أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - صالح سليمان عبدالعظيم - الإعلام العربي بين السلطة والممارسة















المزيد.....

الإعلام العربي بين السلطة والممارسة


صالح سليمان عبدالعظيم

الحوار المتمدن-العدد: 1765 - 2006 / 12 / 15 - 11:13
المحور: الصحافة والاعلام
    


ربما لا يوجد نشاط مهني يثير ذلك القدر من اللغط والجدل اليوم مثلما هو الحال مع الإعلام العربي المعاصر؛ فكون الإعلام على كافة صوره وأشكاله يرتبط بما هو اجتماعي وسياسي بشكل يومي ومتواصل يضعه في خطوط المواجهة الأولى، ليس فقط مع السلطات السياسية وأصحاب القرار، ولكن أيضا مع السلطات الاجتماعية بشتى أشكالها وألوانها. كما أن الحيز الضخم من الجماهير الذي يتأثر بمحتوى الممارسات الإعلامية المختلفة يجعل الإعلام عرضة لأشكال رقابية، وربما اقصائية، مختلفة.

ويمكن القول هنا أن الإعلام العربي بعامة يواجه مشكلات التحديات البنيوية التي يتعامل معها من ناحية، ومشكلات مؤسساتية أخرى تتعلق بالقائمين على هذا الإعلام والممارسين لأنشطته المختلفة والمتنوعة من ناحية أخرى. فالإعلام يقع بين مطرقة السلطات السياسية والاجتماعية، وبين سندان القائمين عليه وممارساتهم المختلفة، مع العلم بأنه لا يمكن الفصل بين الجانبين إلا لأغراض تحليلية محضة. لذلك فإن الاقتصار على جانب واحد فقط دون الآخر عند مناقشة المشكلات المختلفة التي يواجهها الإعلام العربي تضر أكثر مما تفيد، بل إنها قد تؤدي إلى تصورات مشوهة ومبتورة عن حالة الإعلام العربي الراهنة.

إضافة إلى ذلك لا بد وأن نضع في اعتبارنا اختلاف الممارسات الإعلامية من مجتمع لآخر، بل إن هذه الممارسات تختلف داخل المجتمع الواحد من فترة زمنية لأخرى. من هنا يمكن القول بأن تطور الإعلام رهن بالبيئة المحلية التي يظهر فيها ويتطور من خلالها، رغم امكانية الاستعانة بتجارب الآخرين من أجل تسريع وتيرة التطور والتقدم، ومن أجل العمل على تلافي الأخطاء المستقبلية. وفي هذا السياق، تبدو مقارنة البعض في عالمنا العربي بين الإعلام العربي والإعلام الغربي في غير محلها، بل إنه يمكن القول بأن هذه المحاولات تؤدي في أحيان كثيرة إلى تشويه محاولات الفهم من أجل مقاربتها مع واقع الإعلام الغربي.

لا يخفي على المتابع للإعلام العربي القيود البنيوية، الرقابية بالأساس، التي يواجهها هذا الإعلام بعامة من قبل السلطات السياسية؛ حيث تتعرض معظم، إن لم تكن كافة، الأنشطة الإعلامية المختلفة، بدءاً من الصحف وانتهاءً بالإنترنت إلى ممارسات السلطات العربية السياسية من رقابة وحذف ومنع. لا يقف الأمر عند هذا الحد بل إنه يتعداه إلى ملاحقة الصحفيين والإعلاميين المختلفين من قبل السلطات السياسية في العالم العربي، الأمر الذي أوصل الكثيرين منهم إلى السجون، مع ما يستتبع ذلك من اجراءات وممارسات قمعية تتعارض مع أبسط مبادئ حقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية المختلفة التي وقعت عليها كل الدول العربية بلا استثناء، والتي تؤكد على الحقوق التعبيرية للأفراد بدون أية ملاحقات من قبل السلطات السياسية والأمنية المختلفة.

