أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - عبد المجيد راشد - تحليل مضمون نظام العولمة















المزيد.....



تحليل مضمون نظام العولمة


عبد المجيد راشد

الحوار المتمدن-العدد: 1746 - 2006 / 11 / 26 - 11:10
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


يتطلب الحديث عن العولمة بطريقة جادة تمحيص المصادرة الفكرية والفلسفية التي ينهض عليها مصطلح أو مفهوم العولمة ذاته، والتعرف على الغائب والمسكوت عنه في هذا المفهوم من خلال التوقف عند السياق الذي تبلورت في ظله أهم ملامح في ظله أهم ملامح هذا المصطلح وبدأت معه عملية تسويقه ، كما يتطلب أي بحث جاد لهذه الظاهرة الجديدة معرفة مجموعة العناصر التي تتخلق من إجتماعها وتفاعلها وتكاملها مع آلية هذا المفهوم أو النظام الشامل الذي يتسع نطاقه ليشمل جوانب متعددة من تجليات هذه الظاهرة phenomenon أو العملية process في صيرورتها المستمرة، لأن نطاق هذه الظاهرة "العملية" لا تقتصر على مجال محدد من مجالات النشاط الإنساني، كالمجال الإقتصادي مثلاً، وإنما تتجاوزه إلى مجالات نوعية أخرى من النشاط الإجتماعي إلى النشاطات الإعلامية والمعرفية الأخرى.
كما أن رصد حركة تناقل الأفكار و النظريات من نقطة منشئها إلى موقع آخر، توجب معرفة مزدوجة : معاينة مجالها الإجتماعي التاريخي الأساسي، ثم ظروف الإنتقال وما آلت إليه من إستجابات في موقعها الجديد، والأمر هنا يتعلق بمقاربة إمكانيات الفكر العربي خلال تعاطيه لمفهوم "العولمة" وتحليل مضمونه ووجوه إتفاقه وإختلافه أو تأويله وتمثله مع مرجعيته في الفكر الغربي، وهذا ما يطلق عليه إشكالية "إنتقال النظرية" من نقطة منشئها إلى موقع آخر.
ولعله من المستطاع طرح مرمى هذه الإشكالية بصورة أوضح، من خلال السعي إلى الإجابة على تساؤلات من قبيل : كيف تمت صياغة مفهوم "العولمة" في محيط نشأته الغربية؟ وما هي الظروف الواقعية والمعرفية التي إنتقل فيها إلينا ؟ وما هي كيفيات قراءة المثقفين العرب له؟ وضمنياً : ما هي طريقة تعاملهم المنهجية التي إستعانوا بها في هذه القراءة؟ وكيف أوّلوا هذا المفهوم؟

فىتصور لكيفية صياغة مفهوم العولمة في محيط نشأته الغربية على أساس أن العولمة فكرة محورية لرسم خارطة للوضع العالمي و تركيز هذا التصور على الجوانب التحليلية والتجريبية للعولمة و تمهيده الطريق لتحليل منظم ومفسر للعولمة منذ أواسط القرن الثامن عشر - مع الإشارة إلى المراحل الرئيسية للعولمة في تاريخ العلم الحديث وإستكشاف بعض من أبرز جوانب الحالة العالمية المعاصرة من منظور تحليلي.
إنطلق هذا التصور من أن ما يسمى "عولمة" يمكن فهمه بأفضل صورة بأنه يشير إلى مشكلة الشكل التي يصبح العالم من زاويتها موحداً ولكن دون أن يندمج بصورة وظيفية ساذجة، ويرى بعبارة أخرى، أن العولمة كموضوع هي مدخل فكرى لمشكلة النظام العالمي بأشمل معانيه، ولكنها مع ذلك مدخل ليست له وسيلة إدراكيه دون مناقشة مستفيضة للمسائل التاريخية والمقارنة، كما أنها ظاهرة تتطلب ما يعرف عادة بالتناول المتعدد الأفرع العلمية ،
ويطرح هذا التصور رؤيته عن كيفية صياغة مفهوم العولمة في محيط نشأته الغربية بالإستناد إلى المنهج التاريخي - بالأساس - بطرحه الطريق التاريخي الزمني للحالة الراهنة التي تتسم بدرجة عالية من الكثافة والتعقيد العالميين بوصفه وتقسيمه إلى مراحل تبدأ بمرحلة أولى وهى:ـ
المرحلة الأولى : المرحلة الجنينية :
والتي إستمرت في أوروبا منذ أوائل القرن الخامس عشر وحتى أواسط القرن الثامن عشر والتي شهدت النمو الأولى للجماعات القومية وتقلص النسق "عبر القومي" الوسيط وإبراز مفاهيم الفرد وظهور أفكار عن الإنسانية، ونظرية مركزية الشمس بالنسبة للعالم ونشأة الجغرافيا الحديثة وإنتشار التقويم الجريجوري .
ثم المرحلة الثانية :المرحلة الأولية:
وإستمرت في أوروبا بصفة أساسية منذ أواسط القرن الثامن عشر وحتى السبعينات منه، وتتسم بالتحول الجذري نحو فكرة الدولة المتجانسة الواحدة، وتبلور مفاهيم عن العلاقات الدولية الشكلية ووضع مقاييس للأفراد كمواطنين، ونشأة تصور أوضح عن الإنسان والزيادة الهائلة في عدد المؤسسات والهيئات المختصة بالنظم والإتصال الدولي وعبر القومي وظهور مشكلة "قبول" المجتمعات غير الأوروبية في المجتمع الدولي، وطرح قضية النزعتين القومية والدولية.
ثم المرحلة الثالثة :مرحلة الإنطلاق :
والتى إستمرت من سبعينيات القرن الثامن عشر وحتى أواسط عشرينيات القرن العشرين، وتميزت بظهور مفاهيم عالمية عن "الصورة المثلى" لمجتمع دولي "مقبول" وضم بعض المجتمعات غير الأوروبية إلى "المجتمع الدولي" وظهور الصيغة الدولية ومحاولة تطبيق أفكار عن الإنسانية، وزيادة هائلة في عدد أنماط الإتصال العالمي وسرعتها، ونمو صور التنافس العالمي كالألعاب الأوليمبية وجائزة نوبل وتطبيق الوقت العالمي والإنتشار شبه العالمي للتقويم الجريجوري والحرب العالمية الأولى وتأسيس عصبة الأمم .
ثم المرحلة الرابعة :مرحلة الصراع :
و التى شهدت صراعا على الهيمنة العالمية وإستمرت من عشرينيات القرن العشرين وحتى أواسط الستينيات منه، ومن ملامحها نشوب الجدل حول المصطلحات الهشة لعملية العولمة والتي ظهرت في أواخر مرحلة الإنطلاق، ونشوب صراعات دولية حول أساليب الحياة والجدل وحول طبيعة الإنسانية ومستقبلها بعد ظهور القنبلة الذرية، وتأسيس الأمم المتحدة .
ثم المرحلة الخامسة :مرحلة الشك :
وبدأت في الستينيات وإتجهت نحو التأزم في أوائل تسعينيات القرن العشرين، ومن سماتها ضم العالم الثالث وإرتفاع درجة الوعي العالمي في أواخر الستينيات، والهبوط على سطح القمر، وبروز قيم "ما بعد المادية" ونهاية الحرب الباردة وإنتشار الأسلحة النووية، وتزايد عدد المؤسسات والحركات الدولية بصورة كبيرة، وتزايد تعقيد مفاهيم الفردية بسبب الإعتبارات النوعية والعرقية والعنصرية، وسيولة الحقوق المدنية والنظام الدولي، ونهاية القطبية الثنائية والإهتمام بالمجتمع المدني العالمي والمواطنة العالمية وتزايد الإهتمام بالإنسانية كجماعة نوعية وإندماج النظام الإعلامي العالمي.
ويربط هذا التصور بين هذه المراحل والتي وصلت إلى الظرف المعاصر وبين إعتبار أن معظم تاريخ العالم يمكن إعتباره سلاسل متتابعة من صيغة مصغرة من العولمة، بمعنى أن قيام الإمبراطوريات التاريخية مثلاً كان يشتمل على توحيد أقاليم وكيانات إجتماعية كانت منعزلة من قبل، كما كانت هناك تحولات في الإتجاه المضاد كما هو الحال في تفكك أوروبا في العصور الوسطي ولو أن نشأة الدولة الإقليمية ساعد على دفع الإمبريالية مقدماً ومعها تصورات عن العالم ككل، وقد نشأت الحركات والتنظيمات المهتمة بتنميط العالم ككل أو توحيده منذ ألفى عام على الأقل، وهناك أفكار عن الصلة بين العالمي والخاص كانت محورية بالنسبة لكل الحضارات الكبرى ويستشهد في ذلك بما كتبه يوليبيوس منذ القرن الثانى قبل الميلاد في كتابة " التاريخ العام " ، ما يلي فى إشارة إلى نشأة الإمبراطورية الرومانية : "فيما مضى لم يكن للأشياء التي حدثت في العالم صلة ببعضها البعض، أما منذ ذلك الوقت فإن كل الأحداث مترابطة في حزمة واحدة".
وبالرغم من أن جيمس روزناو أحد أبز علماء السياسة الأمريكيين قرر وضع تعريف واضح للعولمة يحدد محتواها بدقة إلا أنه وجد أن ذلك يبدوا مبكراً، فوضع تعريف كامل وجاهز يلائم التنوع الضخم لهذه الظواهر المتعددة، فعلى سبيل المثال، يقيم مفهوم العولمة علاقة بين مستويات متعددة للتحليل، الإقتصاد - السياسة - الثقافة - الإيديولوجية، وتشمل إعادة تنظيم الإنتاج، تداخل الصناعات عبر الحدود، إنتشار أسواق التمويل، تماثل السلع المستهلكة لمختلف الدول، نتائج الصراع بين المجموعات المهاجرة والمجموعات القيمة، و في ظل ذلك كله فإن مهمة إيجاد صيغة مفردة تصف كل هذه الأنشطة تبدو عملية صعبة، وحتى لو تم تطوير هذا المفهوم، فمن المشكوك فيه، أن يتم قبوله وإستعماله بشكل واسع.
إن هذا المنهج في وضع تعريف للعولمة يتمثل في ضرورة تحديد المشكلات المرتبطة بهذا المفهوم منذ البداية، ولذلك فإنه يطرح سؤالاً رئيسياً مبناه : ما هي العوامل التي أدت إلى بروز ظاهرة العولمة في الوقت الراهن؟ وهل هذا يرجع إلى إنهيار نظام الدولة ذات الحدود المستقلة؟ وهل العولمة تتضمن زيادة التجانس أم تعميق الفوارق والإختلافات؟ وهل الهدف هو توحيد العالم أم فصل النظم المجتمعية عن طريق الحدود المصنوعة؟ وهل العولمة تنطلق من مصادر رئيسية واحدة؟ أم من خلال الأيديولوجية؟ وهل هي عبارة عن إتحاد لكل هذه العوامل، أم أنه لا تزال هناك أبعاد أخرى؟ وهل العولمة تتميز بوجود ثقافات عامة أم مجموعة من الثقافات المحلية المتنوعة؟ وهل العولمة غامضة أم أنها تحول بارز على المدى الطويل بين العام والخاص وبين المحلى والخارجي وبين المغلق والمفتوح؟ وهل هي إستمرار لنمو الفجوة بين الفقراء والأغنياء على جميع المستويات وهل العولمة تتطلب وجود حكومة عالمية؟ وفى ضوء ذلك كله يمكن إثارة سؤال رئيسي : كيف تحدث العولمة؟ وبعبارة أخرى بأي الطرق، أي من خلال أي قنوات يتم إنتشار السلع والخدمات والأفراد والأفكار والمعلومات والنقود والرموز والإتجاهات وأشكال السلوك عبر الحدود ؟
ووفق هذا المنهج تتم عملية الإنتشار من خلال أربعة طرق متداخلة ومترابطة :
1) من خلال التفاعل الحواري ثنائي الاتجاه عن طريق تكنولوجيا الإتصال.
2) الإتصال المنولوجى أحادى الإتجاه من خلال الطبقة المتوسطة.
3) من خلال المنافسة والمحاكاة.
4) من خلال تماثل المؤسسات.

