أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - تقنية المعلمومات و الكومبيوتر - صالح سليمان عبدالعظيم - الإنترنت مهد الكراهية














المزيد.....

الإنترنت مهد الكراهية


صالح سليمان عبدالعظيم

الحوار المتمدن-العدد: 1746 - 2006 / 11 / 26 - 11:09
المحور: تقنية المعلمومات و الكومبيوتر
    


ربما لا توجد وسيلة إتصال معاصرة تحمل بين طياتها كل هذا الكم من الكراهية وتأجيج المشاعر الدينية والعرقية والوطنية مثلما هو الحال مع الإنترنت. فقد سمحت هذه الوسيلة لكل من يرتادها بأن ينفث مشاعر الغضب والكراهية التي تنطوي عليها نفسه، وتعبر عنها انتماءاته، ولا يستطيع التفوه بها في الواقع المعيش، بدون خوف وبدون تعقب سواء من جانب السلطات الرسمية أو من جانب السلطات الاجتماعية الأخرى أفرادا ومؤسسات.

ويتسق ذلك مع كون النشأة الأولى للإنترنت لم تكن تهدف إلى تعميق التواصل بين البشر وتدعيم أواصر الحوار فيما بينهم. حيث ظهرت البدايات الأولى للإنترنت في أواخر الستينيات من خلال مشروع عسكري تبنته الولايات المتحدة الأمريكية يهدف إلى ضمان الحفاظ على بنية المعلومات الخاصة بها حال تعرضها لضربة عسكرية مفاجئة. ورغم أن الإنترنت تجاوزت هذا الإرتباط العسكري الخاص بالنشأة لتنتشر فيما بعد في مختلف الجامعات ومراكز البحوث العلمية حيث يستخدمها ملايين المؤسسات والأفراد، إلا أن هذا الطابع العسكري للإنترنت مازال ملازما لها حتى الآن على الأقل من خلال الطابع الهجومي والعدائي التي تنطوي عليه العديد من مواقع الإنترنت الحالية.

فالإنترنت قد أصبحت ملاذا للجماعات الأصولية بكافة أشكالها وانتماءاتها، كما أصبحت موطنا للأقليات في كافة أنحاء العالم للدفاع عما تراه حقوقا لها، كما أنها قد أصبحت واجهة للدول والوزارات والحكومات والمؤسسات الدولية والإقليمية والمحلية. كما أنها قد أصبحت ملاذا لكل من يريد أن يعبر عن هواجسه ويريد أن يطلع الآخرين عما يواجهه من مخاطر ومعاناة. وعبر كل هذه المواقع لا يطالعنا سوى صوت منشئيها وتوجهاتهم المسبقة، حيث يبدو صخب الأيديولوجيات وتناطح المصالح بشكل قل أن نجد له نظير في أى مكان آخر في العالم.

ورغم ما أطلقته الإنترنت في عالمنا العربي من حريات غير مسبوقة للتعبير، بشكل تجاوز قدرات الدول العربية ذاتها على الرقابة والسيطرة، فإنها قد أطلقت مشاعر العداء والكراهية المكبوتة على كافة أشكالها وألوانها. وعلى ما يبدو أن الهيمنة التي مارستها الدول العربية على الكلمة المكتوبة طوال العقود السابقة من جانب، وشعور المواطن العربي بالغبن والظلم الاجتماعي والسياسي من جانب آخر، قد أطلق ما يمكن أن نطلق عليه الحريات المنفلتة غير الناضجة والمثيرة للعداء والكراهية أكثر منها الداعمة للحوار والنقاش العقلانيين.

ورغم أن هذا الإنفلات في استخدام الحريات المتاحة عبر الإنترنت قد سمح بإطلاق الكامن والدفين من المشاعر والتوجهات والإنفعالات من جانب، إلا أنه قد كرس حالة العداء والكراهية الموجودة عبر الواقع المعيش، وأعاق إمكانيات التوصل لقدر ما من العقلانية والتفاهم من جانب آخر. فقد وجد المواطن العربي على اختلاف مشاربه وتوجهاته في الإنترنت فرصته التاريخية في فضح العديد من الأنظمة العربية التي انتهكت حرياته، وأعاقته عن ممارسة فعالياته ومساهماته المجتمعية. وإذا كان هذا المواطن قد قبل بأشكال الرقابة التقليدية التي مارستها العديد من النظم العربية عليه، فإنه قد وجد ضالته المنشودة في الإنترنت، بدون أن يعلن عن نفسه، وبدون يقدم نفسه أضحية لهذه النظم.

وإذا كان العديد من أبناء الأقليات في العالم العربي قد قبلوا التحيزات والتمايزات التي يمارسها بعض أبناء الأغلبية ضدهم، فإنهم قد وجدوا أيضا ضالتهم المنشودة في الإنترنت لفضح هذه الممارسات، وفي كثير من الأحيان المبالغة في بعضها، بل وفي أحيان غير قليلة إختلاق بعضها. كما أن الإنترنت قد أطلقت حدة العداءات بين المواطنين العرب أنفسهم، فما كان مختبئا في الماضي، وماكان يصعب التعبير عنه عبر الوسائل التقليدية، قد وجد له متسعا عبر الإنترنت، وعبر التعليقات المتواصلة التي يطلقها الملايين من أبناء العرب المجهولي الهوية. فالمعارك الطاحنة عبر الإنترنت التي تبرزها تعليقات القراء الذين يستخدمون في الغالب أسماءا حركية تكشف المدى الذي وصلت إليه العلاقات بين المواطنين العرب أنفسهم.

