أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - أمل فؤاد عبيد - ظهور الحركة الصهيونية وتحولاتها التاريخية















المزيد.....


ظهور الحركة الصهيونية وتحولاتها التاريخية


أمل فؤاد عبيد

الحوار المتمدن-العدد: 1760 - 2006 / 12 / 10 - 07:16
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


من المعروف تاريخيا أن أكبر تجمع لليهود..في القرن الثامن عشر والتاسع عشر .. كان موجودا في أوروبا .. وكان هؤلاء يعيشون في شبه عزلة عن العالم أو في إطار منعزل عن المجتمعات التي يعيشون فيها .. وكانت الجماعات اليهودية تعتبر هذا الانعزال نوعا من الحماية لها وليهوديتها .. لذا لم يكن ذلك الأمر بناء على قرارات رسمية صادرة عن الحكومات بقدر ما كان قرارا ذاتيا بالعيش في ( الغيتو ) فضلا عن الذهنية التي غذاها وسيج أسوارها الحاخامات والزعامات .. إذ أنه كان من نتيجة المعرفة التوراتية والتلمودية أن تكونت ذهنية تقوم على الاستعلاء من جهة والعزلة داخل أسوار الحي اليهودي " الغيتو " من جهة ثانية . ومن هنا نجد أن كل من التوراة والتلمود قد نجحا في تسييج العزلة الوجدانية والعقلية حول اليهود بادعاءات التميز الحضاري والنقاء العرقي .. وبهذا قد ساهم بتعميق شعور العزلة والعيش في مناخ تسوده المفاضلة عن الآخر .. والإحساس بالمفاضلة عليه .. إذ أن عزلة اليهود الاختيارية هذه جعلتهم لا يشاركون في الحياة الاجتماعية العامة للأوطان التي عاشوا فيها .. ومن ثم حافظوا على تقاليدهم وأعراقهم وكانت لهم محاكمهم ومجالسهم ومدارسهم الخاصة .
على أن بقاء التوراة والتلمود قد لا يكون راجعا إلى حكمته بل إلى ضرورته في " حفظ النظام والاستقرار بين جماعات تعيش في خطر دائم وسط عقائد معادية وشرائع أجنبية .. ففي الشتات كان على الكنيس/ ت ( المجمع ) أن يقوم بما تقوم به الكنيسة والحكومة .. وقد ربط الحاخامات بين أفراد شعبهم في وحدة متماسكة خلال جميع التقلبات والغير بإعطائهم بركة .. وأصبح التلمود المحكمة العليا .. لدولة غير منظورة " 1.
ومن الناحية الأخرى نجد أن يهود أوروبا الغربية ( السفارديم ) ومع ظهور الحركة العلمانية أخذت الجماعات اليهودية تتحلل من هذا الانعزال .. كانوا على عكس اليهود في شرق أوروبا ( الإشكناز ) .. فقد كانوا يعيشون بذلك الترابط العميق فيما بينهم على أن فكرة الاندماج بالشعوب الأخرى التي يعيشون بينها قد شاعت مع بدايات انتشار الحركة العلمانية وظهور ما يسمى بالقوميات .. وكانوا إلى جانب ذلك يعارضون فكرة أن اليهود في أوروبا يعيشون في منفى .. وأنه على العكس تماما من ذلك هو أن شعور المواطنة بينهم كان أقوة من أن تؤثر فيه مثل تلك الادعاءات والمزاعم المغلوطة .. ولعل عملية الذوبان الاجتماعي التي شهدها اليهود في أوروبا الغربية تعود في الواقع إلى طبيعة الحراك الاجتماعي التي شهدتها أوروبا في بدايات القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر .. والتحول الاجتماعي والاقتصادي الذي كانوا يعيشون فيه .. خاصة وأن ظهور الحركات القومية في أوروبا أخذ على عاتقه تشكيل الأمة أو محاولة إعادة صياغة مفهوم جديد للأمة .. والسعي إلى التجانس المجتمعي لها .. لذلك لم يكن اليهود الغربيون مبالين بما اصطلح عليه ( لإحياء القومي اليهودي ) وهم يهود أوروبا الغربية ( السفارديم ) .. على أنه وفي هذه الحقبة كان التحرير من الناحية الفكرية قد أخذ بشكل " ( الهسقلة أو الهاسكالاه ) وهي كلمة كانت تعني ( الحكمة ) .. ولكنها أصبحت في هذا السياق تعني أو ترمز إلى التنوير اليهودي .. أو تمرد عدد متزايد من اليهود على سيطرة اليهود الأحبار والتلمود .. وتصميمهم على أن يندمجوا اندماجا نشيطا في تيار الفكر الحديث " 2 .. خاصة وأن نشاط ( حركة التنوير اليهودي ) كانت قد تمحورت حول دعوة اليهود إلى تحطيم أسوار الغيتو والاندماج في المجتمعات التي يعيشون فيها .. وذلك في ظل التحولات العميقة التي كانت تشهدها أوروبا آنذاك على مختلف الأصعدة ..
