أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - سمر يزبك - تحت هذه السماء














المزيد.....

تحت هذه السماء


سمر يزبك

الحوار المتمدن-العدد: 1775 - 2006 / 12 / 25 - 11:15
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


يذكر المفكر الراحل ادوارد سعيد في إحدى محاضراته حول صورة المثقف، وصفاً استثنائياً لأهمية المثقف المعزول، الذي لا يوجد من يريد الاستماع إليه، لأنه مثقف غير مرتبط بجهاز أمني، أو حزب سياسي، بل يقف في منطقة خالية من الولاءات، مفضلا عدم الانحياز إلى فريق دون آخر، لأن انحيازه الوحيد هو إلى الإنسان وحريته.
ربما يقارب هذا الوصف، حواف الهاوية التي نعيشها في سوريا من عزلة ثقافية وسياسية، شبيهة بعزلة إجبارية في قصر كبير، زُخارفه مترفة الضوء. مترعة النوافذ، لكن الحركة فيه ممنوعة، إلا لصالح زخرفة الغامض المجهول الذي لا نعرفه ولا نراه ويبقى متخفياً وراء الشعارات الوطنية، والأعلام الخفاقة تحت سماء الوطن. هذه الحركة لا علاقة لها فقط بأغلب المثقفين _المعتدلين منهم قبل المتطرفين_ الذين يقبعون بين جدران السجون، أو ينتشرون في المنافي، أو تحت سقوف بيوتهم المهلهلة في مدينة دمشق والمدن السورية المترامية، أو يخضعون لإقامة جبرية داخل الحدود السورية، ولا علاقة لها فقط بأجهزة الأمن الراصدة لحركة المثقفين وأقلامهم، ولكن لها علاقة بالعماء، والضباب الذي تختفي معه كل الحدود، ويختفي الغامض صاحب القدرة العجيبة في تقرير المصائر، ويصبح معه الإنسان المثقف وغير المثقف، لا يعيش فقط في عزلته، ولكنه يفقد اتجاهاته، فيشعر أن ما يحدث حوله لا يفهمه، وأنه في مهب ريح تلعب فيه على هواها، ويتساءل هل هو معني بما يحدث حوله ؟ وهل سيكون بمأمن بعد الآن لو تجرأ وسأل علانية، أحد الأسئلة الممنوعة الخاصة بالغامض.
عندما أغُلقت قناة الشام الفضائية قبل فترة قصيرة، كانت الأسئلة كثيرة حول قرار توقيفها، ولم يصدر أي قرار رسمي من الحكومة يوضح سبب التوقيف، رغم أن الحكومة هي من رخصت لها، وبدأ العمل بها بتشجيع منها، وصُرفت مئات الملايين من الليرات السورية في الإعداد لها، وبُثت في فترة تجريبية، بُثت عبرها حلقات تلفزيونية مطولة، يظهر فيها أحد نواب مجلس الشعب من الإسلاميين المواليين للسلطة كداعية دينية من الطراز الحديث، ورغم نفوذ أصحابها وصلاتهم ببعض أصحاب القرار، ولكن فجأة وبعد مرور وقت قصير على انطلاقتها، جاء القرار بإيقافها دون سبب، وطبعاً دائما وراء الكواليس هناك تكهنات؛ تطلقها الرواية الرسمية، وأخرى يلعب عليها الخيال الشعبي. لكن المهم ليس من يقف وراء إقفال قناة الشام الفضائية، وما قيل عن قناة جديدة سوف تطلق، وتعود ملكيتها، لأصحاب النفوذ الأعظم، أو ما قيل عن تجاوز القناة لبعض الحدود الرقابية المفروضة بالأساس على التلفزيون الرسمي في أحد المسلسلات الدرامية، وعرضتها قناة الشام بنسختها الأصلية دون مقص الرقيب، ولكن يبقى هذا من باب التقول، ولم يصدر أي تصريح قانوني، كالعادة المتبعة منذ صدور قانون الطوارىء، في توقيف المواطنين والصحف والمنتديات والجمعيات، وتم التكتم عن الحديث بشأن إيقاف القناة، وساد صمت محلي حول أسباب التوقيف، وهدرت أكثر من ألف فرصة عمل على المواطنين السوريين، وتم القضاء على أول مشروع استثماري إعلامي، كان نجاحه كفيلا باستدعاء رساميل سورية من الخارج، للبدء بمشروعات تلفزيونية وسينمائية ضخمة. وعندما صدرت صحيفة الوطن، وامتلأ ت شوارع دمشق وكافة المدن السورية بلوحات إعلانية، تحت شعار: عين على الوطن _لا نعرف حقيقة أي وطن هذا، هل هو وطنهم أم وطننا؟_ ووصفت أنها أول جريدة سياسية مستقلة تصدر منذ أربعين عاماً، لم يجد أصحاب هذا الإعلان بأساً من تذكيرنا أن "الوطن" هي أول جريدة مستقلة عن الحكومة التي نعيش تحت سقفها لمدة ستقارب النصف قرن، وبعد أن صدرت هذه المستقلة، لم تكن مخيبة للآمال فقط، بل لم ترق إلى مستوى الجرائد المحلية الثلاثة، ليس فقط لأنها تحولت إلى جريدة رابعة ناطقة بلسان الحكومة، بل لأنها تفتقد إلى المهنية التي تعمل ضمن حدها الأدنى الجرائد الرسمية، ولكن من يستطيع أن يقول؛ إنها جريدة رابعة تضاف إلى الجرائد الثلاثة السابقة، أو يمس بمصداقيتها. لا أحد! لأن المجهول الغامض الكامن في العماء، يظل واقفاً بالمرصاد لتوجيه لكمته الخفية إلينا، ونحن نعرفه، والويل لنا، لوتجرأنا عليه، والويل لنا لوقلنا لماذا تصدر جريدة الوطن المستقلة لفظياً، ويُحتفى بها، في دلالة مباشرة وشكلية إلى الحرية والتعددية في الحياة السورية، ولماذا يتم إغلاق الجرائد الأخرى، وتُحجب المواقع الالكترونية غير الرسمية؟ والويل لنا إذا قلنا: لماذا إذا أردنا أن نصنع فيلماً سينمائياً أو تلفزيونياً، علينا التوجه إلى ضابط أمن متنفذ، بدل التوجه إلى وزارة الثقافة، أو مؤسسة السينما، أو إدارة التلفزيون، ولا عجب أن يكون ضابط الأمن هو صاحب قرار في الموافقة على إنجاز فيلم أو رفضه، وربما يكون أكثر تفهماً من أصحاب الكراسي الثقافية، والإعلامية الذين يخشون على مكاسبهم، وولاءاتهم، وليس مطلوبا إيجاد أي تفسير لما يكتبه البعض من أصحاب الأقلام الحرة، في بعض الجرائد العربية إلا بالتخوين والعمالة، لأن الصحف الحكومية تنشد يومياً تحت سماء الوطن أنها مفتوحة لهامش من الحرية، ولكن عند أول مشكلة يراد الحديث عنها، يقف أصحاب هذه الجرائد والمسؤولين عنها، خائفين من غضب الوزراء، ومن يقف وراء الوزراء، ويبعدون بطواعية وكرم أخلاق، كل المقالات التي تنتقد ما لا يحبذه وزرائهم، ويعرفون بحس العمى الذي أصاب الأغلبية، الاتجاه الذي سيقذفهم به الغامض عن مناصبهم، رغم عدم الرؤية، بعد تدريب شاق لحواسهم، و كل من تسول نفسه له بمخالفة ذلك، فعليه الاصطفاف وراء الطابور الخامس، استعداداً لرجمه بالخيانة، ومع ذلك فالشعارات ما تزال هنا تحت سماء الوطن: المكان فسيح، ومترع الضوء، والنوافذ تشع بالأطياف، ولا جهات نحددها، ولنترك الغامض يقودنا في العماء.
لا يمين ولا يسار، ولا نعرف في أي يوم تشرق شمس من البحر، أو من وراء الجبال، كل ذلك مرهون بقدرة قادر مخفي تحت الضباب، والزخرفة بين النوافذ والضوء، تزيد العماء..عماء، والعزلة.. عزلة، وربما بعد وقت ليس بالبعيد لن تكون هناك من أقلام، تبوح بما لا يباح.



