أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - سعد محمد رحيم - صنّاع السعادة.. صنّاع التعاسة















المزيد.....

صنّاع السعادة.. صنّاع التعاسة


سعد محمد رحيم

الحوار المتمدن-العدد: 1775 - 2006 / 12 / 25 - 06:29
المحور: حقوق الانسان
    


نفهم لماذا يغرق، أحياناً وعلى حين فجأة، أولئك الذين يمرون في مواقف صعبة بالضحك. أتذكر مشهداً من الفلم المصري ( الأرض ) حين يلقى القبض على عدد من الفلاحين ويتم قص شواربهم للحط من كرامتهم، وفي لحظة ما، وهم في أقصى درجات الغضب والكآبة ينفجرون بالضحك، وأحسب، أن السبب هو حاجة الإنسان للتوازن النفسي فهو قطعاً لن يتحمل الألم والحزن إلى ما لا نهاية، ويستطيع أولئك الذين مروا بتجارب السجن أن يحدثوك عن حالات الراحة والفرح التي كانت تتولاهم في فترة سجنهم، في أوقات متفاوتة، ومن غير سبب واضح ومفهوم، وقد كتبت روزا لوكسمبورغ ( المناضلة الماركسية المعروفة ) عن نوبات من غبطة هائلة كانت تجيش في أعماقها وهي بين جدران أربعة في معتقلها.
في مقطع شعري شهير تقول أميلي ديكنسن "أستطيع أن اخوض في الحزن، في برك من الحزن بأكملها، لكن قدراً صغيراً من الفرح تكسِّر قدمي فأترنح سكرى". وهذا القليل من الفرح ما أحوجنا إليه اليوم، ولكن من يستطيع أن يفرح وحوله شبح الموت، والأفق أمامه يبدو قاتماً ومسدوداً.
الفرح ليس هو السعادة، بل هو تعبير عنها، وبحث الإنسان عن السعادة يلخص هدف كفاحه منذ فجر التاريخ وحاجة الإنسان للسعادة تفوق أية حاجة أخرى، وكان سعي الفرد والجماعة وعملهما الشاق وصراعهما مع الطبيعة والآخرين هو في النهاية من أجل الحصول على راحة البال وعافية الجسد وضمان المستقبل ومحبة واحترام الآخرين وتحقيق الذات ومتع الحياة، أي بكلمة واحدة: السعادة. والشرط الضروري الذي لن تكون ثمة سعادة من دونه هو الحرية، لذا فإن الحرية والسعادة صنوان لا يفترقان، والمجتمع الذي يستطيع ضمان قدر كاف منهما لأفراده سيرتقي لا شك في مراتب الحضارة وآفاقها، وسيكون مبدعاً خلاقاً يحظى باحترام وتقدير المجتمعات الأخرى.
والسعادة هي أيضاً مجموعة من المسرات الصغيرة والكبيرة، من الأفراح التي تدوم أحياناً لبعض الوقت، أو تتلاشى بسرعة في أحيان أُخر، وهناك من البشر من يبرع في تحقيق السعادة وإتاحتها لنفسه وللمحيطين به، وهناك من البشر من يفشل في هذا، ولكن أن يحاول المرء، مجرد محاولة على هذا الطريق فتلك فضيلة تُحسب له.
ونحن العراقيين خبرنا الحزن والتعاسة أكثر بكثير مما خبرنا الفرح، ولذلك حين يفرح الواحد منا يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ويقسر نفسه على التخلص مما انتابه من مشاعر بهيجة لئلا تنقلب عليه وبالاً وكأنه محكوم عليه ألا يفرح وإلاّ ستكون كارثة وشيكة بانتظاره وسيلاقي الألم والهوان. كما إننا نخشى الضحك ونعتقد أن ما يعقب الضحك لن يكون سوى الحزن والبكاء، كأننا خاضعون من دون خلق الله لعقوبة أبدية، وحاشا لله العادل أن يكون قد فرضه علينا.
الفرح هش وعمره قصير على عكس عمر الحزن والتعاسة، ودوماً يبحث الإنسان عن مناسبات للفرح حتى وإن كان يعيش حياة تعيسة فتراه يتحين الفرص من أجل أن يضحك ويمرح وأحياناً قد يغني ويرقص، وطاقة الإنسان على تحمل الحزن محدودة لكنه إذا ما خاض تجارب مريرة فقد يدمن الحزن والكآبة.
من يستطيع إعادة البسمة لوجوه أطفالنا بعد أن أُغتصبت منهم؟. من يستطيع أن يصنع السعادة لعائلاتنا حيث يعيشون القلق والرعب ويواجهون المجهول؟. نحن بحاجة، لا شك، لصنّاع الخير والبهجة في الوقت الذي يمرح صنّاع التعاسة في مدننا وقرانا، ويسممون حتى الهواء.
* * *

