أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - صالح عباس - المجهول في حياة الرسول: قراءة في المنهج ..ج2















المزيد.....


المجهول في حياة الرسول: قراءة في المنهج ..ج2


صالح عباس

الحوار المتمدن-العدد: 1760 - 2006 / 12 / 10 - 07:16
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


نظرة أخلاقية :
يتأسس الكتاب ( المجهول في حياة الرسول ) على زاوية النظر الأخلاقية. وبما أن البيئة بيئة عربية فان اخطر المسائل التي يتم تناولها، أخلاقيا، هي المرأة، تلك الموضوعة الخلافية خاصة مع تجدد أزمتها بين رؤيتين متغايرتين (الشرق والغرب) وتفاقم الأصولية بالتساوق مع إشكالات سياسية عديدة. إن تناول أي موضوعة تقرن الإسلام بالمراة يعد جاذبا لعين السائح الغربي بالإضافة إلى وقوع الإسلام من خلاله في دائرة الاتهام أو التخلف، خاصة مسائل الحجاب وتعدد الزوجات والإرث والحريات الخاصة.. لذلك يخصص المقريزي ثلاثة أرباع كتابه لهذا الموضوع وان انتقل هنا وهناك بين آن وآخر. يسرد الكاتب، في المفتتح، النساء اللواتي اقترن بهن النبي بين زواج فعلي وغير فعلي ( لقد تضاربت الأقوال في عدد أزواج النبي المدخول بهن وغير المدخول بهن ومن وهبن أنفسهن للنبي ومن خطبها ولم يتفق على تزويجها أو عرضت عليه فأباها أو تزوجها وماتت قبل الوصول إليه أو مات النبي قبل الدخول بها وكذلك الاختلاف في عدد سراري النبي ويزيد عدد هؤلاء النسوة عن الأربعين امرأة ). ويعدد الزوجات، لكنه ينفجر، بعيدا عن الموضوعية المطلوبة، عبر اتهامات مباشرة، مبنية على أحكام قيمة سلبية. وهذه إحدى آفات المنهج: إصدار الأحكام الاستباقية قبل البرهان، مقتربة من الشتائم كقوله: ( قالوا كان النبي غاية الرفق بالمرأة قلنا كان غارقا في الجنس إلى حد المرض قالوا كان عونا لها على طاعة الله قلنا من اجل المرأة كسر كل شرائع الله قالوا تزوج بمن استشهد زوجها الصحابي كرامة للميت والحي قلنا اغتصبهن اغتصابا وأهدر كرامة الأحياء والأموات إلى الأرض قالوا كان كارها للملك والسيطرة قلنا كان زواجه سياسيا لدعم نبوته وضمان سلطته وسطوته قالوا نبيا أحل له الله ما لم يحل لغيره قلنا كاذبا مدعيا وأمثاله في الجزيرة كثر قالوا جاءه أمين الوحي جبريل قلنا جاءه تابع من الجن كما جاء لغيره قالوا أنقذ الأمة من الضلالة ووحدها قلنا مزق البشرية وسجن الأمة بشرائع البدو المتخلفة. وبين قالوا وقلنا يقف القران والسنة والتاريخ والعقل الفيصل والحكم ). هذه العبارات، التي تختصر كل وجهات النظر المبرهن عليها فيما سيلي، رغم مفضوحيتها وإعلانها المبكر للموقف من محمد والإسلام، تطرح بعضا مما يتداول حول سيرته وترتكز في ذلك إلى أهم مصادر الإسلام (القران والسنة) واهم مصادر البحث الأكاديمي (التاريخ كوثيقة من الداخل).. ولغرض غربلة الاطروحات وعدم اخذ الغث بالسمين، سنتجاوز المواقع الانفعالية بإشارات محددة، مع تبيان اللفتات الإشكالية الجديرة بالاعتبار.