و فى هذا السياق فإن هناك أربع مجموعات رئيسية من القضايا التي يجرى دراستها وتمحيصها:ـ
الأولى هي : هل ستكفل العولمة نمواً إقتصادياً أسرع لثلاثة أرباع البشرية (4.5 مليار نسمة) الذين يعيشون في الدول النامية؟ .
والثانية : هل ستؤدى العولمة إلى تطوير أم تدمير إستقرار الإقتصاد الكلى؟ بمعنى آخر، هل الإنهيارات المفاجئة وغير المتوقعة لإقتصاديات السوق البازغة (مثل المكسيك عام 1994، وشرق آسيا عام 1997) هي نتاج تصدعات عميقة في عملية العولمة ذاتها أم أنها مجرد ظواهر يمكن السيطرة عليها أم هي نوع من التقلبات التي يمكن تجنبها في الطريق إلى إزدهار أكبر0
والثالثة : هل تشجع العولمة على المزيد من إختلال توزيع الدخل، وإذا كان الأمر كذلك، فهل تقتصر المشكلة على العمال قليلي المهارة في الإقتصاديات المتقدمة أم أنها نتاج تكثيف قوى السوق في جميع أنحاء العالم؟
والرابعة : تتمثل في التساؤل حول كيفية توفيق المؤسسات الحكومية سلطاتها ومسئولياتها على مختلف مستوياتها الإقليمية والوطنية والدولية في ضوء إنبثاق السوق العالمي (الكوني).
فالعولمة لها آثاراً عميقة على السياسة فى مستويات كثيرة وأهم هذه الآثار هو طمس معالم السوق الوطنية في تعاملها مع الأسواق العالمية، ويشّبه ذلك "بتقلبات البحر" التي يتعرض لها دور الدولة / الأمة في علاقته بالحكومات المحلية والإقليمية من ناحية والمؤسسات المتعددة القومية من ناحية أخرى.
ومن زاوية أخرى فإن هناك من يرى "أن العولمة هي "أمركة العالم" أي نشر الحلم الأمريكي" على نطاق العالم، و يستند هذا الرأى إلى حصر مختلف المؤلفات الأمريكية التي لم تقدم مراجع فكرية تتعلق بالحوار الدولي خلال السنوات العشر الماضية " حقبة التسعينات " ، مستنبطاً من ذلك أن الولايات المتحدة لا تفعل ذلك إلا "إذا وجدت مشقة في تحويل العالم حسب تمنياتها، فليس هناك أي مزاحم لها في تفسير ذلك".
هذه السيطرة الفكرية على الحوار الدولي ليست سوى اللمسة الأخيرة لهيمنة تشمل في آن واحد الجوانب العسكرية والإقتصادية والتكنولوجية والإعلامية والثقافية والإجتماعية، وكذلك فإن التفسير الذي يقدمه هذا الرأى للعولمة بوصفها إمتداد للنموذج الأمريكي يقوم أساساً على الربط بين التجربة التاريخية المتميزة في الولايات المتحدة وظاهرة العولمة، فالنموذج الأمريكي إستطاع أن يوفق بين "الذاكرة والعقد" ، والمقصود بالذاكرة هنا ذاكرة الأمم ذات الأصول الممتدة على مدى التاريخ، أما العقد فيشير إلى قواعد التفاهم التي توصلت إليها الولايات المتحدة عن طريق مختلف الجماعات التي توافدت عليها خلال القرون الخمسة الأخيرة في غياب الاعتماد على تراث واحد وتراب وطني مشترك ، وبالرغم من الهيمنة الأمريكية فإن هذا الرأى يرى أنه سيكون للإبتكار السياسي الذي تسعى إليه حالياً الوحدة الأوروبية، ولطبيعة العلاقات التي ستنمو بينها وبين الولايات المتحدة بهذا الخصوص أهمية حاسمة بالنسبة للنفوذ الأمريكي وإذا تمكنت أوروبا وأمريكا من القيام معاً ببناء مؤسسات العولمة ومن التوصل إلى توازن بين المنطق القومى والمنطق المتعدى القومية "سينعم العالم بانطلاق عولمة سينظر إليها كتطور مشروع" وعلى العكس، فإن عجزهما عن تحقيق ذلك سيفصل بينهما من خلال مواجهات يمكن أن يتحول فيها شجب أمريكا إلى عامل ترابط بين المجتمعات التي تتعرض هواياتها الخاصة للتهديد.
وفى إجابة مستترة حول إذا ما إستمرت أمريكا في ممارسة هيمنتها ونفوذها وأحاديتها فإن هذه الرؤية تطرح عدد من الأسئلة مثل : "هل سيكتب الدوام للنجاح الأمريكي الظاهري؟ وهل نحن نشهد بداية إمبراطورية جديدة؟ أم نحن بصدد مجرد عدم توازن مؤقت وفترة "أحادية القطب" نتيجة للإنهيار المفاجئ للإتحاد السوفيتي ستنتهي في غضون حوالي عشرين سنة عندما ستؤكد وجودها قوى أخرى جديدة، مثل الصين والإتحاد الأوروبي، فبعد العالم ثنائي القطب ثم أحادى القطب سيصبح العالم أخيراً متعدد الأقطاب، كيف يمكننا أن نتصور اليوم مدى القوة الأمريكية؟ وإذا كانت أمريكا من الآن فصاعداً في نفوسنا ورؤوسنا فهل يمكن أن نزعم أننا سنكون مراقبين خارجيين يعالجون المسألة بالتالي كقضية تخص السياسة الخارجية؟ أليس تفكيرنا المتعلق بطبيعة القوى الأمريكية هو تفكير حول ذاتنا وكياننا وحول ما نريد أن نكون؟ وإذا كان العالم بأسره يتأمرك، ألن تصبح سياسة الولايات المتحدة الأمريكية "الخارجية" بالضرورة مجرد امتداد لسياستها الداخلية عوضاً عن أن تكون تعبيراً عن مصلحة وطنية تفترض تواجد أمم أخرى في مواجهة أمريكا واثقة من هويتها الخاصة وتؤدى رسالتها من خلال التداول الكلاسيكي للقوة؟ وهل لا يزال هناك مغزى لمفهوم النظام الدولي؟ . ألا تفصح الإدانة الأمريكية للدول الفاسدة - الإجرامية - على إفتقاد "السياسة الخارجية" التي حلت محلها سياسة الحفاظ على النظام؟ وإذا كان بوسع رئيس الولايات المتحدة أن يقرر من جانب واحد شن غارات جوية على بلد له سيادته وعلى أسس شرعية مشكوك في أمرها، أليس ذلك تأكيداً لهيمنة أمريكا ولعدم إكتراثها برأي العالم.
وفى إطار تحليلنا لمضمون العولمة كنظام فإن هناك من يرى فى تحليله لظاهرة العولمة أن نظاماً دولياً جديداً قد حل الآن بوضوح محل الحرب الباردة : أنه "نظام العولمة" ، ويعرف هذا النظام بأنه "التكامل بين الأسواق، والتمويل، وتطور التكنولوجيا على نحو يقلص العالم من حجمه المتوسط إلى الحجم الصغير، مما يجعل كل منا قادراً على الوصول إلى مواقع أبعد حول العالم، بل وأسرع وبتكلفة أرخص عما كان عليه الحال من قبل، أن العولمة لا تمثل توجهاً اقتصادياً فحسب، كما لا تمثل مجرد بدعة جديدة، ومثلها مثل جميع النظم الدولية السابقة، تقوم العولمة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر بتشكيل السياسات الداخلية والاقتصادية فضلاً عن العلاقات الخارجية لجميع البلدان عملياً.
ويستند هذا الرأى وهو يعقد المقارنة بين نظام "الحرب الباردة" و "نظام العولمة" أن نظام الحرب الباردة كان يتسم بملمح واحد رئيسي : التقسيم، فلقد تم تقسيم العالم، وكانت التهديدات والفرص تميل إلى النمو من الجانب الذي تم الانقسام عنه، ويمكن على نحو مناسب وضع نظام الحرب الباردة بشكل رمزي في صورة واحدة : الســور، ولنظام العولمة سمة واحدة رئيسية أيضاً : التكامل، فالتهديدات والفرص أمام أي بلد اليوم، إنما تنمو على نحو متزايد من الجانب المرتبط به هذا البلد، ويمكن الإشارة لهذا النظام برمز واحد : شبكة الإتصالات العالمية بالكمبيوتر "الإنترنت" ، فقد إنتقلنا، بالمعنى الواسع من نظام كان مبنياً حول أسوار إلى نظام يبني على نحو متزايد حول شبكات.
إذ أن التكامل بدرجة كبيرة سبق العولمة عن طريق التكنولوجيا التي تحددها إستخدام الحاسوب والنماذج متناهية الصغر، والنظم الرقمية، ووسائل الإتصال بالأقمار الصناعية، والألياف البصرية، والإنترنت، وقد أدى هذا التكامل بدوره إلى إختلافات أخرى عدة بين نظامي الحرب الباردة والعولمة وأهمها ، إمتلاك نظام العولمة ثقافتة المهيمنة، مما يفسر ميل التكامل نحو إضفاء طابع التجانس 0
لقد تحقق التجانس الثقافى فى العصور السابقة على الصعيد الاقليمى ، إضفـاء الطابع الروماني على أوروبا الغربية وعالم البحر المتوسط، وإضفاء العرب الطابع الإسلامى على آسـيا الوسطـى و الشرق الأوسـط وشمـال إفريقـيا و أسـبانيا ، و إضفـاء الطابع الروسي على أوروبا الشرقية والوسطي وأجزاء من أوراسيا في ظل السوفييت 0
وإذا تحدثنا من الزاوية الثقافية، نجد أن العولمة تمثل بدرجة كبيرة، إنتشار الأمركة (للأفضل وللأسوأ) من ساندويتشات بيج ماك إلى ميكى ماوس 0
وأخيراً والأكثر أهمية فإن العولمة تمتلك بنية خاصة بالقوة أكثر تعقيداً من بنية الحرب الباردة، لقد كان نظام الحرب الباردة مبنياً على وجه الحصر حول الدولة القومية، ومتوازناً عند المركز بفعل القوتين العظميين،وفى المقابل ينبني التوازن الأول في التوازن التقليدي بين الدول القومية ولا يزال هذا التوازن يتسم بأهمية في ظل نظام العولمة، ويكمن التوازن المهم الثاني بين الدول القومية والأسواق العالمية، تتكون الأسواق العالمية من ملايين المستثمرين الذين يحركون الأموال في جميع أنحاء العالم من خلال نقرة على فأرة الحاسوب، أما التوازن الثالث في نظام العولمة - وهو الأحدث بين كل التوازنات - فيتمثل في التوازن بين الأفراد والدولة القومية، نظراً لأن العولمة حطمت كثيراً من الأسوار التي كانت تحد من حركة الناس ومدى ما يمكنهم الوصول إليه، ونظراً لأن العولمة قامت في الوقت ذاته بربط العالم عبر الشبكات الإليكترونية، فإنها تمنح الأفراد قدراً من القوة المباشرة أكبر مما كان عليه الأمر في أي فترة تاريخية سابقة، إننا اليوم لا نمتلك قوة عظمى فحسب ولا أسواق عظمى فحسب، وإنما أيضاً أفراداً ذوى قدرات وإمكانات عظمى.
برغم ذلك فإن هذا الرأى فى نهاية تحليله "لنظام العولمة" يصل إلى نتيجة مؤداها أنه "لا يزال أمامنا طريق طويل حتى ندرك بالكامل كيف سيعمل هذا النظام".
وفى نفس المدار فإن هناك من يرى أن : "العولمة حاضرة بيننا لأمد طويل ولسببين جوهريين على الأقل في البداية :ـ
االسبب الأول : أنه لم يعد يوجد نموذج أمثل للتنمية بإمكانه أن يعد بنتائج أفضل مما أتت به العولمة، حتى بعد أزمة (1997 - 1998) - يقصد أزمة جنوب شرق آسيا في سنوات 1997 / 1998 وانهيار الأسواق المالية بها –
أما السبب الثاني فيكمــن في التكنولوجيا ، حيث يساند الحركة الراهنة ثورة تكنولوجيا المعلومات التي نشرت التليفون والفاكس والراديو والتليفزيون والإنترنت في أبعد أصقاع العالم، وأن هذه التحولات تمنح نفوذاً أكبر للأفراد وتقرّب ساعة إنتشار الديمقراطية في المؤسسات على جميع الأصعدة اليوم، ليس هناك من بلد بإمكانه أن ينقطع عن وسائل الإتصال الجماهيري الكونية أو عن المصادر الخارجية للمعلومات،وكذلك فإن الموضات التي تظهر في بلد ما سرعان ما تقلّد على مدى آلاف الكيلومترات."
