أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - يونس زكور - الرأي العام: وقفة تأصيلية















المزيد.....


الرأي العام: وقفة تأصيلية


يونس زكور

الحوار المتمدن-العدد: 1760 - 2006 / 12 / 10 - 09:21
المحور: المجتمع المدني
    


لقد أصبح للرأي العام أهمية بالغة في عالمنا المعاصر، وتحول إلى ركن أساسي من أركان المجتمعات، فإذا كانت وظيفة الدولة هي إدارة المجتمع وتنظيم شؤونه، فإن الوقوف على أراء المواطنين وميولهم هي إحدى أبرز الوسائل التي تمكنها من هذه الوظيفة، لذلك أصبحت جل الدول وأنظمتها السياسية تعطي للرأي العام مكانة خاصة، وذلك عبر إقامة مراكز متخصصة، وفاعلة لدراسة الرأي العام، بهدف إدارته والتفاعل معه، للأن هذا يضمن لها الحفاض على استقرارها السياسي والاجتماعي.
ومن هذا المنطلق يلعب الرأي العام دورا كبيرا في عملية صنع القرارات داخل الدولة، إلا أن هذا الدور يبقى رهينا بمدى تمتع المجتمع بمعطى الحريات العامة، وكذلك بطبيعة النظام السياسي والفلسفة التي تحكم هذا النظام، فالحريات العامة هي التي تصون وتكفل الرأي العام، والنظام السياسي هو الذي يحدد حجم ومدى تفاعله مع آراء المواطنين وتوجهاتهم.
وعندما نتحدث عن دور الرأي العام في صنع القرارات السياسية، يجدر بنا التفريق بين نظام الحكم والنظام السياسي، فنظام الحكم هو ما تحدده النظم والقوانين الدستورية وهو الإطار المحدد لسلطات الثلاث، التشريعية والتنفيذية والقضائية، أما النظام السياسي فلا يقف عند هذه الحدود بل يمتد ليشمل القوى غير الرسمية، فإلى جوار السلطان الثلاث تمت قوى أخرى تعمل على تكوين النظام السياسي وتؤثر في كيانه وتحدد خصائص صنع القرار السياسي فيه، ومن بين أهم هذه القوى يوجد الرأي العام كإحدى القوى السياسية الفعالة داخل الحقل السياسي، حيث يعطي تفسيرا لكل حدث سياسي أحرزه المجتمع، ويقوم بدور مركزي في خلق الثقافة السياسية، وبلورتها وتطويرها، وبالتالي فهو يقوم بالتأثير في السلوك السياسي ويساهم في تحقيق التكامل القومي من خلال بلورة الهوية القومية وتقوية الترابط الحضاري وتحقيق التعبئة الاجتماعية والاتصال السياسي.
ومن خلال هذه المعطيات، يتبين أن الرأي العام يصب في صلب اهتمامات العلوم السياسية، ويشكل إحدى أهم موضوعاتها، وعلى هذا الأساس سوف نحاول الوقوف عند هذا الموضوع، وقفة تأصيلية من خلال الإجابة عن مجموعة من التساؤلات من قبيل: ما المقصود تحديدا بمفهوم الرأي العام؟ وما هي أهم الخصائص المميزة له؟ وكيف نشأ وتطور؟ وأين تتجلى أهميته؟ وما هي الصور التي يأخذها؟ وما هي الوظيفة التي يقوم بها؟ وكيف يمكن خلقه وهل يمكن قياسه؟
أولا: مفهوم الرأي العام وخصائصه:
لقد تعددت التعريفات التي تقوم حول مفهوم الرأي العام، ورغم أن السياق العام لهذه التعريفات، يبدو وكأنه ينم عن اختلافات معينة بينهما، إلا أنها في حقيقة الأمر تظل متجانسة ومتفقة على قواسم مشتركة تكاد تكون تامة، وما الاختلاف بينهما إلا نتيجة أن بعضها يحاول أن يقدم تعريفا شاملا و جامعا للمفهوم، بينما يكتفي البعض بتقديم العناصر التي تبدو جوهرية فقط، وفي هذا الإطار هناك من يعتبر الرأي العام بأنه تلك الفكرة السائدة بين جمهور من الناس تربطهم مصلحة مشتركة إزاء موقف من المواقف أو تصرف من التصرفات أو مسألة من المسائل العامة التي تثير انتباههم أو بمصالحهم المشتركة، في حين ينظر إليه البعض باعتباره،" الشعور الداخلي أو النزوع من قبل عدد من الناس إزاء قضية عامة" وعرفه "فلويد أولبورت" في مؤلفه "نحو علم للرأي العام" Towards a science of public opinion بأنه "تعبير حجم كبير من الأفراد عن آراءهم في موقف معين إما من تلقاء أنفسهم أو بناء على دعوة توجه إليهم، تعبيرا مؤيدا أو معارضا لمسألة أو شخص معين أو اقتراح دي أهمية واسعة...بحيث تكون نسبة المؤيدين أو (المعارضين) في عدد ودرجة اقتناعهم وثباتهم واستمرارهم...كافية لاحتمال ممارسة التأثير على اتخاذ إجراء معين، بطريق مباشر أو غير مباشر اتجاه الموضوع الذي هم بصدده". ونظر إليه سعد عبد الرحمان باعتباره "محصلة للاتجاهات النفسية الاجتماعية ذات الدرجة العالية سالبة كانت أو هو موجبة، لأفراد جماعة منظمة، متمايزة التركيب اتجاه مشكلة محددة، تمثل نوعا من التوثر وعدم الاتزان في المجال النفسي الاجتماعي للجماعة". وهناك من المفكرين من نظر إلى الرأي العام نظرة أكثر شمولية و إعتبره" مجموعة الآراء والأحكام السائدة في المجتمع والتي تكتسب صفة الاستمرار والتي قد تختلف في وضوحها ودلالاتها، لكنها تصدر عن اتفاق متبادل وإدراك بين غالبية الأفراد، ذوى العلاقة، رغم اختلافهم في فهم أبعادها وإدراك درجة تمثيلها لمصالحهم المشتركة".
ومن خضم هذه التعاريف يمكن بلورة أهم الخصائص المميزة للرأي العام على الشكل التالي:
-الرأي العام يفترض وجود "جماعة ما"، قد تكون هذه الجماعة هي كافة أفراد المجتمع فيكون رأي عاما للمجتمع، وقد تكون جماعة جزئية تمثل قطاعا محددا أو عدة قطاعات من المواطنين فيكون "رأي عاما خاصا"
-وجود قضية معينة تتطلب إبداء الرأي اتجاهها، أيا كانت هذه القضية، عامة أو خاصة، ليدور الرأي العام حولها، ولتكون أساسا وجوده، ويشترط في هذه القضية أن تكون موجودة، في بيئة الجماعة ومتصلة بمصالحها، وأن تخلق حالة تأزم فعلية لها.
-وجود رأي للجماعة اتجاه تلك القضية سواء بالقبول أو الرفض، والذي يفصح عنه شفاهة أو كتابة، فالرأي العام يفترض عملية تفاعلية شعورية أو لا شعورية ( عقلية أو انفعالية) بين أفراد الجماعة المعنيين وبين الموقف أو القضايا المعنية.
-الرأي العام تعبير عن سلوك موحد لأفراد الجماعة المعنية، وهو بذلك لا يعبر عن علاقة جمعية لسلوك أفراد الجماعة (مجموع سلوكياته)، بل هو محصلة تفاعل تلك السلوكيات.
-الرأي العام في وجوده النهائي (النتيجة المعلنة)، تعبير عن طاقة عامة تساوي في شدتها وقوتها محصلة طاقات الأفراد المتفاعلين في الموقف المعني، وقد تكون الطاقة إيجابية مساندة وقد تكون سلبية مدمرة.
