أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - يوسف جبارين - دستورٌ متساوٍ للجميع؟-















المزيد.....


دستورٌ متساوٍ للجميع؟-


يوسف جبارين

الحوار المتمدن-العدد: 1753 - 2006 / 12 / 3 - 10:43
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


"دستورٌ متساوٍ للجميع؟"

*عن الدستور والحقوق الجماعية للمواطنين العرب*

توطئة مركز مساواة...تصبو هذه الورقة الى أن تقدم تصورًا معينا للحماية القانونية المطلوبة للمواطنين العرب الفلسطينيين في اسرائيل في ظل محاولات جدية لوضع دستور رسمي من جهة ودعوات متواصلة لنزع شرعية المواطنة عن هذا المجتمع الذي بقي في وطنه رغم كل ظروف التشريد واحتلال باقي أجزاء الشعب الفلسطيني. لهذه الورقة أهمية خاصة كونها تطرح اقتراحات عينية لحماية المكانة القانونية، الفردية والجماعية، للمجتمع العربي الفلسطيني في البلاد.

تؤثر الظروف الاقليمية، بما فيها محادثات سلام او المواجهات بين الشعب الفلسطيني واسرائيل، على مكانة المجتمع الفلسطيني داخل اسرائيل، ويتوجب في هذه الظروف وغيرها وضع اقتراحات وتصورات يمكن اعتمادها في كل واحدة من المراحل التي قد تمر فيها المنطقة، بما في ذلك تأثيرات هذه المرحلة على مكانتنا.

أوكل مركز مساواة للاختصاصي الحقوقي د. يوسف جبارين بكتابة ورقة العمل اعتمادا على حوارات ونقاشات داخلية في مركز مساواة من جهة، وحوارات اولية مع لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية، أحزاب سياسية، باحثين وأكاديميين بما في ذلك حلقة دراسية حقوقية تم تنظيمها في مقر نقابة المحامين في الشمال. ونطرح نتاج هذا النشاط أمام مؤسسات وهيئات وفعاليات المجتمع العربي وذالك في خضم مناقشة الاقتراحات والرد عليها من مؤسسات تمثل الأغلبية اليهودية.

تستعرض الورقة في قسمها الأول بنظرة نقدية الوضعية القانونية القائمة اليوم وتطرح في قسمها الأخير طروحات مفصّلة حول الحقوق الجماعية التي تتوجب حمايتها قانونيا ودستوريا. فيما يلي ملخص القسم الاخير من الورقة.