تكشف الإستخدامات العربية المعاصرة للإنترنت عن حالة مخيفة من التنميط يمارسها البعض ضد البعض الآخر. وتنبع حالة التنميط التي يمارسها المواطنون العرب ضد بعضهم البعض عن عدم معرفة بالآخر وجهل تام بشؤون حياته. فهؤلاء شحاذون، وهؤلاء أغبياء، وهؤلاء خبثاء، وهؤلاء مترفون، وهؤلاء منحلون، وهؤلاء أذلاء، وهؤلاء كافرون، وهؤلاء ملحدون، وهؤلاء عملاء، إلى آخره من قائمة الوصفات الجاهزة التي يطلقها البعض ضد البعض الآخر عبر صفحات الإنترنت. إضافة إلى ذلك، كشفت حالة التنميط التي تظهر عبر صفحات الإنترنت عن الدور السلبي الذي تمارسه وسائل الإعلام العربية في تغذية حالة سوء الفهم بين المواطنين العرب بما يدعم من استشراء حالة التنميط فيما بينهم.

إذا كانت الإنترنت قد فتحت آفاقا جديدة للعلنية والمكاشفة، فإنها ومن خلال التحيزات الأيديولوجية والنيات العدائية المسبقة قد عمقت من حدة الخلاف والعداء بين المواطنين العرب العاديين الذين لم تكن تشغلهم هموم السياسة، وأوضاع الأقليات، والاختلافات الدينية، والانتماءات العرقية. وهذه هي المخاطر الجمة التي أطلقت عقالها الإنترنت. صحيح أنها قد أشركت الكثيرين في النقاش، لكنها أشركتهم بأطرهم الفكرية والأيديولوجية المسبقة، وليس بضرورات الحوار العقلاني الواعي الذي يهدف لتقدم الواقع العربي المعاصر وتحسين شروط العيش فيه.

قد يكون للإنترنت فائدة من حيث أنها قد تسمح للجميع أن يعلن عما يجيش في صدره من خوف وتوجس وعداء وكراهية، لكن المخيف هنا أن تساهم الإنترنت في المزيد من استفحال هذه الحالة من خلال تحويل المواطنين العرب إلى جيتوهات منفصلة عبر صفحات الإنترنت لا تسمع سوى صوتها، ولا تهدف سوى إلى تحقير الآخر أو إلى إبادته.



#صالح_سليمان_عبدالعظيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليبراليون جدد أم مكارثيون جدد
- تفعيل الكراهية
- للمرأة الفلسطينية كل الإجلال
- قراءة في بيان الليبرالية الجديدة
- الشخصية العربية المعاصرة، قراءة أولية
- 11 سؤال عن 11 سبتمبر
- إدوارد سعيد ونقد -الاستشراق-


المزيد.....




- الموناليزا تغنّي الراب.. -مايكروسوفت- تعرض قدرات أداتها الجد ...
- صدمة التشخيص بالسرطان – ما الذي ينبغي على المريض وأقاربه فعل ...
- ما أبرز الادعاءات المتداولة على الإنترنت حول العملية العسكري ...
- دراسة تحدد شكل الجسم الذي يزيد خطر الإصابة بسرطان القولون
- ثبتها الآن.. تردد قناة الفجر الجزائرية على الأقمار الصناعية ...
- “أمتع قنوات الطبيعة“ تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك 2024 نايل ...
- روسيا تمنع تمرير مشروع قرار أمريكي حول عدم نشر الأسلحة النوو ...
- موسكو: رفضنا المشروع الأمريكي حول منع نشر أسلحة الدمار الشام ...
- موسكو: نريد فرض حظر شامل على نشر الأسلحة في الفضاء
- روسيا تمنع تمرير مشروع قرار أمريكي في مجلس الأمن الدولي حول ...


المزيد.....

- التصدي للاستبداد الرقمي / مرزوق الحلالي
- الغبار الذكي: نظرة عامة كاملة وآثاره المستقبلية / محمد عبد الكريم يوسف
- تقنية النانو والهندسة الإلكترونية / زهير الخويلدي
- تطورات الذكاء الاصطناعي / زهير الخويلدي
- تطور الذكاء الاصطناعي بين الرمزي والعرفاني والعصبي / زهير الخويلدي
- اهلا بالعالم .. من وحي البرمجة / ياسر بامطرف
- مهارات الانترنت / حسن هادي الزيادي
- أدوات وممارسات للأمان الرقمي / الاشتراكيون الثوريون
- الانترنت منظومة عصبية لكوكب الارض / هشام محمد الحرك
- ذاكرة الكمبيوتر / معتز عمر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - تقنية المعلمومات و الكومبيوتر - صالح سليمان عبدالعظيم - الإنترنت مهد الكراهية