#سمر_يزبك (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شبه الأصل
- صورة ديموقراطية
- السورية في قبض الريح
- الخطوط الحمر
- نوافذ مغلقة
- ليس بالتلقين وحده..
- قبلة يهوذا
- !عرض تلفزيوني إسرائيلي
- يوميات كاميرا الحرب
- صورة عتيقة
- أين نزار قباني العاشق
- تحت سماء دمشق: اللعب الحافي
- نجوم أمطار الصيف
- كاميرا نوال السعداوي
- غابة اميرتو ايكو
- كاميرا حالمة
- مستعمرة العقاب
- الكاميرا والموت
- عودة المثقف الحر
- وثيقة بصرية عن الاعتقال السياسي


المزيد.....




- سقط سرواله فجأة.. عمدة مدينة كولومبية يتعرض لموقف محرج أثناء ...
- -الركوب على النيازك-.. فرضية لطريقة تنقّل الكائنات الفضائية ...
- انتقادات واسعة لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بسبب تصريح ...
- عقوبات أمريكية جديدة على إيران ضد منفذي هجمات سيبرانية
- اتحاد الجزائر يطالب الـ-كاف- باعتباره فائزا أمام نهضة بركان ...
- الاتحاد الأوروبي يوافق على إنشاء قوة رد سريع مشتركة
- موقع عبري: إسرائيل لم تحقق الأهداف الأساسية بعد 200 يوم من ا ...
- رئيسي يهدد إسرائيل بأن لن يبقى منها شيء إذا ارتكبت خطأ آخر ض ...
- بريطانيا.. الاستماع لدعوى مؤسستين حقوقيتين بوقف تزويد إسرائي ...
- البنتاغون: الحزمة الجديدة من المساعدات لأوكرانيا ستغطي احتيا ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - سمر يزبك - تحت هذه السماء