ولقد لعبت هذه الدعوة استجابة من بعض النخب الثقافية اليهودية الرافضة لقبول الانعزال الغيتوي وأطلقت على هؤلاء صفة العلمانيين في مواجهة اتجاه الانعزال الذى رأى في الاندماج تبديدا للهوية اليهودية وتقويضا للانتماء أو هي في حقيقتها محاولة صريحة للقضاء على اليهودية في حقيقة الأمر . من هنا .. " وقع انقسام بين اليهود المتردين المقبلين على الحداثة .. واليهود المحافظين الذي شعروا بأن الولاء للتلمود والمجتمع اليهودي هو الطريق الأوحد للحفاظ على الوحدة الدينية والعرقية والأخلاقية للشعب اليهودي " 3.. ومن ثم فقد " أعانت التطورات الفكرية والاقتصادية والاجتماعية في أوروبا الغربية على تحرير اليهود وظهور ما يسمى بالهسقلة .. أو التنوير اليهودي " 4.. وهو الشيء الذي دفع إلى ظهور رفض واسع لدعوة المحافظين اليهود وفضلوا الاتجاه نحو تأكيد المواطنة والاندماج في المجتمعات .. خاصة وأن تيارات التغير والتطور التي نادت بها الثورة الفرنسية ومبادئ العدالة وحقوق الإنسان والحرية والمساواة والتي طرحتها على مستوى عالمي قد أثرت تأثرا كبيرا ومباشرا في حياة الجماعات اليهودية ودفعت من ثم بها نحو المزيد من الاندماج خاصة وأنها شملت جميع قطاعات المجتمع اليهودي .. خاصة وأنها أكدت على أن يكون الانتماء اليهودي انتماءا دينيا فقط إلى جانب أن التحرير السياسي النهائي للجماعات أو المجتمعات اليهودية " لم يأت إلا مع الثورة الفرنسية .. فقد احتواه ضمنا إعلان حقوق الإنسان الذي أذاعته الجمعية الوطنية في 27/8/1789 .. وفي 27/ 9/ عام 1791 وافقت الجمعية التأسيسية على إعطاء كامل الحقوق المدنية لليهود في فرنسا وجاءت جيوش الثورة أو جيوش نابليون بالحرية لليهود في هولندا في عام 1796 .. وليهود البندقية عام 1797 .. وليهود مابنز عام 1798 وفرانكفورت عام 1811 .. وهكذا اختتمت حقبة العصور الوسطى بالنسبة لليهود "5 .. وقد كان موسى مندلسون ( 1729-1786 ) من أهم الشخصيات التي كان لها دورها العام والفعال في حركة التنوير .. إذ أنه ألف كتابا عام 1783 أسماه ( أورشليم ) أو السلطة الدينية والديانة اليهودية .. " أعاد فيه تأكيد إيمانه اليهودي ,أهاب باليهود أن يخرجوا عن عزلتهم وانطوائيتهم ويدلوا بدلوهم في الثقافة الغربية .. وحث على الفصل بين الكنسية والدولة .. وأدان أي إكراه في الدين .. وذهب إلى أن الحكم على الدول يكون بقدر اعتمادها على الإقناع لا القوة " 6 .. ومن أهم أقواله أيضا " بأن اليهودية عقيدة دينية لليهودي أي يتبعها في حياته الخاصة .. ولكن عليه أن يندمج في الشعب الذي يعيش فيه .. وأن يأخذ بعاداته وثقافته " 7 .. مما تقدم يتضح لنا أ، حركة التنوير اليهودية قد قامت بمحاولة إزاحة الدين اليهودي عن موقع كمحدد رئيسي في مسألة الانتماء بين اليهود .. محاولة منها لترسيخ صياغة جديدة لانتماء جديد .
