أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - فجر يعقوب - الدراجة النارية في السينما:نزوات السائق في مقدمة التابوت الطائر دوما















المزيد.....

الدراجة النارية في السينما:نزوات السائق في مقدمة التابوت الطائر دوما


فجر يعقوب

الحوار المتمدن-العدد: 1775 - 2006 / 12 / 25 - 03:32
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


سيصبح للدراجة النارية وظيفة أخرى، ولن تعود هذه الآلة التي تسمى خلسةً عن فيض الأرواح المجنونة بـ"التابوت الطائر" مجرد آلة، لأنها وبالسرعة القصوى التي يبحث عنها من يمتطيها تسبغ نعمة مغادرة الزمن بابتكار انساني عزّ مثيله. حتى تلك السيارات التي تستوي بالأرض وتزحف عليها مثل دودة لا يمكنها أن تقوم بإعادة إنتاج مثل هذه النعمة، فهي مغلقة، ومحصّنة ضد النعمة التي تصنع هنا من نزوات السائق نفسه، وهي نزوات مرئية تتلوى في المنعطفات الخطيرة ولا يراها إلا من يقود دراجة نارية فقط. لا أحد يعرف على وجه الدقّة لماذا يختار سائق الدراجة النارية في اللحظة التي يعتلي فيها صهوة دراجته أن يطير بها، وكأنه يريد التحليق بجسده والانفلات من مقعده ليلتصق بعجينة الموت طواعية وبرغبة كاملة منه من دون أن يظهر ذعراً أو خوفاً شبيهاً بالذي نراه على الوجوه، وهي تختار وسائل أخرى للنهوض بالحياة عن أكتاف الحياة نفسها، وقد رتّبت لذلك كل وسائل النعي الممكنة.
يحاول المرء الذي لا يعرف قيادة الدراجة النارية أن يقرأ في الوجوه المؤلفة من راكبين على متنها، ولا يهمه الراكب بصيغة المفرد، فهو لا يحمل هنا رسالة درامية من أي نوع. السائق والراكب الآخر، الحشري، أحياناً، هو ما يهم، وهو الحشري لأنه يحشر نفسه في التابوت بالنيابة عن نزوة مغيبة أخرى للسائق، ويبتسم وكأنه يحاول الايحاء بأنه العقل المدبّر لهذه الرحلة، مع أنه يقع في الخلف، أي في الدرجة غير المهمّة عندما يقرّر "القائد" أن يؤكد أمامنا فعلته في الانفلات.
في السينما تبدو القراءة مختلفة تماماً، فالسائق يدرك سلفاً أنه يمثل، أو هو يتدرب على أداء دور الالتصاق بالعجينة المباركة التي تصبح هنا صلبة وتفقد خاصيتها، لأن ما يحدث على الشاشة، لا يمكن له أن يحدث في الواقع. لا يمكن للسائق/ الممثل حتى وهو يقاتل ليصبح عقلاً مدبراً، كما في فيلم "الكيت كات" مثلاً لداوود عبد السيد، فهنا سوف نجد الرغبة الدفينة في عقل الكفيف (محمود عبد العزيز) بركوب "الفسبا" هي ما تحرّكه باتجاه أن يكون المدبّر لرحلة مشروطة نحو الحرية والانعتاق، لا تكتمل إلا بانزلاقه بالدراجة النارية في النهر مع مرافقه. هو كان يحاول أن يطير، ويغادر العمى المستعار في الفيلم، وهو لا يستطيع كممثل إلا أن يؤدي دوره، لأنه لا يستطيع أن يكون غير ذلك، وهو لم يختر ركوب وسيلة أخرى ليتحرّر، فما من وسيلة بوسعها أن تعتقه من سجنه الا طيران الدراجة النارية. على أن المرافق الذي يكون في الخلف ويتذرّع بالبحث عن حريته هو الآخر، يكون هنا في مرمى الأسئلة الصعبة عن طبيعة هذه الحرية التي يرنو إليها، ولا يمتلكها في لحظة الانزلاق إلا من يكون في المقدمة فقط، فلا حرية لمن يكون في الخلف، ونحن غالباً لا ننتبه إلى المرافق، فما يهمّنا هو من يكون في المقدّمة، والأنظار تتعلق به وتبقى ملتصقة به ومصوبة نحوه، أما الآخر فهو زائد على المشهد وزائد على حيويته ويقلِّل من قيمة أبصارنا ويشتتنا إن قام بحركة قد لا تبدو ضرورية لنا، مع أنها قد تكون ضرورية في السياق الدرامي للفيلم، ولكنها لا تهمّنا، لأنها تبعدنا عن الالتصاق بمقدمة الفكرة عن الحرية نفسها.
