تقرير بيكر_ هاملتون تأكيد على هزيمة النظام العالمي الجديد

حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)

الحوار المتمدن-العدد: 1768 - 2006 / 12 / 18 - 09:51
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    

هكذا ، وبعد انتشار تقرير لجنة دراسات العراق نشهد هزيمة طرف واحد من طرفي الإرهاب العالمي ، أي طرف النظام العالمي الجديد للإمبريالية الأمريكية والمرتبطين به مصيريا من قوى المحاصصة القومية والطائفية الرجعية ، لكن الطرف الآخر ، أي الإرهاب الإسلامي السياسي والعروبة السياسية المسمى بالمقاومة الوطنية يعيش نشوة النصر ويقيم احتفالاته على أنهار الدم الجارية في العراق وأفغانستان .
فإن ّ الإمبرالية الأمريكية رغم احتلالها للعراق المكلِّف لمئات مليارات الدولارات من مقدرات المواطنين الأمريكيين وغيرهم ، ولجوئها إلى استخدام أبشع الأساليب في قمع أبناء العراق وبناته وقتلهم ، ورغم أيجادها لبرلمان الحصص والأسهم القومية والطائفية و تشكيل حكومة محاصصة غريبة عن قيم المدنية والتحضر ، رغم كل ذلك تتجرع الخيبة المرّة في سياساتها وتحقيق ستراتيجيتها في العراق والشرق الأوسط.
وقدخططت الإمبريالية الأمريكية لتقوية مواقفها العسكرية والساسية للهيمنة على العالم بعد شنها الحرب العدوانية على جماهير العراق واحتلال بلدهم وجعله قاعدة للعدوان والتوسع ، والتصرف بدون أي ّ منازع بمنابع ثرواته النفطية . كان العراق في ذهن الإمبريالية الأمريكية بوابة " الشرق الأوسط الكبير" الذي رسمت خريطته ، لكن مسير الأحداث في العراق بيّن أن الإمبريالية الأمريكية قد فشلت فشلا ذريعا في هذه السياسة ، وتواجه الهزيمة المرّة والمخزية.
فبعد أربعة أعوام من احتلال العراق ، وارسال أكثر القوات العسكرية الأمريكية والإنجليزية مقدرة قتالية وفنية إلى هذا البلد ، واستخدام أكثر الأسلحة تطورا وكفاءة في العراق ، تعيش جماهير العراق المظلومة في حجيم لا يطاق من انعدام الأمن والاستقرار و قتل يومي على الهوية ، وانعدام أبسط الخدمات ، واستشراء الفساد. فجروج بوش ممثل أكثر أجنحة الإمبريالية عدوانية وارهابا رفض الإعتراف بورطته وفشل سياسة إدارته في العراق وتكبّر طوال هذه الفترة منذ الاحتلال، لكن اليوم لا بد له وتحت ضغط الواقع الاعتراف بالهزيمة.
وفي الأشهر الأخيرة أصبح العالم مذهولا أمام أنهار الدم العراقي المراق ، والمشهد العراقي العجيب الذي فاق ببشاعته مشاهد الحرب الداخلية اللينانية. إن تفاقم الوضع الأمني وتافوضى والفساد في العراق ترافق أيضا مع ازدياد خسائر قوات الإحتلال في الأرواح وانهيارها معنويا وأخلاقيا.
وبات الأمريكيون يعتقدون أكثر يوما بعد يوم بأن أبناءهم يقتلون في العراق في سبيل المطامع الإمبريالية ، وتتصاعد موجات المعارضة والاحتجاج من الأهالي في العراق وأمريكا وعهم أحرار العالم وشرفاؤه على سياسة الحكومة الأمريكية واستمرار احتلالها وعدوانها.
ولم تنفع كل ألاعيب الإمبريالية الأمريكية وخداعها لتلطيف المستنقع العراقي ، التغطية على هزيمة سياسة إدارة بوش. ومن انعكاسات فشل الستراتيجية الأمريكية شهدنا خسارة الحزب الجمهوري في انتخابات الكونغرس ومجلس الشيوخ، و اقالة وزير الدفاع ومهندس العدوان رامسفيلد ، واستقالة جون بولتون مندوب أمريكا في الأمم المتحدة وهو من أشد مؤيدي الحروب والعدوان واليميني المتطرف والذي عينه بوش في منصبه ذاك.