أما يهود شرق أوروبا وهم ( الإشكناز ) على العكس من ذلك الاتجاه التحرري .. إذ أن زعماء اليهود في أوروبا الشرقية كانوا يسعون في اتجاه مقابل لليهود في أوروبا الغربية .. إلى مقاومة نزعة الاندماج والمواطنة .. وقد عملوا جاهدين على بعث النزعات العنصرية والانعزالية وذلك من خلال إحياء أو ترسيخ ما أسموه ( الأمة اليهودية ) واعتبار اليهودية ( دينا إلى جانب القومية ) .. وأن الشعب اليهودي في حقيقته هو شعب مختلف عن غيره من الشعوب .. فهو فريد في نوعه .. ومقدسا في طبيعته .. فهم في الحقيقة ( الشعب المختار ) .
وفي هذا المناخ المنشق والمنقسم .. ظهرت الحركة الصهيونية متمثلة في ( أحباء صهيون ) .. وكان ذلك في ثمانينيات القرن التاسع عشر .. مركزة أهدافها الإستراتيجية على النقاط الثلاث وهي : محاربة الاندماج ومحاولة الإبقاء على التميز العنصري والنقاء العرقي .. إلى جانب السعي بجدية لخلق الشعور القومي والتأكيد على مفهوم الأمة اليهودية .. إلى جانب مخططها الأساسي وهو استيطان فلسطين .. وقد كان لهذه الحركة أو هذا الاتجاه أن يصطدم بشدة مع طرح الحركة التنويرية والإصلاح اليهودي التي كانت تنادي بنهضة اليهود وتطوريهم اقتصاديا واجتماعيا من خلال التأكيد على فكرة الاندماج داخل الدول التي يعيشون فيها وتحديد انتماءهم بتبعية تلك الدول . من هنا كانت الحركة الصهيونية كرد فعل لتلك التحولات وعلى الأخص كرد صارم على طروحات حركة الاستنارة ومحاولة جادة لحل المسألة اليهودية في ظل التطورات الحديثة التي عايشتها الدول الأوروبية .. منطلقة من اعتبار اليهود عنصرا متميزا .. ومستقلا وغير قابل للاندماج أو العيش بسلام مع المجتمعات الأخرى . من ناحية أخرى قد نشأت الصهيونية مستندة إلى فيض الأساطير والميثولوجيا التي تأسست ذهنيا كنتيجة حتمية للتعامل مع التلمود الذي ملأ حياة اليهود بكثير من الرموز والعقائد ورسمت أيضا سلوكهم وجلبت عليهم عداء الشعوب الأخرى .. وقد كانت الصهيونية في بداياتها يغلب عليها الطباع الديني .. وهو ما يتقوم بالأمل اليهودي الكبير بعودة ( الماشيح ) في آخر الزمان ليعود بشعبه إلى أرض الميعاد ويحكم العالم من جبل صهيون .. وقد كانت الصهيونية الدينية ز. وراء إيجاد ذلك التقليد الخاص بالحج إلى الأرض المقدسة في العصور الوسيطة . وقد استخدم مصطلح ( الصهيونية ) بمعناه الحديث عام 1890 مع المفكر اليهودي النمساوي ( ناثان بيرنباوم ) .. الذي رفض التعريف الديني التقليدي للجماعات اليهودية باعتبارها جماعة دينية .. وهو التعريف الذي كان سائدا بين يهود العالم حتى نهاية القرن التاسع عشر .. وبدلا من ذلك تبني بيرنباوم تعريفا علمانيا يماثل بين القومية والعرق مع استبعاد الجانب الديني تماما .. وأصبحت الصهيونية حسب هذا التعريف بمثابة حركة البعث القومي اليهودي الذي يهدف إلى إنهاء حالة المنفى والشتات وعودة اليهود إلى أرض أسلاف تاريخهم .. وقد ترجمت هذه الأطروحة إلى الشعار العنصري المعروف .. ( ارض بلا شعب .. لشعب بلا أرض ) .
والصهيونية هي في أصلها كلمة مشتقة من لفظ ( صهيون ) وهو جبل يقع شرقي القدس وكان قد استولى عليه الملك داوود من اليبوسيين وأقام عليه قصره .. أما الصهيونية المصطلح .. فهو الصيغة السياسية المعاصرة لليهود والتي برزت بشكلها العلني أواخر القرن التاسع عشر .
