أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عزالدين اللواج - (المبتسرون(نظرة فى ظاهرة العنف الثقافى















المزيد.....

(المبتسرون(نظرة فى ظاهرة العنف الثقافى


عزالدين اللواج

الحوار المتمدن-العدد: 1770 - 2006 / 12 / 20 - 09:44
المحور: المجتمع المدني
    


يعد العنف الثقافي من الأمراض الثقافية الخطيرة التي تهدد كيان أي منظومة ثقافية تهدف إلى تعزيز القيم والغايات المنشودة من وراء بلورتها وتكوينها، فالعنف الثقافي في أبسط معانيه يشير إلى تلك المحاولة التي يهدف من خلالها فرد أو ثلة محسوبة على مجتمع ثقافي ما إلى إلحاق الأذى المعنوي أو المادي بالآخر المختلف معه، وذلك لأسباب ومعطيات مرتبطة بتفاعلات المشهد الثقافي الذي يحدث ضمن إطاره ذلك العنف، ومن خلال الدراسات البحثية التي اهتمت بتجليات العنف الثقافي يمكن استنباط جملة من الخصائص والسمات التي تميز أي بيئة ثقافية ملوثة أجواءها بسموم براثن العنف الثقافي، ومن أهم تلك الخصائص والسمات ما يلي(1): ـ

أولاً: سيطرة التأويل الفكري المغرض بين جمهور المثقفين.

ثــانياً: انقسام المثقفين إلى مجموعات ثقافية يكون من أبرز مميزاتها ما يلي: ـ
أ– رفض أي تنوع أو تعدد يهدف لتفعيل آليات الحوار الحضاري الخلاق.

ب– في حالة إذا ما أسهمت ظروف ومعطيات ما في تمكين جماعة من تلك الجماعات من السيطرة على المشهد الثقافي المحلي، تعمل تلك الجماعة على انتهاز الفرصة من اجل تهميش الجماعات الأخرى، كما تتحول هذه الأخيرة إلى جماعات ثقافية مناوئة للجماعة الثقافية المهيمنة ويصبح من أبرز خصائصها الانعزال والتمرد غير المعلن والاستعداد للانفجار في أي لحظة.

ثــالثاً: تتنوع وتتعدد وسائل وأساليب العنف الثقافي وتتخذ أشكال ودرجات نسبية عدة لعل أبرزها: ـ

I. انتشار النميمة والغيبة بين جمهور المثقفين.

II. التشكيك في أمانة غير المرضى عنه.

III. التشهير بواسطة بث الإشاعات الكاذبة.

IV. السعي من اجل التقليل من أهمية أي إنجاز إبداعي يحققه الآخر المختلف معه حتى لو نال الإنجاز إعجاب وتثمين الأغلبية (المثقفة). تسخير ما يسمى بصحافة ومجلات الفضائح الثقافية من أجل ممارسة التشهير والقمع اللغوي ضد الأطراف التي لا تتمشى رؤاها الثقافية مع رؤى الأطراف الممولة والمسيرة لتلك الصحف والمجلات.

رابعاً: تسيير المشهد الثقافي المحلي بعناصر قيادية تنتمي في تكوينها الشخصي إلى ما يمكن تسميته بنمط المثقف الجاهل وهو نمط يصفه بشكل غير مباشر الراحل المبدع الصادق النيهوم بالقول بأنه نمط شخصوي متعلم واسع الإطلاع، منحاز إلى الحق، واثق من أقواله، صفته الظاهرة إنه يملك إجابة نهائية عن كل سؤال، لأن معلوماته مستمدة في رأيه من مصدر علوي غير قابل للخطأ " (2).

