أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - ناظم ختاري - محطات من أنفال به هدينان - المحطة الثالثة عشرة















المزيد.....

محطات من أنفال به هدينان - المحطة الثالثة عشرة


ناظم ختاري

الحوار المتمدن-العدد: 1755 - 2006 / 12 / 5 - 10:45
المحور: سيرة ذاتية
    


قلت في المحطة السابقة أن مجموعتنا كانت تتكون من حوالي عشرة أفراد ، وأؤكد هنا بأننا كنا أحد عشر فردا بالضبط ، ومما يؤسف له إنني لا أتذكر جميع من كان ضمن مجموعتنا ، والذين أتذكرهم هم كل من أبو أمجد و(أم امجد)* وخديدا حسين ( أبو داود ) وأبو أمل وأبو لينا و(رجاء)* وأبو حازم الإداري وفؤاد يلدا (أبو آيار) . ومن الضروري الإشارة إلى أن مجموعة أخرى متكونة من أربعة أنصار وهم كل من المؤنفلين (شاكر) شمو سليمان سعدون و(جمال ) جلال خليل حجي وكاميران من ألقوش الذي لأعرف اسمه الصريح إضافة إلى النصير زيا وهو من شيخان ولا أعرف أسمه الصريح أيضا ، كانت قد تحركت هي الأخرى من مه رانى إلى الده شت في نفس فترة انطلاقنا وذلك لغرض متابعة مصير عوائلهم من هناك ولكن هؤلاء الأنصار لم يكونوا على علم بوجهتنا و ما الغرض منها .

تحركنا من تلك القرية البديلة قبل غروب الشمس ، واضعين أمامنا في الحسبان أن نصل إلى القمة المشرفة على (هه سنه كا) قبل حلول الظلام وذلك لكي يكون لنا متسع من الوقت لاستطلاعها بصورة جيدة والعبور مبكرا للوصول إلى المحطة النهائية ، وإزاء هذا كان لابد لنا أن نحرص على السير في المناطق التي تكثر فيها الغابات الكثيفة لكي تساعدنا على المناورة في الحالات الطارئة وكان الوقت يمر سريعا فكاد أن نصل إلى نقطة نتوقف عندها من أجل مراقبة القرية ومحيطها حتى وجدنا أن مجموعة من المسلحين على يميننا بمسافة قصيرة ، كانت الرؤية بين هذه الغابات وفي مثل هذا الوقت المتأخر من النهار غير واضحة لأن الغروب كان قد حل و لم يكن من السهل أن يتعرف المرء سريعا على من يقابله على بعد مسافة كتلك التي كانت بيننا وبين تلك المجموعة ولذلك خرجت عدة أصوات سريعة من بيننا تقول رفاق جيش .. ومع هذه الأصوات اتخذنا وضعنا القتالي وتوجهت فوهات بنادقنا صوب تلك المجموعة ولكن سرعان ما تعرفنا على أفرادها .. فناديت .. توقفوا إنهم رفاقنا ... توقف الجميع دون الكثير من الأصوات خشية أن نكون قريبين من أحدى نقاط العدو ورأينا اثنان من هذه المجموعة يتراجعان سريعا إلى الخلف ولكن كل من زيا وجمال اقتربا منا بعد أن تعرفا هما أيضا علينا .. وبعد تنفسنا الصعداء سألنا عن رفيقيهما كان كل من شاكر وكاميران ، فأسرع إليهما أحد الرفاق وناداهما ولكن دون أن يتلقى منهما ردا فذهب عدد من الرفاق باتجاه نقطة تراجعمها إلى مسافة بعيدة فلم يجدوا لهما أي أثر .. لفترة زمنية ثمينة انتظرنا عودتهما ، ولكن دون جدوى في هذه المرة أيضا . لذا كان علينا أن نبدأ مهمتنا ومباشرة الاستطلاع وقد فقدنا وقتا كان يمكنه أن يساعدنا في استطلاع أفضل .. فخلال هذا الوقت الذي قارب النصف ساعة خيم الظلام على المنطقة تماما .. بعد هذا الاستطلاع وجدنا من الصعوبة بمكان اختراق خطوط العدو التي كانت تقع على طريقنا وتأكد لنا إن الإقدام على المواصلة والعبور من هذه المنطقة هي مجازفة قد تؤدي بأرواحنا جميعا .. وتحدث كل من النصيرين زيا وجمال عن محاولاتهم مساء أمس مع الرفيقين شاكر وكاميران لغرض العبور ولكنهم لم يجدوا فرصتهم في العبور بسبب هذه الكثافة من القوات التي يصعب اختراقها .