والصهيونية كمفهوم فهي تتضمن مخزونا أيديولوجيا واستنهاضا تعبويا .. إنها إعادة أنتجا لليهودية في إطار صيغة مشروع وطن قومي لليهود .. وقد عبر ( بن غوريون ) عن ماهية الصهيونية فقال : " إن الصهيونية تستمد وجودها وحيويتها وقوتها من مصدر عميق عاطفي دائم مستقل عن الزمان والمكان .. وقديم قدم الشعب اليهودي .. هذا المصدر هو الوعد الإلهي والأمل بالعودة " 8 .. هنا نجد أن المخيلة الجماعية اليهودية قد عملت على إيجاد وكن قومي يهودي يكون مؤهلا لتأسيس دولة يهودية .. هذا الوطن هو صهيون .. فلسطين . ومثلما توفر الوطن القومي لجميع القوميات الأخرى كانت المخيلة اليهودية تحاول أن توفر لليهود فكرة تاريخية عن وطن كانوا فيه من قبل .. وهو بالتالي يجب العودة إليه الآن .. وأنهم عندما يتوفر لهم الوطن القومي فهم بذلك يؤسسون وطنهم التاريخي المترسخ في وعيهم الديني وهو صهيون / فلسطين .. وبالتالي أيضا كان بروز الفكر القومي معتمدا على فكرة الوطن التاريخي .. وأنه آن الأوان أن يكون لهم حق الاستقلال والسيادة مثل كافة الشعوب والدول الأخرى .. لذا كان من الضروري وجود حركة تقوم بتنظيم وتوحدي الشعب اليهودي وتحرير الأرض في إطار مفهوم جديد عن الوطن القومي اليهودي .. وهذا ما كان بغير الخطوة الأولى والأساسية للحركة الصهيونية في حل المسألة اليهودية كحركة توحيد وتحرير ومن ثم قيام قومية يهودية .
وعلى الرغم من أن الحركة الصهيونية في بداياتها كانت تعتبر حركة قومية أوروبية .. إلا أن من أهم ما كان يميزها عن بقية الحركات القومية الأخرى .. هو أنها كانت تسعى لحل المسألة اليهودية وإيجاد وطن لهم خارج وطنهم .. بخلاف الحركات الأخرى التي كانت تسعى للتحرر على أرضها وخلق قومية جمعية تعمل على تأكيد مفهوم أمة لها تاريخها ولغتها وفكرها .. كما أن الحركة الصهيونية اعتمدت في مسيرتها أو تكونت على الرابط الديني والتمسك بالطقوس الدينية والقانون الديني اليهودي ووحدة الخبرة اليهودية المشتركة في جميع أنحاء العالم .. وهي خبرة تاريخية غنية بمعنى التمايز والتفرد عن عالم الأغيار .. كما أن هذه الخبرة ما هي إلا خبرة شعب يعيش في عالم الغير .. ومن ثم فهو معرض للاضطهاد والتميز العنصري .. والقسوة والفناء ..ومن ثم أيضا كانت الحركة الصهيونية تعتمد في أساس تكونها على هذه الخبرة التاريخية وهي المكون الأساسي الذي يعتبر بديلا مشروعا عن ضعف الروابط الاجتماعية والدينية الأخرى بين يهود العالم ..في مختلف الأزمان والأمكنة .. لذا كانت الحركة الصهيونية تقدم مشروعها القومي في مواجهة صارخة مع حركة التنوير اليهودي ( الهاسكالاه ) .. فقد كانت تهدف إلى تجميع ( الغيتوات ) المنتشرة في العالم أو ما يسمى عادة ( الديسابورا ) أو الشتات اليهودي في ( غيتو ) واحد كبير يكون فريدا في نوعه وهو على حد تسميتهم ( إسرائيل الكبرى ) .
وفي مؤتمر بازل عام 1897 ظهرت الحركة الصهيونية رسميا وتم توحيد جميع بنودها مرتكزة على طبيعة النشاط التعبوي الذي كانت تقوم به الحركة الصهيونية وذلك باستنهاض الشعور القومي والعنصري لمنع اليهود من الذوبان أو الاندماج في المجتمعات التي تعيش فيها .. وربما كان لعدم وجود ما يوحد هؤلاء اليهود على مختلف أماكنهم اجتماعيا او/ واقتصاديا أو/ و ثقافيا أو/ و لغويا كان لا بد من وجود عنصر مشترك يعمل على توحيد هذا الشتات فكان لا بد من تشييد الانغلاق العنصري وادعاء التميز .. إذ انه كان لا بد من خطوة أولى وهي الانغلاق تليها خطوة تالية ألا وهي الاستنهاض والتحرك في طريق التأسيس والتمركز . كانت تلك هي البدايات الأولى لظهور الصهيونية على أنها كانت دائما هي المستفيد الأول من التحولات التاريخية .. وفي إطار رصد تاريخها نجد أنه من الضروري تحديد أهم التحولات التي عاينتها هذه الحركة .. وعملت على ترسيخها ونجاحها .. وصولا إلى المرحلة الأخيرة .