- - - - - - - - - -


إنّ موضوع العلاقة بين اليهود والعرب في البلاد هو أكثر المواضيع توتراً في المجتمع الإسرائيلي عامةً. ويشكل هذا الموضوع أهم التحدّيات المصيريّة ضمن سيرورة بلورة دستور رسمي في اسرائيل، وذلك في ضوء الحاجة إلى الإجابة عن أسئلة مثل: ما هي العلاقات التبادليّة بين الأقليّة العربية - الفلسطينية وبين دولة إسرائيل؛ ما هي العلاقات التبادليّة بين الأقليّة العربيّة - الفلسطينية وبين الأكثريّة اليهوديّة؛ وما هي التسوية الدستورية التي ستحدّد تلك العلاقات للأجيال القادمة.
من وجهة نظر الأقليّة العربيّة في إسرائيل، الراغبة في الدفاع عن حقوق الإنسان والمواطن، يجب فحص أيّ دستور عتيد في إسرائيل، وفقًا للشكل الذي يصوغ به طابعَ هذه العلاقات. وما دُمنا نخوض في أكثر الشروخ احتقانًا، فمن الطبيعي أن يكون النقاش بصدده هو الأكثر حدّة. من هنا، فإنّ المشاركين في بلورة دستور في إسرائيل مُطالبون بإبداء رأيهم فيه، بكامل الجدّية والحذر، وبدافع من المسؤولية التاريخية والأخلاقية.
إنّ المعني بتشريع دستور ديمقراطيّ، يستند إلى الاتفاق الاجتماعي الصادق بين مواطني الدولة، يستوجب، بادئ بدء، شراكة حقيقية وكاملة بين كلّ مواطني الدولة في سيرورة وضع الدستور. ومن ناحية الأقليّة العربيّة، شأنها شأن كل مجموعة أقليّة في لحظة تاريخية كهذه، فإن أول الأسئلة ضمن سيرورة وضع الدستور هي ما إذا كان النقاش حوله، بجوهره، هو نقاش تشاركي ومتساوٍ. إنّ المعني بدستور ديمقراطيّ يستوجب نقاشًا جماهيريًا يكون بمقدوره الترفّع عن تفاوتات القوى القائمة اليوم في المجتمع الإسرائيلي بين الأكثرية اليهودية والأقلية العربية، بحيث لا تجد تعبيرًا لها ضمن سيرورة بلورة الدستور.
يشير الواقع الاجتماعي – السياسي في البلاد الى أن تفاوتات القوى بين المجموعتين هي هائلة، وعدم تحييدها في مرحلة تشكيل الدستور معناه سحب البساط من تحت أيّة محاولة للتوصّل إلى اتفاق حقيقي، يعكس أيضًا موقف الأقلية. إن الإجراء الدستوري الذي يكرّس انعدام المساواة العميق القائم بين المجموعتين السكانيتين، سيؤدّي، بالضرورة، إلى دستور يُخضع إرادة الأقليّة العربية لمصالح الأكثرية اليهودية. وسيكون هذا الدستور، أقلّ ما في الأمر، دستورًا بغير موافقة تلك الأقلية. وسيكون صوت مجموعة الأقلية غير مقبول وغير مسموع.، مما سيكرّس الشرخ القومي، القائم حالياً، لأجيال قادمة.
لم تكن، حتى الآن، مشاركة حقيقية للأقلية العربية في سيرورة وضع دستور عتيد. إنّ المصالح الجماعية للمواطنين العرب في إسرائيل ممثّلة اليوم عبر هيئة تشكّل ما يشبه السقف التنظيمي للجمهور العربي كافة – لجنة المتابعة العليا لشؤون المواطنين العرب في إسرائيل. ومنتخبو الجمهور العرب جميعًا، بمن فيهم رؤساء السلطات المحلية، أعضاء الكنيست وممثلو حركات وأحزاب عربية خارج الكنيست، منتظمون اليوم في هذا الإطار التمثيليّ. وبهذا، فإنّ لجنة المتابعة هي العنوان الجماهيريّ الطبيعيّ الذي يجب التوجّه إليه لغرض إجراء حوار جادّ مع الأقليّة العربية حول إرساء مكانتها في دستور عتيد. لكنّ حوارًا كهذا لم يجرِ بعد.
يجب عدم الفصل بين سيرورة وضع الدستور وبين مضمونه. فبالنسبة للأقلية العربية تثير مسألة المضمون سؤال الإطار الجامِع: هل يصبو الجدل حول المكانة الدستورية للأقلية العربية الى تحييد تفاوتات القوة بين بين اليهود والعرب في الدولة، أو الى تقليصها فحسب؟ هل يجري الحديث حول جدل حر ومفتوح يحاول ترسيم طرق لتحقيق مساواة حقيقية للأقلية العربية في المجتمع الاسرائيلي، أم أن المقصود هو جدل محدود، معرّف سلفًا، يتناول تحسين مكانة الأقلية العربية في القانون الاسرائيلي فحسب؟ بكلمات أخرى، هل غاية الدستور المنشود هي المساواة الجوهرية لمكانة المواطنين العرب بالمواطنين اليهود، أم أن الدستور سيكتفي بتحسين مكانة المواطنين العرب فحسب؟ هل سيكون هذا الدستور "مساويًا" أم "مُحسّنًا" فحسب؟
إن الإطار اللائق للنقاش حول المكانة الدستورية للعرب هو الإطار الأول، حيث كل شيء مفتوح للجدل والاستئناف عليه. وبالفعل، فإن اطار الوفاق الاجتماعي يوجب جعل أوجه الدستور كافة مفتوحة للجدل. إطار الوفاق الاجتماعي الحقيقي يوجِب "تدفقًا" حرًا ومتبادلا للأفكار والفِكَر. ومن المحظور في جدل مفتوح كهذا أن تكون مسائل بمثابة الطابو أو المؤسسة على بديهيات. يجب عدم منح أحد احتكارًا على الحقيقة أو على العدالة أو على الخير الاجتماعي الذي نطمح، نحن مواطنو الدولة، الى بلورته في الدستور.


