أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الإحسايني - الأرامل














المزيد.....

الأرامل


محمد الإحسايني

الحوار المتمدن-العدد: 1765 - 2006 / 12 / 15 - 10:50
المحور: الادب والفن
    


الأرامل
ش. بودلير
ترجمة محمد الإحسايني


يقول فوفنارغ توجد في الحدائق العمومية مسالك مسكونة بالطموح المحبط خاصة،وبالمبتكرين الأشقياء،وبالأمجاد الخائبة
، وبالقلوب المنكسرة،وبكل هذه النفوس الصاخبة والمنغلقة،
التي مازالت تدمدم عليها التنهدات الأخيرة لعاطفة ما،وهي
ساخطة، والتي تتنامى بعيداً عن النظرة الكبيرة للناس المتنعمين وأصحاب أوقات الفراغ، فتلك الخلوات الظليلة،هي مواعيد المعطوبين في الحياة.
يوجد ذلك بالخصوص في تجاه تلك الأماكن التي يحب الشاعر والفيلسوف أن يوجها إليها تخميناتهما الطموحة.يوجد هناك غذاء مؤكد.إذ لو وجد مكان يحتقران زيارته، كما كنتُ ألمّح إليه بعدقليل،لكان بالخصوص مكان إقامة مباهج حفل الأغنياء.
قهذا الصخب في العراء ليس فيه شيء يجتذبهما.وبالعكس من ذلك،فهما يحسان أنهما منجذبان رغماً عنهما نحو كل ماهو
ضعيف،ومفلس،وحزين، ومحروم.
لا تنخدع عين تجريبية بذلك أبداً، بل تكشف فوراً عن خرافات الحب المخدوع التي لاتحصى، والتفاني المتنكر له،والجهود غير المثوبة، والجوع والبرد المتحملين بخضوع وصمت في هذه القسمات الصلبة أو الخائرة القوى،وهي هذه العيون المجوفة والذائبة، أو اللامعة بآخر ومضات الصراع، وفي هذه المشيات البطيئة أو المهتزة إلى هذا الحد .
هل رأيت أحياناً أرامل فوق هذه المقاعد النعزلة، أرامل فقيرات؟ مهما يكـنّ في حداد أوعدمه، فإنه سهل التعرف عليهن،أضف إلى ذلك أنه يوجد دائماً في حزن الضعيف شيء
ما، ينقص، وغيابٌ للانسجام يجعله أشد إيلاماً.فهو مجبر على أن يضن بماله. أما الرجل الغني ، فيحول ألمه إلى الهندام المهيب.
من هي الأرملة الأشد جزناً والمحزنة أبلغ حزن،أتلك التي تجرجر في يدها طفلاً صغيراً لاتستطيع أن تقاسمه حلمها،أم تلك الأرملة التي توجد على انفراد تماماً؟ لاأدري... لقد حدث لي أن تتبعت مرة عجوزاً كئيبة الفؤاد من هذالنوع،أثناء ساعات طوال،تلك العجوز المتصلبة، والمنتصبة تحت شال مستعمل،وكانت تحمل في كل كيانها إباء الأرملة الصابرة في الضراء.
كانت محكوماً عليها طبعاً بعزلة تامة،على غرار عادات العازب المسن، وكان الطبع الذكوري لسلوكها يضيف سراً مهماً إلى تقشف العوانس. تتبعتها في مكتبة للقراءة رخيصة السعر، لقد راقبتها زمناً طويلاً الوقتَ الذي كانت تبحث في الجرائد ، عن أخبار منفعة شخصية وذات اعتبار، بعينين نشيطتين مُحرَقـَتين قِدْماً بالدموع.
أخيراً ، وفي الزوال،جلست على انفراد في حديقة بعيدا عن الجمهور،لسماع تناغم من تلك التناغمات التي تحودبها موسيقى حفلات أفواج الجنود على الدهماء في باريس، تحت سماء الخريف الفاتن وتحت سماء من تلك السماوات التي تتنزل فيهاالحسرات والذكريات أفواجاً.
كان ذلك بدن شك، التهتكَ المصطنع لهذه العجوز البريئة[أوهذه العجوز الطاهرة]،والعزاءَ الذي كسبته كسباًفي يوم بلا صديق، وبلا تبادل حديث،وبلا فرح، ولا من تناجيه،وهو ربما حباها به الله منذ سنين طويلة!ثلاثمائة وخمساً وستين مرة في العام.