أصبح كل من الرفيقين زيا وجمال ضمن مجموعتنا من الناحية العملية .. وقررنا التراجع مرة أخرى في هذه الليلة على أمل تغيير وجهتنا في اليوم التالي فتراجعا هما معنا أيضا وكنا على أمل أن نجد كل من شاكر وكاميران في مكان ما من هذا الجبل ، أو أن يكونا قد تراجعا إلى المقر.. ولكن لم يكن ذلك أكثر من أمنية ... فقد ذهبا دون عودة إلى الآن لا أحدا يعرف ماذا حل بهما بالضبط .. ولكن من المؤكد أنهما من ضحايا هذه الحملة البشعة ... عدنا إلى حيث ما كنا أي إلى قريتنا البديلة في وقت ما من هذا الليل وسط تشاءم وضعف الثقة بقدرتنا على العبور أمام كثافة هذه القوات المسيطرة على كل نقطة من هذه المناطق ، فخيم كل حزن هذا العالم على وجه كل واحد منا .. هل سيكون موتنا هنا قبل أن نستطيع فعل أي شيء ...؟؟ ربما مر هذا السؤال في مخيلة كل واحد منا ... صحيح أن الموت كان مخيفا بالنسبة إلى كل واحد منا ولكنني أجزم إن الأغلبية تحدته وتحدت جبروت القائمين به من أجل أن تصون كرامتها وتقول للسلطة سنواصل ما بدأناه من كفاح حتى تتحقق أمانينا في سقوط الدكتاتورية ... فرغم إن كل إخفاق كان ينال منا الكثير إلا إن إدراكنا لوحشية النظام كان يدفعنا دائما للتغلب على تشاءمنا وإخفاقاتنا .. أتذكر كثيرا عندما كنت أتحدث فيها مع جمال وزيا في تلك الليلة وكيف يمكن لنا أن نقبل العيش كمواطنين من الدرجة الثانية ونستسلم لليأس ..