*الحقوق الجماعية للأقلية العربية*
قبل أن نتوجّه إلى مناقشة موضوع الحقوق الجماعية، نبغي التأكيد على أن للأقلية العربية في إسرائيل مصلحة حيويّة في كسب الحماية الدستورية الكاملة لحقوق الفرد (الحقوق المتساوية للمواطنة - equal citizenship rights). إن حقوق الفرد هي الحقوق الكونية التي يستحقّها كلّ إنسان لمجرّد مواطنته في الدولة، وهي تنقسم إلى نوعيْن:
النوع الأوّل هو الحقوق المتصلة بالحرية، المسمّاة أيضًا، "الحقوق المدنية والسياسية"؛ أي حريّة المواطن في أن يقوم بنشاطات أو أن يمارس أفعالاً من دون تدخّل الدولة أو مضايقتها له، مثل: حرية التعبير، حرية التنظّم، حرية الحركة، الدين والضمير، وهلمّ جرًّا.
أمّا النوع الثاني فهو الحقوق المطلبية، التي تضمن للمواطن ظروفَ عيش لائقة، مثل: الحقّ في السكن، التعلّم، العمل وهلمّ جرًّا. إن الحقوق المطلبية تُلزم الدولة أن تتيح للمواطن التمتّع بحقوقه. وغالبيتها تنتمي إلى الفئةِ المتّبَعةِ تسميتُها "الحقوق الاجتماعية، الاقتصادية والثقافية". ومن نافلَةِ القول إنه يجب تطبيق حقوق المواطنة على قَدَم المساواة، وإن منح هذه الحقوق وَفق معايير تتصّل بالعَزْوِ الفئويّ أمر باطل ومرفوض.
إن الحقوق الجماعية، بمعزِل عن حقوق الفرد، نابعة من الاختلاف الجماعيّ (group differentiated rights)، الذي يميّز مجموعة الأقلية عن مجموعة الأغلبية. إن الحقوق الجماعية توجب اتّخاذ خطوات خاصّة على أن يتمّ تطبيقها بشكل عيني؛ وذلك لضمان الحماية اللائقة للهُوية الجماعية الخاصّة والقابلة للمساس لمجموعة الأقليّة، ولمصالحها الجماعية. إن هذه الحقوق ترتبط بالمجموعة؛ إنها بمثابة حقوق فِطريّة متأصّلة تُمنح لمجموعة الأقليّة لخصوصيّتها الجماعية. وإن هدفها هو ضمان المساواة الجوهريّة لأعضائها ومنحهم الحماية القانونية اللائقة، على الصعيد الفرديّ والجماعيّ على السّواء. إن هذه الحقوق شرط لتحقيق المساواة الشاملة.
ما هي، إذًا، الحقوق الجماعية التي تستحقّها الأقلية العربية، التي يجب الانتباه إليها والاهتمام بها في سيرورة بلورة تسوية دستورية شاملة في الدولة؟ حين نقبِل على اختبار هذه الحقوق، يجب التأكيد، مجدّدًا، على المبدأ الذي انطلقنا منه: إن التعليل القيمي الأساسي الذي هو في صُلب المطلب بمنح الأقلية العربية الفلسطينية حقوقًا جماعية شاملة، هو حقيقة كون السكان الفلسطينيين في إسرائيل اهل البلاد الاصليين وعلاقتهم التاريخية الخاصّة بوطنهم؛ العلاقة الشعورية، القومية، الدينية والثقافية. وبكلمات أخرى، إن "الأصلانية" مُعطًى مؤسِّس في بلورة مكانة الأقلية الفلسطينية في إسرائيل وحقوقها، أخلاقيًّا وقانونًا دوليًّا على حدّ سواء.
تسعى هذه المقالة للإشارة إلى عشرة محاور مركزية، حيث يجب العمل فيها بُغية بلورة معايير للحقوق الجماعية. وإن هذه المحاور متداخلٌ بعضُها ببعض، إلاّ أنها، أيضًا، تتجانس في أبعاد معيّنة. ولتبدوَ المسائلُ واضحة، سنتطرّق، فيما يلي، إلى كلّ محورعلى حِدة.