المنهج والتهكم والكتابة:

في فصل النكاح ( نبي النكاح المنكاح ) يهبط النقاش إلى دركات لا قرار لها، لتغلب السخرية والتهكم على التحليل. لكن الجدير بالنقاش تلك الروايات المتعلقة بفحولة محمد. في زمن خديجة اكتفى بها وحدها كزوجة، وبعد وفاتها عرف عنه كثرة انشغاله بالجنس – كما يرد في الروايات ( حبب لنا الطيب والنساء )، التي إن صحت فإنها تعطي بعدا آخر للقداسة النبوية، وتعطي صورة فيها الكثير من التناقض عن روايات التعفف الأخرى التي تفيض بها قريحة المسانيد والسير. منهجيا، تتكرر نقطة الضعف هذه في الكتاب كثيرا إلى درجة أن المفكر الحر المتخلص من هيمنة العقيدة لا يتقبل بسهولة سيل السخرية من الموضوع. انتقال السخرية من الأدب إلى الكتابة الفكرية تعطي طابعا ذاتيا على ما هو عقلي ومنطقي وتبعد الموضوعية عدة أميال عن الفكر. وكلما تمتع الكاتب بالحياد قدر الامكان كلما قلت سخريته وقويت حجته وتناول الموضوع بعمق اكبر. ورغم أن الفصل عن النكاح ومحمد وكثرة ممارسته مع أزواجه حتى في الحيض كما تروي عائشة، إلا أن النقلة غير منهجية لمتابعة الجنس في حياة علي بن أبي طالب ثم الحسن بن علي، ومناقشة علاقة محمد بالطيب وقصة سجاح و مسيلمة (الكذاب)، تعطي فكرة عن فن اللصق والتجميع الذي يحاول احتواء كل شيء في حيز صغير. ولو توخيت الدقة لكان لكل موضوع تفصيلات وجدل خاص به… إلا اذا كان القصد جمع أعمدة الإسلام في سلة واحدة مع الأعمدة المناوئة ليتساوى (المقدس) بـ( المدنس ) وتدحض أسس النبوة من جذورها…
من خلال إيراد ما بقي من كلام سجاح ومسيلمة تصبح المعادلة : محمد=مسيلمة، آيات قرانية= سجع مسيلمة، ومن خلال التوازي اللغوي وبعض التشريعات والسنن. يقول مسيلمة : (والمبذرات زرعا؛ والحاصدات حصدا؛ والذاريات قمحا؛ والطاحنات طحنا؛ والحافرات حفرا؛ والخابزات خبزا؛ الخ..) ..أما سورة النازعات فتقول: وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا 1 وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا 2 وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا 3 فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا 4 فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا. مع الاعتبار بالجانب الفكاهي الساخر الذي انبنت عليه قريحة مسيلمة و السؤال عن السابق واللاحق بينه ومحمد ( فمن اسبق من الآخر؟ ) : (الفيل ما الفيل وما أدراك ما الفيل له ذنب وثيل ومشفر طويل وان ذلك من خلق ربنا لقليل..).. أما الحديث عن الموحدين العرب السابقين لمحمد أو الذين اعتقدوا بنبوتهم ففي ( الشخصية المحمدية للرصافي) تفاصيل أدق وتتبع للمصادر أكثر عمقا ومنهجية.

مقارنة :

يعقد الكاتب مقارنة ذات دلالة بين أنماط الزواج في الإسلام وجذورها الجاهلية وهي ( زواج الصداق، نكاح السبي، نكاح الإماء، نكاح المتعة، نكاح البدل، نكاح الشغار، نكاح الرهط ) وهي المجموعة المشتركة من النكاحات، أما ما رفضه الإسلام منها ( نكاح المخادنة والإستبضاع ). وقد تفرد محمد بـنكاح الهبة ( وهو أن تهب المرأة نفسها للنبي فقط وتطلب من النبي أن ينكحها فإذا أراد النبي أن ينكحها نكحها أما إذا لم يرد فيوزعها على أصحابه )، وكل ذلك للخلوص أن محمداً أعطى الصبغة الإلهية للزواج الجاهلي، وان التغيير الذي أحدثه الإسلام بخصوص (الزواج والصداق والطلاق والعدة وغيرها ) لا أساس له. لكن المؤلف يمزج ما بين التبرير القرآني لهذه الأنماط وبين سلوك النبي وقيامه ببعضها وبين التاويلات الخاصة ( مثل تباين الآراء حول زواج المتعة بين الشيعة والسنة ) ولا يأتي بآيات تصادق على فكرة أن محمد قام بتبرير الزواج الجاهلي قرآنيا، بينما تروي المرويات الإسلامية عن عائشة: ( لما بعث محمد بالحق هدم نكاح الجاهلية كله إلا نكاح الناس اليوم ).

