أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صالح سليمان عبدالعظيم - ثقافة الاستسلام وهزائم الأمم















المزيد.....

ثقافة الاستسلام وهزائم الأمم


صالح سليمان عبدالعظيم

الحوار المتمدن-العدد: 1768 - 2006 / 12 / 18 - 09:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أخطر ما تُصاب به الأمم حينما تنهزم في مثقفيها. فالمثقفون هم ضمير الأمة، القابضون علي قواعد بنائها، والقادرون على هدم هذه القواعد في الوقت نفسه؛ ولعل في ذلك تكمن المفارقة التي تنطوي عليها بنية المثقفين. قد تنهزم الأمم عسكريا وحضاريا لكنها تستمر في البقاء طالما استمرت طليعتها المثقفة غير منكسرة أو منهزمة تلملم شتات ما تبقي، محاولة الانطلاق من جديد، متوجهة نحو المستقبل، مؤمنة بحقها في الوجود، وبحقها في المحاولة، وبحقها في العمل، وبحقها في الإنسانية.

وفي هذا يبز المثقف السياسي المحترف الذي لا يهمه سوي الحلول السريعة، والمقايضات، والصفقات، كما يتجاوز الاقتصادي الذي توجهه حسابات السوق ومسائل الربح والخسارة، كما يختلف عن رجل الدين الذي لا تحكمه سوي الأخلاق وشؤون الوعظ والإرشاد. ونحن هنا لا نتعامل مع المثقف كنبي ملهم مجاوز للمحدودية الإنسانية، قدر ما نري فيه ذلك الشخص القابض على أسس مجتمعه الهامة، لا يفرط فيما يفرط فيه الآخرون، ولا يتنازل عما يتنازل عنه الآخرون، ولا يعقد صفقات خفية كما يفعل الآخرون.

لعل أخطر ما تواجهه أمتنا العربية اليوم هو تزايد تلك النوعية من المثقفين الذين يفرطون في قواعد أمتهم العربية، ويتنازلون عن أسسها وثوابتها اللازمة للاستمرار، بل والبقاء. والذين يمتلكون من التبجح والصفاقة والابتذال ما يمكنهم من عقد الصفقات الخفية تحت الموائد وفوقها وعلى جوانبها. وأهم ما يلفت النظر في هذه النوعية من المثقفين، إذا جاز توصيفهم بهذا الإسم، أنهم يعملون بدأب لا يعرف الكلل منذ أواخر الثمانينات، تحت القيادة الأمريكية، من أجل نشر وفرض آرائهم وأفكارهم الهدامة لمبادئ وأسس الأمة العربية، ولوازمها الضرورية من أجل البقاء والاستمرار. وفي ظل الهجمة العسكرية الأمريكية الأخيرة على أفغانستان والعراق، وفي ظل الهجمة الفكرية والأيديولوجية على باقي الدول العربية، علت أصوات هذه المجموعة من المثقفين، مستقوية في ذلك بدعاوي الإصلاح الأمريكية، وبالدفاع عن الوجود الإسرائيلي الصهيوني في المنطقة العربية.

في هذا السياق، يأتي الكتاب البالغ الأهمية للكاتب والصحافي الفلسطيني بلال الحسن "ثقافة الاستسلام" الصادر عن دار رياض الريس، ليفند أو ليفضح كتابات وأفكار مجموعة من المثقفين العرب الباحثين عن كل ما يرضي عيون الغرب بعامة، والولايات المتحدة الأمريكية بخاصة، ناهيك عن مشاعر التماهي والتوحد بالدولة العبرية.

يبدأ الكتاب بمجموعة من الاقتباسات الوطنية الدالة التي تشير في مجملها إلى الوضعية المتدنية للكثير من المثقفين العرب المعاصرين المستهدين بالخطاب الأمريكي والإسرائيلي تشمل المطران جورج خضر، وهشام شرابي، وإدوارد سعيد، ومحمود درويش. ولعل المؤلف بهذه الاقتباسات، أراد أن يؤكد منذ البداية علي أنه بالرغم من فضحه لمجموعة من المثقفين المكرسين لما أسماه بثقافة الاستسلام، فإن الواقع العربي لا يعدم وجود مجموعة من أصحاب الأقلام الشريفة الذين لم تنمحي من قاموسهم كلمات النضال والمقاومة وقيمة الثقافة والكلمة.

