أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعيم عبد مهلهل - رندة المغربي . موسيقى المكان . وحس الشعر . ودمعة باشالار الباريسية















المزيد.....


رندة المغربي . موسيقى المكان . وحس الشعر . ودمعة باشالار الباريسية


نعيم عبد مهلهل

الحوار المتمدن-العدد: 1745 - 2006 / 11 / 25 - 11:55
المحور: الادب والفن
    



(الدمعة تتسع مكانا كبيرا في الكون . لكن دمعة المهاجر في باريس تكون اوسع بكثير )

غاستون باشلار

يمضي هاجس باشلار الى الدمعة ، ومعها يمضي هاجسي الى الشعر . الشعر الذي يُحلينا الى متعة الروح قبل متعة فهم كلام المغزى . إنه معنى أَن تكتشف ، ومعنى أن تعيد بناء بيت الذاكرة ،ومعنى أن تقود خطاك صوب الافق الأوسعَ من أجنحة ضوء العتمة التي تريد بها أن تصنعَ من تخيل الأغماضة ماتود أن تمتلكه ( الوطن ، الوردة ، المرأة ، لحظة صفاء البال . وسياحة الميتافيزيقيا ) . فهو أي ( الشعر ) رؤيا لما قد نراه في أطياف الكلام فقط ، وعدا ذلك فإنه يبث رؤيته بالشجن والأدراك والوقيعة ليلازمنا ظلاً يبدأ في لحظة طفولتنا المستعادة وينتهي بنا الى إغماضة الأبد الأخير .
وسط هذه الرؤى يصبح أنتاج النص من المكان الممكن الأول في جعل الخيال الطافح كائناً على ورقة ، يمتلك المشاعر والمشاهدة والبوح والمعنى ، وبتلك الأشياء يبدأ الشاعر صنع كائناته وتسويقها لمن يدرك إنهم معه في الفهم وفك مشفرة المشاعر والتضامن . فمن دون آخر ، لايمكننا أن نصنع احساسنا بجمال . دون أمكنة نرتديها قمصاناً لصباحات نستقبلها بقراءة مفترضة ومتخيلة لانقدر أن نكمل يومنا الى آخر نبدأ منه من جديد .
الأمكنة لحظة أرضية يد ركها الشعر حين تفترض لحظة ما ، أن عليك أن تبتعد عن بساطة وجودك ، ليأتي التخيل منقادا بما تحس او ترى ، وكلها بأسقاطاتها المتعددة تخلق هاجس الكلام وفكرته ( غرفة ، موسيقى ، حرب ، منفى ، حب خاسر ، طائر في قفص ، إنفصام شخصية ، بوح طافح بكل شيء ، رؤيا متصوفة ، سُكر ، خيانة ، نجوى ) . كلها تستقر في مربع ضوئي في مرآى المخيلة لتطلق بعد ذلك فراشات الضوء الى حديقة الورقة أو شاشة الحاسوب ، ليكون جماعا ، وهذا الجماع ينتج وليبدأ يتيه بين الذكورة والانوثة ، والغريب انه يبدأ بحجم دمعة ولينتهي بحجم هملايا ربما أو اكثر بكثير إذا قدر للقصيدة أن تذهب من مكانها الى درب التبانة .
إذن .المكان خطوة النص الى الطريق الذي يريد أن يسلكه والمكان الذي يتمنى أن ينتهي اليه . كما تنتهي خطوة الجندي بعد مفارقته صخب الحرب . هذه الخطوة التي تقرأ بمستويات لاتحصى من الفهم يعدها آرسطو خيالا ًمتعدد الإتجاهات ولكنه في النهاية هبة من ربات السماء ، ويعتقدها أرثر رامبو ملائكة يمنحونا الوحي لإننا نتأملهم من خلال نافذة البحر غير عابئين بفوضى البحارة . فيما يشكل مكان استقرار الشعر وانتقاله هاجس نفسي قلق ومحسود كما عند السياب حين يستقر مكان الشعر فيه بكتاب ليحسده بعد ذلك كقوله : ياليتني اصبحت ديواني لافر من صدر الى ثان
قد بت من حسد أقول له ياليت من تهواك تهواني .
