أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد المهدي السقال - فراغ من زجاج














المزيد.....

فراغ من زجاج


محمد المهدي السقال

الحوار المتمدن-العدد: 1748 - 2006 / 11 / 28 - 09:32
المحور: الادب والفن
    


إلى امرأة لا يفصلني عنها غير التراب :
مليكة مستظرف .

************

كعادتها , تنام المدينة بحضن صقيع البرد في الصيف كما في الشتاء ,

ليس أمَـرَّ على الطبيعة من التعاقب بلا معنى , لأنها تأبى الفراغ ,

نسأل أستاذ الفلسفة عن علة رفض ذلك الفراغ , فيسرح بنا في عوالم الفضاء الكوني حتى المطلق ,

هل كنا نفهمه ؟

كنا منشغلين بالسؤال عن الحال , لذلك تطلعنا إلى انفتاحه علينا على قدر عقولنا ,

لم أر أستاذي في حيرة من أمره , كما رأيته ذلك اليوم , وهو يحاول الانزياح باستفسار أصغرنا سنا عن مجراه ,

هل السياسة هي الأخرى تأبى الفراغ كما تأباه الطبيعة ؟

واغتنمنا فرصة تفكيره في الجواب , لنثير ما بين الفراغ والدين والحكم والوجود من اتصال أو انفصال ,

سمعنا فيما بعد , حكايات عن وفاة الأستاذ الغامضة ,

عُثِر عليه وحيدا في بيته , لم يعرف له خلف أو سلف ,

لكنها لم تكن أكثر غموضا من وفيات هذا المربع الإسمني الحصين تحت الأرض ,

لا أعلم إن كان الأستاذ قد دفن بترخيص طبي, يتحدث عن علة الموت وظروفها على الحقيقة ,

لكني أعرف أن رفيقي في الدرب المظلم , قد دفن بشهادة وفاة وقع عليها وصيُّ العدل بنفسه ,

دون أن نسأل عن الفراغ الذي أحاط بموته المفاجئ , تحركت الإدارة بقدها وقديدها , لتسرب إلينا معلومات جاهزة ممنهجة ,

ليست هذه أول وفاة , لكنها الأولى من حيث حجم الترويج لظروفها وفق السيناريو الرسمي ,

جمعونا في بهو لم نتعرف عليه , رغم عبورنا لمساربه مرتين في اليوم , منذ عشر سنوات ,

منا من كان يحدق في ألوان عبارات الترحيب بالسيد الوزير, تزدان بها جدارات لم نعرف لها لونا قط ,

بينما كان آخرون , يتهامسون بسخرية حول طلعة الزائر البهية ,

استوقنا الحراس في صفين ,

ولم يكونوا بحاجة لكبير عناء , فقد تدربنا لأكثر من أسبوع على الوقفة والتحية ومواقع التصفيق ,

قصر قامتي أفادني هذه المرة , وجدتني في الصف الأول , بينما كانت رؤوس الصف الثاني على أكتافنا ,

لم يهددنا الحراس ولم يتوعدونا شر العقاب كما عهدناهم في كل مخالفة ,

كانوا بشوشين زيادة , على مدى سبعة أيام , لم ينتهرنا الحراس ,

لعلها أصعب عملية ترويض قام بها مدير المعتقل , تسرب إلينا بعد الحفل , أنه كان يحيض ويبيض خوفا من المفاجأة في أية لحظة ,

ونجحنا في امتحان استقبال سيادة الوزير ,

تقدم وسط حاشيته إلى المنصة , يفسحون له الطريق بين أجساد خشبية , وعيونهم البارقة علينا تتابع اهتزاز صدورنا المضطربة

, كانوا منشغلين باللحظة , وكنا منشغلين بما بعد اللحظة , سوف يتركوننا للذئاب , وعلى أسبوع الإعداد الحرب لا السلام ,

كان الافتتاح بآيات بينات تماما كما كنا نسمع في البرلمان ,

حين وصل القارئ منَّا إلى : " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا , بل أحياء عند ربهم يرزقون "

تحركت العيون في كل الاتجاهات , إلا عينا السيد المدير , فقد تسمَّرت في السقف ,

تابعناه , فتكشف لنا ذلك السقف الذي لم نره من قبل , مُضيئاً بالأبيض الناصع في

ذاكرة لا تعرفه إلا من سواد قاتم , بعد " صدق الله العظيم " ,

أخذت الأسارير في الانفراج , كلمة النعي والتأبين المقتضبة, عجلت برفع سيادته ليديه , قارئا بالهمس سورة الفاتحة ,

كنا مطالبين بالجهر على إيقاع واحد : آمين ,

لأول مرة , تعرفنا على الاسم الرباعي للفقيد , ينتمي في الأصل إلى قبيلة " بني حذيفة " الريفية بالشمال ,

لم يحضر جنازته أحد من أهله , إن كان له أهل , تماما كما جاء في الحكايات عن أستاذ الفلسفة ,

يعم الصمت من جديد , نحس بالمدينة نائمة بحضن صقيع البرد في الصيف كما في الشتاء , يجفونا النوم لحد الأرق , فتكبر في دواخلنا

وحشة السكون الذي لا يبدو أنه يسبق العاصفة .


* قد تكون في السجلات الرسمية لبعض إدارات السجون , حادثة بنفس تفاصيل الحكاية , غير أن الأمر لا يعدو أن يكون توارد خواطر , لأن ما يحدث هناك , أغرب من

الخيال .



#محمد_المهدي_السقال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإضراب
- المسألة الأمازيغية العد العكسي
- حكايتي مع السيد المفتش
- رقصة الكلاب
- قراءة في عنوان مقالة* ممارسة النقابات للإضراب تعبر عن دكتاتو ...
- مشروع تركيب إيقاعي من الطويل والبسيط
- رائحة المرأة و الشيطان
- العار
- عبث اللحاق
- من مزامير داوود الأولى في بغداد


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد المهدي السقال - فراغ من زجاج