هناك من البشر من يمر في هذا العالم مثل طيف كأنه لم يكن، أو لم يولد حتى وإن عاش حتى أرذل العمر وهناك من البشر من يكون حضوره صارخاً، مدوياً يؤثر في أقدار الآخرين ويغير مصائرهم وهؤلاء الأخيرين نوعان، نوع يصنع السعادة ويشيع الفرح ويخلّف بناءً أو إبداعاً أو علماً ينتفع به، ونوع يصنع التعاسة ويشيع الخراب والدمار ولا يخلّف إلا الألم والعذاب. ومن بين المعايير التي يمكن استخدامها للتمييز بين البشر يبقى معيار تأثير الأفراد في محيطهم وعلى حياة من يعيشون معهم وفي زمنهم حاسماً ومهماً، ولا شك أن قدرات الأفراد وقابلياتهم الذهنية والبدنية تختلف من شخص إلى آخر وبالتالي فإن مدى وشكل تأثيرهم سيختلف أيضاً تبعاً لذلك، وهنا تتدخل عوامل أخرى في رسم توجهات الأفراد منها القيم الأخلاقية التي يحملونها ونوازع الخير أو الشر التي تنطوي عليها نفوسهم، وفيما إذا كانت تتحرك في دخائلهم ضمائر حية تجعلهم يراجعون أنفسهم ويعيدون تقويم ما كسبت أيديهم أو اقترفت من أفعال، أم لا؟.
التاريخ تصنعه الإرادة البشرية، وهو يتخذ مسار التقدم حيناً والتراجع حيناً، على الرغم من أن التقدم هو مآله في نهاية المطاف. ومن يصنعون التاريخ هم من الناس الأقوياء والأذكياء، غير أن هناك من الناس من يعانون من صنع التاريخ، ويدفعون من راحة بالهم وفرصهم وحتى أرواحهم ثمناً لذلك، ولسوء الحظ فإن التاريخ يذكر أسماء البناة والصانعين وينسى أسماء الضحايا في الأغلب الأعم.
يذكر التاريخ أسماء مشعلي الفتن والحروب والمتسببين في دمار المدن والحضارات لكنه ينسى أسماء أولئك الضحايا، وكان ألبير كامو، الكاتب الفرنسي الشهير قد أوصى الكتاب أن لا يقفوا مع أولئك الذين يصنعون التاريخ بل إلى جانب أولئك الذين يعانون من صنعه.
حين نلقي نظرة على واقعنا الحالي نستنتج أن أولئك الذين يصنعون التعاسة ويتلذذون بإشاعتها قد وجدوا لأنفسهم الفرصة والأرضية مع الفلتان الحاصل حيث انكفأ كثر من الصالحين والخيرين والوطنيين الحقيقيين على أنفسهم وسكتوا حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا. وصانعوا التعاسة لا يخلقونها للآخرين فقط من الذين يعتقدون أنهم مختلفون معهم في الدين أو المذهب أو العقيدة بل يخلقونها حتى لأولئك الذين هم من ملّتهم التي يتبجحون بالانتماء إليها والدفاع عنها، ويخلقونها لأنفسهم ولعائلاتهم أيضاً، وصناع التعاسة هؤلاء إذا ما عدنا إلى التصنيف الذي يقره علم النفس هم ساديون ومازوكيون في الوقت نفسه، يعانون مما يمكن تسميته بالضمير التعيس. إن لذتهم الكبرى تكمن في التفرج على آلام الآخرين وهذا الصنف يغيضه أن يرى الناس تعيش في سعادة ومرح وعلاقات من المودة والتفاهم فيحاول بوسائل شتى أن يدمر تلك السعادة ويشيع بدلاً منها الحزن والخراب ومثل هؤلاء هم صنّاع التعاسة.



#سعد_محمد_رحيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في بلاد حرة: نيبول ورواية ما بعد الكولونيالية
- الجمال في حياتنا
- لعنة حلقة الفقر
- الرواية وعصر المعلوماتية
- قصة قصيرة؛ أولاد المدينة
- السياسة موضوعةً في الرواية
- إنشاء المفاهيم
- من يقرأ الآن؟
- مروية عنوانها: إدوارد سعيد
- ثقافتنا: رهانات مغامرتها الخاصة
- مروية عنوانها: نجيب محفوظ
- إعادة ترتيب: شخصيات مأزومة وعالم قاس
- وعود وحكي جرائد
- رواية-هالة النور- لمحمد العشري: سؤال التجنيس الأدبي
- الطريق إلى نينوى؛ حكاية مغامرات وأعاجيب وسرقات
- هذا العالم السريع
- الكتابة بلغة الصحراء: إبراهيم الكوني وآخرون
- تحرش بالسياسة
- القاهرة في ذكراها
- صور قديمة


المزيد.....




-  البيت الأبيض: بايدن يدعم حرية التعبير في الجامعات الأميركية ...
- احتجاجات أمام مقر إقامة نتنياهو.. وبن غفير يهرب من سخط المطا ...
- الخارجية الروسية: واشنطن ترفض منح تأشيرات دخول لمقر الأمم ال ...
- إسرائيل.. الأسرى وفشل القضاء على حماس
- الحكم على مغني إيراني بالإعدام على خلفية احتجاجات مهسا
- -نقاش سري في تل أبيب-.. تخوف إسرائيلي من صدور أوامر اعتقال ب ...
- العفو الدولية: إسرائيل ترتكب جرائم حرب في غزة بذخائر أمريكية ...
- إسرائيل: قرار إلمانيا باستئناف تمويل أونروا مؤسف ومخيب للآما ...
- انتشال 14 جثة لمهاجرين غرقى جنوب تونس
- خفر السواحل التونسي ينتشل 19 جثة تعود لمهاجرين حاولوا العبور ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - سعد محمد رحيم - صنّاع السعادة.. صنّاع التعاسة