إذن انتهى مكان الشعر ليكون صدر امراة . فأين تنتهي أمكنة الشعر عند اولئك الذي نفترضهم من خلال نتاج ما يحلمون به ويمطروه علينا حبرا من دموع القصيدة وموسيقاها ، ومنهم في هذه القراءة للشاعرة رندة المغربي التي تعتني بهاجس مقدمتنا أعلاه بشكل كبير ، وتقرا رؤى الشعر لديها من خلال أمكنة تتحول عندها بتحول ميتافيزيقيا المهجر والنأي والتفكير بصناعة عالم جديد ، عالم ليس فيه سوى عطر مانريد أن نمنحه للآخرين وأن نُخلص اليائسين من مرارة انهم لم يسمعوا الشعر بقدر مايسمعون الفقر والحرمان والعوق الذي يصنعه الحظ السيء للشعوب المبتلاة ، بالزنوجة وأمراض الصحارى والغابات الاستوائية وإمبريالية مايكروسفت .
تكتب رنده المغربي نصوصها من باريس . المكان السحري لصناعة نص اجنحته كما بجع في بحيرة جاكوفسكي ، حيث النص عندها نصا مليئ بالموسيقى وقراءة النمكان بعاطفة تذهب الى التخيل والمحاورة والمنادمة والتمني والرؤيا ، وهي كما يصفها ابن العربي : ( الحال القادرة على صنع المحال ولكن بالنطق والجفن والمواددة ) وهذا امر صعب صناعته في مستويات المختبرات والقوارير ، لان المختبر الشعري أعقد بكثير من مختبرات باستور وناسا .
رندة المغربي تلتقي في مشترطات ابن العربي حين تدلف الى نصها وتبني فيه تصورك كقارئ لثيمة الجمال والقصد داخل النص . أي إننا نتحاور في نص دون طلاسم متسعة ولكننا في النهاية نص طلاسم مشعة ونحن نفك رؤى الجملة عند المغرب وهي عبارة عن جملة مأخوذة بسحر المكان واسقاطاته . المكان الباريسي الذي تؤسطره روح الشاعرة وتحيلهُ الى كرة من تخيل تسبح في فضاءها هواجس لاتحصى من تعبير امراة عن رؤيا ما ترى وتحس وتتمنى .
هنا في هذا الفصل ونحن نقرأ تجربة رندة المغربي ( الشاعرة السعودية المقيمة في فرنسا ) وانا هنا لااعتمد على مشفرات النصوص المنشورة بل على الكثير من رسائل الهم الثقافي بيننا كمرجعية لفهم خصوصية رؤية المكان لدى رنده نقرا نصوصا تهم قراءة الفضاء المجاور والمتخيل ، اي ان الدراسة هي دراسة جمالية واستقرائية حسية ومحاولة لارتداء نص ومزاوجته بنص مفترض ، لنخرج بحصيلة ان الشاعر يحتاج الى اخر ليعرف مالذي كان يفعله بالضبط وهو يقع تحت سلطة الخروج من المكان ليذهب بعيدا ليصنع مكانا اخرا غير مرئيا ثم يعود الى المكان الاصل ليجد إن الحصيلة هو النص المقروء بغيب الامنية والرؤى المتخيلة والحس المفترض والدمعة صاحبة المعنى .
تعيش رندة المغربي ، مغتربة في باريس . تمتلك الشيء الكثير من ثقافة الكلام والتحاور وحداثة الفهم المعاصرة وهذا يحلينا الى الاشارة الى بعض الاسماء المثيرة في الادب السعودي اللائي ظهرن في الاعوام الاخيرة كمنتجات لنص مميز كما عند وجيهه الحويدر ، ورجاء عالم ، ورجاء الصانع وهيلدا ابراهيم وغيرهن .
