أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الاطفال والشبيبة - عبدالخالق حسين - الخراب البشري في العراق...أوضاع أغرب من الخيال















المزيد.....

الخراب البشري في العراق...أوضاع أغرب من الخيال


عبدالخالق حسين

الحوار المتمدن-العدد: 537 - 2003 / 7 / 8 - 02:12
المحور: حقوق الاطفال والشبيبة
    


 

لا شك أننا كنا نتوقع خراباً شاملاً يتركه النظام بعد رحيله إلى غير رجعة، ولكن لم نكن نتوقع أن يصل هذا الخراب حداً يفوق الخيال والوصف. والخراب الذي نقصده ليس الخراب الإقتصادي وتدمير البنى التحية للبلاد، بل خراب الإنسان العراقي وتدمير النسيج الإجتماعي والإخلاقي وتفشي الجريمة وغيرها من الممارسات التي كانت غربية على تقاليد وأعراف الشعب العراقي قبل اغتصاب البعث الصدامي للسلطة. لقد بلغ هذا الخراب حداً أن أصيب بعض العائدين إلى العراق بعد غيبة طويلة، بخيبة أمل مريرة واليأس من الإصلاح ويعتقدون إنه في الوقت الذي يمكن تحقيق الإصلاح الإقتصادي وإعادة بناء العراق خلال خمس سنوات أو أكثر، إلا أن إصلاح البنية البشرية يستغرق أجيالاً.

 

أذكر أدناه خلاصة محادثة تلفونية مع صديق اتصل بي من بغداد، وقد عاد إليها بعد ربع قرن من الغربة، ضمن منظمة إعادة بناء العراق والتنمية البشرية ORHA، وهو أستاذ جامعي حصل على إجازة من جامعته البريطانية لمدة ثلاثة أشهر قابلة للتمديد، للمساهمة في تأهيل الجامعات العراقية. هاتفني صديقي هذا قبل يومين واصفاً الوضع المريع في بغداد بأنه كابوس، وكان منفعلاً وصوته يرتجف من الغضب والحزن  على ما شاهده من خراب البشر وما آل إليه المجتمع من إهمال وتدمير متعمد على يد النظام المقبور طيلة ما يقارب الأربعة عقود.

ذكر لي الصديق أشياءً كثيرة شاهدها خلال شهر من إقامته في بغداد وكشاهد عيان على ما يجري في عاصمة الرشيد، أذكر بعضاً منها بإيجاز، لأن كل فقرة منها تصلح لمقالة مستقلة.

 

بلد الإشاعات
 نتيجة للعزلة الطويلة التي فرضها النظام الساقط على الشعب العراقي، حيث حرم المجتمع من جميع وسائل الإعلام الخارجية، وأخضعه لإعلامه الوحيد المضلل فقط، وإلى تلقي الأوامر وتنفيذها دون مناقشة، فقَدَ الإنسان العراقي القدرة على التفكير السليم والتمييز بين المعقول واللامعقول حيث صار المجتمع مرتعاً خصباً لتقبل الإشاعات مهما كانت غير معقولة والتصديق بها وكأنها حقائق غير قابلة للنقاش. وبعد ساعات تخرج إشاعة جديدة على النقيض تماماً للأولى فيتلقفها الناس ويصدقونها بدون مناقشة أيضاً. وعلى سبيل المثال، يقول صاحبي أنه في طريقه من الفندق إلى رئاسة الجامعة، حاول فتح الحديث مع سائق التاكسي، وكان هناك خوف متبادل بينهما، كما ظهر من الحديث. فالسائق يخاف أن يكون الراكب مجرماً يحاول قتله لسرقة السيارة كما إن الراكب يخاف من السائق أن يشهر المسدس فيقتله عسى أن يغنم بعدد من الدولارات.

فبدأ السائق حديثه بشتم الأمريكان وقوات الإحتلال موعزاً الخراب إليهم. فأجابه صاحبي بحذر: "ألا تعتقد أننا يجب أن نشكر الأمريكان على إسقاطهم لنا النظام الفاشي، فلولاهم لبقي النظام يسوم الشعب سوء العذاب؟". وفجأة تغيرت لهجة السائق وموقفه بمقدار 180 درجة حيث راح يشتم صدام ونظامه ويمدح الأمريكان بسخاء مؤيداً ما قاله الراكب. ويقول أنه أخبر السائق بأن الأمريكان عندهم برنامج واسع وطموح لإعمار العراق ورفع مستوى المعيشي للشعب إلى مستوى الدول الغنية. وعند عودته من الجامعة إلى الفندق مساء نفس اليوم مع سائق آخر سمع من السائق الثاني نفس الكلام الذي قاله هو للسائق الأول. ويبدو أن سواق التاكسي هم من وسائل نقل الإشاعات بسرعة.


