أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - صبحي حديدي - مَن يتذكّر ال -برافدا-؟














المزيد.....

مَن يتذكّر ال -برافدا-؟


صبحي حديدي

الحوار المتمدن-العدد: 1755 - 2006 / 12 / 5 - 10:45
المحور: الصحافة والاعلام
    


الأسلوب الرهيب الذي تمّ استخدامه في اغتيال الجاسوس الروسي السابق ألكسندر ليتفنينكو يعيد إلى الأذهان مناخات الحرب الباردة، بادىء ذي بدء، ثمّ المناخات ذاتها وقد امتزجت بطرائق عمل المافيا إجمالاً، وربما المافيا الروسية المعاصرة بصفة خاصة. وأعترف أن هذه الجريمة، وبعد أن ردّتني مثل الكثيرين سواي إلى أجواء عقود الحرب الباردة تلك، قادتني تلقائياً إلى زيارة واحد من أشهر وأعرق المعاقل الإعلامية والدعاوية في تلك الحرب، وأعني صحيفة الـ "برافدا".
.. أو ما تبقى منها الآن في الواقع، إذا كان قد تبقى فيها شيء من أعراف ماضيها الزاخر الحافل!
ذلك لأنّ زائر موقع الصحيفة على الإنترنيت، في الطبعة الإنكليزية، سوف يجد التالي على الصفحة الأولى: في الخبر الرئيسي تقرير يرجح يداً واحدة تقف خلف مقتل رئيس الوزراء الروسي الأسبق إيغور غايدار والصحافية أنّا بوليتكوفسكايا والعميل الروسي السابق ليتفينينكو. على اليسار، وفي زاوية الموضوعات الأكثر قراءة، نجد حكاية عن الشريط الذي يظهر برايتني سبيرز في مشاهد جنسية، وبيعه إلى صناعة أفلام البورنو بمبلغ 100 مليون دولار؛ وخبراً ثانياً عن خمسة أصناف من الطعام، هي الأكثر ضرراً، وثالثاً عن المفهوم الجديد لشركة "تويوتا"، وهل يميل أكثر إلى السيارة أم إلى الدراجة النارية؛ ورابعاً عن الحقائق العشر الأكثر طرافة، في ما يخصّ الثياب الداخلية...!
هل هذه هي الـ "برافدا"، دون سواها؟ كلا، بالطبع، ومن العبث أن يبحث المرء فيها عن رسوبات باقية من أيام زمان، ليس لأن الدنيا صارت غير الدنيا في روسيا وحيثما توزّع هذه الـ "برافدا" الجديدة فحسب، بل لأن المعارك المالية والقانونية الشرسة التي توجّب أن تُخاض من أجل بقاء الجريدة واستمرار الاسم ذاته اقتضت هذا الخطّ التحريري، وهذا الخطّ وحده بلا منازع. ومن الإنصاف القول إنّ قلّة قليلة فقط من أهل الحنين إلى الماضي والمتباكين على الأطلال هم وحدهم الذين يعيبون على هذه الـ "برافدا" انها لم تعد تمثّل تلك الـ "برافدا".
المرء، من جانب آخر، لا ينصف هؤلاء أنفسهم إذا لم يتفهم الأسباب العميقة، الوجدانية والتاريخية والعقائدية، التي تدفعهم إلى مقدار هائل من مشاعر النوستالجيا كلما قلّبوا صفحات الجريدة الراهنة، فلم يجدوا فيها ما هو أشدّ جاذبية للقرّاء من طرائف الثياب الداخلية! ذلك لأنّ الـ "برافدا" التاريخية لم تكن محض صحيفة سياسية، بل كانت أشبه بسجلّ وأرشيف وخزّان ذاكرة، سيما عند أولئك الذين ما تزال حميّة الماضي تغلي في عروقهم. لقد أسسها ليون تروتسكي في فيينا كصحيفة اشتراكية ـ ديمقراطية موجهة إلى عمّال روسيا، وصدر عددها الأوّل في أواخر 1908؛ ثمّ تحوّلت إلى ناطقة باسم اللجنة المركزية لـ "حزب العمال الإشتراكي الديمقراطي الروسي" بعد سنتين، بتأثير من تيّار فلاديمير إيليتش لينين الصاعد؛ وتوقفت عن الصدور في عام 1912، لأسباب تخصّ انقسام الحزب إلى بلاشفة ومناشفة؛ واستأنف البلاشفة إصدارها في مدينة سانت بطرسبورغ بعد أسابيع قليلة، واستمرت حتى العام 1914 حين أغلقتها السلطات القيصرية؛ وأخيراً، عادت إلى الصدور بعد ثورة 1917 مباشرة، واستمرّت حتى العام 1991.
تاريخ حافل لا ريب، ولعلّ الصحيفة عرفت من المصائر المتقلبة قدراً يكاد يفوق ما عرفه الحزب الشيوعي السوفييتي نفسه. وحين كانت أرقام توزيعها تتجاوز 11 مليون نسخة يومياً، كانت مصداقية الصحيفة تهبط إلى الحضيض في يقين الرأي العام، وكانت تحكمها علاقة تناسب معاكسة: كلما طبعت الصحيفة المزيد من النسخ، ازدادت الهوة بينها وبين الشارع. والمرء يتذكر أن الإعلام الرسمي السوفييتي كان يتوزع على صحيفتين أساسيتين: «البرافدا» (أي: الحقيقة) و«الإزفستيا» (أي: الخبر). وكانت النكتة الشعبية، الذكية والصائبة تماماً، تقول: في الـ "برافدا" لا يوجد "إزفستيا"، وفي الـ "إزفستيا" لا توجد "برافدا". والترجمة: جريدة الحقيقة لا تنطوي على الخبر، وجريدة الخبر ليس فيها حقيقة!
وبعد عام 1991، حين بلغت "بيريسترويكا" ميخائيل غورباتشوف مآلاتها المنطقية الأخيرة، جرى تشييع «البرافدا» إلى مقبرة التاريخ خمس مرات، كان بينها المرسوم الذي أصدره الرئيس الروسي السابق بوريس يلتسين وقضى بحظر الحزب الشيوعي ومصادرة أملاكه، وفي عدادها الـ "برافدا" بالطبع، لكنّ العاملين فيها أعادوا إصدارها بامتياز جديد يحمل الاسم ذاته. معركة أخرى شرسة احتدمت بين العاملين والمستثمرَيْن اليونانيين خريستوس وشقيقه ثيودوروس يانيكوس اللذين اشتريا حقوقها في عام 1992. وأمّا أحدث المعارك فقد وقعت بين الطبعة الورقية وطبعة أخرى إلكترونية تحمل الاسم ذاته، انطلقت على الإنترنيت سنة 1999 باللغات الروسية والإنكليزية والإيطالية والبرتغالية، وكانت بذلك أوّل مطبوعة روسية تعتمد مباشرة على الشبكة، وصارت الأكثر شعبية لدى الجمهور العريض.
الثابت الوحيد اليوم، في غمرة هذا التاريخ الصاخب المتبدّل، هو أن ضجيج الحرب الباردة وعجيجها اختفى تماماً، أو كاد، على الورق كما على الشبكة. ولأن التاريخ لا يعود إلى وراء، إلا لكي يكرر مهزلة كما كان كارل ماركس يقول، فإن من غير المرجح أن تعود أية "برافدا" معاصرة إلى احتضان حرب باردة من أيّ نوع، خصوصاً وأن ما يٌستانف من ذلك التراث تشهده مطاعم الـ سوشي" وليس المنابر والصحف والإذاعات.