1. إعتراف رسمي بالأقلية العربية كأقلية قومية وكشعب وطن.
يتوجّب على الدستور الاعتراف بصريح العبارة وبشكل رسمي بوجود مجموعة قومية عربية- فلسطينية في الدولة، وبخصوصيتها القومية، الدينية، الثقافية واللغوية. وكذلك، عليه الاعتراف بصريح العبارة بكون السكان الفلسطينيين في إسرائيل اهل البلاد الاصليين، بعلاقتهم الخاصة بوطنهم وبحقهم التاريخي عليه.

2. مساواة مدنية وقومية.
يتوجّب على الدستور الاعتراف بصريح العبارة بحق المجموعة العربية – الفلسطينية في إسرائيل بالمساواة التامة في الحقوق، سواء أكان هذا على أساس مدني-فردي أو على أساس قومي-جماعي.

3. ثنائية لغوية جوهرية.
إن اللغة العربية هي مركب مؤسِّس في الهوية القومية والثقافية للأقلية العربية. وتزداد أهمية اللغة حين يجري الحديث حول لغة سكان أصلانيين. إن الثنائية اللغوية الحقيقية تستوجب المساواة بين مكانة اللغة العبرية وبين مكانة اللغة العربية كلغة رسمية، سواء أكان هذا على المستوى المعياري أو على مستوى الفعل، عبر خلق أجهزة ثنائية-اللغة في كافة مجالات الحياة العامة في اسرائيل. يجب ضمان متناولية اللغة العربية في كل السلطات العامة في اسرائيل مثلما هي باللغة العبرية، وبالنوعية ذاتها. وتستوجب الثنائية اللغوية، أيضًا، منح تعبير لائق للثقافة العربية-الفلسطينية في الحيز العام الاسرائيلي (بما يشمل استخدام الأسماء العربية لمختلف الأماكن في الحيّز وإطلاق أسماء، مصدرها الثقافة العربية، على مبان عامة مختلفة، على شوارع وما الى ذلك). ويمكن للثنائية اللغوية القائمة في كندا اليوم، وفقًا للدستور الكندي (انجليزية وفرنسية)، أن تشكل مصدر إلهام للوضع المنشود في اسرائيل.

4. إدارة ذاتية في مجال التعليم، الدين والثقافة.
إن منح حقوق الإدارة (السلطة) الذاتية لمجموعة الأقلية في مجال التعليم، الدين والثقافة، يضمن التطور الشامل وغير المحدود للهوية المتميّزة وللتجربة الحياتية الجماعية لأبناء وبنات مجموعة الأقلية، بما في ذلك في مضمار التعليم، الدين، الثقافة الإعلام، التخطيط والرفاه. فالأكثرية اليهودية في اسرائيل تتمتع فعليًا بتلك الحقوق لكونها جزءًا لا يتجزأ من تقرير المصيرالسياسي في الدولة. يكمن في صلب حقوق الإدارة الذاتية الاعتراف بأصلانية السكان العرب وبحقهم في تقرير المصير في مجالات حياتهم المتميزة، بحيث يستكمل مشاركتها في المناخ العام المجتمعي الشامل.
تشمل الادارة الذاتية في مجال التعليم جهاز تعليمٍ عربيّ يديره مختصون ومربون عرب. يمكن أن يتم تطبيق هذا الحق في إطار مدارس عربية وأيضًا في إطار مدارس مختلطة يهودية-عربية ثنائية اللغة. ويجب أن تضمن الإدارة الذاتية في مجال التعليم حماية حق المجتمع العربي بتطوير وادارة مؤسسات بحثية وأكاديمية عربية عامة. وفيما يتعلق بشؤون الدين، تتجلى الإدارة الذاتية، أيضًا، في تحويل ادارة ممتلكات المقدّسات (الوقف الاسلامي) في اسرائيل الى الطائفة الإسلامية. ويشمل الحق في الإدارة الذاتية في مجالات الثقافة، ضمان التمويل العام لمؤسسات ثقافية عربية، وسائل إعلام، متاحف وما شابه، بما يتيح رعاية الثقافة العربية وتقوية الثراء الثقافي العربي في إسرائيل.

