أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - تيسير عبدالجبار الآلوسي - ما الثقافة؟ ومن المثقف؟















المزيد.....

ما الثقافة؟ ومن المثقف؟


تيسير عبدالجبار الآلوسي
(Tayseer A. Al Alousi)


الحوار المتمدن-العدد: 1774 - 2006 / 12 / 24 - 10:37
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


نحتاج في ظل الخراب الشامل الذي تتسببه أنظمة الغاب الوحشية كما في مثال ما تسببه طغيان الدكتاتورية الغاشمة طوال ما ناهز الأربعة عقود في العراق، نحتاج إلى معالجة واضحة لموضوعاتنا وأدواتنا في محاولة جدية حقة لإعادة التأسيس لما انقطع من مسار التطور الروحي الثقافي في بلاد الحضارة والإبداع - وادي الزرع والنماء في العراق..
ولأن خلطا بعيدا قد حصل في توزيع المسؤوليات والمهام ولأننا عدنا أحيانا إلى حال من تعدد مهام الشخصية الإنسانية وموسوعيتها، فنحن بحاجة لضبط تمييز دقيق ومنتظر لكل مسار أو منتج إنساني ومن ثمَّ مسؤولية بعينها ووظيفتها الفردية والجمعية..
وفي قراءة لمهام الخطابات المتعددة ومسؤولياتها نشهد اليوم على سبيل المثال خلطا عجيبا بين الثقافي والسياسي أو فصلا بينهما على أساس من وضعهما في حال من التعارض والتقاطع بسبب من حساسيات وتداخلات غير موضوعية ليست موضع القراءة هنا الآن...
وبسبب من أهمية الخطاب الثقافي ودور المثقف في حمل مسؤولية تصحيح مسارات الانقطاعات الحضارية والتراجعات السياسية المؤثرة في الحياة اليومية للإنسان (العراقي بخاصة) وتفاصيلها وجدنا أهمية تعريف الثقافة والمثقف وما ارتبط بهذا الشأن لننطلق في رحلة التأسيس المسؤولة والصحيحة لثقافة عراقية تنويرية جديدة ومجددة..

