أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نائل الطوخي - عن المسيح و جيفارا و إسماعيل: صدام حسين.. البطل المدلل لكاميرا أعداءه















المزيد.....

عن المسيح و جيفارا و إسماعيل: صدام حسين.. البطل المدلل لكاميرا أعداءه


نائل الطوخي

الحوار المتمدن-العدد: 1784 - 2007 / 1 / 3 - 12:03
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مع التزامن النادر لعيدي الأضحي والميلاد، تسير أخيرا، وجنبا الي جانب، قصتا الفداء المقدستان، قصة افتداء اسماعيل وافتداء يسوع نفسه لأجل الانسان. الفداء هو ما يصلح اعوجاج البشرية. اختيار أفضل ما لديك، ثم التخلص منه، في نوع من اثبات الولاء للرب، ولكن أيضا كنوع من البرهنة علي صحة جسدك، جسدك الذي لم يقصر عن تأدية كل مهامه بعد خلع العنصر الأكثر بهاء منه. الفداء يحوي عنصر التكفير عن الذنب، ولكنه يحوي أيضا ذلك التحدي الواثق منه نفسه، الذي يؤكد أن الجسد سيظل كما هو، لن تقل كفاءته بعد. هكذا، تم الاعلان عن اعدام صدام حسين فجر عيد الأضحي.
تم التخلص من البطل الشرير اذن، لا علي هيئة تضحية هذه المرة ولكن علي هيئة تطهير، تطهير للجسد العراقي الجميل من مرضه. هذه الحملة التطهيرية التي توبعت بمشهدية وافرة تمثلت في دخول كاميرات التصوير غرفة الاعدام، واكبتها حملة موازية تمثلت في ردود الفعل الفرحة بالاعدام، حملة كانت عناوينها من عينة عام جديد بدون الطاغية أو بدون صدام ذلك أفضل جدا. هكذا اذن. كان صدام، حتي في أثناء كونه أسيرا، هو من عطل الجسد العراقي عن أن يكون جسدا صحيحا. حسنا، لننتظر ونر.
لا يمكننا تصنيف الفرحة باعدام صدام حسين الا بنوع من السذاجة، فالطاغية كان متقاعدا عن استبداده منذ سنوات. انها فرحة تطهيرية في المقام الأول، فرحة بتناقص عدد الأشرار واحدا، الأشرار الذين لم يستطع أحد احصاءهم ولا تقديم تصور عن كيفية التخلص من بقيتهم جميعا، واحدا اثر واحد أو مجتمعين. الشر دوما هو كائن هلامي ومختلف عليه تماما. ومحاولة ملاحقة الشر، خاصة في حال كونه عاجزا، تكون لها اهداف خطابية أكثر منها سياسية. من هذه الناحية لابد من الاعتراف بأن اعدام صدام حسين هو عبث، هو أمر ينتمي لقصص الأطفال التي تصر علي أن يلاقي المسيء جزاءه، حتي لو كان جزاؤه هذا وبالا علي من عاقبه، لأن الحكايات لا تجازف أبدا بأن تصل الي هذه النقطة.
يملك حكام العراق الجدد بطش صدام ولايملكون حنكته. استطاع صدام تحويل قطاعات كبيرة من الشعوب العربية، المولعة بالخطابة، الي مناصرة له، وفشل حكام العراق في لفت نظر قطاعات كبيرة من الغرب، المولع بالنجاح، اليهم. كان الفشل رديفهم في كل خطوات اصلاح العراق، هنا يمكن القول أن صدام كان هو النموذج الأمثل لهم. صدام الذي استطاع باستبداده الحفاظ علي تماسك، نسبي وهش وشوفيني، للعراق. هذا النجاح علي ما يبدو مثار غيرتهم، هم الذين لا يملكون، مثله بالضبط، محاذير أخلاقية كثيرة فيما يتعلق باستخدام العنف أو تأجيج الطائفية أو القمع.
علي الرغم من استشهاد المسيح علي أيدي اليهود، فلقد تم التكفير بموته عن خطيئة الانسان، الانسان الذي قتل ربه بيديه، والذي لم يحتمل أن يعيش الابن المقدس بين ظهرانيه. هذه النقطة في حكاية الفداء تتعطل القصة القرآنية والتوراتية عن بلوغها، تصل القصة الاسلامية واليهودية الي مكافئة ابراهيم علي استعداده لقتل ابنه وحيده الذي يحبه. الهدية هي عنوان القصتين، قصة العهد الجديد وقصة القرآن والتوراة، هدية يسوع للانسان (الغفران) و هدية الله لابراهيم (الكبش)، الهدية التي تأتي في أعقاب التضحية. في النهاية، يبدو استعداد الانسان للتخلص من أغلي ما لديه، لأجل أمر بعيد، صوت يسمعه، وحي يتلقاه من عالم آخر يحب أن يختبر دوما قدرته علي الحياة بعيدا عن مسببات سعادته، يبدو هذا الاستعداد هو مختبر الانسان أمام ذاته. لا يمكن القطع أن أشياء كتلك لم تخطر في بال حكام وقضاة العراق، والذين ينظرون الي صدام بنوع من البنوة، هم أبناء بطشه وممارسيه والمحتجين عليه فقط لأجل ترسيخه. هكذا يضحي الابن بأبيه، لاثبات قوته وكفاءته واستقلاليته بعيدا عنه، وانتظارا لهدية الرب الأخيرة. العالم الجديد سيتحقق الآن، حالا. بعد بعض الهجمات الانتقامية للبعثيين والصداميين والارهابيين، سينتفض الشر انتفاضته الأخيرة ويسلم الروح. هكذا فقط ندخل جنة غفران الخطيئة الأولي، ندخل جنة نسيان ماضينا الملوث ومحوه، ندخل نهاية التاريخ. يقدم حكام العراق قربانا ما يرون أنه أفضل جزءا من جسدهم، الجزء الذي تربوا عليه ولا يفهمون الا اياه، الجزء الأكثر نجاعة وكفاءة في نظرهم، صدام حسين، هم الأبناء الشرعيون له، بهدف انقاص أعدائهم الأشرار واحدا، ولكن أيضا بهدف يتصل بالتحدي، بهدف قطع أي كلمة قد تقال عن أن صدام لو كان في السلطة لما كان العراق علي هذا الشكل، هذا التحدي يدخلونه واثقين، ثم يخسرون المرة تلو المرة. لم يتوقف العراق طيلة السنوات الثلاث الأخيرة عن أن يسير بثبات نحو الأسوأ.