5. تمثيل لائق على أساس جماعي في الهيئات الاجتماعية الشاملة.
إن غاية التمثيل اللائق لمجموعة الأقلية هي ضمان مشاركة ديمقراطية وكاملة لهذه الأقلية، على أساس جماعي، في إدارة الدولة وتحديد مضامين ومبادئ العدالة الاجتماعية المطبقة فيها، حاضرًا ومستقبلا. إن تمثيلا لائقًا كهذا، من شأنه التغلب على كل إقصاء ممؤسس.
يجب أن يتم على هذا الصعيد، أيضًا، ضمان تمثيل لائق للمواطنين العرب في هيئات عامة مجتمعية شاملة وفي هيئات متخذي القرارات وواضعي السياسات (كل الوزارات الحكومية، سلطات التخطيط والبناء، الشركات الحكومية، المجالس العامة، الخدمات العامة، اللجان المقامة لغرض محدد وما الى ذلك). ويتحقق التمثيل اللائق فقط بتلبية المطالب التالية:
أ. يجب ضمان ألاّ يقل عدد الممثلين العرب في المؤسسة العامة عن النسبة العامة للمواطنين العرب في إسرائيل عمومًا، أو في المنطقة ذات الصلة خصوصًا، وفقًا للموضوع.
ب. يجب، في غالبية المؤسسات المذكورة – خصوصًا تلك التي تضم وظائف ادارة رفيعة – تفعيل أجهزة ممؤسسة للتشاور مع قيادة الجمهور العربي لغرض ضمان أن يقوم الممثلون العرب في المؤسسة بتمثيل مصالح الجمهور العربي بإخلاص (تمثيل حقيقي وليس تمثيلا يشكل "ورقة تين").
ج. يجب ضمان تأثير حقيقي للممثلين العرب على القرارات المتّخذة في المؤسسة العامة، فخلاف ذلك قد يجدون أنفسهم دائمًا في الطرف الخاسر، كونهم أقلية عددية. بمقدور تأثير حقيقي كهذا أن يتحقق بواسطة منح حق فيتو للممثلين العرب في هيئة اتخاذ القرارات حول تلك المواضيع التي لها تأثير جدي على السكان العرب.
يجب، في إطار الدفاع الحقوقي عن حق التمثيل اللائق للأقلية العربية، ضمان اعتراف رسمي بالمكانة المتميزة للهيئات التمثيلية لهذه الأقلية ولمؤسساتها الجمعية، وأولها، اليوم، لجنة المتابعة العليا للمواطنين العرب في إسرائيل.


6. تخصيص متميّز على قاعدة جمعية في تقسيم الموارد المادية.
يشكل المواطنون العرب نحو 20 بالمئة من سكان الدولة، ولكن، وبفعل الغبن اللاحق بهم، فقد ازدادت احتياجاتهم الإجتماعية-الاقتصادية وهي تفوق نسبتهم من السكان. إن التخصيص المتميّز في تقسيم الموارد المادية من شأنه تلبية تلك الاحتياجات بشكل لائق، أي أنه يجب أن يقوم على سياسة التفضيل المصحّح كي تعوّض الدولة السكان العرب على التمييز المتواصل بحقهم. وينطبق ما ورد على التخصيص المالي للميزانيات وكذلك على تخصيص الأرض والسكن. إن تخصيصًا ماديًا كهذا من شأنه إحداث تغيير مجتمعي شامل في ظروف حياة المواطنين العرب. بكلمات أخرى، يتوجّب على الدولة تغيير منظومة تخصيص مواردها المادية بما يلبي مطالب العدالة التوزيعية وكذلك العدالة المصحّحة منها.