وعلى مدار الحقب التاريخية الماضية سجل تاريخ البشرية كما هائلاً من مشهديات العنف الثقافي، وهي مشهديات رغم صعوبة حصرها في مقالة أو دراسة بحثية واحدة،فإنه بالإمكان تضييق نطاقها الزمني أو المكاني واستجلاء أبرز ملامحها ومؤشراتها العنفوية فعلى سبيل المثال يعج تاريخ الأدب العربي بمشهديات عدة عبرت في مجملها عن سمات وخصائص ذات صلة بظاهرة العنف الثقافي، ومن أبرز تلك المشهديات ما لقاه الشاعر العربي أبي العلاء المعري الذي حضر ذات المرة جانباً من مجلس أدبي في بغداد تعرض فيه بعضهم للمتنبي الذي كان المعري يكن له إعجاباً ورافاً، حيث حاولت تلك القلة التقليل من منزلة المتنبي وتهميش إبداعه الأدبي، فما كان من أبي العلاء المعري إلا أن أجاب من يهاجمه بالقول بأن المتنبي يكفيه فخراً بأنه صاحب القصيدة التي مطلعها: ـ

-(لك يا منازل في القلوب منازل / أقفزت أنت وهن منك أواهل) فأعتقد من هاجموا المعري بأنه يذكرهم ببيت المتنبي الذي يقول فيه: ـ

-(وإذا آتتك مذمتي من ناقص / فهي الشهادة لي بأني كامل).فما كان منهم إلا أن حملوا المعري إلى خارج المجلس ورموه في الشارع (3).وفي مشهد يختلف في سماته وخصائصه العنيفة عن المشهد الآنف، نجد في سيرة الروائي الروسي الكبير "دستوفسكي" مثالاً واضحاً على جانب هام من تجليات ظاهرة العنف الثقافي& nbsp; وهو عنف هذه المرة لا ينتمي إلى نمط عنف الأفراد أو الجماعات الثقافية، بل ينتمي إلى نمط العنف الذي ترتكبه السلطة السياسية ضد المثقف، فبعد أن أصدر "دستوفسكي" روايته الأولى " المساكين " والتي ظهرت في عام 1846 ف، وأثارت دهشة وإعجاب النقاد الروس وفي مقدمتهم بلنسكي، وذلك لدرجة أن "دستوفسكي" كتب رسالة لأخيه جاء فيها قوله " أعتقد يا أخي أن شهرتي الآن في اكتمال ازدهارها،ففي كل مكان يتلقاني الناس بالترحيب والرعاية والاهتمام العظيم " كذلك قوله " وكل إنسان ينظر إليّ باعتباري أعجوبة من أعاجيب الدنيا، ,وإذا ما فتحت فمي ردد الهواء صدى ما يعنيه دستوفسكي، وبلنسكي يحبني جداً لا حدود له، وترجنيف الذي عاد قريباً من باريس أبدى نحوي من أول الأمر شعوراً أكثر من شعور المودة "، بعد كل ذلك يتم إلقاء دستوفسكي في غياهب سجن القديس بولس ويصدر ضده حكم بالإعدام بحجة انتمائه لجماعة بتراشفكي المحضورة سياسياً في تلك الفترة، وهو حكم كان سيجد سبيله للتنفيذ لولا أن أُستبدل في اللحظات الأخيرة بقضاء ثمان سنوات في سجن سيبي ريا السيئ السمعة، هناك حيث نُفي دستوفسكي مع القتلة والسفاحين واللصوص.(4).