اللافت للنظر هنا أنه بينما تطارد السلطات السياسية الإعلاميين الجادين الذين تتعارض توجهاتهم ورؤاهم مع توجهات ورؤى هذه السلطات، فإنها تتساهل بشكل كبير مع الإعلاميين الذين يتوحدون معها ويطرحون رؤاها وينفذون سياساتها. وفي هذا السياق يمكن الإشارة إلى العديد من الكتابات والبرامج التي يندى الجبين عن ذكر مضمونها والتي تدعم السلطات السياسية من جانب، أو تؤسس لسياسات وثقافات وتوجهات جديدة تعمل في غير صالح التطلعات والطموحات العربية من جانب آخر.

إضافة إلى ذلك، يمكن الإشارة لازدواجية السلطات السياسية في التعامل مع البرامج الإعلامية التليفزيونية؛ ففي حين أنها تتدخل لوقف البرامج النقدية الجادة، نجدها تتغافل عن هجمة البرامج التافهة والمخدرة لعقل المشاهد في العالم العربي. وفي هذا السياق يمكن ملاحظة ما تبثه الكثير من القنوات الفضائية من مواد تافهة تؤدي إلى المزيد من تغريب المشاهد العربي بعيداً عن قضاياه المجتمعية الحقيقية، بل بعيداً عما يكابده هذه المشاهد في حياته اليومية.

لا تقف القيود البنيوية فقط عند حدود السلطات السياسية وما تمارسه من قيود مستمرة على كافة الممارسات الإعلامية، بل إن الأمر يتعدى ذلك إلى ضغوطات البنية الاجتماعية التي تستند إما إلى الرغبة في الحفاظ على العادات والتقاليد الجامدة، وإما إلى الانفتاح المفرط على سياقات وأطر مجتمعية أخرى. وبين هذا وذاك يجد الإعلام نفسه فريسة بين محاولة إرضاء العادات والتقاليد، حتى لو كانت بالية، والإنغماس في أنشطة أقل ما توصف به أنها استنساخ باهت لمنتجات مجتمعية أخرى، غالبا ما تكون غربية بالأساس، وبين إنتاج أعمال وبرامج هجين تجمع بين الداخل والخارج في محاولة توفيقية بائسة لإرضاء كل الأذواق، وتعظيم المكاسب والأرباح.

تلعب هذه الظروف البنيوية الضاغطة سواء من قبل السلطات السياسية أو من قبل السلطات الاجتماعية دوراً كبيراً في خلق مؤسسات إعلامية محافظة وعلى مقاس ورغبة هذه السلطات. وما يحدث في الواقع أن هذه الضغوط تمارس عملها في خلق مؤسسات اعلامية تتماهى مع السلطات السياسية والاجتماعية، بحيث تصبح في النهاية مجرد أبواق لرغبات هذه السلطات. فمعظم المؤسسات الإعلامية اليوم، الخاص منها والحكومي، هي مجرد واجهة لتوجهات دول عربية بعينها، بل إن البعض منها قد أنشأ بهدف مواجهة أو مهاجمة مؤسسات إعلامية لدول عربية أخرى. وربما يمنحنا ما يمكن تسميته بصراع القنوات الفضائية العربية مثالاً واضحاً عن الحرب الإعلامية الأيديولوجية الدائرة عبر الأقمار الصناعية الآن، لخدمة أنظمة بعينها، وفي سبيل الدفاع عن مصالح ذاتية ضيقة، أبعد ما تكون عن أى توجه عربي يصب في مصلحة المواطن العربي في النهاية.