وهكذا فإن العولمة ترتكز على وعائيين أو نموذجين يؤثران في أسلوب تفكير دعاة العـولمة مثل "توماس فريدمان و فرانسيس فوكوياما":
الدعامة الأولى هي الإتصال، أو قوى التكنولوجيا الجديدة وتحديداً تكنولوجيا المعلومات التي تمنح نفوذاً أكبر للأفراد وتقرب ساعة إنتشار الديمقراطية في المؤسسات على جميع الأصعدة اليوم،
اما الدعامة الثانية فهي "إقتصاد السوق" والتي تحل محل التماسك الإجتماعي.
وعلى عكس ما توصل إليه دعاة العولمة بإعتبارها إمتداد للنموذج الأمريكي أو أنها "نظام" يؤكد الهيمنة الأمريكية أو أنها الأيديولوجية المنتصرة بجناحيها الديمقراطي الليبرالي وإقتصاد السوق (كقيم غربية) وهما وحدهما المنقذان للوجود بالنسبة إلى مجتمعاتنا الحديثة، على عكس ذلك فإن هناك من يرى أن لفظ العولمة يمكن أن يعنى أشياء كثيرة.
فهو من ناحية يعنى الإنتشار العالمي للتكنولوجيا الحديثة في الإنتاج الصناعي والإتصالات من كل الأنواع عبر الحدود في التجارة ورؤوس الأموال والإنتاج والمعلومات 0
"والعولمة تعنى أيضاً أن كل الاقتصاديات تقريباً متشابكة مع الإقتصاديات الأخرى على نطاق العالم"
"والعولمة عملية تاريخية بمعنى أنها ليست حالة مفردة أو عملية خطية أو نقطة نهاية أخيرة للتغيير الاجتماعي".
وتعد العولمة إختزالاً للتغيرات الثقافية التي تجيء عندما تصبح المجتمعات مرتبطة بالأسواق العالمية ومعتمدة عليها بدرجات متفاوتة، كما أن قدوم التكنولوجيات الحديثة للمعلومات والاتصالات يعنى أن تأثر الحياة الثقافية ببعضها ببعض أصبح أكثر عمقاً من ذى قبل.
وخلف ما للعولمة من هذه "المعاني" كلها، توجد فكرة أساسية واحدة يسميها جون جراى "طمس الحقائق المحلية" وتعنى إقتلاع الأنشطة والعلاقات من أصولها وثقافتها المحلية، كما تعنى دفع أنشطة محلية حتى وقت قريب إلى شبكات العلاقات البعيدة أو العالمية النطاق، وتنطلق هذه الرؤية في تحليلها لمضمون هذه "المعانى" لتصل إلى أن العولمة ليست حالة أخيرة تسير نحوها كل الإقتصادات، ذلك أن الحالة العامة للتكامل المتكافئ في نشاط عالمى النطاق هي على وجه التحديد ما لا تعنيه العولمة، وعلى النقيض فإن الترابط المتزايد للنشاط الإقتصادى على نطاق العالم يؤكد التطور غير المتكافئ بين البلدان المختلفة كما أنه يبالغ في إعتماد الدول النامية في "الأطراف" على الإستثمار القادم من الإقتصادات الأقرب إلى "المركز.
ووفق هذه الرؤية فإن العولمة - وفق المعانى المتعددة لها - لا يمكن أن تجعل من القيم الغربية قيماً عالمية وإنما هي تصنع عالماً تعددياً لا رجعة فيه، كما أن الترابط المتزايد بين إقتصاديات العالم لا يعنى نمو حضارة إقتصادية موحدة، ولكنه يعنى ضرورة إيجاد وسيلة للتعايش بين ثقافات إقتصادية ستظل دائماً مختلفة، وبالمثل فإن إنتشار الإتصالات العالمية لا ينتج أي شيئ شبيه بالتلاقى بين الثقافات فوجهة النظر الأمريكية العالمية التي تروج لها القناة التليفزيونية C.N.N التي وفقاً لها وعلى نقيض الظواهر وكل الحقائق الأساسية، تعد القيم الأمريكية قيماً كونية، والمؤسسات الأمريكية هي الحل لأكثر مشكلات العالم عناداً، وإنما تمثل ظاهرة عابرة بسبب سبق أمريكا الحالى في تكنولوجيا الإتصال، وهى ليست معلماً على الطريق إلى حضارة عالمية، فشركات الإعلام التي تغير ناتجها لتلائم الثقافات المختلفة مثل شركة M.T.V يمكن توقّع أن تظل عالمية، وإذا ظلت قناة C.N.N لا ترى أي شيئ في العالم إلا من وجهة نظر أمريكا، فالأرجح أنها ستصبح في القريب العاجل مجرد شركة إعلام وطنية بين شركات كثيرة أخرى، وكذلك فإن العولمة ستكون أداة للتعبير عن الفروق الثقافية عن طريق تمكين ممارسى الثقافات المختلفة المشتتين جغرافياً من التفاعل خلال الوسائط الجديدة للإتصالات ، وتمكين الثقافات من تأكيد هوياتها وإختلافاتها فى المرحـلة المتأخـرة من الحداثة الغربية وبعضها عن بعض كما هو الحال في اليابان وسنغافورة وماليزيا والصين ،
وأيضاً فإن الرأسماليات الأوروبية ستظل مختلفة إختلافاً عميقاً عن الأسواق الحرة الأمريكية، وليس هناك بلد أوروبى - حتى ولا المملكة المتحدة - على إستعداد لتحمل التسيب الإجتماعي الذي تفرزه السوق الحرة في الولايات المتحدة ولن تحل السوق الحرة محل الأسواق الإجتماعية في بلدان أوروبا.
و فى مدار آخـر نجد أن هناك من ينتقد الذين يتحدثون عن العولمة، بإعتبارها قوة من قوى الطبيعة، فالأمر ليس كذلك في الحقيقة، فالدول ومؤسسات الأعمال والجماعات الأخرى قد ساهمت بشكل إيجابى في تقدمها، فمعظم البحوث التي ساهمت في ظهور الإتصالات عبر الأقمار الصناعية قد تم تمويلها من قبل حكومات، كما فعلت في تمويل المراحل الأولى لشبكة المعلومات "الإنترنت" ودعم و توسع أسواق المال العالمية من خلال السندات التي تصدرها لزيادة التمويل اللازم للوفاء بمتطلباتها الداخلية، ويرى أن "العولمة" تتمثل في مجموعة معتمدة من العمليات التي يحركها مزيج من التأثيرات السياسية والإقتصادية، إنها تغير الحياة اليومية، خاصة في الدول النامية من خلال ما تخلقه من نظم وقوى عبر قومية، وإذا نظرنا إليها نظرة كلية فإنها تعمل على تغيير المؤسسات في المجتمعات التي نعيش فيها عبر مسارات ثلاث وهى المسار الإقتصادى " إقتصاد عالمي تمامــا ً" والمسار التكنولوجى ومسار " إضعاف الدولة القومية".
فالعولمة فى أحد وجوهها هى "تكثيف العلاقات الإجتماعية العالمية التي تربط ما بين الوقائع البعيدة بواسطة أحداث تقع على بعد أميال كثيرة والعكس بالعكس".
وفى إطار تحليل مضمون العولمة من زاوية صياغتها مصطلحاً ومفهوماً في محيط نشأتها الغربية هناك محاولة تدور حول الإجابة على تصور يرى أن العولمة أشبه بفكرة الأسطورة التى تبالغ فى درجة عجزنا عن مواجهة قوى الطبيعة فقد "صارت العولمة مفهوماً أنيقاً في العلوم الإجتماعية، وقولاً جوهرياً في توصيات خبراء الإدارة، وصيغة متكررة لدى الصحفيين والسياسيين من كل لون، وهناك إنتشار واسع لتأكيد أننا نعيش في عصر يتحدد فيه الجانب الأكبر من الحياة الإجتماعية بواسطة عمليات عالمية تذوب فيها بالتدريج الثقافات القومية والاقتصادات القومية والحدود القومية وفى قلب هذا التصور فكرة "عملية العولمة الاقتصادية السريعة" حديثة العهد وهناك الزعم بأن اقتصاداً عالمياً بحق قد بزغ أو في طريقه إلى البزوغ وفيه لم يعد للاقتصادات القومية المتميزة ومن ثم للإستراتيجيات المحلية للإدارة الاقتصادية القومية على نحو متزايد ما يبررها، فالاقتصاد في جميع أرجاء الأرض قد أصبح عالمياً في دينامياته الأساسية وتهيمن عليه قوى السوق التي لا يتحكم فيها أحد وأصبحت الشركات متعدية القومية بالمعنى الصحيح العناصر الفاعلة الاقتصادية الرئيسية والقوى المؤثرة الكبرى في التغيير، وهى لا تدين باى ولاء لأى دولة قومية، وتتخذ موقعها في أي مكان من السوق العالمية وفقاً لإملاء الميزة النسبية.
وتبلغ هذه الصورة من القوة درجة جعلتها تسحر عقول المحللين وتأسر الأخيلة السياسية، على الرغم من أن أحد الأثار الرئيسية لمفهوم العولمة هو شل الإستراتيجيات القومية الإصلاحية الجذرية وإعتبارها غير قابلة للحياة في وجه أحكام ومقتضيات الأسواق العالمية، ويرى هذا التصورأن مزاعم أشد أنصار العولمة جذرية أصبحت بادية السطحية ومفتقرة إلى السند
ورغم ذلك فقد إنزعج هذا التصور إزاء ثلاث حقائق :-
أولهما: غياب نموذج مقبول عموماً للإقتصاد العالمي الجديد يبين كيف يختلف عن الحالات السابقة للإقتصاد العالمي.
ثانيهما: الميل على نحو عرضى إلى تقديم أمثلة لتدويل قطاعات وعمليات كما لو كانت دليلاً على نمو إقتصاد تسوده قوى سوق كوكبية مستقلة في غياب نموذج واضح تقاس على أساسه الإتجاهات.
وثالثهما: إفتقاد العمق التاريخى والميل لتصوير التغيرات الجارية بإعتبارها فريدة في بابها وغير مسبوقة وركينة أساسية ، بحيث تواصل البقاء طويلاً في المستقبل.
وقد توصلت هذه الرؤية إلى أن العولمة كما يتصورها أشد دعاتها تطرفاً هي إلى درجة كبيرة أسطورة، وقدما على ذلك الحجج التالية :-
1ـ إن الإقتصاد الراهن المتسم بطابع عالمي عالى المستوى ليس غير مسبوق : فهو واحد من عدد من الأوضاع أو الحالات المتميزة للإقتصاد العالمي التي وجدت منذ أن بدأ كإقتصاد مبنى على التكنولوجيا الصناعية الحديثة في أن يصير معمماً إبتداءً من ستينات القرن التاسع عشر، وفى بعض الأوجه يعتبر الإقتصاد الراهن أقل إنفتاحاً وتكاملاً من النظام الذي ساد من (1870 إلى 1914).
2ـ أن الشركات متعدية القومية بحق نادرة نسبياً، فمعظم الشركات ذات قاعدة قومية وتتاجر على المستوى متعدد القوميات على أساس من قوة موقع قومى رئيسى للإنتاج والمبيعات، ويبدو أنه لا وجود لميل رئيسى نحو نمو شركات عالمية بحق.
3ـ إن حراك رأس المال لا ينتج تحولاً ضخماً للإستثمار والعمالة من البلاد المتقدمة إلى البلاد النامية، بل يتركز الإستثمار الخارجى المباشر بقدر كبير وسط الإقتصادات الصناعية المتقدمة ويظل العالم الثالث هامشياً في كل من الإستثمار والتجارة بصرف النظر عن أقلية صئيلة من البلاد المصنعة حديثاً.
4ـ إن اقتصاد العالم كما يقر بعض الغلاة من أنصار العولمة، بعيد عن أن يكون كوكبياً بحق، بل إن التجارة والإستثمار والتدفقات المالية متمركزة في ثلاثى أوروبا واليابان وأمريكا الشمالية، ويبدو أن هذه السيطرة مهيأة للإستمرار.
5ـ وهكذا فإن لهذه القوى الإقتصادية الكبرى (مجموعة الثلاثة) القدرة، وخاصة إذا نسّقت سياستها ، على ممارسة ضغوط تحكّم وتوجيه قوية على الأسواق المالية والميول الإقتصادية الأخرى، وعلى هذا النحو لا تكون الأسواق العالمية على الإطلاق متجاوزة التنظيم والتوجيه حتى على الرغم من أن النطاق الراهن والأهداف الجارية للتحكم الإقتصادى محددان بواسطة المصالح المتباعدة للقوى العظمى والمذاهب الإقتصادية السائدة بين نخبها.