7. تعبير لائق في المنظومة الرمزية للدولة.
إن رموز الدولة، علمها ونشيدها الوطني هي موارد عامة مشحونة شعوريًا، وعليه فإن لها تأثيرًا خاصًا على مكانة مجتمع الأقلية. ومن هنا تأتي الحاجة في التزام مبادئ من الشراكة والنزاهة في اطار المنظومة الرمزية للدولة ، أيضًا. يتوجّب على الدولة إعطاء تعبير لائق لحضور المواطنين العرب في اسرائيل ولانتمائهم التاريخي للمكان. يجب على منظومة الرموز التي تتبناها الدولة أن يعكس توجهها المتساوي نحو مواطنيها اليهود والعرب على السواء.

8. مساواة ونزاهة في الهجرة ونيل المواطنة.
إن منح حقوق الهجرة الى الدولة ونيل المواطنة فيها هما جزء من موارد الدولة المركزية، ولهما تأثير واضح على مكانة الأقلية العربية في إسرائيل. إن تخصيص نسب للهجرة ونيل المواطنة يعكس نفوذ الدولة، حيث يتوجب عليها تفعيل نفوذها هذا بشكل نزيه، عادل ومتساوٍ، كما ويتوجّب على الدولة أن تحترم الخاصية والسياق التاريخيين للعرب الفلسطينيين في هذا المجال.

9. الحقوق التاريخية.
توجب مبادئ العدالة المصححة توفير رد على سياسة سلب الأراضي التي انتُهجت ضد السكان العرب مع إقامة الدولة، والتي لا تزال نتائجها تضعفهم حتى اليوم. إن سلب الأراضي من السكان العرب هو بمثابة الجرح المفتوح لدى الأقلية العربية في اسرائيل. وعليه، يجب على الدولة بلورة عملية تشمل الاعتراف الرسمي بالنكبة العربية-الفلسطينية عام 1948، وكذلك الاعتذار الرسمي-التاريخي باسم كل حكومات الماضي على الغبن والظلم.
إن قضية الحقوق التاريخية للأقلية العربية في اسرائيل تمسّ، أيضًا، مسألة المهجرين الفلسطينيين، سكان الدولة ومواطنيها (الحاضرون-الغائبون، الذين يشكلون نحو 25% من المواطنين العرب)، وعودتهم الى بلداتهم الأصلية – مثل إقرث، الغابسية، اللجون وغيرها؛ قضية القرى غير المعترف بها (التي يشكل سكانها نحو 10% من السكان العرب) وضمان ملكية المواطنين العرب في النقب لأراضيهم؛ قضية أملاك الوقف الإسلامي وضمان إدارتها بواسطة الطائفة الاسلامية؛ وقضية أصحاب الأراضي الخاصة ممن سُلبت أراضيهم بأساليب ملتوية. علاوة على ذلك، يجب على الخطاب المتكامل حول الحقوق التاريخية للأقلية العربية ان يشمل، أيضًا، مسألة حقوق اللاجئين الفلسطينيين الذين طُردوا من بيوتهم ومن قراهم المدمّرة وسُلبت ممتلكاتهم منهم – وهي مسألة ستُسوّى نهائيًا في اتفاق سلام أو اتفاق دائم بين الشعبين.

10. حماية للعلاقة المتميزة بين الشعب الفلسطيني والأمة العربية.
إن أي دستور لائق يجب أن يضمن حق المواطنين الفلسطينيين في اسرائيل، بإرادتهم الحرة، في إقامة وتطوير علاقات متميزة – عائلية، ثقافية، اقتصادية وغيرها – مع سائر اجزاء الشعب الفلسطيني خاصة ومع بقية أبناء وبنات الأمة العربية قاطبة.