من خلال هذه الخصائص التي تؤثث مفهوم الرأي العام، يمكن الخروج بأن المقومات الأساسية التي لا يقوم الرأي العام إلا بتوافرها هي: المجتمع- المشكلة أو القضية- ثم التفاعل الجماعي. ومن خلال هذه المعطيات يمكننا تعريف الرأي العام بأنه" المحصلة النهائية الناتجة عن عملية تفاعل شعورية أو لا شعورية، سلبية أو إيجابية بين أفراد جماعة ما إزاء موقف أو مشكلة أو قضية معينة، وقعت أو ستقع في بيئتهم، مست أو ستمس مصالحهم المشتركة".
ومن خلال هذا التعريف يمكن القول بأن مفهوم الرأي العام هو مفهوم قديم قدم الجماعة الإنسانية، ومن ثمة قدم الجماعة السياسية، و هدا ما يجرنا إلى الحديث عن نشأة الرأي العام و تطوره.
ثانيا: نشأة الرأي العام وتطوره:
لقد ظهرت دراسة الرأي العام وقياس اتجاهاته وعوامل تكونيه، فقط في عصرنا الحديث، إلا أن هذا لا يعني أنه لم يكن هناك رأي عام في العصور القديمة، فالأمم القديمة عرفت الرأي العام وسعت إلى تكوينه بشكل مباشر عن طريق المناقشات والحوارات أو عن طريق الخطب السياسية أو الدينية أو الحربية التي يكون قصدها هو شحد همم الجنود وتحميسهم لظفر بقضية قد تتعلق بالعقيدة وقد تتعلق بالوطن، مما يدفع بالشباب إلى الانخراط في صفوف الجند، إلا أن الرأي العام في هذه العصور لم يكن منظما وموجها توجيها مبرمجا.
هذا وقد تعرض عديد من الفلاسفة عبر مراحل التطور الفكري لمفهوم الرأي العام وأبرزوه بشكل أو بآخر. وكان في بعض الأحيان يشكل محورا رئيسيا من محاور فكرهم، فاليونان عندما كانوا يجتمعون في جمعياتهم وساحاتهم العامة للحوار حول مسألة معينة، كانوا يستهدفون وجهة النظر النهائية التي سوف تفوز في النهاية، وهذا تأكيد على إبراز الرأي العام كسلطة عليا عندهم، وتجدر الإشارة أيضا في هذا الصدد إلى أن كل من أفلاطون وأرسطو لم يستخدما مصطلح الرأي العام بنفس المعاني التي يستخدم بها الآن، بل كانوا يتحدثون عن الرأي الجماهيري Mass Opinion وأهميته..حيث شكك أفلاطون في قدرة الجماهير وكفاءة رأيها.. وحاول أرسطو كما حاول الكثير من دارسي الرأي العام من بعده، تحديد المجالات التي يكون لرأي الجماهير فيها فعالية وكفاءة.
أما الرومان فقد كانوا يتحدثون عما أسموه" صوت الشعب" حيث يقولون " صوت الشعب من صوت الله"Vox die vox populi ، وقد أكد بعض المؤرخون على أن ذلك تأكيد لمعنى الرأي العام.
ويستعرض "بول بالمر" Palmer تاريخ المصطلح فيقول" يذهب كثير من الباحثين إلى أن الرأي العام في العصور الوسطى كان سلبيا... ولعل ذلك يرجع إلى السيطرة المطلقة للأحكام والمعتقدات الدينية... ومع ذلك فقد عرف العالم المسيحي عبارة الاتفاق العام commanis Sensus التي كان يستعملها أنصار البابا وخصومهم أنصار الإمبراطور لتعبير عن التقاليد السائدة والاتجاهات العامة للرأي العام في المناطق المختلفة المتنازع عليها.
أما التراث الإسلامي فقد تحدث هو الآخر عن "آراء الرعية" التي تحيلنا بشكل أو بآخر على الرأي العام، وقد نص القرآن الكريم على مبدأ الشورى" وأمرهم شورى بينهم" وكذلك قوله تعالى:" وشاورهم في الأمر" وقد روى ابن ماجى عن عبد الله بن عمر عن الرسول"ص" أنه قال:" اتبعوا السوادا الأعظم". وهذه الإشارات تحيلنا على أهمية الاهتمام برأي الرعية الذي يشكل في نهاية المطاف رأي عاما.