غير إن رندة المغربي تتختلف عن مجايلاتها ، بأنها تكتب من خارج السور ، وتطلق وعيها الشعري بحسية مرئية وتتشكل بجمل فيها من عمق الصورة وحداثتها الكثير ، اي إنها تحاول أن تصنع ( قراءة بوح متحدية لارهاصات انوثتها في قراءة ماتراه ) وربما للمكان فضل في ذلك ولكني اعتقد ايضا ان ثقافتها الخاصة ساعدت في ذلك كثيرا لتأتي نصوصها مشبعة بالفكرة الحالمة الواعية والتي تبين لنا فهم الشاعرة لمايجري في تكوين الرؤى الروحية لديها وفي النهاية تخرج لورقتها سطورا من محكاة عميقة لحياة تعاش وستعاش عبر افتراض النص ومكانه ومايعكسه الى مرآة الشعر المثبتة في حدقة الشاعرة وهي تتأمل كونها ومكانها من غرفة النأي الباريسي لتبدأ دائما من مكان ما ( مسمى ) ولتقرا هاجسها بطريقة شعرية ، وبوعي انثوي مدرك لطبيعة القول الذي تبوح فيه شجن القراءة لما يحدث في عالمنا .
لهذا سنأخذ من عالم رنده المغربي ثلاث نصوص ( أربع امكنة ) وعلى التوالي :( خذني الى البحر ،آخر الليل على عجالة ، صباح بارد غريب )
((يارب متى أذهب إلى البحر؟
متى سيغمس البحر مرجانه في دمي الشاحب
متى تتحرك الكواكب على حواف فناجين القهوة فتبشرني جارتي بسفر بعيد لا يأتي))
هذا مقطع وسط نص خذني الى البحر يكاد يشد النص من كل جوانبه ويمنحة قيمة قراءة المكان عبر هاجس الشاعرة ، بل هو من يشد دهشة النص ويحدد رؤى الهاجس فيه ومقدار ما يحمل من منى وامنية وقراءة لتأثير البحر على رؤية الشعر والحاجة معه لصنع فلسفة لوجودنا عبر مانشعر به من محاكاة ومعاناة وأسطرة لكل الاشياء التي نريدها أن تكون دواء لمسافات الألم التي تسكن عالم الحس ، لهذا فأن( رندة مغربي) تقرأ في ذاكرة البحر سيرة ذاتية وذكرى وهاجس تفسره برائية جميلة عبر صورة التخيل والجمع لجبروت البحر مع رغبة الانسان ليكون هذا البحر ملاذا لاشياءه وبوحه وأحلامه وتساؤلاته التي تحرك الفناجين على حافة الكواكب .
هذه الحسية التي تجعل من المعبد أمكنة لاستعادة النفس والرغبة بإكمال طقوس التعبد لعلها تعيد أزمنة غابت في اللحظة الغابرة هناك حيث يكون لنا بيتا وطفولة وحديقة ( يععش فيها الكَرم بظله وخضرته ) يكون للبحر بسطوة وجودة القدرة على صناعة اللحظة المشابهة لهذا ترمي مغربي شباك الرؤية لأمنية ( الأخذ الى البحر ) ليكون مكاناً امانًا ومعبداً لخلاص تلك التساؤلات والأحزان التي يخلقها النأي والبعد والرغبة بصناعة عالم إنساني جميل يستطيع به البشر أن يبعدوا الألم والمعاناة والفقر ، ونستطيع به خلق أحلامًا جديدة حتى لجنوننا وعشقنا وآمالنا ، لهذا يأتي النص مشتغلاً بوعيه الوجودي والحاجة الى أعطاء هذا الوجود ثوب الامنية المفتوحة على رقاد البحر و( الأخذ اليه ) :
((أريدُ أن أرى البحر
خُذْني إلى الأمكِنة المستحيلة إلى الأزرق الذي لا ينتهي إلى مسافات تتسع و تتسع لتحتوي بردي وخوفي
أريدُ أن أعرش ككرمة العنب على سطح دارِنا
أريدُ أن أستبدل صوتي بحمحمة مُهرة سوداء تطوي البراري بحافرها
أريدُ أن أتوضأ وأصلي ،
فهل من تُراب ما شرب دم أسلمه جبهتي؟))..