يتناول بلال الحسن مجموعة من الكتاب الداعين لثقافة الاستسلام تشمل كل من: كنعان مكية العراقي، صالح بشير الكاتب التونسي، وحازم صاغية الصحافي والكاتب اللبناني، والعفيف الأخضر المفكر التونسي، وأخيراً الكاتب المصري أمين المهدي. ماذا يجمع بين كل هؤلاء الكتاب، ولماذ التقي توصيفهم، وفقاً لبلال الحسن، على أنهم من الداعين والمكرسين لثقافة الاستسلام أمام الآخر الأمريكي الإسرائيلي بالأساس؟ وما هي مقومات ثقافة الاستسلام ذاتها؟ وما هي الدعاوي التي تستند إليها، وتوحد بينها؟

بدون الدخول في التفاصيل وظروف التحولات والقفزات الخاصة بكل كاتب ممن تناوله بلال الحسن في كتابه، يمكن القول بأن هناك مجموعة من السمات التي تجمع بين كتاباتهم ودعواتهم الاستسلامية. تشمل هذه السمات:
1- الدعوة إلي نبذ العروبة، والتحقير من شأنها؛ فالعروبة في عرف هذه النوعية من الكتابات هي سبب ما حاق بالعالم العربي من هزائم متلاحقة، لذلك فمن المهم في هذه المرحلة الأمريكية العربية أن تركز كل دولة على شؤونها الخاصة، وأن تدعم علاقاتها مع الولايات المتحدة واسرائيل بغض النظر عما يحيق بالدول العربية الأخري.
2- الترويج للإستعمار بكافة صوره وأشكاله؛ فالعرب متخلفون لأنهم لم يستفيدوا على الإطلاق بأي من مستعمريهم السابقين والحاليين، وبديلاً عن مقاومة الحملة الفرنسية، كان يجب على المصريين أن يستفيدوا بما حمله نابليون بونابرت إليهم، وهذا ما لم يفعله المصريون مع الاحتلال الإنجليزي فيما بعد، وما لم يفعله العراقيون مع الإستعمار الأمريكي حتي الآن، وما لم يفعله الفلسطينيون مع الفاشية الإسرائيلية.
3- التطبيع الثقافي مع اسرائيل؛ حيث يرتبط نبذ العروبة والتحقير الذاتي لأنفسنا، والترويج للإستعمار وحسناته، بالدعوة الدائمة والمستمرة للتطبيع مع اسرائيل. فما أصابنا من اسرائيل طيلة ما يزيد على النصف قرن من الزمان سببه جمودنا التفاوضي تجاه كرم اسرائيل ودعواتها المستمرة للحوار والسلام!! المطلوب الآن ليس فقط التطبيع السياسي والاقتصادي مع الدولة العبرية، بل المطلوب وفقاً لكتابات هذه المجموعة من دعاة التطبيع، الإيمان بإسرائيل ذاتها، بأنها الأفضل، وبأنها الأكثر تطوراً، وبأنها الوحيدة القادرة على الإستمرار في المنطقة، بينما نحن العرب، ديناصورات العصر الحالي، فمصيرنا هو الإنقراض!!
4- التعميم التحليلي وخبث التنظير؛ فمعظم هذه الكتابات تتسم بالشطط التحليلي والتفسيري ، وبالتعميمات التي لا تراعي التاريخ، وأبسط قوانين النسبية. فالشرق، وفقاً لهذه الكتابات، جاهل، مسكون بالشياطين، والتعصب الديني، كما أن العرب أمة من المرضي الباحثين عن الهزائم المتتالية، الرافضين لأسلوب التفاوض والحوار والسلام. كما أن التجربة الإيرانية برمتها تجربة سخيفة لا تستحق الإلتفات إليها، وتناولها بالنقد والتحليل. تنطلق هذه الكتابات من أطر نظرية تتسم بالإنسانية ونبذ العنف والحروب، مع التأكيد على ضرورة التآخي بين مختلف الشعوب، والحض على ممارسة الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان، لتنتهي بنا في خبث ودهاء وتآمر في أحضان إسرائيل وأمريكا. فالتنظير الاستسلامي الجديد هدفه في النهاية الترويج للثقافة الأمريكية، وحماية اسرائيل، وصيانة أمنها، وضمان بقائها. علينا أن نلاحظ هنا أن معظم كتاب ثقافة الاستسلام هم ضيوف دائمون على الجامعات ومراكز صنع القرار الأمريكية، إضافة إلى زيارة الكثيرين منهم لإسرائيل.
5- قلب المفاهيم؛ حيث تتسم كتابات ثقافة الاستسلام بقدرة كبيرة علي تلطيخ المفاهيم الوطنية المشرقة والمتعارف عليها، والتواطؤ ضدها بحزمة مفاهيم أخري، يتم فرضها على المنطقة العربية، دون حياء أو خجل. فالمقاومة جنون عقلي، وحركة نحو المجهول، والنضال عائق أمام التقدم، وحزب الله أكذوبة كبري، وهزيمة إسرائيل وانسحابها من جنوب لبنان، حنكة سياسية إسرائيلية من أجل الحفاظ على السلام مع العرب... إلخ من مثل هذه الأكاذيب والمفاهيم المغلوطة التي تصب في النهاية في ترسيخ ثقافة الاستسلام، والضعف والخنوع.