محمد والنبوة

في الفصل محمد والنبوة يعاد طرح واحد من أكثر الإشكاليات خطورة. أولى هذه الإشكالات دور (ورقة بن نوفل ) وحقيقة كونه نصرانيا يقرأ الإنجيل لمحمد. ثانيهما ربط ( شق صدر النبي ) بما روي عن أمية بن الصلت من شق بطنه بالإضافة إلى الاستشهاد بشعره دليلا على أن محمد قد اخذ منه وان ثمة شعرا جاهليا قد تسرب إلى القران.. هذا البحث شيق ونصي حينما يتم التركيز على المشتركات اللغوية والفكرية بين النص المحمدي ونصوص إنسانية سابقة له، خاصة من غير الديانات السماوية الأخرى (اليهودية والمسيحية) وذلك لعدة أسباب. أولا، اذا كان القصد تكذيب نبوة محمد، فان إيجاد صلات للقران بالكتب السماوية السابقة يؤكد أطروحة محمد ولا ينفيها. القران نفسه وأحاديث كثيرة تشير إلى ان الإسلام تتمة وخاتمة لتلك الديانات التي غزت البشرية منذ ادم حتى إعلان الإسلام. ثانيا، كشف المصادر الإنسانية للقران يدحض الفكرة القائلة بالتنزيل الحكيم والحفظ في اللوح المحفوظ، بالإضافة إلى اجتثاث فكرة عدم القدرة على الإتيان بمثله، ثم عدم صدوره من الإله. ولكي يبرهن الكاتب على هذه الاقتباسات الأدبية يضرب الأمثلة من شعر امية بن الصلت :
رب لا تجعلني كافـرا أبدا واجعل سريرة قلبي الدهر إيمانا
واخلط بنيتي واخـلط به بشرى وللحم والـدم ما عمـرت إنسانا
إني أعوذ بمن حج الحجيج له والـرافعون لـدين الله أركانا
مسلمـين إليه عند حجهـم لـم يبتغوا بثواب الله أثمانا
وقوله في الثواب الأخروي:
وحل المتقين بدار صدق وعيش ناعم تحت الظلال
لهم ما يشتهون وما تمنوا من الأفـراح فيها والكمال
ومن قصة موسى :
رضيت بك اللهـم ربا فـن أرى دين إله غـير الله ثانيــا
وأنت الـذي من فضـل رحمتـه بعث إلى موسى رسـولا مناديـا
فقـلت له اذهب وهارون فادعوا إلى الله فرعون الذي كان طاغيا
وقولا له من ينبت الحب في الثرى فيصبـح منه البقـل يهـتز رابيا
وأنت لفضـل منـك نجيت يونسا وقـد بات في أضغان حوت لياليا
وهي ألفاظ ومفاهيم ترد في القران، دليلا حسب المقريزي، يضاف إلى دليل ورقة بن نوفل من أن ثمة ثقافة توحيدية سبقت النبي محمد واخذ عنها أفكاره بل ألفاظه حتى وأصدرها باسمه في القران. يربط المؤلف بين كلام النبي والكلام المنقول عن قس بن ساعدة فيصل البرهان إلى تأثر النبي بهؤلاء وغيرهم وصولا إلى بث بذرة انتماء القران إلى التأليف المحمدي لا النزول الإلهي، ورغم خطورة الفكرة إلا أن التناول انزاح إلى طريقة مفضوحية الأطراف؛ لان المقريزي هنا لا يدرس التاريخ واللغة حسب ( كما يفعل نصر حامد أبو زيد مثلا ) ويقارن بل يأخذ محمد وتاريخه إلى قاعة محكمة وصولا إلى إصدار الحكم الذي أثبتته المقدمة. المنهج هيأ النتيجة سلفا وها هو يجاهر بها بين آن وآخر مبرهنا عليها بوثوقية مستعينا بجمهرة من المصادر التي تتراوح بين الأغاني، والسيرة الحلبية، وشعراء النصرانية مما سندرسه في حقل المصادر والمراجع لاحقا.