بالطبع يمكننا تخيل السمات التي ينطوي عليها معظم العاملين في المؤسسات الإعلامية العربية في ظل هذه الضغوط، وفي ظل الأطر الأيديولوجية الضيقة المفروضة عليهم، والتي تصبح بالتالي جزءاً لا يتجزأ من مشاريعهم الإعلامية، بل واستمراريتهم في العمل داخل هذه المؤسسات الإعلامية . حيث يطبقون سياسات مفروضة عليهم ومحددة لهم سلفاً، بحيث يصبح حيز الحركة المخصص لهم يتم في إطار التجديد والابتكار الشكلي بدون التجديد في أية مضامين نقدية جديدة قد تتعارض مع مصالح القائمين على هذه المؤسسات الإعلامية. وبديلاً عن التمكين النقدي والمتجدد للأنشطة الإعلامية، فإن الذي يحدث هو المزيد من التقزيم والتحديد المتواصل للقائمين على هذه المؤسسات بغية ارضاء أصحابها الممولين لها.

تخلق هذه الحالة نوعاً من التوحد مع أهداف القائمين على هذه المؤسسات الإعلامية، بحيث يتحول الإعلاميون في النهاية إلى مجرد موظفين ينفذون سياسات وأنشطة محددة، بحيث يصبح معيار الكفاءة هنا هو التنفيذ الحرفي للأوامر، وليس التجديد المبدع لأنشطتها. من هنا يضيع الهدف الرئيسي من الممارسة الإعلامية برمتها ألا وهو التنوير والتجديد والإبداع في إطار الثقافة العربية، وفي إطار التلاقح الحضاري مع الثقافات الأخرى.

وبين الضغوط التي تمارسها البنيات السياسية والاجتماعية من ناحية، وبين ممارسات الموظفين الإعلاميين السطحية والعقيمة من ناحية أخرى، يدفع المتلقي العربي ثمناً باهظاً من التجهيل والتغريب الذي يصب في مصلحة استمرارية السلطات العربية والبنيات الاجتماعية الراكدة.

د. صالح سليمان عبدالعظيم
كاتب مصري



#صالح_سليمان_عبدالعظيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حتى لا تتحول الشفافية إلى كلمة مبتذلة
- الأمريكيون والحيوانات الأليفة
- المثقف والتحولات العمرية
- الفردانية الممزقة والهيمنة الجماعية في العالم العربي
- !!الحوار المتمدن والتحليق بالكتابة
- الإصلاح السياسي في العالم العربي
- خمسة وأربعون عاماً على رحيل فرانز فانون
- صدام حسين، تاريخ الانقلابات
- اختزال واقع المرأة العربية
- -عراق على الوردي وثقافة -الكسار
- أنماط معاصرة من المثقفين
- ثقافة المفتاح العربية
- كوندوليزا رايس والقيم البيضاء
- هرمونات كرسي السلطة في العالم العربي
- لماذا نكتب؟
- أزمة الثقة في المجتمعات العربية
- أزمة الثقة في المجتمعات العربية
- قضاة يرفضون بيت الطاعة
- الإنترنت مهد الكراهية
- ليبراليون جدد أم مكارثيون جدد


المزيد.....




- فن الغرافيتي -يكتسح- مجمّعا مهجورا وسط لوس أنجلوس بأمريكا..ك ...
- إماراتي يوثق -وردة الموت- في سماء أبوظبي بمشهد مثير للإعجاب ...
- بعد التشويش بأنظمة تحديد المواقع.. رئيس -هيئة الاتصالات- الأ ...
- قبل ساعات من هجوم إسرائيل.. ماذا قال وزير خارجية إيران لـCNN ...
- قائد الجيش الإيراني يوضح حقيقة سبب الانفجارات في سماء أصفهان ...
- فيديو: في خان يونس... فلسطينيون ينبشون القبور المؤقتة أملًا ...
- ضريبة الإعجاب! السجن لمعجبة أمطرت هاري ستايلز بـ8 آلاف رسالة ...
- لافروف في مقابلة مع وسائل إعلام روسية يتحدث عن أولويات السيا ...
- بدعوى وجود حشرة في الطعام.. وافدان بالإمارات يطلبان 100 ألف ...
- إصابة جنديين إسرائيليين بجروح باشتباك مع فلسطينيين في مخيم ن ...


المزيد.....

- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان
- الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير / مريم الحسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - صالح سليمان عبدالعظيم - الإعلام العربي بين السلطة والممارسة