#صبحي_حديدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لقاء بوش المالكي: البون شاسع بين النوايا والجثث
- قراصنة الكاريبي وذئاب المتوسط
- النظام السوري واغتيال الجميّل: شارع نقمة، وآخر نعمة
- العفونة والأيقونة
- التخصص في السلام السوري الإسرائيلي: كوميديا السلوك أم الأخط ...
- أصيص ديريك ولكوت
- بيت حانون في -الشرق الأوسط الجديد-: كاشف البربرية المعاصرة
- مالرو في سماء اليمن
- محاربة الفساد وسياسات الإفساد: نفخ في قربة مثقوبة
- بيكر وتمحيص الاحتلال: هل العود أحمد للعراقيين؟
- أوبئة إمبراطورية
- مأزق كردستان العراق: مغامرة صغرى داخل المغامرة الكبرى
- محمود درويش وقصيدة النثر
- بين الرقابة الذاتية وحرّية التعبير: هل أخرس الاسلامُ الغرب؟
- النبوءات حول بلقنة الشرق الأوسط: ماذا يتفكك؟ مَن يفكك؟
- في ذكرى إدوارد سعيد
- قمّة هافانا: ضحية تنحاز أم عولمة للانحياز؟
- شمشون انتحاري
- اليمن والانتخابات الرئاسية: في انتظار المسرحية الخامسة
- القادم أشدّ هولاً


المزيد.....




- صدمة في الولايات المتحدة.. رجل يضرم النار في جسده أمام محكمة ...
- صلاح السعدني .. رحيل -عمدة الفن المصري-
- وفاة مراسل حربي في دونيتسك متعاون مع وكالة -سبوتنيك- الروسية ...
- -بلومبيرغ-: ألمانيا تعتزم شراء 4 منظومات باتريوت إضافية مقاب ...
- قناة ABC الأمريكية تتحدث عن استهداف إسرائيل منشأة نووية إيرا ...
- بالفيديو.. مدافع -د-30- الروسية تدمر منظومة حرب إلكترونية في ...
- وزير خارجية إيران: المسيرات الإسرائيلية لم تسبب خسائر مادية ...
- هيئة رقابة بريطانية: بوريس جونسون ينتهك قواعد الحكومة
- غزيون يصفون الهجمات الإسرائيلية الإيرانية المتبادلة بأنها ضر ...
- أسطول الحرية يستعد للإبحار من تركيا إلى غزة


المزيد.....

- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان
- الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير / مريم الحسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - صبحي حديدي - مَن يتذكّر ال -برافدا-؟