فى هذا السياق فإن هناك من يرى أن "العولمة الجديدة" التي إنتهى إليها تطور النظام العالمي مع نهاية عقد الثمانينيات من القرن العشرين وهى لا تزال في حالة التبلور والسيرورة هي درجة من درجات التطور التاريخى للنظام الرأسمالي العالمي على صعيد التراكم الكمى، فإذا كان النظام الرأسمالي القديم هو أول نظام عالمي في التاريخ المعنى00 "فالأمر لا يتعلق هنا في الواقع ببناء نظام عالمي جديد وإنما بنوع من النظام العسكرى العالمي المرافق للنظام الرأسمالي النيوليبرالى المتوحش" . فالعولمة ليست أسطورة تبالغ فى درجة عجزأطراف النظام العالمى و التى تسمى بالدول النامية فى مواجهة نظامها وأدواتها و تصوراتها و أهدافها .
فالإستقطاب العالمي، كأزمة تناقض بين مراكز النظام العالمي وأطرافه لها إمتداداتها داخل هذه المراكز والأطراف، هو السمة الرئيسية المحددة لجوهر هذا النظام منذ بداياته الأولى ، وتأتى "العولمة الجديدة" اليوم لتزيد هذا الإستقطاب عمقاً وهذه الأزمة إنفجاراً 0 الظاهرة التي تنعكس اليوم في مضاعفة الإستقطاب العالمي على الصعيد العالمي أولاً ، وفى تفاقم أشكال حضور هذا الإستقطاب داخل مراكز النظام العالمي وأطرافه، كنهايات طبيعية داخل هذه المناطق ثانياً،0
فعلى الصعيد العالمي أن تحول وتطور النظام العالمي يضع إذا، في مقدمة الأحداث، التناقض بين "المراكز والأطراف"، هذه الأزمة التي كانت دائماً تعبيراً عن التناقض الرئيسى في الرأسمالية القائمة فعلياً، تصبح في المرحلة الجديدة الأزمة المباشرة الأولى والكبرى، وإلتحاق بلدان الشرق بمعسكر الرأسمالية العالمية لا يضعف حدة هذه الأزمة، بل على العكس يدفعها إلى المقدمة، وبدلاً من أن يسهم في "التهدئة" لابد له من أن يسبب مزيداً من العنف في إشكالات الشمال والجنوب، ذلك أن زوال التناقض شرق / غرب، كشكل من أشكال تجليات التناقض شمال / جنوب، يدفع بهذا التناقض الأخير، من حيث هو تناقض جوهرى للنظام الرأسمالي العالمي، إلى سطح هذا النظام للظهور عليه بشكل مباشر، وبالتالى يصبح التناقض شمال / جنوب هو شكل وجوهر التناقض الرئيسى في النظام الرأسمالي العالمي، هذا من ناحية .
أما من الناحية الثانية فإن "العولمة الجديدة" كمحاولة أولية قيد التبلور لبعث وحدة العالم التي قامت على أساس السوق الرأسمالية طوال القرن التاسع عشر، وإنفجرت مع قيام ثورة أكتوبر (1917) في روسيا تعنى مزيد من الإستقطاب العالمي، وإن بصيغ جديدة تقررهـا الوقائع الموضوعية الجديدة.
وبالتالى فإن العولمة الرأسمالية الجديدة ما هي إلى مرحلة جديدة قديمة لأن ما تدعو إليه من أن السوق الحر هو علاج كونى لجميع مشاكل هذا الكون كان أساساً موضوعياً قام عليه النظام العالمي حتى لحظة تصدعه وإنفجار وحدته مع ثورة (أكتوبر 1917) فى روسيا ومن ناحية أخرى فهى مرحلة جديدة لأنها محاولة لقيام الليبرالية على الأساس الموضوعى العالمي الجديد الذي يختلف إختلافاً هاماً عن الأساس الموضوعى الذي قامت عليه ليبرالية القرن الماضى، نظراً للمستوى العلمى والتقنى الذي وصل إليه اليوم تطور المجتمع البشرى، ومن هنا فإن المرحلة الجديدة للعولمة الرأسمالية هي أسوأ من (المرحلة الكينزية) السابقة عليها مباشرة، والممتدة من نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى الآونة الأخيرة، وذلك بالمعايير الجوهرية للمقارنة بين المرحلتين المعنيتين، إذ أن الإستقطاب العالمي كبعد جوهرى ثابت للرأسمالية العالمية هو اليوم أكثر عمقاً وبروزاً من أي مرحلة سابقة مرت بها هذه الرأسمالية، وعلى هذا الأساس سمى د. سمير أمين "العولمة الجديدة بـ "إمبراطورية الفوضى".
فالفوضى عندما تصل إلى حد معين تصير نظاماً، وهذا هو الحال في "العولمة" إذ أن الفوضى هي نظامها ويتجلى هذا الأمر في ظاهرة إستخدام العنف العسكرى ، كشكل أكثر فجاجة للإكراه السياسي ، وسيلة لتنفيذ المبادئ المزعومة من جانب صناع هذا النظام النظريين منهم والسياسيين، وذلك بعيداً عن أية معايير موضوعية ملموسة لا مناص عن الإحتكام إليها في رسم المبادئ وتنفيذها من جانب كافة المعنيين بها كشرط ضرورى لقيام النظام ـ بالمعنى الديمقراطى للنظام ـ ، فإحتكام صناع "العولمة" لمعايير ذاتية وأيديولوجية بحتة ، سواء عند تدشينها العملى أوائل عقد التسعينات من القرن الماضى أو عند رسم وتطبيق القرارات التي رسموها وطبقوها حتى الآن ، هو واحد من الأسباب التي دفعت إلى تسمية هذا النظام "إمبراطورية الفوضى" و "العولمة الجديدة" بهذا المعنى هي عامل جديد في إطار النظام الرأسمالي العالمي لتعميق الطابع العالمي لهذا النظام على الصعيد الإقتصادى ولتعزيز هيمنة العامل السياسي داخل النظام المعنى في الوقت نفسه.
وينبغى الإشارة إلى أنه مع تزايد قوة الدفع التي سارت بها العولمة في الآونة الأخيرة، فقد تزايد سوء وضع البلاد النامية في التجارة العالمية، وقد تناقضت هذه الحقيقة مع ما ردده كثير من الإقتصاديين والخبراء من أن العولمة وما تنطوى عليه من تحرير مالى ونقدى وتجارى سوف تعزز النمو الإقتصادى والرفاهية في مختلف أنحاء المعمورة، وأن مزاياها سوف تتقاسمها كل من البلاد المتقدمة والبلاد النامية على حد سواء وإن كانت بدرجات متفاوتة .
وهنا فإن تعريف العولمة بإعتبارها تعنى عند كثير من الكتاب ، " تصاعد البعد الدولي للرأسمالية على النحو الذي تتآكل عنده الحدود الجغرافية والسيادية للدول مع تزايد درجة الإرتباط والتشابك بين إقتصاديات العالم المختلفة" ، هو تعريف ينصب على مظاهر العولمة دون التعرض لجوهرها، ولهذا فإن هذا التعريف قاصر0
ومن ثم فإن تحليل مضمون العولمة من هذه الزاوية للعولمة يقودنا إلى النظر إليها على أنها : " المرحلة الراهنة من تطور النظام الرأسمالي العالمي الذي تسعى فيه دول المركز إلى إزالة كل العقاب والقيود التي تحول دون إقتحام السلع ورؤوس الأموال داخل حدودها الوطنية "بإعتبارها ضرورة أساسية لإستمرار تراكم رأس المال" وقد ظهرت هذه الضرورة مع إحتدام أزمة الرأسمالية في صعيدها المحلى "تفاقمت البطالة وزادت أزمات تصريف الإنتاج محلياً وتدنت معدلات الربح في قطاعات الإنتاج السلعى وتزايد العجز في الموازنة العامة وتردت معدلات الإستثمار والنمو .
وفى هذا السياق فإن البلدان الصناعية المتقدمة وشركاتها متعددة الجنسية قامت بوضع وصياغة قواعد العولمة الليبرالية الجديدة في ضوء الدفاع عن مصالحها وتجاهلت على نحو خطير مشكلات البلاد النامية وبالذات مشكلات البلاد الفقيرة والأقل نمواً ومصالحها وتطلعاتها نحو التنمية والتقدم مستغلة في ذلك الضعف الشديد لموقعها في الاقتصاد العالمي والتفكك الهائل الحادث في صفوفها وعد م وحدتها للدفاع عن مصالحها في المحافل الدولية، وأنه ليس صحيحاً أن العولمة أصبحت تتحرك بقوى دفع ذاتية وأنها أصبحت من قبيل الحتميات الشبية بالأحداث الطبيعية التي لا يمكن الوقوف في وجهها، بل هي - في الحقيقة - نتائج سياسات وإرادات واعية بما تفعل وأن تلك السياسات تصب في النهاية في مصلحة الشركات متعددة الجنسيات وحرية حركتها على الصعيد العالمي.
ولذلك فإنه ينبغى الحذر فى إطار تحليلنا لمضمون العولمة من أنه لا يصح الحديث عنها بإعتبار أنها خلقت قرية إقتصادية كونية واحدة يتساوى فيها الجميع، وتستفيد منها البلاد النامية مع البلدان الصناعية المتقدمة، فقد ثبت أن ذلك نوع من الدعاية الفجّة وهو ما بدأ يدركه كثير من قادة البلاد النامية.
فعلى الرغم من الحماس الشديد الذي تبديه مجموعة البلدان الصناعية المتقدمة لسرعة إندفاع قطار العولمة وتحرير التجارة العالمية إلا أن تلك البلدان كثيراً ما تتمرد على مبادئ العولمة وتحرير التجارة العالمية إذا ما تعارضت مع مصالحها ومصا لح شركاتها متعدية الجنسيات (ومن أمثلة ذلك النزاعات التجارية والتهديد بفرض العقوبات وزيادة الرسوم الجمركية بين هذه البلدان).
ومن زاوية أخرى من زوايا تحليل مضمون العولمة فإن هناك من يرى أن العولمة كمفهوم في أحد تعريفاته يهدف إلى إقامة نظام ثقافى - إجتماعى - إقتصادى - سياسي .، تتوحد فيه جميع الهويات الأخرى، أي إقامة سياسة كونية بديلة تقوم على نظام واحد والعولمة نمط سياسي إقتصادى ثقافى لنموذج غربى متطور خرج بتجربته عن حدوده لعولمة الآخر بهدف تحقيق أهداف وغايات فرضها التطور المعاصر.
