أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد البوزيدي - المستنقع















المزيد.....

المستنقع


محمد البوزيدي

الحوار المتمدن-العدد: 1746 - 2006 / 11 / 26 - 07:54
المحور: الادب والفن
    


مع كل صباح جديد ، يتأمل عزيز المشهد اليومي من الزجاج في مملكته الخارجة عن القانون ، يسافر لحظات في الخيال ليقدر مداخليه الخاصة لهذا اليوم والتي توقع أن تكون كبيرة بالمقارنة مع الحضور المتميز للتجار عوضا عن الطلبة الذين ضاق بهم ذرعا قبل أسبوع ...
وكالمعتاد ازدحام شديد أمام المقر الذي يعمل فيه قبل ستة أشهر بعد تعيينه مهندسا مكلفا بإجراء امتحانات سياقة السيارات والتأشير على رخص السياقة بجميع أنواعها .
ومع ارتشاف قهوة الصباح وأخذ نفس عميق من السيجارة ،يتذكر قليلا يوم تعيينه .......كان خجولا ولم يعرف حتى كيف يرد على مجاملات التهنئة بالمنصب الجديد ، تماما مثلما كان في المركز الذي تخرج منه ، منغلقا ، منعزلا ، حيث كان عرضة للضحك من زملائه الآخرين الذين كان كل منهم يتدرب على بناء شخصيته الخاصة على حساب كرامة عزيز.
لم يكن يتجرأ الرد الفوري على كلمات الإهانة وضحكات الإحتقارالتي كانت تلاحقه يوميا،لقد كان الوجبة اليومية المفضلة لملء الفراغ الممل وسط داخلية مركز مهندسي التجهيز .
استقبله المدير مرارا،ليحثه على تكوين شخصية قوية وعدم السماح للآخرين بتجاوز الخطوط الحمراء ،لكن البكاء كان نتيجة المقابلة من العجز على تحقيق ذلك .
لقد كان بدويا قحا، لم يألف المزاح ، فبالأحرى في المواضيع العاطفية التي كان زملاؤه يستفزونه بإثارتها من خلال قصص خيالية عنه يدعي الآخرون أمامه تصديقها ،حينها لا يجد حلا سوى الإنسحاب من جلساتهم التي تنفض مباشرة بعد مغادرته لها ،فتزداد عقده يوما عن يوم ،وحين بدا للمدير جديته في العمل ونبوغه في التحصيل ، لم يجد بدا من التدخل لحمايته وليحذر كل من يقترب منه ،إذاك أصبح ينام هادئا ويجلس عاديا ...مع الآخرين الذين توقفوا عن استفزازه لما سمعوا الإشارات الصارمة للمدير .
يتوقف برهة عن تذكر ذكرياته هذه ليفتح الكومبيوتر الماثل أمامه، يتصفح أخبار اليوم ،لا جديد ، فالأخبار مثل الأمس ،قتل ودمار ولقاءات ...يسمع ضجيجا في الخارج ،ينظر من الزجاج ..إنها أصوات تنتظر إشارة منه لتشرع في اجتياز امتحان السياقة والذي هيأت له منذ مدة ..وآخرون يتسلون بالتفرج على السائقين ..يشمئز من هذا الحضور الكثيف ،لكن ما العمل ؟فهذه الامتحانات تكون علنية وبالمباشر ...وب*شفافية*...
يرجع الذاكرة من جديد قليلا..حين حضر أول مرة ..استقبله بالترحاب من يعرفه ومن لا يعرفه ، وحياه من يشتغل معه ومن كان متواجدا بالمكان لحظة وصوله .
هل أنا مهم لهذه الدرجة ..؟ هكذا تساءل مع نفسه ذلك اليوم ،أما آخرون فقد بدأت زوجاتهم في نسج علاقة خاصة مع زوجته ودعوتها لوجبات عديدة رغم أنها لم تتمم أسبوعها الأول هنا ....فلعل علاقة النساء قد تحسم ما ترفضه أنافة الرجال والتعامل بالمنطق والقانون .