نقول ان البداية كانت في القرن التاسع عشر .. عندما كانت الحركات القومية في أوجها .. وعندما بادر ثيودور هرتزل بتقديم فكرته عن القومية اليهودية كان في ذلك متجانسا مع تلك الحركات القومية الأوروبية الصاعدة .. كما أنه ومن ناحية ثانية .. الحرب العالمية الثانية تعتبر من أهم العوامل المساعدة على تأسيس الفكر الصهيوني والعمل على ترسيخ هذه الحركة كمشروع سياسي وذلك عندما نالت مشروعيتها الدولية من خلال وعد بلفور البريطاني وذلك عام 1917 .. وما تناوله صك الانتداب البريطاني من تأكيد على حق اليهود في أرض فلسطين .. وحق الشعب اليهودي في إقامة دولته على أرض فلسطين .. وترسيخ قواعد الوطن القومي اليهودي .. إلى جانب ما حققته الحركة الصهيونية من الحرب العالمية الثانية بعد هزيمة ألمانيا .. وسقوط هتلر .. الذي كان المضطهد الأول لليهود ومن ثم كان هناك فرصة متاحة لمشروع الحركة الصهيونية والمطالبة بحق اليهود شرعيا في تأكيد قوميتهم . .. ومن ثم عاينت الحركة الصهيونية تحولا بيناً في توجهها .. إذ اعتمدت تحويل المعتقد الديني المتخيل في عودة اليهود جميعهم من الديسابورا إلى أرض فلسطين وتهجير كل من هو ليس بيهودي عن هذه الأرض .. نقول أنها حولت المعتقد الديني إلى " برنامج سياسي يلتزم بالضرورة بفكرة أساسية وهي أن اليهود يشكلون أمة متكاملة توجد في الشتات منذ تحطيم الهيكل على يد الرومان .. وهذه الأمة تنتظر الخلاص والعودة على يد المبعوث المنتظر الماشيح وهو الشرط التوراتي اللازم للعودة " 9 .. ومع التحولات التي شهدتها أوروبا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر .. وهي تحولات سريعة إلى الرأسمالية التوسعية التي اعتمدت في تحقيقها من خلال سيطرتها على المواقع الإستراتيجية في شبكة المواصلات التي تربط بين أوروبا وآسيا وإفريقيا .. ازدياد الحاجة إلى فتح أسواق جديدة لتصريف الإنتاج .. في هذه الحالة " توافقت أهداف الظاهرة الاستعماري والمخططات الصهيونية على فكرة الاستيطان .. وقد كان نابليون بونابرت أول من اقترح فكرة إقامة دولة لليهود خارج أوروبا ليكن في فلسطين .. "
ولا يقل هذا عما حققته الصهيونية في الحرب الباردة أيضا .. حيث أصبحت هناك مركزية وشرعية دولة إسرائيل وتمكنت من ثم من تحقيق هدفها الأكبر وهو إفراغ المنطقة العربية من يهودها .. وفي نهاية الأمر أتت بالمهاجرين اليهود من روسيا والدول الأخرى . وقد فجر هذا الوضع الجديد لليهود قضية كانت ومازالت من اخطر القضايا وهي مقولة الصهيونية بأن اليهود ( أمة ) .. خاصة وأن الحركات القومية التي تفجرت في العالم الغربي كانت تطرح منظورها وأهدافها على أساس ارتكازها إلى القوم .. وهذا ما كانت تهدف إليه الحركات القومية وهي توحيد القوم أو الأمة .. فقد ظهر الفكر القومي الجديد ونشأ وتبلور في عصر الثورة الفرنسية وهي الثورة التي أكدت كما قلنا من قبل على حق الأمم في الاستقلال والسيادة وأن كل أمة أو كل شعب من حقه أن يستقل على أرضه وأن يمارس السيادة على هذه الأرض .. وهذا هو المعنى الحقيقي للحركات القومية .. على اعتبار أن هذه الحركة تعمل على إنشاء نطاق جيوسياسي مشروع