وفي عصر النهضة وحتى الثورة الفرنسية نجد أن الحديث كان منصبا حول " الإرادة العامة" وخاصة لدى" روسو"، كما أن مكيافيلي، في نصائحه الموجهة إلى الأمير ركز على ضرورة الاهتمام بما يتفاعل ويدور داخل الجماعة، كأساس لتعامل معها وذلك لضمان الاستقرار والتفوق والسطوة.
أما بعد ذلك فقد أصبح الحديث عن الرأي العام، حديثا واسعا، وإن كان يختلف الاهتمام به من مجتمع للآخر، فنجده يحضى باهتمام كبير في المجتمعات الغربية، وبينما نجده معدوما ومحاصرا في المجتمعات المتخلفة أو النامية، ونجده موجها ومنظما في المجتمعات الشمولية والسؤال الذي يطرح في هذا الصدد هو أين تتجلى أهمية الرأي العام في عصرنا الحالي؟
ثالثا: أهمية الرأي العام.
يحوز الرأي العام أهمية بالغة كقوة من قوى الوجود السياسي، فإذا كان الرأي العام يمثل تعبيرا سلوكيا ينبع من تفاعلات الشخصية العامة للجماعة أو المجتمع فإنه كما هو الحال في السلوك الفردي أو أي سلوك، لابد أن يتضمن طاقة، وقوة معينة تكون أصلا وأساسا لحركته، فإذا كانت هذه الحركة عامة( أي شعبية) ألا يعني أن قوة الدفع الحركي، أو قوة الطاقة المحركة لها تكون هائلة، ويصعب مقارنتها مع أي حركة فردية؟؟.
إزاء ذلك، تصبح قوة الرأي العام بمثابة الطاقة الفعلية التي يعتمد عليها وجود النظام وتطوره وازدهاره ( حيث يتمثل الرأي العام في صورة طاقة راضية عن النظام وقاعدة مشروعيته). أو التي تمثل الأساس في زعزعة النظام وتدميره واستبداله (حيث تبرز هذه الطاقة، كطاقة رافضة لنظام السياسي الموجود).
وبالطبع فإن هذا يعتمد في الحالتين على عنصرين هما:
أ‌- حجم أو درجة التفاعل الشعبي نفسه، وهل يبرز الرأي العام كمعبر عن الأغلبية الساحقة أو البسيطة... والعلاقة طردية بين هذا الأمر وقوة تلك الطاقة.
ب- عمق التفاعل نفسه، وهذا يظل محكوما بدوره ب:
*الحالة الانفعالية والمناخ العام داخل الجماعة إزاء القضية المعنية.
*الموقف أو القضية المعنية نفسها، ومدى حساسيتها بالنسبة لمصالح الجماعة.
*درجة تماسك أفراد الجماعة وتجانس مصالحهم بالنسبة للقضية المطروحة.
*فعالية قنوات الاتصال بين أفراد الجماعة المعنية.
ولكن، هل معنى هذا أن حركة واتجاه هذه القوة أو الطاقة غير مقيدة إلا بهذين العاملين؟
تفترض الإجابة عن هذا السؤال أخد طبيعة القوة المواجهة ذات الصلة بالموقف من الناحية الأخرى (السلطة) بعين الاعتبار أيضا، فقد تكون قوة رادعة مستعدة لردع اتجاهات الرأي العام، وربما تكون قوى ذكية وتحاول التدخل في اتجاهات الرأي العام بهدف تعديلها وتغييرها لصالحها، وربما وربما.. الأمر الذي يجعل الرأي العام يأخذ عدة صور.
إذن فماهي أهم الصور التي يمكن أن يأخذها الرأي العام؟
رابعا" صور الرأي العام:
-قد يكون الرأي العام صريحا وعلنيا، وقد يكون خفيا، وذلك يعود إما لأنه لم يجد الشجاعة أو الفرصة التي تمكنه من الإفصاح عن وجوده، أو أنه لا يوجد الظرف الذي يخلق تيارا فعليا من العلاقات بين الجماعات المختلفة ليصير الرأي العام قوة كبيرة تعلن عن نفسها.