حين بدأ عمله يتذكر قولة أبيه التي ودعه بها قبل حلوله بالمدينة :ياعزيزي عزيز يابني ، إياك والرشوة فهي تغضب الله وأنا صرفت عليك من المال الحلال فلا تأتيني بشيء من المال الحرام .....
بعد مرور أسبوع على اشتغاله ..انخفض عدد الناجحين في امتحان السياقة من 60 شخصا أسبوعيا إلى 10 ...ومزقت ملفات 20 مرشحا أغلبهم من فئة التجار ... بعد رسوبهم ثلاث مرات متتابعة مما كلفهم خسائر باهضة حسب تقديرات مركز الأبحاث الشعبية الكائن مقره بالمقاهي الشعبية المنتشرة في الشوارع المختلفة بالمدينة .
أصبح حديث شؤون الساعة ،قطعت العلاقات مع الزوجة بعد الفشل في تحقيق المبتغى ..وانطلقت حملات الإستنكار على السلوك *الشاذ* الذي لم تألفه المدينة منذ سنين ، فلقد اعتاد الجميع دفع العمولة المعلومة إلى سلفه لتحقيق النجاح المعلوم ولو دون ركوب السيارة ، فكانت النتيجة حوادث سير يومية بالشوارع نتيجة لأخطاء السائقين في العلامات المرورية.
حاول أحد العاملين معه تنبيهه للأمر بطريقة لبقة، لكنه زجره محذرا إياه من التدخل في الأمور التي لا تهمه...اتصل به المدير مرارا ، لكنه كان يجيبه أن أبرز توجيهاته التي حفظها في المركز هي أن النزاهة هي التي تحمي بلدنا من ارتفاع عدد حوادث السير ،بينما فضل البعض الإنتقال للمدينة المجاورة لإجراء الإمتحان ...
بعد شهرين استدعاه قائد المقاطعة .. بدأ الحديث لبقا إلى أن وصل إلى لب الموضوع كما نطق بذلك مخاطبا إياه :
+ عزيزي عزيز لقد وصل السيل الزبى ...وأمرت بأن أوصل لك رسالة من المسؤول الأول عن الإقليم ،أمنيا أصبحنا نخشى من مظاهرة تندد بك وبسلوكياتك أثناء امتحانات السياقة ، ومقاولات سيارات التعليم أصبحت مهددة بالإغلاق بعد أن تراجعت مدا خيلها ب60 في المائة منذ حلولك بالمدينة.
+ولماذا ؟وما علاقتي بالموضوع ؟
+عزيزي عزيز ،ندرك جيدا أنك تطبق القانون ،لكن يجب أن تكون مرنا شيئا ما ...
+ ولكن ؟
+ أدرك كل ما تريد قوله ...القانون، النزاهة.، الشفافية، حوادث السير ..كنا نحلم أكثر منك في بداية مشوارنا، لكن الواقع يوقع الواقعي في واقع آخر ،التقارير الأمنية التي تبعث عنك ليست حسنة ،وإذا استمر الحال على ماهو عليه فقد يتم نقلك إلى مدينة أخرى ،أو إعفائك ووضعك رهن الإشارة بلا مهمة في المصلحة بقرارات وزارية ...
وكنصيحة أخوية : كن معتدلا ،متسامحا .......وأنت حديث عهد بالوظيفة،ومازلت لا تفهم قواعد اللعب ...
+ اللعب مع من ؟
+ اللعب مع الكبار ......طبعا
ساد سكون ..وانتهت المقابلة بابتسامات مجاملة فاترة....
في اليوم الموالي حضر عزيز متأخرا متأخرا إلى مقر عمله ،فقد كان الصراع الذاتي الذي عاشه بالليل حاضرا ،وطنين كلمات القائد مازالت ترن في أذنيه :المرونة ،الإعتدال ،......التقارير الأمنية، الوظيفة...