 

الجامعات وممارسالات الأشقيائية بإسم الدين
هناك لافتة كبيرة على بوابة جامعة المستنصرية مكتوب عليها: (لا للتبرج.. لا للسفور، نعم للعفة.. نعم للحجاب). والطالبات الجامعيات في حالة هلع ورعب من الدينيين الذين يهددونهن بالعقاب الصارم إذا لم يتحجبن، مما أدى إلى امتناع أغلبهن عن الدوام. وقد حصل أمام صديقي مشهد غريب ويشك بصحتها كل من يسمعها لأول مرة! كان الأستاذ يلقي محاضرة على الطلبة في إحدى قاعات الدرس في جامعة المستنصرية. وإثناء المحاضرة دخل رجل دين معمم وطلب إلقاء محاضر عن الإسلام. فلبى الأستاذ الجامعي طلبه وتنحى جانباً. وبدأ رجل الدين محاضرته بالحديث عن الإسلام ثم انتقل إلى وقعة كربلاء واستشهاد الحسين(ع) وأهل بيته وصحبه وانتهي بلطمية في القاعة وبدأ الطلبة يضربون صدورهم كما لو كانوا في حسينية في عاشوراء.

يقول الصديق أنه ناقش عميد الكلية حول هذا التسيب ولماذا لم يتدخل لمنع مثل هذا السلوك الفج والتجاوزات الصريحة على حرم الجامعة من قبل هؤلاء المعممين، خاصة وأن آية الله السيستاني وعدد آخر من فقهاء الحوزة العلمية الكبار قد أدانوا هذه التصرفات وفرض الحجاب بالقوة والدين بالإكراه، فأجاب العميد أنه يخاف على حياته إذا منعهم من ذلك.

 

سوق النخاسة
من الأمور الغريبة الأخرى التي هي أغرب من الخيال، وجود سوق في بغداد بهذا الإسم يبيعون فيها بشر.. نعم بيع بشر ونحن في القرن الحادي والعشرين. يقول صاحبي أنه شاهد هذا السوق، حيث تجمهر الناس وتقدم شخص يعرض فتاة بعمر 14 سنة للبيع مقابل (خمس ورقات) أي 500 دولار. وهذه الفتاة المسكينة حتماً تم اختطافها وهي طفلة صغيرة وتمت تربيتها على الفساد  لإستخدامها للجنس. وقدمت الفتاة نفسها للجمهور بأن الذي يشتريها له الحق أن يفعل بها ما يشاء وأنها ستسعده إلى أقصى حد!!  وتقدم لها شخص من بين الجمهور ودفع (خمس ورقات) وأخذ الفتاة وغابا عن الأنظار!! هذه ليست قصة من سوق النخاسة  في العهد الجاهلي، بل في بغداد في عصر المفترض به حقوق الإنسان وضمان كرامته!!

 

سوق الكبسول
في هذه السوق تباع علنا جميع أنواع المخدرات، مورفين، بثدين، حشيش، وأنواع الكوكتيلات من المخدرات الممنوعة في العالم وفق قرارات الأمم المتحدة. وتعرض المخدرات في هذه السوق بكميات كبيرة دون رقابة أو محاسبة. إن هذه الجرائم ليست وليدة اللحظة أو ظهرت بعد سقوط النظام، وإنما كانت موجودة، لأن النظام كان يعمل على تدمير النسيج الإجتماعي والإنسان العراقي بشكل منظم ومبرمج.

 

سرقة السيارات
يخاف أكثر أصحاب السيارات التنقل بسياراتهم الخاصة، خوفاً من تعرضهم لعصابات اللصوص الذين لن يتوانوا عن قتلهم وسرقة السيارة وبيعها بسعر بخس في سوق الفرهود. فحياة الإنسان في عهد صدام صارت لا قيمة لها وهناك من هو مستعد لقتل أي إنسان مقابل عدد قليل من الدولارات. وقد حصلت حادثة أمام الصديق الذي نقل لي الخبر أنه ذهب إلى الباب الشرقي، وكان السير في حالة فوضى، فتقدم شخص ووضع فوهة مسدسه في رأس سائق أمام عجلة سيارته الخاصة آمراً إياه أن ينزل منها فاضطر صاحب السيارة أن يستجيب بدلاً من أن يفقد حياته. وتم بيع السيارة على شخص آخر (نقداً) والذي أخذها بدوره إلى كردستان ومنها إلى إيران. كذلك قرأت في الإنديندنت اللندنية قبل أيام عن سوق بيع السيارات المسروقة في شارع السعدون تفتح بين الرابعة والخامسة مساء كل يوم، يتم فيها البيع والشراء ويختفي اللصوص بسرعة وتنقل السيارات المنهوبة إلى كردستان ومنها إلى إيران. هذه الممارسات تحصل يومياً في بغداد والمناطق الأخرى من العراق.

 

موقف الناس من الأحزاب
يبدو أن هناك نفور من الأحزاب السياسية على مختلف اتجاهاتها. وهذا ليس بالأمر الغريب بعد عقود من الظلم والقهر والإستلاب من قبل الحزب الحاكم والذي كان الإنتماء إليه قسراً وإلا يحرم المواطن من الكثير من حقوق المواطنة. لذلك سأم الناس من الأحزاب ونفروا منها. كذلك يرى الناس أن الأحزاب التي كانت تعارض النظام البائد فشلت، ليس في إسقاط النظام فحسب بل وحتى في توحيد صفوفها وإقامة سلطة وطنية تعيد للبلاد الأمن والخدمات والسيادة الوطنية. وإذا كانت هناك زيارات يقوم بها بعض الناس لمقرات العديد من الأحزاب، فيتم ذلك بدوافع شخصية تحسباً للمستقبل لضمان نصيبهم في السلطة القادمة.