-وقد يكون الرأي العام رسميا أو شكليا، وذلك عندما تقوم السلطة الحاكمة بتعبير عنه مدعية أنها تمثله وقد يكون الرأي العام حقيقيا حيث يمكنه أن يعبر عن نفسه.
-ومن حيث المكان قد يكون الرأي العام وطنيا حين يرتبط بحدود الوطن والدولة، وتكون قضاياه وطنية كالحرية والاستقلال والتنمية والعدالة، كما قد يكون الرأي العام إقليميا عندما يرتبط بمنطقة جغرافية معينة، ويكون تعبيرا عن آراء الشعوب في تلك المنطقة الجغرافية، كما قد يكون الرأي العام عالميا عندما يتعلق برأي شعوب العالم في قضية دولية أو إقليمية أو وطنية.
-كما يوجد رأي عام واقعي يعبر عن حقيقة واقع المشكلة المعينة، ويوجد أيضا رأي عام عاطفي يعبر عن التصورات العاطفية للمشكلة دون وقوعها.
-قد يكون الرأي العام دائما، وقد يكون مؤقتا وذلك حسب طبيعة القضية التي تثيره ومدى ديمومتها أو وقتيتها، وحسب عمق التأثر بهذه القضية.
وإذا كانت هذه هي معظم الصور إلى يمكن أن يأخذها الرأي العام، فماهي الوظيفة التي يمكن أن يقدمها ؟
خامس: وظيفة الرأي العام:
يمكن النظر إلى الوظيفة إلى يمكن أن يقدمها الرأي العام من زاويتين هما:
أ-زاوية تتعلق بالأفراد والجماعات أنفسهم.
ب- زاوية تتعلق بالنظام السياسي.
فيما يتعلق بالزاوية الأولى: فإن الرأي العام هو يأتي كتعبير عن تفاعلات مستمرة بين مختلف التيارات والآراء والاتجاهات المتصارعة في المجتمع، والذي ينعكس على السلوك الفردي و الجماعي تعديلا وتغييرا وصولا إلى حالة من الانسجام في البيئة العامة، واستجابة لحاجيات المجتمع المختلفة وبذلك يتوسع أفق الأفراد والجماعات، وتتوضح الأهداف والمصالح، وينفتح البعض على البعض الأخر ويتحرر من الفردية الضيقة ودائرة الانتماء الأصغر، وصولا إلى الأهداف العامة، كما أن هذا التفاعل والانفتاح، يوقظ الكثيرين من عدم الاكثرات بالقضايا العامة، وبذلك تذوب الفوارق العرقية والطائفية والطبقية وتوحد الصفوف إلى آفاق إنسانية عالية.
أما فيما يتعلق بزاوية الثانية، فإن تبلور الرأي العام سيؤدي إلى النتائج التالية:
-يعمل الرأي العام عمل الموجه لحركة النظام السياسي، فهو يقدم الدعم والتأييد حين تكون تلك الحركة متسمة بالمشروعية، كما يعمل عمل المعدل والمغير حين تكون الحركة غير منسجمة مع المصالح العامة.
طبق للنتيجة السابقة، فإن الرأي العام لا يعتبر ضروريا فقط لبقاء النظام السياسي وتمتعه بالفعالية، بل هو أيضا ضروري لخلق هذا النظام، وهذا ما ينسجم مع فكرة أن تكون السلطة وبالتالي النظام بمثابة التعبير عن الإرادة العامة للمواطنين، والإرادة العامة ليست إلا صورة من صور الرأي العام الشاملة.
-رعاية المثل الاجتماعية، ودعم قيم الأخلاقية للمجتمع، فالشعب الذي له جذور قيمية دينية وأخلاقية يرفض الخروج عليها لأنها تمثل الفضائل والممارسات الحقة، ويرفض أية محاولات للانتهاكها بأية وسيلة من الوسائل.