فيما يخص صدام حسين بالتحديد، وليس العراق، تتتابع الأعياد، بدءا من سقوط تمثاله في ساحة الفردوس حتي العثور عليه في الحفرة التي اختارها بنفسه وانتهاء بموته الآن. لا يبدو أن هناك عيدا موحدا استقر عليه أعداؤه، وهم كثر. لماذا؟ لأن كل عيد يكشف نفسه بسرعة عن أنه ليس عيدا، لأن الفارق ليس شاسعا بين يوم ثمانية وعشرين كانون الاول/ ديسمبر ويوم ثلاثين كانون الاول/ ديسمبر عام 2006. ان لم يكن العنف يتزاد لصالح الأخير. برغم ذلك، فالحرص أشد ما يكون لدي حكام العراق علي مزاجهم الاحتفائي، علي رموزهم التي يكدسونها، علي تقــــديس الأشخاص والتواريخ والأفعال. وباختصار، علي تحويل تاريخهم الي معرض كبير من الأيقونات، لنتذكر المشهدية الرهيبة لحادث تافه مثل اسقاط تمثال، المشهدية التي يحبها كل الساعين وراء الرموز لا البشر.
هل قصدوا فعلا بفجر الثلاثين من كانون الاول (ديسمبر) دفن صدام أم اعادة بعثه بقوة، علي هيئة ضحية، قربان، اله شهيد؟ أليس استسلامه الذي وصفه موفق الربيعي هو تسليم ينتمي للمسيح، لاسماعيل، لعلي بن أبي طالب، الذي يملك هو أيضا مع ابنه نفس الطاقة الهائلة علي افتداء نفسه لأجل العالم، نفس التسليم أمام السكين الآخذ في الاقتراب لأنه يري في الغيب ما لا تري السكين وما لا يري حاملها. بهذا كان حكام العراق يرسمون اسطورة صدام الخاصة، عبر هذه المشهدية التي تعمل وفق حدين في الغالب، وفي الغالب تميل أكثر الي حد واحد منهما، وهو الضحية. يتحول الضحية الي اله أما الجلاد فينساه التاريخ، من يتذكر الآن صراخ اليهود مطالبين بيلاطس بقتل المسيح سوي بنوع من القرف والابتسامة الهازئة؟ ولا يهم أي سياق أو أي أسباب دفعت الضحية والجلاد لكي يقف كل منهما في هذا الموقف. أليست المشهدية هي حالة تقطيع للسياق، للتاريخ، الي لقطات صغيرة لا تعني الا ذاتها؟ ليتحمل حكام العراق اذن، ولتتحمل أمريكا موجة جديدة من العداء الذي لا تفهمه ولا تسعي لفهمه.
في يوم من الأيام، أثناء الحرب علي العراق، وعلي شاشة احدي الفضائيات العربية، وفي سجال حول ذاك السؤال الذي كان المادة المفضلة للفضائيات وقتها: هل الحرب علي العراق هي صواب أم خطأ؟ قال فؤاد عجمي أن أمريكا ستنتصر وأن صدام سيهزم وأن الكاميرا ستقترب من وجهه قتيلا ليقتنع كل من يشاهده أنه ميت. أضاف عجمي أن المشاهدين سيقتنعون بأنه ميت بالضبط كما اضطروا الي الاقتناع بأن غيفارا قد قتل. كانت نبوءة عجمي مرعبة. كانت تعمل لصالح صدام بشكل مطلق. هل قصد وقتها أن وجه صدام سيتحول الي أيقونة مقدسة مثل وجه غيفارا؟ هل قصد أن صدام سيصبح ملهما للشعوب والحركات التحررية مثل غيفارا، وهو رمز آخر للفداء في العقائد العلمانية. بالتأكيد لا. ولكن النبوءة تعمل علي غير رغبة صاحبها أحيانا. هنا بالتحديد يبدو صدق نبوءة عجمي أمرا لا مناص منه. عبر اقتراب الكاميرا من صدام حسين، من تصويره نائما في حفرته، في زنزانته، يغسل ملابسه، ثم وهو يلقي كلماته المقدسة الأخيرة قبل "استشهاده" ، جنبا الي جنب مع تصوير ابنيه علي هيئة شهيدين، عبر كل هذا تكرس الكاميرا الأمريكية والعراقية التابعة لما سيعمل ضدهما في السنوات القادمة. يكرس حكام العراق لملهمهم وأبيهم الروحي، يضحون به مع خلفية درامية وموسيقي حزينة مناسبة تجعل من البطل الشرير الذي يموت في نهاية الفيلم علي أيدي أبطال أكثر شرا محل تعــــاطف وتقديس من الجمهور الواسع، محلا لاكتشاف وسامة مفتــــقدة ظلت غير مدركة في الأيام السابقة. غيفارا بوجهه اليسوعي، الحسين بملامحه الثائرة، صدام بلحيته الأنيقة، كل هذا يضم الأخير الي أبطال لا يشبههم ولا يشبهونه. ينسي له الجمهور المستلب كل خطاياه، دفعة واحدة، في أوكازيون نادر، ولكنـــــه لا ينسي أبدا الموسيقي التصويرية التي صاحبت مقتــــل بطله، لا ينسي الجمل الأخيرة التي قالها قبل موته. يعي مخرجــــو مسرحية العراق الآن أن هذا النــــوع من الميتــات هو بالضبط مجال عمل الدراما.