ويقودنا ذلك إلى أن ظاهرة العولمة تحتاج إلى صياغة نموذج متعدد الأبعاد حتى نصل إلى مضمونها الحقيقى، وهذا النموذج من وجهة النظر المعرفية - لابد أن يربط ربطاً عضوياً وثيقاً بين تعريفات العولمة المختلفة والمسلمات التي تقوم عليها والأطروحات التي تتضمنها ومجالات السياسات التي تصاغ بناء على هذه المسلمات، وصور المقاومة لها وذلك من خلال منظور معرفى متكامل، ويقترح أ. السيد يس نموذج معرفى ثلاثى الأبعاد:
فهو في بعد أول دراسة دقيقة لتعريفات العولمة التي يشيع إستخدامها لدى الباحثين العلميين ولدى الساسة في الوقت نفسه، وهى تنقسم من وجهة نظره إلى أربع فئات، العولمة بإعتبارها مرحلة تاريخية، والعولمة بإعتبارها تجليات لظواهر اقتصادية، والعولمة بإعتبارها إنتصاراً للقيم الأمريكية، والعولمة بإعتبارها ثورة إجتماعية وتكنولوجية0
أما البعد الثاني في هذا النموذج المعرفى فهو يتعلق بالدراسة النقدية للطروحات الأساسية التي صيغت بناء على التعريفات التي قدمت للعولمة، فبدون تحديد هذه الأطروحات ومناقشتها لا يمكن فهم ميدان البحث البازغ الخاص بدراسات العولمة في مجال بحوث العلاقات الدولية، وهذه الأطروحات هي : "أطروحة إعادة التوزيع، وأطروحة الإقليمية، وأطروحة التحديث، وأطروحة الثورة الإتصالية ورمزها البارز هو شبكة الإنترنت،
ويصل في النهاية إلى البعد الثالث والأخير من النموذج المعرفى المقترح وهو يتعلق بمجالات السياسة المختلفة والتي تظهر فيها قوى متصارعة متعددة يقوم بعضها على أساس الإعتراض على بعض سياسات العولمة ، وفى بعض الأحـيان رسم خطط لمقاومتها.
وبعد إستخدام النموذج المعرفى المقترح ثلاثى الأبعاد فإننا نصل إلى نتيجة مفادها إلى أنه وإن كان صحيحاً أن العولمة الراهنة تكشف عن ذروة من ذرى تطور النظام الرأسمالي العالمي، فإن التاريخ سيتجاوز هذه اللحظة، وسيكشف في المستقبل المنظور أن العولمة - بغض النظر عن نشأتها الرأسمالية - ستتجاوز شروط نشأتها لتصبح عملية عالمية واسعة المدى، ستنقل الإنسانية كلها - على إختلاف ثراء وفقر الأمم - إلى آفاق عليا من التطور الفكرى والعلمى والتكنولوجى والسياسي والإجتماعي، وبعبارة أخرى ستحدث آثاراً إيجابية لم تكن متصورة لدى من هندسوا عملية العولمة، بل وستتجاوز هذه الآثار مخططاتهم التي كانت تهدف للهيمنة والسيطرة على النظام العالمي، وسيثبت التاريخ أنه لن يتاح لدولة واحدة مثل الولايات المتحدة الأمريكية، أو حتى مجموعة من الدول الكبرى أن تهيمن هيمنة كاملة على العالم إقتصادياً وسياسياً وتكنولوجياً وعلمياً، وإلا حكمنا على شعوب الأرض جميعاً بالعقم وعدم الفاعلية، وفى هذا الإطار، فثمة حاجة ملحة إلى منهج صحيح للتعامل مع ظاهرة العولمة بكل أبعادها، فالعولمة عملية تاريخية غير قابلة للإرتداد، وبذلك يعد منطقاً متهافتاً ما يدعو إليه بعض أعدائها من ضرورة محاربتها، لأنك لا تستطيع الوقوف أمام نهر متدفق، وهو عبارة عن حصاد تقدم إنسانى تم عبر القرون الماضية ، و أسهمت فيه شعوب و حضارات شتى ، و المعركة الحقيقية، لا تكمن في مواجهة العولمة كعملية تاريخية، وإنما ينبغى أن تكون ضد نسق القيم السائد الذي هو في الواقع إعادة إنتاج لنظام الهيمنة القديمة.
فى هذا السياق فإن هناك علامات فاصلة في التاريخ الحديث لمسيرة العولمة : مرحلة ما قبل "سياتل" ومرحلة ما بعد "سياتل" حيث إنعقدت أعمال الإجتماع الوزارى الثالث لمنظمة التجارة العالمية (W.T.O) في نوفمبر 1999، فلا يخفى على أحد أن "منظمة التجارة العالمية" أصبحت تشكل أحد أهم أذرع وأدوات "العولمة" على صعيد تحرير المبادلات التجارية في جميع المجالات : تجارة السلع وتجارة الخدمات بأنواعها، العقود والمشتريات الحكومية وحقوق الملكية الفكرية، التدابير التجارية المتعلقة بالإستثمارات، إذ أصبحت "منظمة التجارة العالمية" أحد أهم أضلاع المثلث الذي يضم صندوق النقد الدولى، البنك الدولى، منظمة التجارة العالمية بإعتبارهم المنظمات الرئيسية المفوضة بإدارة النظام الإقتصادى الجديد المعولم، فقد تم إستقبال إجتماع "سياتل" بموجة من المظاهرات الغاضبة" عمت بقاع عديدة من العالم، فقد إندلعت مظاهرات ضخمة تحركت من ميدان الأمم في جينيف بسويسرا يوم 7 نوفمبر 1999 قبل بدء إنعقاد المؤتمر، رافعة شعارات معادية لمنظمة التجارة العالمية شارك فيها آلاف المواطنين من الحرفيين والمزارعيين، تساندهم نخبة من رجال الإقتصاد والفكر والمال من بينهم "موريس آليه" أستاذ الإقتصاد الفرنسى الحائز على جائزة نوبل للإقتصاد، وفى نفس الوقت تظاهر أكثر من عشرين ألف شخص في فرنسا إحتجاجاً على ممارسات "منظمة التجارة العالمية" وحمل المتظاهرون الذين ساروا في قلب باريس لافتات كتبوا عليها شعارات معارضة لتوجهات المنظمة وأكدوا فيها أن "العالم ليس سلعة يتداولها الأقوياء" وأثناء إنعقاد المؤتمر تحولت مدينة "سياتل" في الولايات المتحدة الأمريكية، إلى ساحة قتال بين المتظاهرين، الذين وصل عددهم إلى نحو مائة ألف شخص، والسلطات الرسمية في الدولة الأمريكية، وتعتبر تلك الموجة الإحتجاجية العارمة ضد منظمة التجارة العالمية "ظاهرة جديدة؟ هي الاولى من نوعها في الولايات المتحدة الأمريكية، منذ نهاية حرب فيتنام، فما الذي حدث، بعد فترة من "السبات العميق" خلال التسعينيات؟
إن حقبة التسعينات كانت تمثل فترة التمرير الهادئ لآليات وأدوات العولمة الجديدة بعد سقوط "حائط برلين" وإنهيار الإتحاد السوفيتى وظل العالم في حالة غيبوبة وإفتقاد للتوازن "خلال التسعينيات" حيث كانت أدوات العولمة "النشيطة" تدس "السم في العسل" وتقدم للعالم صورة وردية لمستقبل العالم في ظل العولمة وذلك تحت شعار "العولمة السعيدة" بلا آلام و لادموع على حد ما جاء في الكتابات التبشيرية هنا وهناك، وهكذا كان العالم في حالة تخدير كامل، ولكنه عند نهاية التسعينيات تخمرت تناقضات العولمة في الشمال والجنوب وآفاق العالم من غفوته، وأطلق صيحة المدوية في "سياتل" ضد ترتيبات وإتفاقات "منظمة التجارة العالمية" والإعتراض على إطلاق جولة جديدة للتفاوض بشروط بلدان العالم الأول والولايات المتحدة الأمريكية بصفة خاصة، وجاءت الشعارات والهتافات التي ملأت شوارع "سياتل" لتعكس العديد من المعانى لعل أهمها "الناس والشـعوب قبـل الأربـاح" (People before profits).
لقد كانت أهم منجزات فشل "مؤتـمر سيـاتل" ، هو إبطاء الهرولة نحو الإندماج في مسيرة العولمــة دون تأمل ورويّة .
كما أن الشـعار الذي رفعـه المتظاهـرون ضــد "مؤتـمر سياتل : " لا نريد تجارة حرة، بل نريد تجارة عادلة" ،
Faire Trade Not Free Trade، يلخص جوهر المشكلة، إذ أن التأمل في مغزى الفرق بين "تجارة حرة وتجارة عادلة" يحمل العديد من المعانى والتداعيات لأنه قد تكون "الحرية" بلا "عدالة" وأن "الحرية" التي لا تقود إلى "العدل والإنصاف" ليست سوى شعار براق لا يحقق الإستقرار والتوازن على الصعيد العالمي.
فى هذا السياق فإنه ينبغى التمييز فى إطار تحليلنا لمضمون العولمة بين مفهومين :-
الأول :ـ عمليات العولمة بإعتبارها عمليات تاريخية :
و التى تجرى في مرحلة عليا من التطور الرأسمالي وهى عمليات يرى البعض أنها لا راد لها وكأنها قضاء وقدر في حين أن عمليات العولمة في رأى العلماء والباحثين الغربيين ليست جديدة، وأن هناك موجة عالمية بدأت في نهاية القرن الماضى وتحديداً في عام 1870م وانكسرت هذه الموجه بسبب تناقضات العولمة بحلول الكساد الكبير عام 1929، وبعد الإنكسار لموجة العولمة التاريخية الأولى بسبب الكساد الكبير، توقفت عمليات العولمة خلال الثلاثينيات، وبعد الحرب العالمية الثانية، إنغمس الغرب في عملية إعادة البناء خلال الخمسينيات والستينات، ثم بدأت الموجه الحديثة للعولمة تؤازرها التطورات التكنولوجية منذ نهاية السبعينات وأن هذه العمليات الجارية حالياً ليست خالية من التناقضات، وأن هناك حدوداً تاريخية لعمليات العولمة بالمعنى الاقتصادى البحت، وبالتالى فإن البحث الجاد لا يقتضى فقط النظر إلى العولمة على أنها تيار تاريخى لا يصد ولا يرد، وإنما الأمر يقتضى البحث في تناقضات العولمة ومخاطرها على بلدان الجنوب.
إن العمليات التاريخية الجارية "للعولمة" تتم من خلال ثلاث آليات أساسية :-
أ :ـ آلية ثورة المعلومات والإتصالات.
ب: ـ دور النقود الإليكترونية وحركة الأموال العابرة للحدود.
جـ: نمو وتوسع نشاط الشركات متعددة الجنسيات، من خلال عمليات الإندماج المتزايد عبر القارات الثلاثة : الأوروبية - الأمريكية - الآسيوية، وتلك عمليات تاريخية جارية بالفعل لا يملك أحد إنكارها.