هذه السعة تضعها ( رندة المغربي ضمن رؤيا ماتوده أن يكون لهذا يتماثل الوعي لديها بتماثل حجم الجملة وفكرتها ، وهي في ذلك تضع خطوطاً من التواصل بين رغبتها والعالم المحيط ولتكون القصيدة صلة الوصل حتى وهي تتنفس بصوفية عميقة ورغبة جارفة لصناعة عالم الذهاب الى الرغبة والتعبد عند تخوم أمكنة البحر ومداه الشاسع ولتصل في فكرة الألتجاء الى المكان ( البحر ) مع حس ابو يزيد البسطامي ، القارئ في صوفيته حسية مايكون كقوله :
( مامن بحر شق مداه بروحي إلا عن طريق صلاة ) .
وكذا هو النص عند رنده المغربي يشق مداه عبر جعل البحر سجادة ومعبدا ومكانا نأوي اليه لحظة شعورنا برغبة التواصل مع من نريد ونحب
((خُذْني إلى البحر
أريدُ أن أهرب من ليل يتساقطُ كشظايا الزُجاج على الأجساد
أريدُ أن ألمس ضوء الشمس بجبهتي قبل أن أنحني
فخُذْني إلى البَحر))..
وهكذا تحاول (رندة المغربي) أن تقيم تواصلاً مع الحلم والفكرة عبر قراءة المكان ، المكان الذي تأوي اليه ذائقة الشعر فتحيل الاشياء فيها الى قراءات تتصور فيها عمق المسالة الروحية والنفسية لوجود البشر من خلال المكان وقراءته وتأثيراته الاجتماعية والروحية ، قراءة تنم عن عمق الجملة الشعرية وتفاعلها مع التحسس الذي ترتديه الشاعرة معطفا في فضاءات التخيل والتواصل مع عالم لاينتهي بمطاف وشجن إنما يتعداه الأمر الى المداولة الوجدانية وفلسفتها عبر قراءة ذكرياتنا وحياتنا من خلال المشفرة الشعرية ليأتي الليل ليكون مكاناً اخراً في رؤى ( رندة المغربي ) كما في نصها العميق ( آخر الليل على عجالة ) :
(( آخرُ الليل على عجالة ..
وأنا أ ُشَبكُ أصابع الروح بسياج العُتمة ..
وأقضم بلهب الحرقة شمعتين وأكثر ليستطيل هذا الدخان فأوحد الأكوان في حرفين أسددهما لطيفك كالرمح))
هكذا يبدأ النص ، قويا برؤاه ولغته ، مبتعدا عن عتمة اللغة ، ومقتربا من وصف المكان من خلال تداعيات الهاجس وتأثيرات ما يمكن أن يكون لهذا الكائن وهو يفكر بالليل موطنا لكل تصورات الحلم والتمني وشجن التواصل مع الاشياء وقراءتها كما نريد ان نتمنى لنا ولمن نودهم .
لإن النص يشتغل في روحه على فكرة قراءة روح الآخر الذي نود ان نكمل معه المعادلة الوجدانية لوجودنا لهذا نرى لغة الشاعرة تتفاعل مع المكان كحس وكنقطة بدء واعادة تفكير ومحراب لصناعة الامنيات ، عدا ذلك فالنص مليء بكون لاينتهي من الموسيقى واللغة الرومانس وعمق الجملة التي تريد أن تحول هكذا شجن الى قراءة متفاعلة مع الموجود ( الليل ، الرجل ، الأمكنة البعيدة ، لحظة تحقيق رسالة المشاعر من خلال حب)..
لهذا تريد الشاعرة ان تصنع من الليل روحا لمكان تصل فيه الى نشوة النص وحواريته في أمساك الآخر الذي نريده حقيقة ممتثلة على مساحة ما من المكان ( الليل ) :
((في كلمة "حُب" ألفظ معها روحي آخر الليل وأنا أناديك باسمك العذب يا غائب!
فبالله عليك قل لي من أين يخرج لي شيطان الحرف هذه الليلة لأكتب وهجا لا يشبهه وهج وجه الآلهة جمعاء؟!
ألوك أنا النغم المندلع من جهاز تسجيل قديم بجانب سريري وأكسر شفتي على حواف كأس معتق بخمرة الحلم فلا انتشيت))..