لقد ارتبط ولادة مصطلح الثقافة من رحم عملية تشذيب مسيرة البشرية وانتقالها من عالم الغاب والوحشية إلى عالم التمدن والحضارة.. ومع ولادة الاستقرار ونشوء مجتمع القرية الزراعي وتطوره نحو ولادة دولة المدينة وحضارة الإنسان الجديدة ولدت فكرة الرديف الروحي للزراعة ممثلا في زراعة الروح الإنساني والعناية به وتهذيبه وفي النماء والتشذيب في سلوكياته والتسامي في نزعاته وطبيعته..
ولقد تركز أمر الثقافة على متابعة الجهد في تعديل دواخل الإنسان والارتقاء به وصياغة رؤاه وطريقة تفكيره بتحولات أشبه بعناية الإنسان لزرعه أو تقويمه للطبيعة المحيطة.. فإذا كانت حضارة المدينة هي مجمل المنجز البشري الجمعي في شؤون العلوم والآداب والفنون والنظم المؤسساتية الموظفة فإنَّ جملة المسيِّر المتحكم بكل ذلك لن يكون إلا الثقافة بمعناها الأوسع الأشمل.. ولأن التحضر والتمدن يعني رفض العيش الطبيعي البوهيمي والفطرية المنتمية إليه فإنَّ المنقذ في الأمر والمعالج هو الثقافة..
بمعنى جملة الخبرات والقيم والسلوكيات التي تحصلت نتيجة عملية تراكمية لدى الإنسان المتحضر.. وعليه فالثقافة من هذه الناحية تبقى موضع المنظور الإيجابي الطابع والجوهر في الأداء والتناول حياتيا أو إنسانيا... وهي ليست تعويضا لنقص بالوصف المرضي لحالة التطور البشري بل هي عملية بناء واستكمال إيجابي عبر ديمومتها وتواصل فاعليتها المنتجة (الخالقة) المبدعة..
وهذا ما يمنح الحق الأكيد في أن تكون الشعوب النامية هي الأخرى تمتلك ثقافتها ووسائلها الثقافية المناسبة للعمل والبناء والعيش المؤنسن الصحيح.. ولا يمكن لأحد أن يلغي الأعراف والقيم والسلوكيات المخصوصة بمجتمع بعينه (أيا كان موقعه في سلم التطور) بوصف تلك القيم والسلكويات جوهرا ثقافيا جمعيا؛ لا يمكنه إلغاؤها لأنه يختلف معها أو يراها آخرا نسبة لطرف بعينه كما لا يمكننا أن نضع مركزا استبداديا يصادرنا جميعا..
وهذه المسألة المهمة تشير إلى مفاهيم تنوع الثقافات وتفاعلها الإيجابي البناء وتعادل حقوق وجودها الإنساني ومسيرة تطورها من دون مصادرات وتدخلات اتلافية خارجية، مع الاعتداد بوحدة مسار البشرية الثقافي بوجهه العام..
وتوكيدا فإنَّ الثقافة تعني زراعة القيم الأفضل بالتعارض مع ترك العفوية الفطرية والعشوائية الطبيعية والاعتباطية في طرائق العيش. إنها مجموعة الظواهر التي نرصدها في العادات والمعتقدات وأشكال التنظيم الفردي والجمعي. بمستوى الارتقاء الفكري الروحي بالإنسان والعمل لتحقيق الكمال في مجالات القيم الروحية الأخلاقية والجمالية لمحو قبح مثالب النظم الاجتماعية وثغراتها العائدة لنفعية سلبية لنظم الاستغلال المادية على وجه التحديد التي تحاكي الغرائزي والطبيعي المسطِّح المفرِّغ للقيم الروحية، اللاهث خلف جماليات القبح الساذجة..
والثقافة من بعد هي:

1. المركب الذي يشمل المعرفة الإناسنية وتراكمها والقيم الأخلاقية والقوانين والأعراف والمعتقدات ومنتجات الآداب والفنون وجملة الإمكانات والعادات الموجهة لسلوك أبناء مجتمع بعينه.
2. والثقافة تشكل الخاصية الأساس لوحدة أسلوب الحياة والسلوك الجمعي المؤنسن.
3. فيما تمثل تاريخيا عامل التقاليد أو الإرث التراكمي والوليد الجديد الذي سيؤسس للتالي أيضا. وهي عملية تربوية نفسية من جهة اكتسابها وتعلمها وتناقلها وتفاعلها ما يمنحها قدرة التكيف والتبني العائدة لخصائص الإنسان الفرد والجماعة..
4. على أنه من المهم دوما مع حال الاعتراف بالتنوع والثراء في الثقافات أن نعود إلى القواسم المشتركة إنسانيا لطابع تطورها جذورا وولادة ومستقبلا وتطلعا بشريا موحدا.. فالثقافة توجه روحي للسيطرة على الطبيعي العشوائي وتدعيم القيمي الجمعي المشترك للوجود الإنساني حيث الأصل الاجتماعي لتلك القيم والأعراف والتقاليد المكوِّنة للثقافة...
5. والثقافة بهذا تنبني على السلوك البشري ومحدداته وشروط نموه وتطوره عندما يستقر وينتظم جمعيا في وجود إنساني مشترك معين... وكذلك على ما ينجم من نتاجات عن هذا السلوك الإنساني مما يبدعه ويخلقه خدمة لجماليات حياته وتهذيبا لها... وعليه فمما تعنيه الثقافة توكيدا هي مغادرة السلوك الغرائزي الطبيعي البحت وولوج عالم التعلّم والاكتساب التراكمي للمعارف والسلوكيات والأعراف..
ولابد هنا من التذكير أنه بالإشارة إلى عامل التراكم نشير بوضوح إلى عامل الترابط بين حلقات التطور المعرفي واكتساب التطور التصاعدي المتنامي في التجربة الإنسانية الفردية والجمعية.. وهي السمة التوليدية التي تساعد الإنسان في مسيرته التربوية الثقافية..
على أنَّ هذا لا يعني وجود ثقافة واحدة هي الثقافي الإنسانية ثابتة التطور مفتوحته بل هناك ثقافة ندعوها الثقافة المغلقة الجامدة بمقابل الثقافة الحركية المفتوحة الي نتحدث عنها...
إنَّ حال الاختلاف في تعريفات الثقافة يمكن تجاوزه مؤقتا هنا بحل الإشكال فيه من جهة تركيز طرف يعرّف الثقافة بالعودة إلى عامل الإبداع والتميّز في أنشطة الإنسان فيما الطرف الآخر يوسِّع تصوره ليُدخِل كل ما هو عادي وشائع ونراه في تفاصيل الحياة اليومية للإنسان..
كما يلزمنا حل إشكال التعارض بين ثقافة السلوك وثقافة الإنتاج.. بين نشاط الإنسان وسلوكه وبين نتائج ذلك النشاط. والحل يكمن في طبيعة تعريفنا للعلم ولنتائج ذلك في الفصل بين العلوم الإنسانية والتطبيقية وأيها أدخل في مجال الثقافة ومحدداتها..
على أن وضع الثقافة في تعارض مع الطبيعة لا يعني إخراج العلوم التطبيقية بوصفها بعض أدواته للسيطرة على الطبيعة وتوجيهها لخدمة حياته المؤنسنة بل يؤكد توظيفه تلك العلوم وإدخالها حتى تقنيا في معالجات العلوم المتنوعة الأخرى سواء العلوم الاقتصادية أم الاجتماعية أم الإنسانية... وعليه فإننا نتحول إلى توكيد روح التنظيم بكل قيمه وأجهزته المؤسساتية المفترضة في الأداء الثقافي.. حيث نشهد نطاقي التنظيم التكنولوجي البحت ونطاق الثقافة الأشمل المحتوي والمستفيد من هذا التشكيل المؤسساتي والمفيد له..
وستبقى الثقافة بجميع تعريفاتها مميزة بنشاطها المتحرر للنخبة المبدعة التي تمثل المولِّد الأساس لنماذج السلوك والمؤكدة لقيم بعينها تتعمد في الوجود الجمعي للمجتمع الإنساني. إنَّ هذه النخبة هي التي ستضع محددات العلاقات المجتمعية العامة سواء منها السياسية أم الإقتصادية أم الاجتماعية بالمعنى الواسع للكلمة مع الحذر من سطوة الكهنوت الديني وأثره السلبي كما حصل في أوروبا القروسطية.
ولأجل تدعيم دور الثقافي خطابا ومنتجا للعراق الجديد نحن بحاجة إلى كل مسارات الثقافي سواء منها المادية أم الروحية الفكرية المشتملة على البناء على الأرض من منتج مادي والبناء في داخل الإنسان من قيم وسلوكيات ومؤثرات في العلاقات الاجتماعية ومساراتها ومن ذلك جملة الإبداع الأدبي والفني الجماليين.... فالثقافة مركب روحي مادي في ضوء قراءتنا لمهامها في سد حاجات الإنسان سواء منها الضرورية اللازمة (من غذاء ومأكل ومشرب وغيره) أم ما تعلق باحتياجات بقائه الاجتماعي وتطوره أشكال تنظيم عيشه وعلاقاته الجمعية المؤسساتية مع تكامل أكيد بين كل تلك المسارات المكونة للثقافة..
وفي ضوء هذه العجالة في قراءتنا نؤكد أن أية مؤسسة ثقافية ومؤتمر للثقافة العراقية الجديدة يلزمه أن يتضمن عناصرها التأسيسية ويوسِّع من حاملي رايته بالانفتاح على جهات الخلق الثقافي المادية والروحية اي بعضوية الأكاديميين التكنوقراط إلى جانب طرفي الإبداع النخبة المميزة بحجم خبراتها وتميّز نتاجها الإبداعي الأدبي والفني الجماليين وجمهور من مبدعي الثقافة وهم يضعون أرجلهم على أول السلَّم مشاركين في المنتج الثقافي ومساره لأن عامل استبعاد الأول أي الأكاديمي يوقعنا في ضائقة جدية مع عمليات البناء الحقة التي نحتاجها لتكون برحابة كافبة لمنح فرص الإبداع وأستبعاد القوى الأخيرة يعني وضعهم في خانة سلبية في توكيد مسار الثقافة ومحيطها الحقيقي وبعزل صفوة الثقافة نقع في مأزق الابتعاد عن التأثير في مرحلة يقودها تيار يحتاج لجهود جدية بعيدة لإعادة مسار خلق جماليات خياتنا بعد مآزق قبح المشهد القاسي المحيط.. وهذه بعض ما أرادت محاولة قراءة الثقافي هذه...