الثانى :ـ أيديولوجيات العولمة :
وتلك تتعلق بالشق الثقافى، إذ أن هناك تداعيات ثقافية لعمليات "العولمة" الجارية، فخطاب العولمة على الصعيد الثقافى والأيديولوجى قضية في غاية الخطورة ومتميزة تماماً عن العملية التاريخية الجارية، وهناك ترويج كبير للأيديولوجية التي أطلق عليها خطاب العولمة على الصعيد الثقافى، فعناصر هذا الخطاب تحوى دعوة للتنميط، أو بالأحرى "محاولة إستنساخ فكرى" فكتابات فرانسيس فوكوياما و أنصاره ، حول "نهاية التاريخ" ، واضحة وفجة تماماً في هذا المجال، حيث يدعو هذا الخطاب إلى محو التمايز الثقافى والحضارى، ويرى أن محصلة العملية التاريخية الجارية للعولمة هو إنتصار الحضارة الغربية التي سوف تفرض قيمها وأساليبها، وأنماط حياتها الإجتماعية على شعوب العالم.
وفى الإطار التحليلى لمضمون العولمة ينبغى التركيز على ملاحظة غاية في الأهمية وعادة ما يغفلها البعض، فالعولمة كعملية تاريخية تنطوى على تناقض أساسى، إذ أن هناك تناقضاً بين نزعتين :-
النزعة الأولى: تؤدى إلى المزيد من التعددية والتمايز، وأن هناك نوعاً من الديمقراطية الجديدة من خلال الإنترنت وإتساع دائرة المعلوماتية.
النزعة الثانية: تؤدى إلى مزيد من التمركز والإحتكار، وخاصة في ظل موجة الإندماج الكبرى - Megamerers - التي نشهدها في البلدان الغربية خلال السنوات الخمسة الأخيرة، إذ أنه منذ بداية التسعينات نجد أن المصارف الكبرى والشركات الكبرى تندمج بصورة لم يسبق لها مثيل في تاريخ التطور الرأسمالي وكذلك الحال بالنسبة لشركات الإعلام الكبرى.
وبالتالى فإننا نعيش في مرحلة تاريخية جديدة يتنازعها تياران متناقضات تماماً، إذ أن المزيد من الدمج والتمركز الإحتكارى يؤدى لنفى التنافسية، وبالتالى نفى التعددية، لأنه إذا ما تمت السيطرة على مراكز الإنتاج، ومراكز المال، ومراكز البث الإعلامى، بواسطة الشركات الكبرى، فإننا نشهد مرحلة جديدة من التطور الإقتصادى والإجتماعي العالمي بقيادة رأس المال المالي تؤدى إلى السيطرة الإجتماعية والإقتصادية.
إن العولمة كمفهوم هي أقرب ما تكون إلى العملية الحضارية المتكاملة، التي تسعى إلى صياغة مجموعة التحولات الإقتصادية والسياسية والمعلوماتية التي طرأت على عالمنا في العقود الثلاثة الماضية بطريقة تدعم مساراً محدداً لهذه التحولات وتخفى في الوقت نفسه الكثير من تناقضاتها وسلبياتها، وتدعيم هذا المسار المحدد في حد ذاته ينطوى على تهميش مسارات أخرى وإحتمالات أخرى مضمرة في نفس مجموعة التحولات التي أختير هذا المسار العولمى فيها، وتم تسييده على حسابها، فالعولمة تنهض على منظومة المفاهيم التي تبدأ من الإقتصاد والعلاقات الدولية والإعلام ولا تنتهى عند أنماط الإستهلاك وصيغ الحياة الإجتماعية والثقافية وتحديد تراتب القيم وما هو مقبول وما هو مرفوض على جميع المستويات، وإنما تسعى للتدخل في كل كبيرة وصغيرة لتحكم قبضتها على الإنسان والعالم، في مرحلة من تاريخهما لم تكن إمكانية السيطرة عليهما فيها من قبل أكثر إحكاماً وشمولية مما هي عليه الآن.
و العولمة بهذا المعنى ووفق هذا التصور الجدلى لها كعملية لا تزال في طور الصيرورة هي البديل الجديد لما كان يسمى قديماً بالأيديولوجيات الشاملة أو الشمولية، ليس فقط لأن شموليتها تتجاوز طموحها كل مطامح الشموليات القديمة لتفرض نظامها على الكرة الأرضية برمتها أو على كوكبنا الأرضى كله ولكن أيضاً لأن الصراعات التي تتم على المستوى الدولي لفرض هذه الإيديولوجية الجديدة لا تقل شراسة في قسوتها ولا إنسانيتها ومعاداتها للحرية الفردية ، عن تلك التي قتلت نقداً لفرضها القسرى للأيديولوجيات الشمولية القديمة.
كما أن العولمة ليست مجرد سيطرة الشركات متعددة الجنسيات، ولا هي أسواق المال أو حتى الرأسمالية، فالعولمة ليست وافداً جديداً بقدر ما هي تفاعل بين عناصر قديمة لها جذور راسخة من ناحية، وعناصر جديدة تبحث لها عن أرضية مناسبة من ناحية أخرى، وهو تفاعل مستمر وذو أبعاد متعددة، وهكذا فإن ما يطلق عليه إسم "العولمة" هو ظاهرة مركبة وملتبسة، يختلط فيها الجديد بالقديم وتتفاعل هذه العناصر في تطور بطئ وتتضمن عناصر متجانسة مثلما تحمل بين طياتها عناصر أخرى متناقضة، فالعولمة ليست نموذجاً نظرياً منطقياً من إختراع مفكر أو مؤلف بقدر ما هي وصف للحظة من لحظات التطور الاجتماعي والتاريخى، وكثيراً ما يقال أن العولمة هي توسيع للأسواق وإزالة للحواجز بين الدول حتى نصبح أمام سوق عالمية، فالعولمة هي قضاء على الاقتصادات الوطنية في سبيل إقامة السوق العالمية.
ويمكن القول أن فهم الإقتصاد المعاصر يتحقق بشكل أوضح إذا نظرنا إلى التاريخ الاقتصادى العام، بإعتباره تاريخاً للمبادلة وقيام الأسواق وتوسيعها وتغليب منطق السوق وفرضه على مختلف أجزاء الاقتصاد الأخرى وإستيعابه لها وإدماجه تدريجاً لها، فالتاريخ الاقتصادى من هذه الزاوية هو تاريخ توسيع ظاهرة المبادلة وفكرة السوق وتحولها من ظاهرة عرضية على هامش الاقتصاد التقليدى والبدائى إلى ظاهرة عامة شاملة تتسع بإضطراد لتوسيع بقية أجزاء الاقتصاد، بل والمجتمع، ولم يقتصر الأمر على التوسع في ظاهرة اقتصاد السوق بل أن هذه الظاهرة قد أدت بدورها إلى تطورات مقابلة في شكل الوحدة السياسية التي تجمع أفراد الجماعة، من القبيلة إلى الدولة المعاصرة مروراً بأشكال الإقطاع والمدن التجارية، وفى مثل هذا التطور تعتبر العالمية أو "العولمة" المرحلة الأخيرة في توسيع الأسواق، فاقتصاد السوق لم يعد يقتصر فقط على التبادل والنشاط الاقتصادى ضمن حدود الدولة السياسية، بل جاوز ذلك ليشمل مختلف أجزاء العالم، وبحيث يعتبر التبادل أو السوق شاملاً لأكبر قدر من المعمورة، دون أن تقف الحواجز السياسية أو السيادات الوطنية عقبة أمام توسع فكره السوق والاقتصاد التبادلى، وتتميز العولمة كمرحلة من مراحل التطور بخصائص عدة أو مؤشرات جديدة تتمثل في ظهور أسواق جديدة مثل أسواق العملات والتي تعمل على مدار الساعة على مستوى العالم، وظهور أدوات جديدة للتعامل والإتصالات مثل الإنترنت والتليفون المحمول وشبكات الإعلام وظهور لاعبين جدد على الساحة مثل المنظمات الدولية، منظمة التجارة العالمية ومنظمات المجتمع المدنى، وأخيرا، ظهور قواعد التعامل مثل الإتفاقات الدولية لتنظيم مختلف الأنشطة.
إن تحليل مضمون العولمة يجعلنا نصل في النهاية إلى القول بانه ليس هناك تعريف جامع مانع للعولمة، وإن كان هناك في العينة التي تم إختيارها لتحليل مضمون العولمة إتفاقاً على جملة من المعانى تلتقى بشكل أو بآخر على أن ظاهرة العولمة هي مرحلة من مراحل تطور الرأسمالية العالمية وإن كانت مختلفة عن أشكالها الأولية بجملة من الوقائع الأساسية التي أدت لحضورها الطاغى راهنا وهى :-
اولها: تضخم الشركات متعدية الجنسيات والتي يضعها جراهام تومبسون في موقع القلب من العولمة الإقتصادية ويصفها بأنها المثال الحى لرأس المال العالمي.