واعتمادا على السيرة النبوية لابن هشام نتعرف عن قرب على ورقة بن نوفل وأشعاره. تنبثق إحدى التساؤلات المهمة : ( العرب يحفظون الشعر ويرددونه ويدونونه وظهرت معلقات عنترة وغيره ممن مات قبل ورقة بكثير ؛ فلماذا ظهرت أشعار عنترة وغيره وطمست أشعار ورقة والموحدين غيره قبل محمد؟ )..هذا السؤال صدى لتساؤلات الكثير من الاستشراقيين حول شحة المعلومات التاريخية للجزيرة العربية قبل الإسلام، وتاسفات محمد اركون حول ضياع معرفة ما حصل بسبب غياب الوثيقة، وتوازيا مع ذلك يذهب شاكر النابلسي إلى السبب بقوله (من الصعوبات التي يواجهها الباحث في هذا الشأن، إشكالية أنه قد تمَّ التعتيم على تاريخ ما قبل البعثة المحمدية تعتيماً يكاد يكون تاماً على اعتبار “أن الإسلام يجبُّ ما قبله”، أي أن الإسلام يُلغي ما قبله، ولم يكُ بين أيدينا غير شعر ما قبل الإسلام (ق.س)، وبعض روايات الإخباريين، وهذا هو حال صراع الأيديولوجيات في التاريخ، فكلما جاءت أيديولوجيا ألغت سابقتها، ورمتها بالجهل والتخلف والانحلال، وتصدرت هي واجهة التاريخ وحدها، وكأن كل ما سبقها جهلاً وجهالة وسفهاً وسفاهة، ومن العهود البائدة، والأزمنة الفاقدة – المال والهلال: ص 11) ..فالتاريخ يكتبه المنتصر، وينفي أو يحاول نفي كل ما يغاير موازين القوى الجديد أو البناء العقائدي المهيمن.. يدعونا هذا التساؤل إلى قراءة مصداقية الوثيقة التاريخية المتوفرة من مصادر أصحاب المصلحة الرئيسيين..
عودة إلى ورقة فان المؤلف عبر سلسلة الأسانيد يذهب إلى انه كان يكتب للنبي أو يتلو عليه بدليل انقطاع الوحي بعد وفاة ورقة ( لماذا انقطع الوحي بعد موت ورقة؟ لماذا الحزن والجزع بعد موت ورقة؟ لماذا اقدم محمد على الانتحار مرارا بعد موت ورقة وانقطاع الوحي إذا كان مؤمن بأنه نبي ولم يخالطه الشك؟).. وكل هذه التساؤلات مبنية على روايات عديدة..مما يرشح إلى الذهن احتواء التراث على الشيء ونقيضه، وقدرة المنهج على إيجاد العلل بكل طريقة ممكنة، فالتأويل في نهاية المطاف مجرى نهر يتم سوق الماء إليه من الجداول القريبة والبعيدة : (عن عائشة قالت حديث طويل أن خديجة أتت بالنبي إلى ورقة بن نوفل وهو ابن عمها كان أمراء تنصر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العبراني فيكتب بالعربية من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب فلما مات ورقة فتر الوحي(انقطع) حتى حزن النبي فيما بلغنا حزنا غدا منه مرارا كي يتردى من رؤوس شواهق الجبال لكي يلقي بنفسه فيتبدى له جبريل فقال يا محمد انك رسول الله حقا فإذا طالت فترة(انقطاعه) الوحي غدا لمثل ذلك..). بمعنى ان مصادر القران تتراوح بين ورقة في الجزء الأول من النصوص القرآنية ومجموعة من الشعراء والخطباء الموجودين زمن محمد وقبله وهو ما تناوله معروف الرصافي بحرفية اكبر في طرحه لموضوع الشواغل الأدبية والفكرية والدعوات النبوية قبل النبي محمد في الجزيرة العربية.
وبعد البحث الاجتماعي النفسي في علاقة محمد بخديجة، وبعد بحث السرقات الأدبية المنسوبة إليه من معاصريه وسابقيه، يلجأ المقريزي إلى الدخول إلى أعماق الميتافيزيقيا بطرحه للتساؤل : من هو جبريل؟ وما هي صلته بالأساطير السائدة والحالات المماثلة في عصر ما قبل الإسلام. وقبل ولوج الموضوع يحيل إلى النتيجة مسبقا: محمد استخدم جبريل لأغراضه الخاصة وتحديدا لتنظيم علاقاته و إخفاقاته العاطفية مع النساء ( عائشة ، زينب بنت جحش، وماريا القبطية… ). وهكذا توضع العربة قبل الحصان ويخف فضول القارئ وذلك بسبب تجهيزه بحكم نهائي قاطع وجازم و ما الصفحات التالية إلا برهان على هذا الحكم.