مضى الليل بعد أن عقدنا العزم على المواصلة في الليلة الثانية وتقرر تغيير مسارنا عبر طريق أخرى قد توصلنا إلى الجهة الثانية ، وفي نفس الوقت تقرر النهوض مبكرا للذهاب إلى مكان آخر للاختباء فيه نهارا من نفس هذا الحوض الجبلي لأننا شعرنا إن البقاء في مكان واحد لمدة يومين متتاليين سيعرضنا إلى مخاطر جدية .. ولذلك عملنا على تعبئة حقائبنا من جديد بما كان يمكن حمله وأشرت فيما سبق إن الطعام هنا كان وفيرا .. وبعد وجبة نوم وفي الصباح الباكر نزلنا إلى أسفل هذا الحوض ومعنا طعام مطبوخ جرى تجهيزه ليلا في أحد كهوف هذه القرية .. وجدنا هنالك واد يشرف على قرية ميزي التي تركناها وراءنا ولم يكن فيه أي ممر تختاره مفارز الجيش والجحوش للمرور عبره وكان يجري فيه نهرا صغيرا وكان المكان وعرا جدا .. وهذا ما دعانا إلى اختياره والبقاء فيه لقضاء النهار ، وهناك انتشرنا على مساحة صغيرة وعلى مجاميع تتكون من 2 أو 3 من الأنصار وجرى تنظيم الحراسات في مكان مرتفع يستطيع فيه الحرس مراقبة المنطقة ، وهناك شعرنا بالطمأنينة إلى حد ما لأننا لم نكن نتصور أن تقصد هذا المكان أية قوات من الجيش .. طبعا حسب قناعتنا .. لكونه كان بعيدا عن الشبهات تماما وكما أكدت إنه كان وعرا لا يمكن للإنسان التواجد فيه إلا اضطرارا.. ولكنه في وقت ما من هذا الصباح الذي كان يصادف 11-09 – 1988 و في حدود الساعة العاشرة منه استمعنا إلى صوت رمي متقطع كان يصلنا من القرية التي بقينا فيها لمدة يومين وخرجنا منها مبكرا منذ الصباح . أخذنا استعداداتنا ولكن ليس للقتال كما أوضحت ذلك في المحطة السابقة لأن إمكانيات ذلك غير متوفرة وإننا لم نفكر به قط كونه سيعرضنا إلى التهلكة من جانب ومن الجانب الآخر فنحن علينا أن نصل إلى الده شت لكي ينضم إلينا رفاقنا في المجاميع التي من المفترض أن تتحرك وراءنا وإن القتال كان سيفسد علينا أي خطط للتخلص من هذا الحصار .. ولكننا لم نترك المكان لعدم قناعتنا بإمكانية وصول هذه القوات إلى هذا المكان إلا أن الحرس أكد لنا أن الجنود قادمون نحونا.. لم نصدق ما كان يقوله الرفيق الحرس .. إلا بعد أن لمحنا جنودا من مسافة قريبة في نفس الوقت ينحدرون نحو موقعنا فأسرعنا بالصعود إلى الجهة التي كنا نتخذ منها مواقع استراحتنا .. وصل بعضنا إلى مسافة بعيدة نسبيا من الوادي ولم يتسع الوقت للبعض الآخر من الانسحاب صعودا بعدما أصبح الجنود في هذا المكان تماما حتى أضطر الرفيق أبو آيار النزول باتجاه النهر وهو نفس الإتجاه الذي تتوجه إليه هذه المجموعة من الجنود ، كنت مع كل من جمال وزيا وأبو أمجد وأم امجد أبعد مجموعة استطاعت الانسحاب من المكان صعودا .. هذا الصعود كان حادا جدا أثقل من كاهلنا بعد أن نالت المفاجئة الكثير من قوانا أيضا كنا نراقب المشهد وكان يترائ لنا الكثير مما كان يحصل من حركة الجنود في أسفل الوادي لأن المسافة بيننا لم تكن بعيدة وكان الأمر يشبه وكأننا معلقين في جدران بناية ضخمة وعالية يرى المرء من الأعلى ما يدور في الأسفل .. ومن هناك وجدنا جنودا يتسلقون نحونا وثم بعد خطوات ليست كثيرة وجدناهم يتراجعون ..عرفنا إنهم كانوا بين مجموعة من رفاقنا .. اندهشنا لأمر هذا التراجع ماذا حل برفاقنا . وثم نسمع صوت إطلاقة وتلاه صوت إطلاقة أخرى .. شاهدنا الضابط وسمعناه يأمر الجنود بالانسحاب .. بدأ الجنود ينسحبون في الجهة المقابلة كان الصعود حادا .. رأينا الجنود وهم يحملون أكياسا وحاجيات على أكتافهم سرقوها من القرية ... كان الجنود يجهدون جدا من أجل الصعود ... كنا نشاهدهم كيف كانوا يتسلقون وثم يتدحرجون ثانية إلى الأسفل مع أحمالهم ...لازلت أتذكر إن جنديا كان يحمل على كتفه ماكنة خياطة كان يتدحرج معها إلى الأسفل ... بصعوبة بالغة وصل الجنود إلى القمة ونحن لازلنا نراقب المشهد .. كان عددهم يقارب الــ 20 جنديا ... لا أتذكره جيدا الآن أو بالضبط ... كان الأمر مرعبا وأصبح انسحابهم بهذه السرعة أمرا غريبا ... لازلنا لا نعرف ماذا حصل ... قال لي جمال أنا ذاهب لجلب بندقيتي ، فأنا تركتها هناك ... ذهب جمال ولم يعد إلى حد يومنا هذا ... بحثنا عنه كثيرا لم نجده ... بعدما اختفى رتل الجنود وراء القمة نزلنا بسرعة شديدة لمعرفة ما حصل وما هي نتائج الطلقتين الوحيدتين ...؟؟ سألنا الرفاق الذين كانوا في الأسفل ماذا حصل... ؟؟ لم يكونوا يعرفون شيئا ... قلنا هل الجميع بخير ..؟؟ من كان هناك كان بخير .. ماذا عن الإطلاقتين ... قالوا الرفيق أبو آيار لم يجد متسع من الوقت فنزل إلى هناك .. وذهب الجنود بنفس اتجاه مكانه ... فنادى أحدهم إنه ميت سيدي ... قال الضابط أتركوه وانسحبوا بسرعة... دار هذا الكلام سريعا ... طلبت من النصير أبو لينا أن يرافقني إلى جهة أبو آيار فالتحق بي ... وفي زاوية محصورة و في حفرة ضيقة جنب مجرى النهر وجدناه ممدا ... تفحصنا جسده علمنا إنه استشهد .. بحثنا عن السبب وجدنا أثر رصاصة مسدس اخترقت رأسه ... ثم وجدنا ظرفها الفارغ بالقرب من جثته ... تفحصنا جسده بعد أن وصل عدد آخر من الرفاق من مجموعتنا وجدنا إن طلقة أخرى اخترقت ساعده الأيمن .. عرفنا إنها كانت رصاصة أحد الجنود أطلقها على ساعده من بندقيته الكلاشينكوف لكي يتأكد من مفارقته للحياة ... لا يجوز أن نتجمع هكذا ... علينا مراقبة الوضع فمن المحتمل أن تشن هذه القوات غارات بالطائرات ضدنا ... علينا أن نعمل من أجل دفن جثة الشهيد سريعا ... لم يكن لدينا ما نحفر به قبرا له غير بعض الحراب ... كان ذلك مهمة صعبة ... فوجدنا حفرة عميقة لم نكن قادرين على حفر واحدة شبيهة بها ... نقلنا جثة الشهيد فيها ... بكينا له بمرارة ... دفناه بكميات جيدة من التراب جمعناه من حولنا ..

