أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - لبنى حسن - الخروج من الشرنقة















المزيد.....

الخروج من الشرنقة


لبنى حسن

الحوار المتمدن-العدد: 1748 - 2006 / 11 / 28 - 11:25
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


ربما الصدفة وحدها هي التي دفعت وزير الثقافة للحديث فى هذا التوقيت عن " الحجاب " و هو الحديث الذي قوبل بهجمة بربرية على حرية الرأي و التعبير قادها تيار الإسلام السياسي و طبل لها المنتمين لتيارات قومية و ليبرالية و زايد عليها نواب الحزب الحاكم طمعاً في كسب شعبية, إلا أن نفع ما حدث يتوقع أن يفوق على المدى الطويل الأضرار المتمثلة في إهدار وقت الحكومة و تشتيت الرأي العام, فتلك الضجة نجحت في تسليط الضوء على قضية "القطعنة" الناتجة عن غياب تبنى نهج عقلاني, حيث وضعتها تحت المجهر لتعكس لنا مدى الانغلاق و الالتهاب المجتمعي و الحساسية المفرطة التي تؤدى إلى التصادم عند تقديم رؤية تختلف عن ما هو سائد.

المواطن المقهور في وطننا و خاصة لو كان أمي كالغالبية الكاسحة - و هنا أعنى الأمية الثقافية - يستسلم للسير وسط القطيع و مع الوقت و الاعتياد تتحلل قدرته على التفكير ليصبح جزء لا يتجزأ من نسيج القطيع, فيتحول لكائن عصبي عنيف ضيق الأفق و متشنج لا يقبل المساس بطريق القطيع حتى لو حاولت أن تثبت له انه طريق الهلاك أو أن هناك طرق أخرى ربما تكون أفضل, فلن يحتمل مجرد الاستماع لك بل قد يتلذذ بوضعه المزري تماما كشخصية السجين في فيلم "سوق المتعة" للكاتب الكبير وحيد حامد حينما قضى البطل الذي جسد شخصيته "محمود عبد العزيز" سنوات طويلة من عمره في السجن ثم أفرج عنه ليخرج للعالم الواسع و معه ثروة كبيرة من المال و لكن تعوده على نمط حياته كسجين دفعه للنفور من الحرية المفاجئة التي أصابته بتوتر و هلع, فلم يجد سبيل سوى استغلال ثروته في إنشاء سجن خاص في منطقة صحراوية على غرار السجن الذي قضى فيه معظم سنوات عمره, فحرص على أن يتمتع سجنه الملاكي بنفس مواصفات السجن الحكومي الذي تعود عليه من حيث التصميم و البيئة و الفقر و القذارة, و حتى مغتصبيه و مهينيه و مهدري كرامته و معذبيه من عساكر و بلطجية حاول اجتذابهم بدفع مقابل مادي مغري حتى يقبلوا الإقامة معه في هذا المكان و معاملته كما تعود و بهذا صنع لنفسه البيئة التي اعتادها فارتاح نفسياً و عاد له شعوره بالأمان.

هذا هو ما حدث في الأيام القليلة الماضية فالتشنج و الثورة و الصدمة و الصراخ ما هي إلا رده فعل طبيعية وأعراض صحية لعملية ولادة متعسرة قد تنجح و ينتج عنها إعادة استخدام العقل المعطل, للنظر في القوالب الجامدة و اختراق التابوهات التي رسخها مرور الزمن, و قد تؤدى تدريجيا إلى التخلص من همجية و حيوانية السلوك لصالح عودة المواطن لطبيعته الإنسانية ككائن مفكر بالفطرة.

لقد رأينا عاصفة بعد تصريحات وزير الثقافة المعارضة لتلك القطعة من القماش اشتدت رياحها و امتدت في أقل من فيمتو ثانية لتصبح حديث الساعة محدثة ضجة إعلامية كبيرة و خصص لها جلسات في مجلس الشعب و تبعها صراخ و لطم خدود على الفضائيات ثم مظاهرات حاشدة لأعضاء الأخوان تقدمت صفوفها بعض المحجبات الغاضبات المستنكرات المنفعلات, و هو المشهد الذي غاب في مناسبات الانتهاك الحقيقي ليس للإسلام فحسب بل لكل الأديان و للبشرية جمعاء, فلم نرى أحدا من هؤلاء الجحافل يحرك ساكنا حينما انتهكت أعراض النساء و لم نسمعهم يصرخوا احتجاجا على التحرشات الجنسية و لم نرى منهم ردة فعل حينما انتشرت تسجيلات فيديو قمع و تعذيب المواطنين في أقسام الشرطة و التي كان أخرها التسجيل البشع الذي يصور عملية اغتصاب سائق و إدخال عصاية خشبية في مؤخرته.

طبعا كل تلك الأحداث المأساوية غير مغرية لقادة القطيع و محركيه لأنهم تيار منظم يوفر طاقته فلا يحشد جهوده و يجيش جيوشه إلا ليدافع عن وجوده فقط مستخدما "الحجاب" كراية و رمزا لتأكيد تواجده و ترسيخ احتكاره للحديث باسم الله, فقد كان يدافع عن إنجازاته في الثلاثين عام الماضية, و التي مكنته من السيطرة على المجتمع كخطوة أساسية لتحقيق أطماعه السياسية, فتلك القوى الظلامية تحرك القطيع وفق أجندتها لتستعرض تأثيرها و تغلغلها في الشارع خاصة في الأوساط الشعبية.