وأخيرا، كيف يمكن خلق الرأي العام؟ وهل يمكن قياسه؟
-سادس: كيفية خلق الرأي العام وكيفية قياسه:
هناك عدة وسائل تساعد على تعبئة الرأي العام وخلقه، وأهمها، الأحزاب السياسية القوى الضاغطة، السلطة السياسية وأخيرا وسائل الاتصال المختلفة (صحافة، إذاعة، تلفزيون..) وغيرها من الوسائل الأخرى المكتوبة.
أما أهم هذه الوسائل جميعها فهي وسائل الاتصال بصورها المختلفة، فأهم ما تقدمه وسائل الاتصال في هذا المجال، أنها تلعب أهم الأدوار من خلال احتكاكها بمختلف أوساط الرأي العام، حيث أنها تعمل على دراسة الاتجاهات العامة لمعرفتها بالنسبة لأية قضية قد يراد طرحها من قبل السلطة أو هي مطروحة فعليا داخليا أو خارجيا، ومن ثمة تقوم هذه الوسائل، وذلك حسب ظروفها بالعمل على تعبئة الرأي العام أو تعديله أو تكييفه وتطويعه...الخ.
بما ينسجم مع مصلحة كل وسيلة ومصلحة الاتجاه الذي تدعمه، فقد تكون وسائل الإعلام أو الاتصال ذات تبعية تامة للسلطة فيتم تسخيرها للتعامل مع الرأي العام بما يخدم أغراض السلطة، و قد تكون مستقلة عن السلطة وتابعة لجهات أخرى متعددة، (أحزاب أو قوى ضاغطة..) فنجد اهتماماتها متعددة وبالتالي نجد أن الرأي العام ممزقا بين هذه الاهتمامات المتعددة.
إما بخصوص قياس الرأي العام، فيمكن الإقرار بأنها ليس مهمة سهلة، وذلك لصعوبة تحقيق ذلك، ورغم تعدد المقاييس والمعايير التي يتم استخدمها لهذا الغرض فإنها لم تفلح في حل هذه المعظلة، ويظل أسلوب الاستفتاء العام رغم ما فيه من محاذير، أفضل هذه الأساليب، لكنه أسلوب شائك ومكلف، ومن الصعب إتباعه في الأمور الهامة جدا والمصيرية. خاصة في ظل تواجد شعوب وحكومات لازالت لم تستبطن قيم الديمقراطية.
يونس زكور
باحث في العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس آكدال الرباط.
1- أبو الحسن سلام، الإرهاب في وسائل الإعلام والمسرح، الجزء الثاني، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر، 2005 ص 37.
2- AL Fred De Grazia, the Elements of political science. A. Knapf. 1952.P126.the Same deffinition : IRISH Marian. D. And Prothro James w.the policies of AMerican Democrary, prentice Hall inc ,NJ.1965.P:136.
3 - Floyd AL part « Towards a Science of public opinion, » quarterly Vol. I No,1.P.23.
4- سعد عبد الرحمان، السلوك الإنساني، تحليل وقياس المتغيرات، مكتبة القاهرة الحديثة، 1971.ً 475
-5 عبد العزيز عزت، السلطة في المجتمع، القاهرة، 1947،ص 63-73 مأخوذ عن ذ.أحمد خشاب، الضبط الاجتماعي أسس النظرية وتطبيقاته العملية، مكتبة القاهرة الحديثة.ط 2.1968، ص 213.
6- ذ. عبد المعطي محمد عساف، مقدمة إلى علم السياسة، دار مجدلاوي لنشر والتوزيع، عمان الأردن، ط 2. 1987. ص 219.
7 - ذ. كمال المتوفي، الرأي العام( تعريف). في موسوعة العلوم السياسية. ص 534.
8- عبد المعطي محمد عسان، مرجع سابق، ص 219.
9- قحطان أحمد سليمان الحمداني، الأساس في العلوم السياسية، دار مجدلاري للنشر والتوزيع، ط 1. 2004 ص 346.