بعد دخوله للمكتب ،نبهه السكرتير الخاص أن أناسا مبعوثين من عند القائد قد حضروا للسؤال عنه ، وحين يدخل كل واحد منهم على انفراد كان يصر على إغلاق الباب بإحكام وسط دهشته من الأمر ، يترك له ظرفا على أنه رسالة من القائد.....
حين انتهى من مقابلتهم كانت ثلاثة أظرفة على مكتبه ،فتح الأول فوجد فيه مبلغ 2000 درهم مع أسماء شخصين،واحتوى الآخر على مبلغ 6000 درهم ،أما الآخر فتضمن تذكرتين للركوب مجانا إلى مدينته التي يحرص على زيارتها كل أسبوعين ...
فتح الأظرفة فإذا به يحس بالذهول بعد عملية حسابية بسيطة ،فالمبالغ تعادل أجرته لمدة شهرين وحين بحث عن الأسماء وجد أنها كانت مقررة أن تجتاز امتحان السياقة اليوم ،فهل هذا يعني أن التحصيل سيكون يوميا ...
أحس بالفرح وبالوجوم في نفس الوقت ، فسوف يسدد الديون التي تراكمت عليه منذ قدومه إلى هنا، خاصة أجرة الكراء لشهرين ،وفي نفس الوقت مازالت كلمات أبيه تؤنبه كإياك والرشوة ، وكلمات القايد عن التنقيل تحضر كل لحظة ...
على خلاف المعتاد تأخر توقيت الامتحان ساعة ،كان وقتا للحسم في الخيارات المطروحة بين قوى الخير ونزوعات الشر داخله ..
فكر في تقديم استقالته ، لكنه تراجع فما لعمل ؟ لقد قضى سبع سنوات من العطالة البشعة الشرسة في دواره البئيس ،وحين تذكر إهانات أخيه الأصغر منه حول عطالته حسم أمره بالغوص في المستنقع الذي يرفضه أصلا ، لكن لا خيارات أخرى أمامه كما قال .....
خرج للإمتحان مبتهجا على غير عادته ، مر الزمن مسرعا بأسئلة بسيطة ، بل هناك من لم يحضر أصلا من الأسماء التي كانت في الظرف وتجاهل المناداة على أسماء أخرى............
سرى الخبر في المدينة وانتشر في صحف المساء بالمقاهي ،انهالت الهدايا على المنزل في نفس اليوم من الناجحون ، وسددت الديون المتراكمة في نفس اليوم كذلك ،ويعد يومين تلقى أربعة دعوات لحفلات وسهرات خاصة ...
.ومع كل يوم جديد عمولات جديدة ........
مر أسبوع آخر .... لقد غير شقته إلى أخرى أحسن منها واشترى سيارة للتنقل......
اقترحت عليه زوجته زيارة القرية، وافق في البداية، لكنه تراجع في آخر لحظة فماذا سيقول لوالده عند سؤاله : من أين لك هذا ؟؟؟؟؟؟؟ وهل سيقدر على الكذب عليه، وهو يدرك نصائحه السابقة .......



#محمد_البوزيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشيخ إمام محمد عيسى
- مفهوم الأغنية الملتزمة
- الفنان المغربي بوجميع في الذكرى الثانية والثلاثين لرحيله
- استغاثة وطن مسلوب
- ضفاف الليل
- وسقطت الأقنعة
- الشباب المغربي والإستيلاب
- من يوميات الدخول المدرسي
- حوار مع القاصة فاطمة بوزيان
- 15/15اغتراب الغربة
- أوراق من زريعة البلاد
- اغتراب الغربة 14/15
- حنين
- اغتراب الغربة 13/15
- اغتراب الغربة 12/15
- ساعات في السجن
- اغتراب الغربة 11/15
- اغتراب الغربة 10/15
- اغتراب الغربة 9/15
- حوار صحفي مع الفاعل الجمعوي محمد بلمو


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد البوزيدي - المستنقع