 

كيف حصل هذا الدمار؟
لقد نجح النظام المقبور نجاحاً كبيراً في تحقيق أهم هدف من أهدافه وهو تزييف الوعي وتدمير الإنسان العراقي بحيث صار لا يشعر المواطن بالإنتماء للوطن والشعب، بل تغلبت عليه روح الفردية والأنانية والنفعية ولا إهتمام له بالمجتمع والمصلحة العامة وإنما كل همه هو السعي من أجل تحقيق مصالحه الذاتية على حساب الآخرين حتى ولو بممارسة الجريمة. ولا يتردد في قتل إنسان بريء من أبناء جلدته مقابل حفنة قليلة من الدولارات. ويمكن معرفة ذلك من خلال النهب الذي حصل لمؤسسات الدولة والتي هي ملكية الشعب، كذلك من ضخامة انتشار الجريمة بعد سقوط النظام.

لذلك فهناك مهمات كبيرة وعسيرة أمام السلطة القادمة وعلماء النفس والإجتماع وكافة المثقفين لمواجهة هذه الأزمة البشرية والمأساة الإنسانية والعمل المتواصل لإعادة تأهيل الإنسان وإزالة ما ترسب في عقله من أفكار تدميرية وإعادة ثقته بنفسه واحترامه للمجتمع والقيم الإجتماعية وتعميق شعوره بالإنتماء للوطن والشعب.

 



#عبدالخالق_حسين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اضواء - امرأة سومرية
- المذابح في العراق بدأها النظام الملكي
- نوال السعداوي و-التشادور- العراقي
- فوضى تغيير أسماء الشوارع.. لصوصية تحت واجهة دينية
- رفع الحصار إنتصار آخر للشعب العراقي
- هل هؤلاء رجال دين أم بلطجية؟
- سقطت الفاشية ولم تسقط بغداد..!!
- هل ظاهرة النهب والشغب في العراق مجرد بداية لما هو أدهى وأمَّ ...
- محاولة لفهم الفوضى والنهب بعد سقوط الإستبداد!
- كـمسـتقبل ألمانيا بـعـد هــتلر
- مخاطر إنسحاب الحلفاء المبكر من العراق
- لماذا ترفض روسيا وفرنسا رفع العقوبات عن العراق ما بعد صدام؟
- الصحاف هو الوجه الحقيقي للإعلام العربي
- 9 نيسان 2003 أسعد يوم في حياة الشعب العراقي
- نريدهم أحياءً !! بمناسبة مصرع علي الكيمياوي
- رحيل باحث نزيه - بمناسبة أربعينية الفقيد علي كريم سعيد
- لماذا تأخرت الإنتفاضة؟
- الديمقراطية لن تولد متكاملة وقد لا تكتمل!
- الوصايا العشر إلى الحكومة العراقية القادمة
- الإقتصاد العراقي - الماضي والحاضر وخيارات المستقبل


المزيد.....




- طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة
- تعرف على أبرز مصادر تمويل الأونروا ومجالات إنفاقها في 2023
- مدون فرنسي: الغرب يسعى للحصول على رخصة لـ-تصدير المهاجرين-
- نادي الأسير الفلسطيني: الإفراج المحدود عن مجموعة من المعتقلي ...
- أمريكا.. اعتقال أستاذتين جامعيتين في احتجاجات مؤيدة للفلسطين ...
- التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بشأن الأ ...
- العفو الدولية تطالب بتحقيقات دولية مستقلة حول المقابر الجما ...
- قصف موقع في غزة أثناء زيارة فريق من الأمم المتحدة
- زاهر جبارين عضو المكتب السياسى لحماس ومسئول الضفة وملف الأسر ...
- حماس: لا نريد الاحتفاظ بما لدينا من الأسرى الإسرائيليين


المزيد.....

- نحو استراتيجية للاستثمار في حقل تعليم الطفولة المبكرة / اسراء حميد عبد الشهيد
- حقوق الطفل في التشريع الدستوري العربي - تحليل قانوني مقارن ب ... / قائد محمد طربوش ردمان
- أطفال الشوارع في اليمن / محمد النعماني
- الطفل والتسلط التربوي في الاسرة والمدرسة / شمخي جبر
- أوضاع الأطفال الفلسطينيين في المعتقلات والسجون الإسرائيلية / دنيا الأمل إسماعيل
- دور منظمات المجتمع المدني في الحد من أسوأ أشكال عمل الاطفال / محمد الفاتح عبد الوهاب العتيبي
- ماذا يجب أن نقول للأطفال؟ أطفالنا بين الحاخامات والقساوسة وا ... / غازي مسعود
- بحث في بعض إشكاليات الشباب / معتز حيسو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الاطفال والشبيبة - عبدالخالق حسين - الخراب البشري في العراق...أوضاع أغرب من الخيال