وعموماً يمكن القول بأن المتغير السيكولوجي "النفسي" يعدمن بين أهم المتغيرات التي تفسر لنا دوافع ومبررات العنف الثقافي، وبالأخص عندما يتعلق الأمر بسلبيات الكراهية والحقد والضغينة المختزنة في لا شعور الأفراد المنتمين للمشهد الثقافي، أو يتعلق ببعض الأمراض العقلية التي تكون وراء قيام فرد أو مجموعة أفراد بارتكاب العنف الثقافي ضد الآخر المختلف معه، ففي هذا السياق يشير أحد الباحثين المتخصصين في مجال علم النفس إلى وجود علاقة إرتباطية تجمع ما بين الشخصية المتطرفة والشخصية المصابة بمرض الجنون الدوري أو جنون العظمة، حيث تتماهي السلوكية المرضية لكلاهما في محاور ونقاط عدة لعل أهمها الشعور بالعظمة والسمو فوق مستوى تفكير الناس والاعتقاد بتآمر الجميع ضدهما وبضرورة ارتكاب العنف ضد كل من يخالف رؤاه ما (5).وهو عنف عادة ما يأخذ مساراً لفظياً " الاتهامات الكاذبة مثلاً " أو مساراً ميتافيزيقياً "مادياً"

وأخيراًً… وليس أخراً فإن المتأمل في تجليات ظاهرة العنف الثقافي يستنبط بكل سهولة ويسر مدى مطاطية تلك الظاهرة التي تنطوي في بناءها الانطولوجي على أبعاد ومؤشرات عدة حاولت من خلال هذه البسطة المقالية رصد جانب من تجلياتها وأنماطها وذلك على أمل أن يكون مضمونها مؤشراً يدق أجراس خطرها الذي تقف وراءه بكل تأكيد ذهنيات مبتسرة غير ناضجة ثقافياً وأخلاقياً وغير قادرة على استيعاب أبعاد ومضامين العمق القيمي الكامن وراء التفاعلات التي تشهدها كل يوم ساحاتنا ومشهدياتنا الثقافية.







الهـوامش

1. د.جابر عصفور، خطاب العنف، موقع جريدة الحياة الإلكتروني، العدد الصادر بتاريخ 17/3 /2004 ف.

2. الصادق النيهوم ـ وجهان ومواطن واحد، مجلة الناقد، العدد " 24"، يونيو 1990، ص4.

3. جهاد فاضل، جذور العنف في الشخصية العراقية، موقع منتدى الكتاب الإلكتروني الخميس ـ 9.10.2003.

4. للمزيد أنظر، على أدهم، الإخــوة كارامازوف، موسوعة تراث الإنسانية، المجلد الثاني، ص 992 –993.

5. للمزيد أنظر، سمير نعيم، المحددات الاقتصادية والاجتماعية للتطرف الديني، بحث منشور ضمن كتاب " الدين في المجتمع العربي، عبد الباقي الهرماسي وآخرون، مركز دراسات الوحدة العربية والجمعية العربية لعلم الاجتماع، ط1، يونيو 1999ف، ص217.



#عزالدين_اللواج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المثقف العربي وتحدي الدولة السلطوية)نظرة فى ضوء جدلية الخانق ...
- اسئلة المجتمع المدنى فى ضوء أدبيات الفكر العربى المعاصر


المزيد.....




- بوريل يرحب بتقرير خبراء الأمم المتحدة حول الاتهامات الإسرائي ...
- صحيفة: سلطات فنلندا تؤجل إعداد مشروع القانون حول ترحيل المها ...
- إعادة اعتقال أحد أكثر المجرمين المطلوبين في الإكوادور
- اعتقال نائب وزير الدفاع الروسي للاشتباه في تقاضيه رشوة
- مفوض الأونروا يتحدث للجزيرة عن تقرير لجنة التحقيق وأسباب است ...
- الأردن يحذر من تراجع الدعم الدولي للاجئين السوريين على أراضي ...
- إعدام مُعلمة وابنها الطبيب.. تفاصيل حكاية كتبت برصاص إسرائيل ...
- الأونروا: ما الذي سيتغير بعد تقرير الأمم المتحدة؟
- اعتقال نائب وزير الدفاع الروسي بشبهة -رشوة-
- قناة -12-: الجنائية ما كانت لتصدر أوامر اعتقال ضد مسؤولين إس ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عزالدين اللواج - (المبتسرون(نظرة فى ظاهرة العنف الثقافى