وقد بات حتى رامسفيلد مهندس العدوان العسكري وأبشع العناصر الفاشستية الذي كان يرسم سياسات المجازر بحق العراقيين والعراقيات ، و مبدع أساليب التعذيب في أبو غريب و غوانتانامو و أرجاء كثيرة من العالم، بات يتحدث عن ضرورة تغيير سترتيجية أمريكا، وضرورة انسحاب" يحفظ ماء الوجه" للقوات الأمريكية من العراق.
وكثر من سياسيي العالم من أصدقاء أمريكا وبيادقها انبروا يعبرون في آرائهم عن هزيمة الستراتيجية الأمريكية ، و يتحدثون عن الأوضاع الوخيمة في العراق، و يبحثون عن مخرج لأمريكا من المستنقع العراقي، وفق المثل الكردي الخروج بنصف الخسارة ربح كامل.
وأخيرا ، أعلن عن تقرير لجنة بيكر-هاملتون الذي يؤكد بصراحة ووضوح تام ّ على فشل الستراتيجية الأمريكية في العراق والشلرق الأوسط . فلجنة بيكر هاملتون أو مجموعى دراسات العراق تتركب من 10 من السياسيين المخضرمين من الحزبين الديمقراطي والجمهوري والتي كلفها الكونجرس الأمريكي قبل حوالي 9 أشهر بدراسة الأوضاع في العراق والخروج بأساليب عملية و بيّنة للتغلب على المعضلة العويصة في العراق.
ولكن تقرير اللجنة يؤكد على وخامة الوضع الآخذ أكثر بالتفاقم ، ولم يرسم التقرير أي خريطة أو حل لمصائب الشعب العراقي التي سببها الأحتلال وسلطات المحاصصة القومية والطائفية والمقاومة الرجعية . فلم تكم ثمة حاجة لتشكيل أي لجنة للتأكد على وخامة الوضع في العراق الذي يشهد الناس في أي زاوية في العالم المشهد السوريالي من أشلاء الجثث ، والصور التي تحكي على المأساة و تكشف مشاهد الجحيم.
يؤكد تقرير اللجنة على محاور مختلفة لانقاذ أمريكا من المستنقع ، منها محوران يحظيان بأهمية فائقة وسجال كبير هما: دبلوماسية أكثر فاعلية ، وبالتحديد العلاقات الدبلوماسية مع إيران وسوريا والمطالبة باشراكهما في حل المشكلة العراقيةن والاخر تغيير الأولويات العسكرية بما يعني تجنب المجابهة المباشرة مع المقاومة ، ولعب دور تعليمي و ارشادي للقوات العراقية والشرطة. كما يوصي التقرير بتشكيل لجنة لدعم المصالحة في العراق بالاستفادة من نفوذ إيران وسوريا في العراق ولبنان والشرق الأوسط ، ويدعو التقرير إلى أقامة صلات عربية اسرائيلية بخصوص القضية الفلسطينية لتسهيل مهمات أمريكا في العراق. وأن التوسل إلى سوريا وإيران للمساعدة على الخروج من المستنقع إنما هزيمة مخزية وهروب كاريكاتوري مضحك، يدل على استهتار الإمبريالية بأرواح الملايين من الناس الأبرياء ، ليس في العراق فحسب، بل في أمريكا أيضا.
ومثلما يلمس المرء خلال مطالعة التقرير أنه يخلو من توصيات تفيد العراقيين والعراقيات ، ولا يتهم هذه اللجنة المجازر والكوارث التي نزلت بهم ، إن لم تمسس أمريكا مباشرة. بل فاجأنا بوش بتذكره الشعب الأمريكي مضطرا بقوله إن الشعب الأمريكي ينتظر منّا ، أن نتبنى سياسة جديدة لتحقيق أهدافنا". وقد اعترف بوش ضمنا بهزيمة أمريكا بتعهده الأخذ بنتائج تحقيق لجنة بيكر هاملتون بجدية ، وتنفيذها في الوقت المناسب.