ولان المواضيع متعددة متشعبة ينتقل القارئ من حالة إلى أخرى ومن حكم خطير إلى آخر بتمهيدات من الحديث والسنة والسيرة مرهونة بتعليق حاد واستهزائي متشكك تارة وتارة بإثارة التساؤلات المنطقية؛ لكن الروي يتم دائما دون بحث صحة الرواية حسب القراءات الإسلامية وقوة سندها.. فالمقريزي يقبل بكل رواية خاصة اذا كانت قابلة للنظر إليها من زاوية غير المعترف، إطلاقا، بنبوة محمد أو المشككة أخلاقيا به. فيما يخص جبريل، يميز محمد في أحاديثه بين الملاك الذي يأتيه وبين الشيطان، وحين ُيسأل: هل له شيطان هو الآخر، يقول نعم لكنه اسلم، أو في أحسن الفروض لا يقدر عليه لان الله يحميه. من هذه الفكرة ينطلق المؤلف لدحض صدقية النبوة. وجبريل برمته- حسب الكاتب- اختراع خديجة (الغرض ادعاء وتفاخر )، مع أن الشكوك الأولى تقود إلى كونه اختراع محمدي لتحقيق غاياته :جنسية عاطفية بدءً ثم سياسية زعامية بعد ذلك.( خديجة هي التي طرحت فكرة النبوة وفكرة جبريل لتظهر زوجها على الآخرين). يتم التركيز على جبريل لان إثبات عدم وجوده واختراعه سينسف الأساس الذي اعتمده محمد وبنى حركته الدينية والاجتماعية عليه، لذا يستطرد المقريزي في حكاية القصص ( كلمة قصة لها مغزى ) التي تجمع بين مستويين ثابتين: مستوى جمع الروايات القابلة لتعميق الشك، وتفسيرها – كمستوى ثان- بتهكم وإشارات تحيل التقديس الإسلامي لرجله المؤسس إلى نكتة. وفي ذلك بناء على الأثر السيكولوجي للسخرية على المسلم. من التقديس الكامل إلى السخرية الكاملة حقل اهتزاز وصدمة مفاجئة يعول عليها المقريزي في رج الإيمان لا حسب تحليل منطقي عقلاني فقط بل وتقليص حجم المقدس واستصغاره كخطوة أولى لاعتياد التصغير والتحجيم، ثم الغاؤهما دفعة واحدة بعد ذلك. الروايات التي تسرد معروفة وأهمها وأكثرها إثارة للجدل ( سورة النجم ) وما حدث من خطأ محمدي في القول ( تلك الغرانيق العلى، إن شفاعتهن لترتجى ). تأسيس الشك يتجوهر حول الهوة بين قول النبي انه محصن من الشيطان وبين وقوعه في رواية ما همس به الشيطان له من مدح لآلهة قريش، وما تلي ذلك من تأنيب الله لنبيه في آيات أخرى، وكذلك قوة الشك في إمكانية نجاح الشيطان مرة وأخرى مع محمد ووقع الظن بآيات شيطانية كما تناول ذلك، روائيا، سليمان رشدي في كتابه المثير للجدل (ايات شيطانية )… استنتاجا يقول المقريزي : ( نعم لقد تمكن الجن والشيطان من محمد بل دفعه إلى السجود للأصنام ). ونتيجة لوقوع الكتاب في دوائر متشاكلة ومعقدة من الروايات والمواضيع يضطر إلى الاختصار، وطرح الرواية سريعا والتعليق عليها سريعا دون النظر في وجهات النظر المختلفة والمباينة، عبر خلاصة للقصص التي يسوقها من قبيل (خلاصة القصة محمد يؤكد مرة أخرى على إن الجن والشيطان قد مسه؛ خديجة لا توافق محمد على أن الجن مسه لماذا؟ ورقة بن نوفل يؤكد أن محمد نبي هذه الأمة(عرب الجزيرة) وسوف يؤمن به لكنه مات ولم يؤمن!!!)..