هذه نصوص مودة طافحة بمعنى ان نص الى مانريد من خلال جسور الشعر ، تحاول ( رندة المغربي ) أن تفعل ذلك ، تديم أبتهاج القراءة حتى عبر أناشيد ألمها لتخلق كونا من رؤيا تمني الآخر وأحضاره بطقس الشعر وربما هذا يحدث في لغتها تفاعلاً على صناعة هاجسا عميقا ومدركا لفكرة أن يكون النص الماهر في إستعادة احلامنا ، وجعل الليل محطة وانطلاقا لفكرة صناعة الرغبة والوصفة الناجعة لتحضير الشجن الروحي الذي يذهب معنا الى تخوم الوجد وقراءة الطالع والامساك برجل ، وعليه فان نصا مثل ( آخر الليل على عجالة ) هو في رائيته نص لمحاكاة المكان وتأثيره والاحساس بهيبته وقدرته على ان يمنحنا لحظة لتأسي احلامنا وكأنه في تماهي الفكرة لديه ( أي نص رنده ) يحاول أن يقترب من روح المشفرة البوذية القائلة عن لسان بوذا وهو يصد عن عينيه نعاس إنوثة ما ( الليل يصنع مع نجومه اللذة التي اتمناه ، طائا من الضوء والحقيقة ، وكشف لايغيب ) .
تقرب رندة في هذا النص مع الرؤى البوذية وتحيل قرائتها الرؤية لامنيتها الى فعل من افعال التمني والادراك والوصول :
(( لا هسيس العُشب ولا معاجم الليل تفك "طلاسم الروح" لتعرف المخبؤ من سري/ سرك !
يا ابن جُرح ورحم حنين
الليل كائن افتراضي لا لحم له يُحرق ولا ضلع له يُكسر !
هو السواد يُعشش في القلب ليبيض ويفقس .. وأنا وجهة النسيان أينما رششت ملحك توقد جُرحي))
مكان ثالث من أمكنة الشعر لدى ( رندة ) هو الصباح ، ويتمثل في نص عميق ، هو أول قراءاتي لها والموسوم ( صباح بارد غريب ) .
نص مدجج بالرومانسية ، وطافح بالرغبة لتأسس ذائقة اخرى لموسيقى الكلام عبر ذات المشفرة ( روح الرجل وعاطفته ) .إذن هو شيء من إيروتيكا البوح الروحي لذائقة المكان وعاطفته ، هو أن يمتثل مثل سابقة الامكنة في عالم الشاعرة الى هوس قراءة اللحظة وديمومتها وانقيادها الى فتنة الرغبة بصناعة لحظة التعبد مع ذات الرجل في مكان تختاره القصيدة ( البحر ، الليل ، الصباح ) ، امكنة تتهيء في شجن مفترض وعميق والتخيل فيه دنيا لما قد يكون ، إداركا للفهم والاستمتاع والمشاهدة ، الاستمتاع الذي يتشكل في ثنايا فكرة العبادة والتجلي والتواصل الروحي من خلال عالم النص وحدود الفهم والتلقي واشياء تريد فيها الشاعرة ان تجعل فيها الأمكنة نقطة انظلاق لموسيقى الحياة والفكرة الانسانية العظيمة التي لايمكن أن تحيا دون حب كما يرها موزارت في اوراقه المتأخرة ، قوله ( لاشيء أجمل من الموسيقى ومكان الحديقة من يصنع لحظة حب ) .
وهكذا يأتي نص ( رندة المغربي ) ، ( صباح غريب وبارد ) ملتقيا مع كل تلك الرؤى ومتشكلا معها بذات الاحساس والامنية والتواصل :
((هذا الصباح وكل صباح ، أنهضُ من رماد ليلي الفارط لأبدأ المعركة .
معركتي مع الزمن وملح المدامع علّي أفوز بك !
.... أطوي السُهاد خلف أجفاني المُتعبة و انهض..))..
قراءة متأنية لمكان يبدأ منه يومنا الجديد ، تقراه الشاعرة برؤية حالها والنعكاس الذي يمنحه كمان لغربة النفس وقراءة المشهد المختلف ، حيث يدرك الشعر هنا حاجة الوصف والقراءة والأنشداه للحالة الجديدة في ظل تهافت الروح لارتباط بما تريده وتتمناه في اللحظة الجديدة مع شروق يوم آخر .