في حالة الأخوين فيليب وآلن جلادو، المديرين الفنيين لمهرجان نانت للقارات الثلاث، فقد اختارا لملصق هذا العام لقطة من فيلم تايواني يظهر فيه السائق ومرافقه على متن دراجة نارية، وقاما في نفس الوقت بمحاكاتها في صورة لهما على متن التابوت الطائر، وخلفهما ذكريات ثماني وعشرين دورة من مهرجان القارات الثلاث في مسقط رأس جول فيرن، المدينة التي خرج منها ليرى العام في ثمانين يوماً، فيما يقول فيليب معلقاً: نحن نكتشف العالم في ثمانية أيام بعكس مواطننا فيرن، لأن مسألة تقصير الزمن في العصر الذي نعيش فيه، أصبحت نافلة بحكم التطوّر التقني الذي بات يفصلنا عن نانت جول فيرن. نحن السينما بيننا الآن، وهي من تجعلنا نقوم باكتشافاتنا بالسرعة القياسية المطلوبة.
في فيلم إيراني شارك في المسابقة الرسمية للمخرج الايراني أصغر فرهادي، وهو بعنوان "الألعاب النارية يوم الأربعاء" يفتتح المخرج فيلمه بسائق يقوم بنقل صبية حلوة خلفه إلى العاصمة طهران. لن يكون هناك دور للسائق سوى أنه يقوم بتوصيل خطيبته الريفية الى المدينة لتعمل خادمة لدى عائلة ثرية. سوف نلاحظ أن السائق برغم ريفيته الظاهرة للعيان هو من كان يقتاد الصبية التي ستظهر في المدينة بمظهر مختلف لا تشبه فيه مظهرها وهي تلتصق بالسائق، فهي قد تحررت من عقدته المهيمنة على دورها الأصلي في اللحظة التي غادرت فيها الدراجة النارية وأصبحت تلعب دورها.
بالنسبة للشقيقين جلادو، فإن الأمر كان محاكاة للتابوت الطائر، رمز المهرجان، لكنهما تحولا إلى عدوين لناشئة فرنسا، فهناك لا يمكن لأي سائق أن يقود دراجة نارية من دون الخوذة الواقية للرأس، وتشكل الدعاية لها خطراً يحاسب المرء عليه أمام القانون. فيليب جلادو الذي يشرف على الفكرة الطارئة يقول رداً على سؤال حول من هو العقل المدبّر للرحلة المميتة، إنه وشقيقه يكونان على نفس المستوى وهما على الدراجة النارية. يخالف الشقيقان فكرة السائق والمرافق ولا يعترفان بها. "أغلب الظن أن الصورة مزيفة، وهي جاءت بطلب من صحفية"... يضحك آلن وهو يعلق على الفكرة. لم يكن يخطر ببال الشقيقين أن صورتهما التي انتشرت في أنحاء مدينة نانت سوف تسبب لهما الكثير من المشاكل ووجع الرأس مع جمعية حماية الطرقات في المدينة، والتي ستقوم بالتنديد بفعلتهما المشينة وهما سيدافعان عن فكرة التابوت الطائر بالقول إنها حرية السينما التي عاشا من أجلها؛ فالخوذة تسبب الاختناق لصاحبها ـ يقول فيليب ـ ونحن نعشق السينما التي تجعلك تصنع عجينة مختلفة عن السائق والمرافق والخوذة... هي من تصنع خوذة مضادة. قد تبدو الأمور كذلك، فقد أصرّ ماهر عنجاري، منسق العالم العربي في مهرجان نانت، أن نقوم بجولة على متن دراجته النارية بخوذة ومن دون خوذة، لندرك الفارق بين الواقية وتلك المضادة، فقد دارت في المخيلة صور الدراجات النارية في كل الأفلام التي شاهدناها، وبدا أننا لا نتذكر الا تلك التي لاتعترف بالخوذة الواقية، لأن الأفلام التي يرتدي الأبطال فيها تلك الخوذة تسقط من الحساب، فالأبطال هنا لا يحملون وجوها درامية. إنهم يختبئون خلف قناع، وهم عادة ما يكونون من البدلاء الذين يؤدون أدوارهم الخطرة، كما في الحياة... كذلك في السينما، وهي تتشابه هنا، فإذا ما قضى أحدهم أثناء مناورة خطرة بالدراجة النارية فلن يذكر أحد ملامحه أو الفكرة التي عنَّت على باله قبل أن يغادر الحياة "مقنعاً". السينما لا تعترف إلا بالوجوه الظاهرة، الوجوه التي تحمل أسى وفكرة، وما عدا ذلك فهي حالات مزيفة تشبه تلك اللحظة التي يموت فيها البطل الأصلي في السينما، فيما هو ينهض من أجل اللقطة التالية؛ أما ذلك المقنع فقد ارتضى بقسمته، لأنه لا يعرف حرية السينما الحقيقية، فهو يؤدي دوراً خطراً لا رجعة عنه .إنه لا يستفيد من منحة الزمن له، فالزمن لا يؤمن على أمثاله، لأن من يريد مغادرته عليه أن يقصي جسده بالكتمان. في فيلم "فلافل" لميشال كمون يقدم لنا البطل على متن دراجة نارية، حتى أن محبوبته ياسمين تشاركه في رحلة الليلة الوحيدة دور المرافق، إلا أنه في اللحظة التي تتبدّل فيها حياته يترك دراجته عند مخفر للدرك ويفر هارباً، ولا يعود للبحث عنها ثانية... توفيق الذي يبحث عن معنى مفيد للحياة في هذه الليلة اليتيمة يقوم بإقصاء جسده ويطوِّر معنى الكتمان من دون أن يصل إلى أي قرار بشأنه..!!