لتأكيد معنى السيادة والولاء والانتماء لمن هم أحق بها .. لتحقيق عنصر التمايز والفصل بين الأمم والأقوام . والحركة الصهيونية كانت قد نشأت في ظل هذا التوجه العام ضمن نزعة تحررية عالمية النشأة .. ولذا فقد كان لها لتأخذ معنى القومية كان لابد من تحقيق مبدأ ( الأمة ) .. أو أن اليهود يشكلون ( أمة ) حتى يمكن الاعتراف بها كحركة قومية .. لذا نجد أيضا أن الفكرة الأساسية للحركة الصهيونية هو أن اليهود يشكلون في الحقيقة ( أمة ) .. وهذه الأمة مثلها مثل غيرها أو مثل كل الأمم أو الشعوب الأخرى لها الحق في تقرير المصير وأن يكون لليهود دولتهم الخاصة بهم .. وهذا في حد ذاته يشكل أهم الفروقات البينية التي تمايز بين هذه الحركة والحركات القومية الأخرى .. إذ أن الأخيرة كان الهدف منها هو التوحيد والاستقلال .. وإقامة دولة أو أمة ذات سيادة حرة وهو ما خلق نوعا من التطابق بين القومية والسيادة التي تمارسها جميع الأمم الآن .
من جهة أخرى تستنتج من ذلك لماذا سعى اليهود إلى التشديد على الانغلاق العنصري والتميز وادعاء التفوق .. ذلك أن الشعور بفقدان الأساس الشرعي أو المقوم الأساسي لقيام حركة قومية مشروعة قد عزز هذا لدى اليهود الشعور بضرورة الانغلاق على الذات وهذا مطلب أولي وضروري لكي يمكن فيما بعد تفعيل العمل الجمعي واستنهاض القوى ترسيخ الشعور القومي فيما بين اليهود وذلك من خلال عملية تعبوية حادة تؤكد على الفصل والتميز وتحقيق الذات وليس الاندماج والمواطنة التامة اللتان تعنيان فقدان الهوية واضمحلال الشخصية اليهودية أو ذوبانها .
لذا كانت هناك ضرورة قوية لحركة تعمل على اتجاهين مترابطين متلازمين .. في ذات الوقت .. صهر كل التجمعات اليهودية في بوتقة واحدة تعمل على تشكيل وعي ووجدان موحد .. ثم عملية تهجير موسعة لكل اليهود في نختلف أنحاء العالم .. إلى أرض الميعاد المتمثلة في أرض صهيون أو فلسطين .
وهذه هي المرحلة الثانية بعد التعبئة والانغلاق والتمايز للصهيونية وكانت قد حددت الهدف المنشود وهو تحقيق دولة صهيون .. ليأتي بعد ذلك الخطوة الثالثة وهي أهم خطوة في المشروع الصهيوني .. وهي المرحلة التالية على الهجرة وتشكيل دولة إسرائيل .. وهي مرحلة لها توجهاتها الإستراتيجية الخاصة بها .. والمرتبطة بطبيعة المرحلة الجديدة .. وهو ضمان استمرار وجود اليهود وتأكيد البعد السياسي والسيادي لهذه الدولة .. ولئن كانت مقومات الدولة القومية هو وجود لغة واحدة وأرض واحدة وسلطة سياسية تؤكد الحق الشرعي في السيادة والحكم .. كان للحركة الصهيونية أن تعمل على إيجاد بدائل لهذه العناصر الضرورية لتشكيل دولة قومية .. فلم يكن من بديل سوى استخلاص عناصر تأكيدية من التقاليد اليهودية المتفرقة هنا وهناك.. فما كان منها إلا أن عملت على انتقاء عناصر حية من تواريخ اليهود لتشكيل كيان جماعي يهودي بداية في أوروبا ( بلد الشتات ) ثم بعد ذلك في دولة إسرائيل .. ثم إيجاد الأرض التي سوف تقوم عليها الدولة الموعودة .. فلم يكن سوى أن وظفت النص الديني في توحيد الوجهة نحو أرض فلسطين ( أرض صهيون ) .. على اعتبار أنها أرض الميعاد وهي أرض إسرائيل الكبرى .