أنها ( أي رائية الشعر عند الشاعرة ) تتصور في الأمر معركة مع الزمن بعد أن ينتهي هجيع الليل وتبدء أشياؤنا بيقظة الصحوة الجديد مع عالم ينهض من خلف سبات الجفن ليقرا صورة القادم من خلال مدونة القصيدة ( قصيدة صباح غريب وبارد ) .
الصباح الايقوني لتلك المسافة الذهنية والتساؤلات والرغبة بالآتيان من نوده ونحلم بلقاه .
((
انهض ..
وما بيدي إلا ورق أبيض وأقلام "أخربش" بها حكاياتي ..
يدي التي أدمنت الكتابة لك وعنك تفتتحُ الوقت بقهوة الذاكرة وتعالجُ أبواب الغيب المُغلقة بمفاتيح الأحلام ))
هذا النهوض ، يصنع من صباح القصيدة حدثا ويقودنا الى رؤية مانتمناه في قيض احلامنا عبر دهاليز ماتتصوره رندة قدرا حتميا للحظة المصنوعة بشعاع شمس بارده . ليحيلني هذا الكشف بروحة الناعسة الى رواية لساغان في شعاع شمس في ماء بارد تتحدث عن رؤية الصباح من خلال جفن انثى وتقول فيها : لك صباح بهجة خاصة .وعدا بهجة صباح الرجل كل البهجات تزول مع صباحاتها .
يحمل النص تساؤلات وجودية لاتحصى عن جدوى أن يكون . وجزء من خيبات تعتقدها إنها سببا بما يحدث لهذا العالم الذي يقتل الحب بسكين الحروب . العالم الذي يطل بصباح قساوته الغريبة ويمنع عنا تحقيق الاماني حتى حين تصير العصافير مراسيل لنا .
انها اي الشاعرة تحاول ان تقرا مايحدث من خلال حزنها الذي يرتدي معطف الحب .لكنه حب متصوف ومسيس وذي ابعاد لاتنتهي من مشاغلة الفكرة وقرائتها والارتقاء بهاجسها عبر المدونة والايقاع والشجن الفطري الذي يرمي باقات الورد على نعوش الامل الذي تصنعه القصيدة في اول بهجة لصباح جديد .البهجة المتمناة والمصنوعة بانكسارتنا واحلامنا يمحاولة اعادت تأسي العالم وفق خيال العشق ةالسلام .لاخيال الخيانة والهجر والاستعباد والحروب .
((أتدري ؟
بأن الأمكنة كُلها بأشجارها وحجارتها و دبيب هوامها تشتاقك؟
وبأني أرسلتُ لك عصفوراً يُفتشُ عنك ..؟
ظل يطيرُ من مكان إلى آخر فلا أبصر شجرة ولا شرفة يريح عليها ساقيه من مرارة الطريق
ولا عاد ليستجير بكتفي))
ورغم هذا تجد رندة في نصها الصباحي المعتم املا بروح الرجل وقوة الفعل لديه ، في محاولة لرسم خارطة اخرى لطريق اليوم .إذ ترى فيه جزءا من الخلاص وسط اناشيد الجزع الذي يتمالك النص ويقود انهيار المدينة الفاضلة التي يتمناها الشاعر ملاذا امنا لاحلامه المليون .ليذكرني ندائها بنداء يسوع في جملته السريانية الشهيرة وهو معلق على صليب الخشب ( الي . الي ..لما شبقتني ) وترجمتها للعربية ( الهي ..الهي ..لما تركتني ) ..
هذه الرؤى تمتد على مساحة النص ، الذي بدا متماسكا في طرح فكرته حتى عند انهيار جمله في بئر الجزع والخوف من المصيبة ، لكنه اي النص يحتفي بنفسه من جديد ويبدا بالمسير صوب القدر المؤمن والمكان المخلص ( الرب القوي ):
((فأغثنا يالله من زمن الخوف .. والإستراتيجيات ، والقطارات السريعة ، والأمراض المزمنة ، وحكايات الحب العقيمة ، ومن ذئاب تلبس ثوب الأصدقاء ، ومن طرقات تُشتت الأيدي المتماسكة من زمن الجوع والإنكسار ، وأطفال بلا هوية ، وقصائد بلا إحساس ، وأسلاك تلتفُ على أعناق المباني وأنوار تخدع البصر وتغرر بالبصيرة ))..
