة على الأسئلة الأنفة وغيرها يقترح أباه على القارئ التأمل في ثلاثة محاور رئيسية هي :ـ
1. المحور المتعلق بمفهوم الحضارة الكونية.
2. المحور المتعلق بحق الاختلاف الثقافي.
3. المحور المتعلق بمفهوم الكونية التواصلية .
وهذا الأخير يقدمه أباه كبديل لمفهوم الكونية الأحادية المركزية مؤكداً أن بلورة تلك الكونية التواصلية الحوارية تتم وفق ثلاثة اشتراطات حوارية تتم وفق ثلاثة اشتراطات ضرورية وهامة هي :-
أ- اشتراط العلاقة بالحداثة من حيث هي إطار نظري ومرجعية فلسفية وفكرية هي التي صاغت المضمون القيمي للحضارة المعاصرة ( بالوقوف على ثوابتها وتصدعاتها ومظاهر ضعفها ) .
ب- اشتراط الحوار الواسع والمتصل حول منزلة المقدس في المجتمعات المعاصرة وانعكاسات هذه المنزلة على الخيارات المجتمعية والسياسية ( لا في العالم العربي ـ الإسلامي بل في العالم برمته من منطلقات وخلفيات متباينة ) .
ج- اشتراط الوعي بالإشكالات التي تطرحها الثورة التقنية الثانية على الأبعاد الانطولوجية والقيمية والخلقية لوجود الإنسان ذاته باعتبار اختلافات الثقافات العالمية وفي ما وراء هذه الاختلافات ـ ص 176 .
- رؤيـــــة تقيميـــــة ونقديــــة :
القراءة التحليلية الفاحصة لسطور هذا الكتاب تجعلنا نقف أمام جملة من الملاحظات الإيجابية والسلبية التي انطوى عليها جهد كتاب عالم ما بعد 11 سبتمبر فبخصوص الملمح الإيجابي للكتاب فأن أهم الملاحظات يمكن اختزالها في النقاط التالية :-
أولاًـ الطرح غير الكلاسيكي للكتاب والذي حاول من خلاله المؤلف مواكبة آخر التحليلات والاجتهادات العلمية المواكبة للمدارس ألما بعد حداثية فالنقطة الإيجابية التي تسجل في هذا الصدد تتمثل في نجاح السيد ولد أباه في الابتعاد بجهازه اللغوي والمفاهيمي عن فخاخ التقريرية المباشرة التي طالما اعتادت عليها العديد من الكتابات السياسية العربية أبان تناولها لموضوعة أحداث الحادي عشر من سبتمبر
ثانياً ـ تناول الكاتب لمحاور جديرة بالاهتمام وأيضاً بالثناء على طرحها الذي يعد ريادي بالقياس لما هو متوفر لدينا من مراجع عربية تواضعت جداً في طرحها للموضوعة .
ثالثاً ـ الكتاب مرجع هام للمهتمين بتفاعلات السياسة الدولية وبالتحديد تفاعلات ما بعد الحادي عشر من سبتمبر .
أما الملح السلبي لجهد الكتاب فهو يتلخص من وجه نظر معد هذه القراءة التحليلية في النقاط التالية :-
أولاً ـ اعتماد الكاتب بشكل كبير على آراء الغير وعدم وضوح رؤيته الفكرية الخاصة في متن العديد من القضايا التي تضمنتها الفصول الستة للكتاب .
ثانياً ـ الأخطاء المطبعية المتكررة والتي قد لا يسأل عنها إباه أفقدت الإطار الفكري للكتاب بريقه ولمعانه الابستمولوجي ، سيما وإنه ثمة هناك أخطاء مطبعية فادحة أثرت كثيراً على مضمون بعض الاستخلاصات الإجرائية .
ثالثاً ـ دفاع الكاتب عن وجهة نظره الخاصة في بعض القضايا كان للأسف دفاعاً مبتسراً تنقصه الكثير من الأسانيد والأدلة العلمية المثمرة والبناءة ومن ذلك مثلاً نسق دفاعه التحليلي عن الاتهامات العدائية الموجهة للإسلام.
رابعاً ـ بالنظر لعنوان الكتاب وانطلاق المؤلف السيد ولد أباه من فرضية وجود إشكالات فكرية واستراتيجية ترتبت على أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 فإنه يمكن القول بأن المنهج التحليلي الذي اتبعه المؤلف في تعزيز فرضيته لم يكن واضحاً وشابه الكثير من التشتت والغموض كما أن حجم تقسيمه للمحاور والفصول كان صغيراً جداً أمام العنوان الكبير الذي اختاره ولد أباه لكتابه ، فكانت النتيجة الطبيعية لذلك الاختزال الوارف في العديد من المحطات والقضايا المعرفية المهمة وكذلك زئبقية الطرح التي رصعت الإطار الفكري للظاهرة محل الدراسة .



#عزالدين_اللواج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الا علام العربى وتحدى العولمة
- (المبتسرون(نظرة فى ظاهرة العنف الثقافى
- المثقف العربي وتحدي الدولة السلطوية)نظرة فى ضوء جدلية الخانق ...
- اسئلة المجتمع المدنى فى ضوء أدبيات الفكر العربى المعاصر


المزيد.....




- هارفارد تنضم للجامعات الأميركية وطلابها ينصبون مخيما احتجاجي ...
- خليل الحية: بحر غزة وبرها فلسطيني خالص ونتنياهو سيلاقي في رف ...
- خبراء: سوريا قد تصبح ساحة مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران
- الحرب في قطاع غزة عبأت الجهاديين في الغرب
- قصة انكسار -مخلب النسر- الأمريكي في إيران!
- بلينكن يخوض سباق حواجز في الصين
- خبيرة تغذية تحدد الطعام المثالي لإنقاص الوزن
- أكثر هروب منحوس على الإطلاق.. مفاجأة بانتظار سجناء فروا عبر ...
- وسائل إعلام: تركيا ستستخدم الذكاء الاصطناعي في مكافحة التجسس ...
- قتلى وجرحى بقصف إسرائيلي على مناطق متفرقة في غزة (فيديو)


المزيد.....

- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي
- عالم داعش خفايا واسرار / ياسر جاسم قاسم


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - عزالدين اللواج - عالم ما بعد 11سبتمبر_الا شكالات الفكرية والا ستراتيجية