وثانيها: عجز دولة الرفاه التي وضع أسسها عالم الإقتصاد البريطانى جون ميناردكيز حين نادى بإنتهاج سياسة تقوم على تدخل الدولة لحماية الإستقرار الإقتصادى في محاولة للخروج من الأزمة الرأسمالية في نهاية الثلاثينيات.

وثالثها: الطفرة الراهنة للتقدم التكنولوجى في تحديد مجالات الإتصال والمعلومات والإنتشار العالمي للتكنولوجيا الحديثة في الإنتاج الصناعى والإتصالات من كل الأنواع عبر الحدود في التجارة ورؤوس الأموال والإنتاج والمعلومات0

ورابعها: سقوط حائط برلين وإنهيار المعسكر الإشتراكى والحديث عن "نهاية التاريخ" والإنتصار الحاسم للديمقراطية الليبرالية وإقتصاد السوق وخلو الساحية الدولية من نموذج أمثل ومقبول دولياً للتنمية بعد إنهيار النموذج الإشتراكى.

وخامسها: قيام نظام العولمة على إطار مؤسسى تملك الولايات المتحدة الأمريكية السيطرة المباشرة عليه، مكوّن من نظام إستثمارى عالمي بإدراة البنك الدولي للإنشاء والتعمير، ونظام نقدى بإدارة صندوق النقد الدولى، وكلا النظامين يقومان بدوريهما في ضبط العلاقات الإقتصادية العالمية، ويضاف إليها نظام تجارى عالمي بإدارة منظمة التجارة العالمية التي خلقت إتفاقية الجات منذ بداية عام 1995 وإحتوائها على قواعد ملزمة وآليات تحكم إجبارية وتعد نفسها لتصبح الحكّم الفصل في ميادين التنافس والوصول إلى الأسواق العامة والقوانين المتعلقة بالإستثمار والعمالة.