لعل الفائدة الأساسية من تلك الضجة المفتعلة هو ما شاهدناه من ظهور إعلامي مكثف لشخصيات اختارت التغريد خارج السرب و صدم القطيع الهائج, مما شجع بعض المتحجرين المترددين داخل القطيع على التفكير – على الأقل- و هو ما يعد مكسب في ظل حالة الجمود الفكري, و ضرورة لمواجه الإرهاب المعنوي الذي تمارسه قوى التسلط الوهابية المتحالفة مع قوى الشر "الوطني", فالمواجه التي حدثت و تصدى بعض المثقفين و إن كان لا يزال ضعيفا و غير منظم, يعد نواه لظهور تيار ليبرالي كان قد اختار الانبطاح طواعية, و لجأ للمهادنة تجنبا للعواصف الغاضبة المتوقعة و خشية من صدم الرأي العام, و توجسا من ردة فعل المتشنجون التي قد تؤدى لمزيد من الانغلاق و الانغماس في المفاهيم الوهابية التي اختلطت بالإسلام بفعل تغلل سرطان ما يعرف بحركات الإسلام السياسي, تلك الوهابية التي انتشرت و اتبعتها الغالبية الكاسحة على أنها أصل الدين و صحيح الإسلام.

و بالرغم من غوغائية الأسلوب و عشوائية التناول و المزايدة الحكومية إلا أن الزوبعة التي خلفتها تصريحات الوزير كانت أشبه بالحجر الكبير الذي ألقى في بحيرة راكدة, و جاءت كنتيجة طبيعية لاختراق تربة متعفنة لزرع بذور التفكير, فالتطوير و الاجتهاد و رفض الجمود يقابل بهجوم و تشنج الآن و لكن لو اتحدنا و اصرينا على ترويج أفكارنا و نشرها سيتقبل المجتمع تدريجيا تواجدها على الساحة - حتى و إن لم يقبلها- و سنصبح تياراً و مع الوقت قد يتحسن الوضع و يخرج المجتمع من شرنقته ليتنفس الهواء النقي, و هذا حتما سيفرز بيئة صحية تدعم الحرية و تستوعب مختلف التيارات الفكرية.
و بما أن أصحاب النهج الوهابي و دعاه الانغلاق أصواتهم عالية و يستخدمون جدران الشوارع و مداخل البنايات كمجلات حائط للترويج لأفكارهم, فالضجة التي أثيرت و الدعاية المجانية التي قدموها للتيار الليبرالي تعد فرصة ذهبية للانطلاق و الطرق على الحديد و هو ساخن, فمن الضعف و السلبية أن يصمت المعارضون و يتحاشوا الصدام فلولا الصدام ما استيقظت الأمم, اعتقد أن دورنا هو أن نكون جبهة توازن التخلف الفكري و التأسلم السياسي المنتشر لذا فعلينا أن نتحد و ننظم صفوفنا و نرفع نحن أيضا شعاراتنا و نشجع من يهاب و لا نخشى مواجهه التيار الشرس, فلنقف على قلة عددنا أمام طيور الظلام لأنهم مجرد أقلية نجحت في قطعنة الأغلبية و ربط عنقها حيث تريد, فلنواجه و نرفع صوتنا ليصل إلى العامة ليصبح لديهم الرأي و الرأي الأخر, لا للتأثير عليهم و لكن لنحثهم على إعمال العقل المخدر بدلا من تركهم فريسة لشرائط التخلف في المواصلات و مشايخ الوهابية و دعاه الإرهاب و كتب الإرعاب على الأرصفة.

القضية ليست قضية اجتهادات و تفسيرات أو خلافات فقهية حول "الحجاب" بل قضية تغييب عقل مجتمع بأكمله و ترسيخ لتحلل الهوية المصرية لدعم التحول من الدولة المدنية إلى الدولة الدينية الوهابية الكهنوتية في ظل تراجع أزهر الشيخ محمد عبده و تحوله للمذهب الوهابي البدوي, فبعد أن أصبح "الحجاب" من الثوابت سيكون "النقاب" من الفرائض ثم منع خروج المرأة من الواجبات الشرعية ثم المطوع من الضرورات ثم حكم المرشد من الله!



#لبنى_حسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المتشنجون في الأرض
- !ممنوع الاقتراب أو التفكير
- أرض النفاق
- حضرة المتهم النظام
- إذا كانت الحرائق لم تنرها
- يبقى أنت أكيد في الجحيم
- تحت راية سحقاً للمصريين
- !!أوعى البطوط
- شعب نفسه يفرح
- كانت سنة سوداء
- نقاب آه...حجاب لا
- !أمسك....علماني
- دعوة للهدوء
- !المصري سريع الاشتعال
- آمالي السودا
- أزمة الغد صحية
- لو واحد فى المليون
- سعيد صالح...نحن نشكر الظروف
- كفاية حرام علينا
- أتخنقنا


المزيد.....




- رفع الأذان للمرة الأولى في مقر إقامة رئيس وزراء اسكتلندا.. و ...
- رفح.. صلاة الجمعة على ركام المساجد
- المسجد الأقصى.. الجمعة الثالثة من رمضان
- “من غير زن وصداع مع” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على نا ...
- فيديو خاص:كيف تسير رحلة أهالي الضفة إلى المسجد الأقصى؟
- الشريعة والحياة في رمضان- سمات المنافقين ودورهم الهدّام من ع ...
- أول مرة في التاريخ.. رفع الأذان في بيت هذا الوزير!
- أول مرة في تاريخ الـ-بوت هاوس-.. رفع الأذان في بيت الوزير ال ...
- قصة تعود إلى 2015.. علاقة -داعش- و-الإخوان- بهجوم موسكو
- صلاة الجمعة الثالثة من شهر رمضان.. الاحتلال يعيق وصول المواط ...


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - لبنى حسن - الخروج من الشرنقة