لا يصادر المرء علي آراء الآخرين إذا كانت تعكس توجهاتهم الفكرية والأيديولوجية، لكن الشيئ المخيف هنا، في ضوء كتابات هذه المجموعة من الداعين للاستسلام العربي التام، والرافضين لكل أشكال المقاومة والنضال، أنهم ينفذون سياسات مراكز البحوث الأمريكية وتوجهاتها ضد المنطقة العربية من جانب، وما تحدثه فيهم الترسانة العسكرية الإسرائيلية من خوف وانكسار. اللهم اكفينا شر الخوف والانكسار!!




#صالح_سليمان_عبدالعظيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يحيي حقي بين المواجهة والمصالحة
- الإعلام العربي بين السلطة والممارسة
- حتى لا تتحول الشفافية إلى كلمة مبتذلة
- الأمريكيون والحيوانات الأليفة
- المثقف والتحولات العمرية
- الفردانية الممزقة والهيمنة الجماعية في العالم العربي
- !!الحوار المتمدن والتحليق بالكتابة
- الإصلاح السياسي في العالم العربي
- خمسة وأربعون عاماً على رحيل فرانز فانون
- صدام حسين، تاريخ الانقلابات
- اختزال واقع المرأة العربية
- -عراق على الوردي وثقافة -الكسار
- أنماط معاصرة من المثقفين
- ثقافة المفتاح العربية
- كوندوليزا رايس والقيم البيضاء
- هرمونات كرسي السلطة في العالم العربي
- لماذا نكتب؟
- أزمة الثقة في المجتمعات العربية
- أزمة الثقة في المجتمعات العربية
- قضاة يرفضون بيت الطاعة


المزيد.....




- هل كان بحوزة الرجل الذي دخل إلى قنصلية إيران في فرنسا متفجرا ...
- إسرائيل تعلن دخول 276 شاحنة مساعدات إلى غزة الجمعة
- شاهد اللحظات الأولى بعد دخول رجل يحمل قنبلة الى قنصلية إيران ...
- قراصنة -أنونيموس- يعلنون اختراقهم قاعدة بيانات للجيش الإسرائ ...
- كيف أدّت حادثة طعن أسقف في كنيسة أشورية في سيدني إلى تصاعد ا ...
- هل يزعم الغرب أن الصين تنتج فائضا عن حاجتها بينما يشكو عماله ...
- الأزمة الإيرانية لا يجب أن تنسينا كارثة غزة – الغارديان
- مقتل 8 أشخاص وإصابة آخرين إثر هجوم صاروخي على منطقة دنيبرو ب ...
- مشاهد رائعة لثوران بركان في إيسلندا على خلفية ظاهرة الشفق ال ...
- روسيا تتوعد بالرد في حال مصادرة الغرب لأصولها المجمدة


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صالح سليمان عبدالعظيم - ثقافة الاستسلام وهزائم الأمم