أرملة أخرى أيضاً:
عموماً، لاأستطيع أن أثني نفسي عن إلقاء نظرة ـ إن لم تكن ودية، فعلى الأقل فضولية ـ على حشود من المنبوذين الذين يتزاحمون حول حفل عمومي.فالجوق يصدح عبر الليل بأغاني العيد، وبالنصر أو بالملاذ الحسية.تنجر الفساتين متألقة، وتتلاقى النظرات،فيتمايل أصحاب الأوقات الفارغة المتعبون لعدم قيامهم بشيء ما،ويتكاسلون في تراخ عن تذوق أنغام الموسيقى، فلاأحد هنا سوى الإنسان الغني،والإنسان السعيد،
ولا أحد يتنشق أو يتنفس عبير وزفير الاستهتار والمتعة ليعيش بلا هم يشغل البال،لا أحد سوى منظر هذه الدهماء التي تستند هناك على الحاجز الخارجي بالمجان،تلتقط بإعجاب تقطعات موسيقية بالرغم من الريح،وتنظر إلى اشتعال الأتون الداخلي المتلألئ.
ذلك شيء مهم دائماً أن تكبر فرحة الإنسان الغني في عمق عين الإنسان الفقير، غيرأنني شاهدت يومذاك ـ عبر هؤلاء الناس المرتدين بذلات عمل وأزياء نسائية بسيطة من القطن ـ
كائناً كان نبل شرفه يُحدث تبايناً صارخاً مع أي سوقية محدقة به.
كان ذلك الكائن امرأة عظيمة مهيبة، ونبيلة تماماً في مظهرها،وليس لي من ذاكرة تذكر أنني قد رأيتُ مثلَها في المقتنيات من روائع الماضي الارستقراطية، يضوع عطر عفة أبية من شخصها كله.وكان وجهها الحزين والنحيف في انسجام تام مع ثوب الحداد الذي كانت قد ارتدته، وهي أيضاً مثل الرعاع الذين كانت قد اختلطت بهم،والذين لم تكن تراهم، فكانت تنظر إلى مشاهير الناس بنظرة عميقة، وكانت تنصت محركة بلطف رأسها.
رؤية فريدة!وأقول في نفسي:"إن ذلك الفقر إن وجد،فلا ينبغي الرضى بالاقتصاد المتين، فيجيبني عن ذلك وجه نبيل جداً.فلماذا هي تبقى عمداً وسط َتقوم فيه بمهمة لامعة بهذا المقدار؟"
لكن، اعتقدتُ أنني تنبأت بالسبب ماراً حولها بفضول.كانت الأرملة العظيمة تمسك طفلاً بيدها، حيث ارتدت السواد؛وكيفما كان سعر الدخول إلى الحفل زهيداً، فربما كان هذا السعر على زهده، يكفي لتسديد حاجة من حاجات الكائن الصغير،وأحسن أيضاً ، مافضل عن الحاجة ،ولعبة ما.
وستدخل ماشية على قدميها،تتأمل وتحلم،وحيدةً ودائماً وحيدةً، ذلك أن الطفل مشاغب، وأناني، بلا وداعة في طبعه ولا اصطبار، حتى إنه لايستطيع كالحيوان الخالص،وكالكلب والقط
. أن يساعد صاحبه الحميم على الآلام التي يكابدها



#محمد_الإحسايني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كل واحد وخرافته
- شارل بودلير...العامّة
- فينوس والمجنون
- إشراقات بعد الطوفان... آرتور رامبو
- ثقافة الحوار والاحتلاف
- فلوبير عشية محاكمته
- إعادة الاعتبار لشارل بودلير
- البنيوية التكوينية وإشكالية تخارج الإبداع- 1
- القارورة...لشارل بودلير
- المغتربون...مجتمع مدني من خلال بيئة قروية
- القط
- وسواس
- البطروس... لشارل بودلير
- الزجّاج الرديئ..... لبودلير
- الساعة.....لشارل بود لير
- المهرج العجوز
- من هو المبدع؟
- تباشير الصباح / غسق المساء.لبودلير
- تباشير الصباح
- أوفيليا


المزيد.....




- فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024
- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الإحسايني - الأرامل