10-عبد المعطي محمد عساف، مرجع سابق، نفس المعنى: قحطان أحمد سليمان الحمداني، مرجع سابق ص 374.
11--ذ. عصام سليمان موسى، المدخل إلى الاتصال الجماهيري، أربد المملكة الأردنية الهاشمية، مكتبة الكتاني، 1986.ص 173.
12-لاحظ بخصوص هذه التفصيلات عن وضع الرأي العام في التراث القديم، ذ. رمزي طه الشاعر، النظم السياسية والقانون الدستوري، جزء الأول، مطبعة جامعة عين الشمس القاهرة 1977 ص 320.321.
13-عبد المعطي محمد عساف، مرجع سابق، ص 220.
14- أبو الحسن سلام، مرجع سابق، ص 222.
15-عبد المعطى محمد عسان، مرجع سابق.ص 221.
16-Palmer. Paul . A the concept of public opinion in political theory, Cambridge, Mass havard university, press. 1936.
17-ذ. أبو الحسن سلام، مرجع سابق ص ص ،222.223.
18- ذ. محمود عكاشة، تاريخ الحكم في الإسلام، دراسة في مفهوم الحكم وتطوره، مؤسسة المختار لنشر والتوزيع القاهرة، ط1-2002.ص ص 138.140.
19 - ذ. سعيد خمري، محاضرات في تاريخ الفكر السياسي(2)، ألقيت على طلبة الفصل الخامس، تخصص قانون عام، السنة الجامعية 2006.2005، الكلية المتعددة التخصصات آسفي.
20-ذ. عبد المعطي محمد عسان، مرجع سابق ص 220.
21- أنظر: سعد عبد الرحمان، مرجع سابق، ص 480.482. ، نفس المعنى.AL Fred de graZia, op.cit.pp.127.133.
22 - عبد المعطي محمد عسان، مرجع سابق، ص 222.
23--قحطان أحمد سليمان القحطاني، مرجع سابق، ص 347. نفس المعنى، عبد المعطى محمد عسان، مرجع سابق ص 222.
24 - قحطان أحمد سليمان القحطاني، مرجع سابق،ص 349
25 -نفس المرجع السابق،ص 351.
26-نفس المرجع السابق، ص 348، عبد المعطى محمد عسان: مرجع سابق، ص 222.
27--قحطان أحمد سليمان القحطاني، مرجع سابق، ص 357.
28-سعد عبد الرحمان، مرجع سابق ص. 484. 485. نفس المعنى:-IRISH Marian and Prothro, op. cit., pp :200.203.
29- قحطان أحمد سليمان القحطاني، مرجع سابق ص 356-357، نفس المعنى عبد المعطي محمد عسان، مرجع سابق، ص 224.
30- عبد المعطي محمد عسان، مرجع سابق، ص 225.



#يونس_زكور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإرهاب وإشكالية تحديد المفهوم
- العنف والإرهاب أية علاقة ؟


المزيد.....




- واشنطن تريد -رؤية تقدم ملموس- في -الأونروا- قبل استئناف تموي ...
- مبعوث أمريكي: خطر المجاعة شديد جدا في غزة خصوصا في الشمال
- بوريل يرحب بتقرير خبراء الأمم المتحدة حول الاتهامات الإسرائي ...
- صحيفة: سلطات فنلندا تؤجل إعداد مشروع القانون حول ترحيل المها ...
- إعادة اعتقال أحد أكثر المجرمين المطلوبين في الإكوادور
- اعتقال نائب وزير الدفاع الروسي للاشتباه في تقاضيه رشوة
- مفوض الأونروا يتحدث للجزيرة عن تقرير لجنة التحقيق وأسباب است ...
- الأردن يحذر من تراجع الدعم الدولي للاجئين السوريين على أراضي ...
- إعدام مُعلمة وابنها الطبيب.. تفاصيل حكاية كتبت برصاص إسرائيل ...
- الأونروا: ما الذي سيتغير بعد تقرير الأمم المتحدة؟


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - يونس زكور - الرأي العام: وقفة تأصيلية