وعبر إعادة التأكيد على شك محمد بنفسه واعتقاده انه مجنون أو شاعر أو مسه الجن وربط كل ذلك بإعادة التأكيد المستمر من القران لنفي هذه الهواجس (فَذَكِّرْ فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ ولا مَجْنُونٍ (الطور29) وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ (الحاقة42) ) وكذلك عبر التأكيد على ان مسالة الجن في ذلك الزمن كانت معتادة ومتكررة وقد حصلت لآخرين غير محمد، يخلص المقريزي الى ان القران هو الهواجس التي تتصارع محمد ( يلاحظ النظرة الاستشراقية التي يعتبر الكتاب خلاصة لمعظم اطروحاتها ): ينفي فيها ما يشط فيه، يحقق فيها رغبته ورغبة خديجة و فكرة ورقة والروايات المنتشرة عن خروج نبي من صحراء جزيرة العرب، أي تمثل محمد تلك الأساطير واعتقد بنبوته ( يعقد معروف الرصافي عشرات الصفحات، إن لم يكن الكتاب بأكمله للبرهنة على هذه الفرضية ).
يرد في القران والسيرة أن قريش اتهمت محمدا اتهامات عدة اشهرها و أكثرها أثرا ( الشعر، الجنون، الكهانة ) رابطة الكتاب النثري الكبير بسجع الكهان الذي كان منتشرا ومألوفا زمن محمد. وهي عودة للصلة في مصادر القران ونسبتها هذه المرة لمقولات متشابهة مع القران مع أسبقيتها عليه كقول سطيح الكاهن (اقسم برافع السماء ومنزل الماء من العماء انه مبطل الدماء ومنطق العقائل نطق الإماء قال(الملك)إلام يدعو يا عفيراء؟ قالت إلى صلاة وصيام وصلة أرحام وكسر أصنام وتعطيل أزلام واجتناب آثام) اعتمادا على مصدرين ( نهاية الإرب، والسيرة الحلبية)..مما يتكرر خاصة السيرة الحلبية في معظم الكتابات التي تتناول الإسلام واجدة فيه ما يمكن أن يلقي الضوء على أسانيد تاريخية للفكر الناقد. وفي ربط ما بين العلمي والأسطوري يقارن الكاتب بين ما ورد في القران (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ 5 (الملك67: 5) ) بقوله : ( نعم هذا تخيل البدوي الصحراوي وتحليله لظاهرة يراها في لياليه المظلمة. ترى هل هذا كلام الله؟ هل نستطيع أن نواجه به العلماء الذين اثبتوا بالدليل القاطع أن أقوال القران عن الشهب لا تعدوا عن كونها خرافات ليس إلا؟!!! ). منهجيا، يتضح الانتقال الفجائي من الحديث عن جبريل ثم الشياطين وحسان بن ثايت وسجع الكهان وإسلام عمر إلى النظرية العلمية وكل موضوع بحاجة الى تعميق واظهار الادلة على ثبوته او بطلانه، لكن مسعى المقريزي في رصد اكبر قدر من الحجج، يدفعه الى تناول كل شيء يقع عليه في المصادر دفعة واحدة، وهو خلل منهجي جوهري، يكاد يهيمن على الكتاب انطلاقا من افتتاحيته وانتهاء بالخلاصة.
وللربط بين ما كان يعتري محمد قبل النبوة وما يعتريه بعدها يقتبس عن السيرة الحلبية : ( روى أبن أسحق عن شيوخه أنه صلعم كان يرقي من العين وهو بمكة قبل أن ينزل عليه القران فلما نزل عليه القرآن أصابه نحو ما كان يصيبه قبل ذلك هذا يدل على أنه صلعم كان يصيبه قبل نزول الوحي ما يشبه الإغماء بعد حصول الرعدة ويغمض عينيه وتربد وجهه ويغط كغطيط البكر.).. للخلوص الى النتيجة التي مفادها ان النبي محمد مصاب بمس من الشياطين والجن وليس لذلك علاقة تذكر بالنبوة. وتعبيرا عن وجهة النظر التقليدية التي تنسب كل رواية للاسرائليات ( أي المقحم لغرض عقائدي وسياسي ) يؤكد مؤلف المجهول في حياة الرسول على أنه ( قد يقول البعض كذب ونطعن في صحة هذه الكتب فهي إسرائيليات وخزعبلات وخرافات أحاديث مدسوسة أو مبسوسة. نعم يا صديقي ربما غاب عنك إنها إسلاميات وقرآنيات فالجن في القران واستراق السمع في القران وتمتع الجن بالإنس في القران والجن المؤمن المسلم في القران!!!) ويورد مجموعة من الآيات القرآنية المؤيدة لوجهة نظره ( الحجر، الجن ، الأنعام ).