#نائل_الطوخي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرسالة الكامنة للانتحاري
- معارضو الشارع واولاد الشوارع
- عن اطفال الشوارع و معارضي الشوارع
- قراء غير جيدين أو تجار متنكرون: مجانين مكتبة الاسرة
- الحجاب صليب المسلمين
- الشيعة ما بين حزب الله و الكائنات ذوي الذيول
- الروائي الإسرائيلي دافيد جروسمان: انظروا كيف شاخت إسرائيل
- من كفر قاسم الى بيت حانون:ولازال القتل مستمرا
- الإخوان المسلمون يشترون طواقي حماس في مؤتمر بعنوان لبيك فلسط ...
- بيني و بين أبي. بين الإخوان والقاعدة
- كتب المسلمين الاعلى مبيعا في اسرائيل.. اشكال من العنصرية ضد ...
- الرواية بعد محفوظ.. العقوق الجميل لأبناء الجبلاوي
- يوم الكيبور.. صفعة لصورة الدولة التي لا تقهر
- السلطة المطلقة للافيه الرمضاني.. من الشعر و المسرح إلى شوقية ...
- حسين عبد العليم: تحريم الجنس أمر ممل جدا
- الأم المقدسة، أمي، الأرض و الهوية
- أمي، الأم المقدسة، الأرض و الهوية
- عن تصريحات البابا و الأديان المصابة بالزهايمر
- صلالة مدينة تشبه الألعاب الإلكترونية
- الجمالية ترد الحكي على نجيب محفوظ


المزيد.....




- -انتهاك صارخ للعمل الإنساني-.. تشييع 7 مُسعفين لبنانيين قضوا ...
- لماذا كان تسوس الأسنان -نادرا- بين البشر قبل آلاف السنوات؟
- ملك بريطانيا يغيب عن قداس خميس العهد، ويدعو لمد -يد الصداقة- ...
- أجريت لمدة 85 عاما - دراسة لهارفارد تكشف أهم أسباب الحياة ال ...
- سائحة إنجليزية تعود إلى مصر تقديرا لسائق حنطور أثار إعجابها ...
- مصر.. 5 حرائق ضخمة في مارس فهل ثمة رابط بينها؟.. جدل في مو ...
- مليار وجبة تُهدر يوميا في أنحاء العالم فأي الدول تكافح هذه ا ...
- علاء مبارك يهاجم كوشنر:- فاكر مصر أرض أبوه-
- إصابات في اقتحام قوات الاحتلال بلدات بالضفة الغربية
- مصافي عدن.. تعطيل متعمد لصالح مافيا المشتقات النفطية


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نائل الطوخي - عن المسيح و جيفارا و إسماعيل: صدام حسين.. البطل المدلل لكاميرا أعداءه