#فجر_يعقوب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأقمار بعد الحرب في -فلافل-ميشال كمون:القتل في المخيلة
- فيلم سوري ينتصر للشعر ضد السينما
- همبورغر عراقي في معسكر قوة التحمل الأميركي
- الشقيقان جلادو على متن التابوت الطائر
- أفواه وأرانب
- صنع الله ابراهيم يستسلم لروحانيات الآلة الكاتبة
- تلك القائمة
- الصورة الانكشارية
- في فيلم رشيد مشهراوي الجديد
- انفلونزة كونية
- دمشق في السينما
- الماكييرة الصلعاء
- الصورة أصدق انباء من الكتب
- عنف أقل
- وجوه معلقة على الحائط للبناني وائل ديب:الغائب الذي يعذبنا با ...
- الآثار العراقية في فيلم وثائقي
- جان جينيه والارتياب على آخر نفس
- لأدوية البطولية بحسب بودلير
- في فيلم باب المقام لمحمد ملص حلب لم تتغير.. بورتريهات شيوخ ا ...
- سيناريو لقصي خولي:يوم في حياة حافلة سورية


المزيد.....




- أوروبا ومخاطر المواجهة المباشرة مع روسيا
- ماذا نعرف عن المحور الذي يسعى -لتدمير إسرائيل-؟
- من الساحل الشرقي وحتى الغربي موجة الاحتجاجات في الجامعات الأ ...
- إصلاح البنية التحتية في ألمانيا .. من يتحمل التكلفة؟
- -السنوار في شوارع غزة-.. عائلات الرهائن الإسرائيليين تهاجم ح ...
- شولتس يوضح الخط الأحمر الذي لا يريد -الناتو- تجاوزه في الصرا ...
- إسرائيليون يعثرون على حطام صاروخ إيراني في النقب (صورة)
- جوارب إلكترونية -تنهي- عذاب تقرحات القدم لدى مرضى السكري
- جنرال بولندي يقدر نقص العسكريين في القوات الأوكرانية بـ 200 ...
- رئيسة المفوضية الأوروبية: انتصار روسيا سيكتب تاريخا جديدا لل ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - فجر يعقوب - الدراجة النارية في السينما:نزوات السائق في مقدمة التابوت الطائر دوما