وهكذا تشتغل موسيقى الأمكنة في عالم الشاعرة ( رندة المغربي ) ، على حسية الجملة ومشاعرها الوجدانية والعقلية التي تبرز الى سماء الشعر رائية انثوية تفيض برغبة من بوح واعد ومتمكن في صياغة الجملة الشعرية التي تحاول أن تخلق من كشفها رسالة ومعنى ورؤيا لما يمكن ان يتصوره الشعر في بحر تتلاطم به الامواج . العالم الذي نعيشه ، والذي نتصوره ونتمناه .
ان طريقة السرد الشعري في معنى القصيدة عند رندة تحاول ان تجعل من المكان نقطة بدء صوب تصوراتنا الى مايحدث في هذا العالم وما يمكن أن يكون ، مدركين بحس الوعي وهاجس الكلمة لحظة الوصول ولحظة التأمل ، ليصير المكان كما تراه الشاعرة نقطة الضوء لمسير اناشيد الروح بشتى ارهاصاتها .
اعتقد ، إن رندة المغربية تتعامل مع المكان بشاعرية البحث والتقصي وتحاول أن تجعل منه عالما متحركا للأفكار والمناجاة والأتصال بالحياتي والمتخيل ودائما هناك في طفح الذكورة إنوثة تمتلك المعنى والخيار والرؤية الجدية لفهم ومحاورة مايجري من حولنا .
إن الروح الجديدة في لغة خطاب هذه الشاعرة يدفعنا الى الإنتباه الى ماتنتج من قادم لنقراه بصورة اخرى .ولنديم معها ضوء جسور الشعر .

23 / نوفمبر / بلودان / 2006



#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليلك ِ .. شراشف ضوء . السرير جفن - السيف
- وليد حسن جعاز - شهيد الحلم والوطن وطفولتنا معا ...
- البصريون مع سيابهم رغم كل شيء .
- سوية نشرب القبلات . سوية نشرب الكوكا كولا
- كيف يفسر العراقي مايحدث ؟
- عمتنا النخلة . هي التي تحمي العراق
- وداعا دونالد رامسفيلد . ليس لك سوى مافشلت به .أيها الوزير، ا ...
- سحاباتٌ بيضْ . أحمرُ شفاهْ . وإبن بطوطةَ والياً
- البلبل قمصيهُ الغيمةُ . عيناكِ خلخالها الفلفل الاحمر
- لاشيءَ أشهى مِن إمراةٍ خضراءْ
- . ..حلم مدينة أور ......الى السيد سفير العراق في اليونسكو
- نشيدٌ أمميٌ لحزنٍ سُومري( مَرثيةُ قيثارةْ . وإبتهاجُ ذاكرةْ. ...
- الشرق الذي ينحر نفسهُ بيديه . ( رثاء لنا جميعا . أبناء الملح
- أور ومرتفعات كلمنجارو ودمعة تشبة قبلة امراة
- أنا . انت . واولئك الذين سهت عواطفهم ...
- من أجل العراق . رؤيا لااتمناها ، واخرى اتمناها
- قيثار سومري لاغنية شركسية
- البصرة وفؤاد سالم ذاكرتان في وردة واحدة
- زعلان الاسمر مايكلي مرحبة
- هلْ نسيَّ العراقيونَ الوردْ ؟


المزيد.....




- منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في ...
- مصر.. الفنانة غادة عبد الرازق تصدم مذيعة على الهواء: أنا مري ...
- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم ...
- تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
- فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى ...
- بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين ...
- ترامب يثير جدلا بطلب غير عادى في قضية الممثلة الإباحية
- فنان مصري مشهور ينفعل على شخص في عزاء شيرين سيف النصر


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعيم عبد مهلهل - رندة المغربي . موسيقى المكان . وحس الشعر . ودمعة باشالار الباريسية