عدنا لنرى ماذا حصل بعد ... فلم نجد بيننا ماعدا النصير جمال كل من أبو داود وأبو أمل أيضا ...فبحثنا عنهم مرة أخرى متسلقين الجبل دون جدوى ... لم نجد لهم أي اثر ... سألنا بعضنا إذا كان أحدا قد شاهدهما أثناء دخول الجنود لموقعنا ... بعض الرفاق أشاروا إلى جهة ما انسحبوا إليها ... بحثنا عنهما وعن جمال هناك ولم نجدهم هذه المرة أيضا .

إذن وصل الجنود إلى هذا المكان بعد أن ظلوا طريقهم ، والوادي الذي كنا نجلس فيه لم يكن فيه ممر للنزول عبره إلى الأسفل والتوجه شمالا نحو قرية ميزى ... فما تبقى منه كان عبارة عن قطع صخري عالي الارتفاع جدا ... وهذا كان أحد أسباب اختيارنا للمكان لأن القوات لا تستطيع الوصول إلينا من طرف ميزى والقرى الأخرى التي حولها أو بالقرب منها ... ولذلك عندما توجه الشهيد أبو آيار إلى هذا المكان انحصر فيه فكانت القطوع الحجرية على جوانبه قائمة على شكل جدران بناية عالية يستحيل تسلقها من الجهة التي أراد الشهيد إنقاذ نفسه ولما وجد ذلك وكان الجنود من خلفه قارن بين الموت على يد هذه القوات والموت على يديه ففضل الموت بيديه على الاستسلام والذل ثم الموت الشنيع في سجن من سجون الطغاة في نهاية المطاف ... وهكذا قتل نفسه بمسدسه الرشاش الذي كان سلاحه الشخصي ، فلم يكن قادرا على حمل سلاح آخر بسبب جروح سابقة في مكان ما من جسد ذلك الفنان الرائع والمتواضع ... حياته كانت لوحة تقاوم ... استشهاده كان لوحة تعكس العزم وتحدي الموت أضيفت إلى صفحات تاريخ حزبه ... وداعه كان لوحة حافظت على أسرار مجموعته من أجل المواصلة لتقدم أي شيء لبقية الرفاق المقاومين المحصورين .

كل تحدث عن الحادثة وعن ما رآه ... فقالت الرفيقة رجاء التي كانت مع رفيق آخر يراقبان الوضع خلف صخرة حولها بعض الشجيرات الصغيرة ، وكانا أقرب أثنين إلى مكان الحدث إن جنديا قال سيدي هناك بعض العصاة ... قال الضابط أذهب وأطلب منهم الاستسلام ... صعد عدة خطوات فوجد إن فوهة بندقيتين تلامسان صدره دون أي صوت ... فقال لهما... سلموا نفسكم ... وإذا ما تسلمون أنا رايح ... هكذا عاد الجندي سريعا ليهمس بشيء في أذن الضابط ... فأمر الضابط مباشرة بالانسحاب ... من الواضح إن الضابط فعل ذلك بعدما تأكد له إن هؤلاء لا يمكن لهم أن يستسلموا قبل الموت وإن الضغط عليهم وتعريضهم إلى خطر الإبادة سيدفع بهم إلى الدفاع عن النفس إلى آخر نفس فيهم وهذا يعني إمكانية إبادة مجموعة الجنود بسهولة على أيديهم .