#تيسير_عبدالجبار_الآلوسي (هاشتاغ)       Tayseer_A._Al_Alousi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مذكرة بشأن الجرائم المرتكبة بحق العقل العراقي من الأساتذة وا ...
- مؤتمر قادة الثقافة والفكر في العراق؟
- من أجل ثقافة لعراق السلم والديموقراطية
- بصراحة؟؟!
- توقعات الأشهر الستة المقبلة في العراق؟
- السيادة والمرجعية بين الشعب والفقيه؟
- ظاهرة استبدال الناس بالنخب السياسية والزعامات الطائفية؟!
- الحزب والناس والديموقراطية والعراق الجديد؟!
- كلمات في رمضان: نمطية العقل بين سلطة الرتابة وسطوة التكرار؟!
- العلم العراقي؟!
- المندائيون بين جذور العراق السومرية وتطلعات الحاضر والمستقبل ...
- الفديرالية بين رؤيتي الإيجاب والسلب؟؟
- المسرحيون العراقيون ومهام المرحلة؟
- العراق بين التغيير المؤمَّل ومطرقتي الإرهاب والطائفية؟
- لوائح التعليم العالي العراقية.. تساؤلات وتطلعات؟
- جيل الريادة في الجامعة العراقية وقرار ينصفهم ويدعم إبداعاتهم ...
- سنديانة الصحافة الشيوعية العراقية تورق في زمن العواصف
- بعض مثالب إعلامنا ووضعنا الراهن وتشوهاتهما؟
- نداء إلى أبناء الجالية العراقية وممثليهم ودعوة للقاء تداولي
- الزلزال وأشجان الهوية!؟


المزيد.....




- ولاية أمريكية تسمح للمعلمين بحمل الأسلحة
- الملك السعودي يغادر المستشفى
- بعد فتح تحقيق ضد زوجته.. رئيس وزراء إسبانيا يفكر في تقديم اس ...
- بعد هدف يامين جمال الملغى في مرمى الريال.. برشلونة يلجأ إلى ...
- النظر إلى وجهك أثناء مكالمات الفيديو يؤدي إلى الإرهاق العقلي ...
- غالانت: قتلنا نصف قادة حزب الله والنصف الآخر مختبئ
- بايدن يوقع قانون مساعدات كبيرة لأوكرانيا والمساعدات تبدأ بال ...
- موقع أمريكي ينشر تقريرا عن اجتماع لكبار المسؤولين الإسرائيلي ...
- واشنطن.. التربح على حساب أمن العالم
- السفارة الروسية لدى سويسرا: موسكو لن تفاوض برن بشأن أصول روس ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - تيسير عبدالجبار الآلوسي - ما الثقافة؟ ومن المثقف؟