وسادسها: فشل هيئة الأمم المتحدة ومنظماتها في إنشاء نظام عالمي "جديد" تلعب فيه دوراً رئيسياً لفرض إحترام القانون الدولي والشرعية الدولية على الجميع خاصة بعد إنتهاء "الحرب الباردة" وفتح الطريق أمام إمكانية هيمنة القطب المنتصر بقيادة "أمريكا" على هذا النظام ، بكل ما يترتب على ذلك من آثار وأهمها سيطرة الولايات المتحدة على الحوار الدولي بإعتباره اللمسة الأخيرة لإمكانية هيمنة تشمل في أن واحد الجوانب العسكرية والإقتصادية والتكنولوجية والإعلامية والثقافية والإجتماعية والعلمية، خاصة وأن المعالم البارزة للتوجهات السياسية الأمريكية في مجال العلاقات الدولية تمثل إنقلاباً حقيقياً في هذه العلاقات أقدمت عليه الولايات المتحدة الأمريكية مستندة إلى الحقيقة التي مؤداها أنها أصبحت تحكم بقوتها العسكرية الفائقة وتقدمها التكنولوجى وإمكانياتها الإقتصادية الجبارة مصير الكون و التي تريد أن تملى عليه شروطها حتى ولو كانت مجحفة بياقى شعوب العالم وبغض النظر عن تأثيراتها السلبية على السلام العالمي وأنه في ظلال الحرب على الإرهاب التي أعلنتها إدارة الرئيس بوش، فإن هناك إفكاراً جديدة بدأت تزحف ويتم تداولها حول الإستراتيجية العليا الأمريكية التي تهدف إلى إعادة صياغة النظام العالمي الراهن الذي يتسم بأنه أحادى القطبية، وهذه الأفكار تدور حول عدد أساسى من المحاور، لعل أهمها الدعوة إلى حق الولايات المتحدة - بإرادتها المنفردة - في إستخدام القوة في صورة ضربات إستباقية أو إجهاضية أو حتى وقائية سواء بمفردها أو بالتحالف مع من يرغب من الدول، وعدم التقيد بالقواعد والمعايير السائدة الآن في المجتمع العالمي من مواثسق وعهود وأعراف دولية وتشكل هذه الرؤية في الواقع إمبريالية جديدة للويات المتحدة الأمريكية تقودها إلى أن تعطى لنفسها الحق في لعب الدور الكونى لوضع المعايير الدولية وتحديد ضروب التهديد وطرق إستخدام القوة، وأساليب إقامة العدل كما تراها.
وما حدث في العراق من إحتلال أمريكى مباشر بحجج واهية وكاذبة خير مثال على ذلك 0
وفى نهاية هذا المبحث فقد يكون من المفيد والضرورى النظر إلى العولمة أو التعامل معها على ثلاث مستويات :-

المستوى الأول: العولمة كأيديولوجية Globalism

وفى هذا المستوى ينظر للعولمة على أنها إطار فكرى يقوم على فكرة إنتصار الحضارة العربية ويدعى تدشين مرحلة جديد في التاريخ البشرى أو التأسيس لحضارة إنسانبية جديدة، ويستند في هذه الدعاوى على مجموعة من الأطر الأيديولوجية كالليبرالية الجديدة أو إتجاه ما بعد الحداثة أو مرحلة ما بعد التنمية أو ما بعد الأمبريالية، وتسلك نظريات مثل نظرية "نهاية التاريخ" ونظرية "التحديث والتلاقى" ونظرية "عبر القومية" ونظرية الفردية العالمية ونظرية "الموجة الثالث" و "تحول السلطة" وغيرها.
وفى هذه المستوى تطرح العولمة نفسها كمحاولة لنشر حضارة الغرب أو قيم الليبرالية فتنطلق من تحطيم المسلمات والمفاهيم والقيم والإفتراضات القائمة وإحلالها بمجموعة أخرى بديلة لم تخل من التناقض في معظم الأحيان.

المستوى الثاني: العولمة كنظام Globalization System

وفى هذا المستوى من الرؤية أن نفهم العولمة كنظام بمعنى مجموعة من الإجراءات والسياسات والممارسات المقصودة والصادرة عن القوى الكبرى في العالم "خصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية" وقد حاولت هذه القوى بشكل واع ومتعمد تجديد مضمون العولمة وفرض شروطها على كل التجمعات وبشكل يخدم مصالحها وبأدوات تهيمن عليها مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية والأمم المتحدة . ومن ثم، فقد أصبحت العولمة في هذا المستوى تعنى التدخل في الشئون الداخلية من الناحية السياسية، والتحكم في عمليات الإصلاح الإقتصادى من الناحية الإقتصادية ، والإحتراف الإعلامى والثقافى من الناحية الثقافية.

المستوى الثالث : العولمة كعملية Globality

بمعنى أنها مرحلة تاريخية أو هي بمثابة تطور نوعى جديد في التاريخ الإنسانى وبالتالى فهى محصلة تطور تاريخى تراكمى له جذوره التي تحدّث عنها الكثيرون والتي حاول البعض وضعها في شكل حلقات متتالية، وهى بذلك تجسيد لمجموعة من التطورات العلمية والإقتصادية التي تجعل منها إمتداداً لإتجاهات مستقلة إستقلالاً تاماً عن إرادة الدول الكبرى، والعولمة في هذا المستوى تعنى ظهور قوى جديدة تتحكم في الإتجاهات العالمية "الشركات الدولية" المؤسسات المالية الدولية، أسواق المال العالمية، مافيات العنف والجريمة" وظهور شبكات من التفاعل لا تعرف الحدود ولا تعترف بسيادة الدولة، وظهور أنساق عالمية جديدة "نسق سياسي عالمي، نسق إقتصادى عالمي، وآخر إعلامى، وكذلك عسكرى" ،ثم تعنـــى ظهور قضايا عالمية جديدة.
ونستطيع القول أن هذه المقاربة النظرية هي إلى حد كبير قادرة على فك الإشتباك وإزالة الإلتباس حول مفهوم العولمة، أو على أقل تقدير تساهم في الوصف الكلى للعولمة بمستويات للرؤية متفاعلة تأثراً وتأثيراً، ومرتبطة بتغير كيفى "تحول نوعى" ناتج من تراكمات كمية متعددة الأبعاد ومتصلة بخيوط تنسجها، ليس فقط، الأطر الفكرية والفلسفية الغربية كغطاء أيديولوجى، ولكن أيضاً، أدوات هائلة،إقتصادية (شركات متعددة الجنسيات - صندوق النقد الدولي - البنك الدولي - منظمة التجارة العالمية) وتكنولوجية (شبكة المعلومات الدولية "الإنترنت" - شبكات الإتصال - البرمجيات ) وأعلامية (شبكات تليفزيونية وإذاعية عالمية - صحافة ووكالات أنباء) وعسكرية (التفرد العسكرى الأمريكى - حلف الناتو) وكذلك تطويع أدوات ذات طبيعة دولية مستقلة - أو مفترض أنها كذلك (مجلس الأمن - الأمم المتحدة ومنظماتها حول العالم) لخدمة هذه الرؤية.

" هذه الدراسة هى جزء من رسالة الماجستير للباحت و التى ستصدر فى كتاب عن مكتبة مدبولى بالقاهرة تحت عنوان " الكارثة و الوهم ، سياسة الاصلاح الاقتصادى ـ نظام العولمة "



#عبد_المجيد_راشد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إبتلاع الدول : سياسة الاصلاح الاقتصادى و فخ العولمة المتوحشة
- الحصاد المر لسياسات مبارك و حزبه
- الوجوه العشرة في بناء حزب الكرامه
- حزب الكرامة بعض النقاط على بعض الحروف
- المفاهيم الخادعة - الاصلاح الاقتصادى نموذجا -
- مشاهد عن - أمل - يشبهنا و نشبهه
- الخصخصة إختراق للأمن القومى و سيطرة للأجانب على الاقتصاد
- ثورة 23 يوليو و النهضة الثانية لمصر فى العصر الحديث
- خلفاء محمد على - الجزء الثانى-
- خلفاء محمد على - الجزء الأول -
- تجربة محمد على فى بناء الاقتصاد المصرى
- .. العولمة : تاريخ المصطلح و مفهومه
- النهب المنظم لمصر - نموذج الخصخصة -
- علاقة سياسة الاصلاح الاقتصادى بنظام العولمة ..
- كارثة البطالة هدية مبارك و نظامه لشعب مصر
- وقائع إغتيال الجنيه المصرى
- سيناريو دولة الإخوان المسلمين ..
- الحركة الممكنة .. الحركة المستحيلة
- آليات نظام العولمة ..
- فخ التبعية - مصر و صندوق النقد الدولى- .. دراسة


المزيد.....




- مطاردة بسرعات عالية ورضيع بالسيارة.. شاهد مصير المشتبه به وك ...
- السفير الروسي لدى واشنطن: الولايات المتحدة اختارت الحرب ووضع ...
- الشرطة الأسترالية تعتقل 7 مراهقين متطرفين على صلة بطعن أسقف ...
- انتقادات لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بسبب تصريحات -مع ...
- انهيار سقف مدرسة جزائرية يخلف 6 ضحايا وتساؤلات حول الأسباب
- محملا بـ 60 كغ من الشاورما.. الرئيس الألماني يزور تركيا
- هل أججت نعمت شفيق رئيسة جامعة كولومبيا مظاهرات الجامعات في أ ...
- مصدر في حماس: السنوار ليس معزولًا في الأنفاق ويمارس عمله كقا ...
- الكشف عن تطوير سلاح جديد.. تعاون ألماني بريطاني في مجالي الأ ...
- ماذا وراء الاحتجاجات الطلابية ضد حرب غزة في جامعات أمريكية؟ ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - عبد المجيد راشد - تحليل مضمون نظام العولمة