كان حزننا في أشده على شهيدنا العزيز أبو آيار وكان قلقنا بالغا على رفاقنا المفقودين وفي نفس الوقت أشتدت حيرتنا ، وكيف سنتصرف بعد هذه الخسارة وخصوصا إن الوقت كان مبكرا بعد وكان يمكن لهذه القوات أن تخطط للنيل منا بشكل آخر مثلا عن طريق إعداد قوة كافية لفرض حصار علينا أو إعداد سرب من الطائرات ترمي بحممها على نقطة تواجدنا وبسبب ذلك انتقلنا إلى مكان آخر من هذا الحوض لكي يخطأ أي من هذين الاحتمالين المذكورين ونجنب أنفسنا مخاطرها .

طال انتظارنا على أمل أن يعود رفاقنا الثلاث المفقودين أي أبو داؤد وأبو أمل وجمال ولكن لم يحصل ذلك ، فقد اختار أبو داؤد وأبو أمل العودة إلى المقر وهذا ما عرفناه بعد أن نجحنا في الوصول إلى الده شت ، ونقلا إلى الرفاق في مه رانى أخبارا مشوشة عن ما حصل لنا ، إذ أكدا إن الجيش ربما أباد كل أفراد المجموعة عن بكرة أبيهم أو استطاع أسرهم .

وأما جمال فربما وقع أسيرا في مكان ما وفي يد هذه القوات التي كانت تنتشر في كل مكان من المنطقة ولا وجود لأي أثر له لحد هذا اليوم ، ومن الجدير بالذكر إن جميع أفراد عائلته وعائلة شقيقه أبو ماجد وعمه عيسى خليل راحوا ضحية هذه الحملة ، كما هو واضح في المحطة الحادية عشرة .

كان لمجمل الصعوبات التي بدأت منذ اليوم الأول من الحصار وإخفاقنا في عبور قرية هه سنه كا إلى الجهة الثانية لمدة يومين متتاليين وأحداث هذا اليوم تأثيرها الواضح على كل من تبقى منا ، فبدأ القلق واضحا على الجميع والذي تحول عند البعض إلى تذمر لم يكن بالإمكان معالجته من قبلنا لأننا جميعا كنا نواجه مصيرا واحدا لسنا نحن مقرريه بل الظروف المحيطة بنا هي التي تقرر هذا المصير.. ولكن كان كل ذلك يحتاج إلى إصرار لدى الغالبية وعقد العزم على المواصلة وهذا ما حرص عليه الرفاق في المجموعة رغم مآسيها . أجل .. كان لابد أن نخطط من جديد لعبور هذه الخطوط من القوات العسكرية التي كانت تتواصل في إرتكاب جرائمهما من حرق وتدمير وردم الينابيع ونهب ممتلكات السكان والبحث عن المجاميع المختبئة من قواتنا وقوات الأحزاب الأخرى .

تناولنا في هذا المكان بعض الطعام وبقينا فيه إلى ما قبل حلول الظلام بقليل حين استعدنا للتحرك نحو القرية نفسها والتي نهبها الجنود في الصباح والتي أوتنا لليلتين سابقتين وها هي الليلة الثالثة .. هناك في القرية بحثنا عن ما تبقى من مواد غذائية في بيوتها .. جهزنا حقائبنا من جديد لأننا فقدنا بعضا من طعامنا في مكان الحدث .. بقينا هناك إلى حوالي منتصف الليل وثم انتقلنا إلى مكان آخر ، كان مجموعنا لا يزال 9 أنصار ... حرصنا أن يكون هذا المكان بعيدا عن الشكوك ... أخذنا معنا ما يكفينا من الماء في أواني حصلنا عليها من هذه القرية ... كان المكان ذو كثافة عالية من الأشجار وفي منطقة بعيدة عن كل ممرات هذا الجبل وفي نفس الوقت كان يسيطر على مناطق واسعة من هذا الحوض يمكننا من خلاله مراقبة كل تحرك في مختلف الاتجاهات ... اتخذنا قرار البقاء لهذه الليلة هنا نظرا لحاجتنا الماسة إلى الراحة الجسدية ولاستعادة معنوياتنا وحيويتنا بسبب ما جرى لنا خلال النهار ومن ما كان يشبه بكارثة حلت بنا والتي عطلت من مجمل خططنا بهدف العمل في العمق سواء إختفاءا أم العبور إلى سوريا .