خلاصة - نحو المساواة التشاركية
في صلب الحقوق الجماعية المفصّلة أعلاه يقع المبدأ الأساسي للمشاركة التامة والمتساوية، للمواطنين العرب، كأفراد وكمجموعة، في موارد الدولة العامة؛ المساواة التشاركية. إن تحقيق هذه الحقوق يستوجب عملية إعادة بناء للمؤسسات السياسية والمجتمعية في الدولة، بحيث تضمن شعورالأقلية العربية بالانتماء وتوفّر فرصة متساوية للجميع.
إن الموارد العامة تعود لجميع المواطنين في الدولة، وعليه فيجب الاهتمام بتوزيعها بشكل متساو ونزيه. إن الشراكة الحقيقية في الموارد العامة يجب أن تسري على كافة موارد الدولة، بما في ذلك الموارد الرمزية (علم، شعار، نشيد وطني)، الموارد السياسية (تمثيل لائق وفعّال في مراكز اتخاذ القرارات) والموارد المادية (الأراضي والميزانيات). ويتوجّب على الشراكة الحقيقية أيضًا أن تنعكس في مواضيع اللغة، الثقافة، والتعليم بما في ذلك اللغة التي تتوجه فيها اللغة نحو مواطنيها (وزارات حكومية، لافتات عامة)، وجهاز التعليم والتعليم العالي. المشاركة الجوهرية والشاملة بوسعها شق الطريق الى المساواة الحقيقية. هذه الشراكة هي حجر الزاوية في بناء مجتمع متساوٍ وعادل، وهي الأساس للدستور الشامل الذي يجب الصبوّ اليه.
إن المساواة ليست مبدأ أساسيًا قضائيًا أو ديمقراطيًا فقط، بل قيمة اجتماعية أخلاقية من الدرجة الأولى. والمعني بالمساواة كقيمة اجتماعية أساسية لا يُفترض به أن يحصرها في ضمان قواعد قانونية متساوية. بل عليه أن يضمن ظروف حياة متساوية، قولا وفعلا. وعليه، فإن الفهم المعمق لمكانة الأقلية العربية في القضاء الاسرائيلي يستدعي تعاطيًا نقديًا ليس مع قواعد القضاء التي تؤثر عليها فحسب، بل أيضًا مع واقعها الاجتماعي-الاقتصادي، وكذلك للعلاقات التبادلية بين قواعد القضاء المذكورة وبين هذا الواقع.
إن المساواة الجوهرية يجب أن تبدأ من المعيار القضائي الأساسي في الدولة. وبالطبع، فإن المعيار القضائي المتساوي ليس شرطًا كافيًا، لكنه شرط ضروري. وهو شرط لا يزال غير متوفر في المعيار القضائي الأساسي في اسرائيل.



*ورقة العمل هذه هي جزء من بحث أوسع للكاتب في الموضوع، يصدر قريبًا عن مركز مساواة؛ الكاتب محاضر في كلية الحقوق في جامعتي حيفا وتل أبيب، ومستشار لمركز مساواة*




#يوسف_جبارين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رأي قانوني هل ستؤثر حالة شارون الصحيّة على موعد الانتخابات؟


المزيد.....




- نقار خشب يقرع جرس منزل أحد الأشخاص بسرعة ودون توقف.. شاهد ال ...
- طلبت الشرطة إيقاف التصوير.. شاهد ما حدث لفيل ضلّ طريقه خلال ...
- اجتياج مرتقب لرفح.. أكسيوس تكشف عن لقاء في القاهرة مع رئيس أ ...
- مسؤول: الجيش الإسرائيلي ينتظر الضوء الأخضر لاجتياح رفح
- -سي إن إن- تكشف تفاصيل مكالمة الـ5 دقائق بين ترامب وبن سلمان ...
- بعد تعاونها مع كلينتون.. ملالا يوسف زاي تؤكد دعمها لفلسطين
- السيسي يوجه رسالة للمصريين حول سيناء وتحركات إسرائيل
- مستشار سابق في -الناتو-: زيلينسكي يدفع أوكرانيا نحو -الدمار ...
- محامو الكونغو لشركة -آبل-: منتجاتكم ملوثة بدماء الشعب الكونغ ...
- -إيكونوميست-: المساعدات الأمريكية الجديدة لن تساعد أوكرانيا ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - يوسف جبارين - دستورٌ متساوٍ للجميع؟-