#صالح_عباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المجهول في حياة الرسول : (قراءة في المنهج) ج1
- لمحات ادبية في التاريخ الاسلامي: كتاب لا ضلال بعده
- حرب المبشرين في وقعة الجمل
- لمحات من التاريخ الاسلامي: عائشة تقول لمحمد : الله يسارع في ...
- لمحات ادبية في التاريخ الاسلامي : المهدي المنتظر


المزيد.....




- صلاة الجمعة الثالثة من شهر رمضان.. الاحتلال يعيق وصول المواط ...
- السعودية.. الأمن العام يوجه دعوة للمواطنين والمقيمين بشأن ال ...
- صلاة راهبة مسيحية في لبنان من أجل مقاتلي حزب الله تٌثير ضجة ...
- الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول فيديو إمام مسجد يتفحّص هاتفه ...
- كيف يؤثر التهديد الإرهابي المتزايد لتنظيم الدولة الإسلامية ع ...
- دولة إسلامية تفتتح مسجدا للمتحولين جنسيا
- فيديو البابا فرانسيس يغسل أقدام سيدات فقط ويكسر تقاليد طقوس ...
- السريان-الأرثوذكس ـ طائفة تتعبد بـ-لغة المسيح- في ألمانيا!
- قائد الثورة الإسلامية يؤكد انتصار المقاومة وشعب غزة، والمقاو ...
- سلي عيالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على النايل سات ولا يفو ...


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - صالح عباس - المجهول في حياة الرسول: قراءة في المنهج ..ج2