وسط هذه الغابة الكثيفة أعددنا لنا الأرض وافترشناها بأغصان أشجار البلوط وأوراقها للنوم عليها وقضاء اليوم الثاني وتناوبنا على الحراسة التي كانت تتكرر لكل واحد منا بين كل عدة ساعات .

ما تبقى من الأحداث سأرويها في المحطات القادمة .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

- (أم امجد)* من أوائل النصيرات ضمن الحركة الأنصارية للحزب الشيوعي العراقي في به هدينان وأدت مهامها كأي نصير وتحملت في بعض المراحل مسؤوليات حزبية في الوحدات الأنصارية ، فضلا عن تأديتها بعض المهام الحزبية في الداخل ، وهي زوجة الرفيق أبو أمجد .

ومن الضروري الإشارة إلى إنني لم أحاول استخدام أسماء الرفاق الصريحة ولا حاولت أن أعرفها ، ففضلت استخدام أسماءهم الحركية رغم إنني في بعض الأحيان أعرف هذه الأسماء الصريحة .

- (رجاء)* وهي أيضا من أوائل النصيرات شاركت في العديد من المفارز وتجولت معها في العديد من مناطق كوردستان وأدت مهامها الأنصارية على أكمل وجه انتقلت إلى الفوج الأول في مه رانى في فترة ما واستقرت كنصيرة ضمن ملاكه إلى فترة الأنفال وهي زوجة الرفيق النصير آشتي الذي اعتقد مع العديد من الرفاق إنها وقعت أسيرة بيد قوات الجيش أثناء هذه الحادثة في أعلاه.



#ناظم_ختاري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محطات من أنفال به دينان - المحطة الثانية عشرة
- ماذا عن الميليشيات ..! أليست إرهابية ..؟
- محطات من أنفال به هدينان - المحطة الحادية عشرة
- محطات من أنفال به هدينان - المحطة العاشرة
- أبا فؤاد يوارى الثرى
- المحطة التاسعة - محطات من أنفال به هدينان
- الممنوع الجديد في العراق الجديد ..!!
- !..حربكم قذرة .. الوطن يحترق بنيرانها .. أنتم تتحملون مسؤولي ...
- محطات من أنفال به هدينان- المحطة الثامنة
- محطات من أنفال به هدينان - المحطة السابعة
- محطات من أنفال به هدينان - المحطة السادسة
- محطات من أنفال به هدينان - المحطة الخامسة
- محطات من أنفال به هدينان - المحطة الرابعة
- محطات من أنفال به هدينان- المحطة الثالثة
- محطات من أنفال به هدينان - المحطة الثانية
- محطات من أنفال به هدينان
- محطات من أنفال به هدينان - ما قبل المحطات


المزيد.....




- فيديو رائع يرصد ثوران بركان أمام الشفق القطبي في آيسلندا
- ما هو ترتيب الدول العربية الأكثر والأقل أمانًا للنساء؟
- بالأسماء.. 13 أميرا عن مناطق السعودية يلتقون محمد بن سلمان
- طائرة إماراتية تتعرض لحادث في مطار موسكو (صور)
- وكالة: صور تكشف بناء مهبط طائرات في سقطرى اليمنية وبجانبه عب ...
- لحظة فقدان التحكم بسفينة شحن واصطدامها بالجسر الذي انهار في ...
- لليوم الرابع على التوالي..مظاهرة حاشدة بالقرب من السفارة الإ ...
- تونس ـ -حملة قمع لتفكيك القوى المضادة- تمهيدا للانتخابات
- موسكو: نشاط -الناتو- في شرق أوروبا موجه نحو الصدام مع روسيا ...
- معارض تركي يهدد الحكومة بفضيحة إن استمرت في التجارة مع إسرائ ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - ناظم ختاري - محطات من أنفال به هدينان - المحطة الثالثة عشرة