من هنا نجد أن الأرض كانت تشكل أحد ابرز المقومات المكونة للمشروع الصهيوني في مقدمة ( آرتس يسرائيل ) وهي أرض الرب لأن الله يقطن فيها .. وأرض الميعاد التي ستعود إليها تحت قيادة الماشيح .. ثم هي الأرض المختارة التي تفوق قدسيتها أي أرض أخرى .. لارتباطها بالشعب المختار .. وتعاليم التوراة لا يمكن أن تنفذ إلا في ( آرتس يسرائيل ) والسكن فيها وهو بمنزلة الإيمان .. لذا فالاستيلاء عليها هو استرجاع وعملية تحريرية .. بل وفريضة إيمانية وعقيدة دينية . أما بالنسبة للغة فقد كانت اللغة العبرية .. هي اللغة المشروعة لتحقيق نوعا من التوحيد الديني في بداية الأمر .. لأنها لغة التوراة .. على أن تكون هذه اللغة هي اللغة الموحدة وهي اللغة القومية في البلاد .. والتي سوف تقوم بعملية صهر جماعي لكل اليهود على مختلف مشاربهم وجنسياتهم داخل مجتمع قومي كبير .
وكان بن جوريون ( مؤسس الحركة الصهيونية ) قد أكد على ثلاث مطالب أساسية لتحقيق المشروع الصهيوني .. :
أولا : أن يكون هناك تعبئة عامة تشمل يهود العالم لأجل تحقيق هجرة واسعة إلى إسرائيل / فلسطين
ثانيا : العمل على تطهير أرض الميعاد وتهجير كل من هو ليس بيهودي .. والعمل على تنشيط الاستيطان .. أو الشمولية .
ثالثا : العمل على تفعيل النشاط القومي بين اليهود .. من خلال إيجاد وتطوير سياسة تشمل الاقتصاد والمعرفة والثقافة العبرية .. وتشكيل عقل جمعي .. يؤكد على وحدة الشعب اليهودي .. إلى جانب تثقيف الجالية اليهودية في المنفى من أجل دمجها مستقبلا في إسرائيل .. وقد كانت الحركة الصهيونية موكول لها بأن تؤسس لهذه المخططات الثلاث والعمل على تحقيقها على أرض الواقع .. لذا كانت الصهيونية ومازالت المدبر الأول والمشرف والراعي الرسمي للدولة اليهودية منذ بداياتها وحتى الآن .. على أن يكون من مهامها الرئيسية والأساسية الأخيرة .. هي ضمان استمرار هذه الدولة وتفعيل النشاط اليهودي على المستوى القومي والعالمي بشكل مستمر .



#أمل_فؤاد_عبيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جيل دولوز بين الطبيعية والتجريبية وفقا لهيوم
- جيل دولوز والسؤال الفلسفي
- تهويمات على صدى الحقيقة .. لديوان - أف - للشاعر الفلسطيني مو ...
- قراءة على هامش الأدب والنقد
- الفقد .. شرخ في ذاكرة فلسطينية
- -إدارة الأفكار وإرادة المعرفة - الرهان المعرفي عند الكاتب عل ...
- مكونات اليهودية من وجهة نظر غربية
- - إدارة الأفكار وإرادة المعرفة - الرهان المعرفي عند علي حرب


المزيد.....




- فرنسا: الجمعية الوطنية تصادق على قانون يمنع التمييز على أساس ...
- مقتل 45 شخصا على الأقل في سقوط حافلة من على جسر في جنوب إفري ...
- جنرال أمريكي يوضح سبب عدم تزويد إسرائيل بكل الأسلحة التي طلب ...
- شاهد: إفطار مجاني للصائمين في طهران خلال شهر رمضان
- لافروف عن سيناريو -بوليتيكو- لعزل روسيا.. -ليحلموا.. ليس في ...
- روسيا تصنع غواصات نووية من جيل جديد
- الدفاع الأمريكية تكشف عن محادثات أولية بشأن تمويل -قوة لحفظ ...
- الجزائر تعلن إجلاء 45 طفلا فلسطينيا و6 جزائريين جرحى عبر مطا ...
- لافروف: الغرب يحاول إقناعنا بعدم ضلوع أوكرانيا في هجوم -كروك ...
- Vivo تكشف عن أحد أفضل الهواتف القابلة للطي (فيديو)


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - أمل فؤاد عبيد - ظهور الحركة الصهيونية وتحولاتها التاريخية