وبغض النظر عن توصيات لجنة بيكر هاملتون، ومدى تحققها، ومدى امكانية أنظمة الحكم في إيران وسوريا ، واسرائيل والسعودية وبلدان المنطقة ، والقوى ذات النفوذ في لبنان والعراق وفلسطين في ترجمة هذه التوصيات إلى واقع عملي، فأنه من الواضح وضوح الشمس أن الإمبرالية الأمريكية لن تتخلى عن أهدافها . ولإن المصالح الإحتكارية الرأسمالية هي التي تحدد الستراتيجية الإمبريالية الأمريكية.
ومن طبيعة الإمبريالية ألأمريكية شن ّ الحروب والروح العدوانية التوسعية للهيمنة والتسلط على مقدرات الشعوب. وإن ستراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية تقوم على كسب الأسواق الجديدة ، ونهب مصادر الطاقة وخاصة في الشرق الأوسط، وارتكاب المجازر وانتهاكات حقوق الإنسان.
الوجود الإمبريالي الأمريكي في المنطقة رافقته تقوية الرجعية السياسية واذلال أكثر ما يمكن للجماهير المحرومة. فالستراتيجية الأمريكية ليس فقط لا تحسب لمصالح العمال والكادحين في العراق والمنطقة أي حساب ، ولا تحل أي مشكلة من مشكلاتهم الإجتماعية والإنسانية، بل أنها تتناقض كليا معها.
فحرب العراق هي حرب بين الإرهابيين والقتلة. فهزيمة طرف واحد من طرفي هذه الحرب القذرة لا تضع نهاية لمأساة العراقيين والعراقيات و البشرية الشريفة. ينبغي الحاق الهزيمة بكلا طرفي الحرب ، لأن هزيمة قوى النظام العالمي الجديد انتصار للطرف الآخر الإجرامي الذي لم يقصر في قتل الأبرياء وخلق المأساة للجماهير المظلومة. فالإمبريالية الأمريكية تريد التخلص بجلدها من المستنقع ، وفي هذه الحالة ستواجه الجماهير الطرف الآخر ، الإسلام السياسي والعروبة السياسية ، ومهمات القوى الشيوعية والتقدمية وإلانسانية الشريفة ستصبح أصعب ,لكن الرؤية ستكون أكثر وضوحا .

ومن الواضح وضوح الشمس أيضا أن أية ستراتيجية ، وأية سياسة تتناقض مع مصالح الجماهير الكادحة والمنطقة لا بد ّ أخيرا أن تنتهي في فشل ذريع وهزيمة مخزية. لهذا نشهد فشل الساسة الأمريكية وهزيمة الستراتنيجية الأمريكية في العراق وأفغانستان. فالستراتيجية الإمبريالية الأمريكية هي هي ولم تتغير ، وأن جديدها هو قديمها الفاشل والمهزوم . وبالتالي إن هزيمة الستراتيجية الأمريكية في العراق هي هزيمة القوى التي ارتبطت بها ، ورقصت لعدوانها على جماهير العراق المظلومة ، لكن يا للمضيبة! فذه الجماهير هي الضحية والذبيحة سواء هذه القوى أحتفلت بانتصاراتها المزعومة، أو أعلنت الحداد لهزائمها .
لكن ثمة أمل ، أمل الكفاح اليساري الشيوعي والتقدمي والانساني على مستوى العالم ، الأمل في قوة الجبهة الثالثة من قوى النضال الإنساني كلّها لالحاق الهزيمة بكل أطراف الإرهاب الرجعي الدموي ّ الإمبريالية والقومية والطائفية في العالم ، فلم تعد نضالات البشرية البشرية في سبيل الأمن والرفاه والاشتراكية تقتصر في مكان معين واحد ، بل العالم كلّه ميدان النضال لتحقيق أهدافها.

#حميد_كشكولي (هاشتاغ)       Hamid_Kashkoli#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات