أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - أحمد الفيتوري - كم شجرة تكون غابة ؟















المزيد.....

كم شجرة تكون غابة ؟


أحمد الفيتوري

الحوار المتمدن-العدد: 1745 - 2006 / 11 / 25 - 05:43
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


لأكن قاسيا على نفسي: ارتو
يبدو بيتر بروك في كتابه هذا مربكا لأي قارئي، لأنه كتاب مفعم بالحيوية، ولأنه خلاصة؛ خلاصة تجربة لم تكل، تجربة رجل لجوج، مخرج ملحاح، فنان دؤوب وصاحب رؤية " ان الغوص في أعماق الخبرة الشخصية ليس فضيلة بالضرورة، لأن خبرة أي فرد – في نهاية الأمر - خبرة ناقصة بشكل يدعو إلى الأسى ".
ان صاحب هذه الرؤية هو نفسه الذي يغوص في أعماق خبرته الشخصية ليقدم لنا خلاصتها في كتابه هذا النقطة المتحولة.
هكذا يبدو بيتر كأنه يقول ليلغي هذا الذي يقوله، أو انه يقدم لنا تجربته لكي نطلع عليها ونحذفها، لأن الإنسان عنده لا يستمد تجربته من الثقافة فالإنسان أكبر مما تحدده ثقافته، صحيح ان العادات الثقافية هي أعمق من الثياب التي يلبسها الفرد، لكنها تبقى أيضا ثيابا أخرى تلبسها حياة لا نعرفها.
إذا بقدر ما الثقافة ضرورة بالقدر ما الإنسان اكبر منها؛ وهذا الكتاب يطلعنا على تجربة إنسان ذي ثقافة عميقة وواسعة، ان الأربعين التي يلخصها كتاب في مائتي صفحة، هي الأربعون الناضجة الطازجة، لأننا ونحن نطلع على الكتاب تطالعنا حيوات متنوعة، متناقضة ومتفاعلة في اللحظة التي نقرا فيها، ان عمق هذا التجربة وبساطتها هما اللذان يجعلانها حية بهذا القدر المذهل.
ان بيتر في كل صفحة يقدم صيرورة عمله المسرحي الذي اتسم بالبناء الدؤوب والهدم الضروري؛ ولهذا فهو مطالع من الطرز الرفيعة وباحث معمق وصاحب أسئلة دائمة، أسئلة لا تكف عن البروز عند كل منعطف هام في تجربة المسرح، أيا كانت هذه التجربة عند " جيرزي جرتوفسكي ليس التمثيل سوى مركبة أو أداة نقل، كيف يمكنني ان أصوغ هذا ؟ ، ان التمثيل ليس مهربا، ليس ملجأ، وطريقة الحياة هي طريقة من اجل الحياة. هل يبدو هذا القول مثل شعار ديني ؟ هو كذلك، وهذا شيء يحيط كل جوانبه، لا أكثر ولا اقل، والنتائج ؟ بعيدة الاحتمال. "
هل ممثلونا أفضل ؟هل هم بشر أفضل ؟
ان إلحاح بيتر كمخرج خلفه رؤية علمية وحس إنساني عميق، لهذا يقوم بالعمل في أدغال القلب الإفريقي، كما يقوم بتقديم أعماق الهند، ويشخص الوجدان الصوفي الفارسي.
انه يقدم عروضه في قرى افريقية نائية، حيث يراجع مفاهيم ثقافته الأوربية، وينفي بديهياتها المغلوطة: " فكرة البدائية هذه زائفة تماما فيما يتعلق بإفريقيا، حيث الحضارات التقليدية ليست فقط بالغة الثراء، بالغة الاكتمال، بل هي كذلك – فيما يتعلق بالمسرح – تهيئ الجمهور على نحو فريد ".
ان بيتر لا يقيم معملا مسرحيا مغلقا في إحدى قاعات مسرح ما - جامعة، لكنه صاحب التجربة المفتوحة التي تجوس كل مكان، تجس نبض الجمهور أيا كان هذا الجمهور، لهذا يكتب عن عمله المسرحي " اجتماع الطير " الذي أعده عن نص الشاعر الفارسي فريد الدين العطار والذي قدم عام 1979 م: كان هذا العمل في تطور دائم، لعبنا عددا من صياغاته في أفريقيا، وعددا أخر في باريس، وكثيرا عبر أمريكا.. وفي النهاية كنا نغير أطقم الممثلين على نحو دوري كل ليلة، حتى يكتسب كل عضو في الجامعة فهما جديدا لكل دور. وفي الأسبوع الأخير أصبح لدينا سبعة أزواج من الممثلين، مسئولين عن سبع صياغات للعمل. الليلة الأخيرة كانت تضم ثلاثة عروض: أول العروض كان ارتجاليا، وثانيها كان هادئا ملتزما بالنص، وثالثها كان ذا طابع احتفالي ".
يبدو مع بيتر وكأننا إمام تجربة عمياء تتخبط رغم توفر هذا النور، ولكن الحق ان لبيتر رؤية مسرحية معمقة ومحددة، لكن هذه الرؤية لا تكتفي بذاتها أو بأحادية قسرية، ان التحقق من المصداقية يكفله العمل، والمصداقية في هذه التجربة قائمة على النقض، لأن بيتر يدخل العملية الإخراجية وكأنه أعمى وهو يعتمد على ضوء حدسه، لكن هذا الحدس حدس مثقف كبير معاصر، معايش ومطلع على تجارب العصور الأولى، حدس عقله شكسبير يترجم ما لا يمكن ترجمته ويرى: " ان كل الأعمال الفنية يجب ان يكون لها تقليد ". ويحمد الله ان فننا لا يدوم فنحن على الأقل لا نضيف مزيدا من الرمم للمتاحف، والعرض الذي قدم بالأمس يبدو اليوم إخفاقا. إذا تقبلنا هذه الحقيقة، استطعنا ان نبدأ دائما من نقطة البداية ".
لهذا يبدو كتابه النقطة المتحولة؛ البداية الجديدة لأنه لا يلخص التجربة ولكنه ينفيها، فهو يؤكد على الماضي لكي ينفيه، انه يحوله إلى ورق وكأنه يلخص المستخلص. أو انه يكتب الشعر " السحر الخشن الذي يخلط الأضداد "؛ هذا الخلط في الأضداد نتبينه في عمله وفي خلاصاته، في مقدماته وفي نتائجه، في بديهياته وفي نقضه لهذه البديهيات، في أستاذيته وفي تلمذته؛ حتى انه يبدو كالتلميذ الأبله أمام التجارب التي لم يعرفها " كان المرء يظن ان النص يجب ان يعاد خلقه بحرية، مثل حرية الشاعر، لاقتناص مزاجه العام، أما اليوم، فإن الإخلاص هو الاهتمام الرئيسي، وهو منهج يحتم ضرورة تقدير وزن كل كلمة مفردة، وإخراجها إلى بؤرة حادة ".
كان بيتر يظن لكنه كتلميذ مشكاك يلغى ظنه، كمعلم يستخلص ويستنبط من خلال استقراء الفاعلية المسرحية ذاتها. انه نظري إلى حد ان النظرية عنده في العملية المسرحية فالمسرح " متخلف عن بقية الفنون، لان حاجته الدائمة إلى النجاح العاجل تقيده إلى أكثر جمهوره بطئا وتخلفا، ولكن: أليس ثمة شيء من الثورة التي تحققت في فن الرسم - قبل خمسين عاما - يمكن ان يفيدنا في أزمتنا الراهنة ".
ولهذه النظرية سعة في التحقق لأنه يعيد تشكيلها وكأنه يستنبطها من تجاربه، وهو يحيط التجارب الفنية الأخرى بالنظر والبحث والاستقصاء، فآراؤه في الشعر والموسيقى والفن التشكيلي والأدب في مستوى نظرته المسرحية: " ان الحركة على المسرح هي التعبير الخارجي عن الأفكار التي نأمل ان تكون في تغيير وتطور طوال الوقت ".
فهل استطاع بيتر ان يستخلص مفهوما للعمل الفني سوى انه ذلك الذي يأتي بشيء جديد إلى هذا العالم، شيء قد نحبه أو نمقته، لكنه يظل موجودا على نحو مزعج، ويصبح - للأفضل أو للاسواء - جزء من مجالنا المرجعي ؟ .. هل يمكن ان يعد عمل بيتر الفني جزء من مجالنا المرجعي ؟
ان هذا الكتاب جزء من هذا المجال كنقطة متحولة، أما العمل الفني فهو جزء مرجعي هام في صيرورة المسرح لأنه ينتقل بالعدوى مثل ضحكة من القلب أو بكاء فجائعي، حتى وان كنا نجهل المصدر الأول.
المصدر الحقيقي، المصدر سواء كان عمله الأول في بداية الأربعينات لشكسبير: خاب سعي العشاق أو الملحمة الهندية المها بهاراتا آخر أعماله عام 1987 التي استغرق عرضها أكثر من خمس ساعات أو خمسة عقود من الزمن ! .
ما هو المسرح يا بيتر ؟ ..
- بيتر ما هو المسرح ؟
- أعتقد ان المسرح المعافى يجب ان يتكون من أجزاء ثلاثة: المسرح القومي، الذي يبقى حيا عن طريق التجديد المستمر في تقديم الأعمال الكلاسيكية قديمة وحديثه. وعروض الكوميديا الموسيقية المفعمة بالحيوية والقدرة على بعث الفرحة والبهجة من خلال الموسيقى، واستخدام الألوان، وإثارة الضحك المقصود من حيث هو كذلك، ثم المسرح التجريبي.
- بيتر ما هو المسرح ؟
- المسرح هو المعدة التي يتم فيها تحول الطعام إلى واحدة من نهايتين متكافئتين: البراز والأحلام.
- بيتر ما هو المسرح ؟
- عند ارتو: المسرح نار. وعند بريخت: المسرح رؤية واضحة، وعند ستانسلافسكي المسرح هو الإنسانية. ولماذا يتحتم ان تختار بينهم ؟
- بيتر ما هو المسرح ؟
_ ان نضع تقاليد أكثر حداثة محل تلك التي عفا عليها الزمن، وطالما ضلت أكثر حداثة ستبدو اقرب للحقيقة.
- من أنت يا بيتر ؟ ..
- بيتر من أنت ؟
- أنا الذي لم يؤمن يوما بوجود حقيقة واحدة مفردة. لا حقيقتي أنا ولا حقائق الآخرين، وإنني أعتقد ان كل المدارس والنظريات يمكن ان تكون مجدية في مكان ما وزمان بعينه، لكنني اكتشفت أيضا ان الإنسان لا يمكن ان يعيش دون توحد حار ومطلق، بوجهة من وجهات النظر ثم يمضي الزمن، فنتغير نحن، ويتغير العالم، ومن ثم تتبدل الأهداف وتتحول وجهة النظر. وحين أنظر ورائي إلى سنوات طويلة حافلة بكتابة المقالات، والحديث عن أفكار في أماكن مختلفة ومناسبات لا حد لتنوعها، يفاجئني وجود شيء واحد ثابت ودائم، من أجل ان يصبح لوجهة النظر فائدة ما، يجب ان يلتزم بها صاحبها التزاما كاملا، وان يدفع عنها – حرفيا – حتى الموت. رغم ذلك يبقى في ذات الوقت صوت بداخله يهمهم له: " لا تكن جادا لهذا الحد، تمسك بأرائك بقوة، ودع الأمور تمضي بيسر ".
- بيتر من أنت ؟
- مخرج مسرحي. وان المخرجين المسرحيين هم الذين يعيننون أنفسهم. وتعبير مخرج متبطل يحوي تناقضا في الحدود، مثله مثل رسام متبطل، ولكنه ليس مثل ممثل متبطل، لان هذا الأخير ضحية للظروف. أنت تصبح مخرجا بان تدعو نفسك مخرجا، ثم تقنع الآخرين بان هذا صحيح. من هنا تصبح مشكلة الحصول على عمل – بمعنى من المعاني - مشكلة تتولى حلها نفس المهارات والمنابع التي أنت بحاجة إليها لإجراء التدريبات، وأنا لا أعرف طريقة سوى إقناع الآخرين بان يعملوا معك، وضرورة ان تكون منشغلا بعمل – حتى لو كان دون اجر - لتعرضه على الناس: في قبو، في حجرة داخلية بأحد الحانات، في مستشفى في سجن.
ان الطاقة التي تنتج العمل أكثر أهمية من أي شيء أخر.
إذا لا تدع شيئا يقف بينك وبين ان تنشط للعمل حتى في أكثر الشروط بدائية، لان هذا أفضل من تزجية الوقت بانتظار شيء يأتي في شروط أفضل، وقد لا يأتي أبدا. في النهاية فإن العمل يجتذب العمل.
هذا الكتاب: النقطة المتحولة - أربعون عاما في استكشاف المسرح تأليف المخرج بيتر بروك ( 1925... )؛ وهو من أهم فناني المسرح الغربي المعاصر وأكثرهم حضورا وتأثيرا. درس في أكسفورد وبدأ يخرج أعمال شكسبير وهو دون العشرين.
نشر في طبعته الأولى الإنجليزية عام 1989.
ترجمه للعربية الأستاذ فاروق عبدا لقادر الذي عمل بالنقد المسرحي والترجمة في مجلات روز اليوسف - الطليعة - المسرح – القاهرة - من كتبه ازدهار وسقوط المسرح المصري _ ونافذة على المسرح الغربي، ترجم نصوص تنيسي وليامز وتشيكوف.
ترجم لبيتر بروك كتابه " المساحة الفارغة " ومسرحيته " نحن والولايات المتحدة ".
صدر الكتاب عن سلسلة " عالم المعرفة " العدد 154 في 350 صفحة من القطع المتوسط وطبع منه ثلاثون ألف نسخة أكتوبر 1991م.
• وهذه المقالة هي تحية لمن أخلص للمسرح ثقافة وموقفا فاروق عبدالقادر.



#أحمد_الفيتوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دروس الأكاديمية:لا تقول بغ ، ممنوع التصوير ، الكتابة ، الكلا ...
- قصيدة حب متأبية بطريقة خ ، خ
- تعيش جامعة العرب
- زلة عرجون اليأس
- فرج الترهوني : ترجمان كثبان النمل
- ..وكذا حبيبتي في الشعر.
- ذئبة من بعيد ترنو ، ذئبة تندس في غابة عينيه
- بغداد أفق مسفوح في بحر اللامتناهي
- شارع الإذاعة : سر من رآه ، سر من لم يره
- بورتريه الثعلب
- بورتريه العنيزي
- بورتريه البوري
- بورتريه الفلاح
- بورتريه الكوني
- بورتريه المنتصر
- بورتريه مطاوع
- بورتريه زغبية
- بورتريه مطر
- بورتريه لوركا الليبي
- بورتريه توينبي


المزيد.....




- -الشيوخ- الأمريكي يوافق على حزمة مساعدات لأوكرانيا وإسرائيل ...
- مصرية الأصل وأصغر نائبة لرئيس البنك الدولي.. من هي نعمت شفيق ...
- الأسد لا يفقد الأمل في التقارب مع الغرب
- لماذا يقامر الأميركيون بكل ما لديهم في اللعبة الجيوسياسية في ...
- وسائل الإعلام: الصين تحقق تقدما كبيرا في تطوير محركات الليزر ...
- هل يساعد تقييد السعرات الحرارية على العيش عمرا مديدا؟
- Xiaomi تعلن عن تلفاز ذكي بمواصفات مميزة
- ألعاب أميركية صينية حول أوكرانيا
- الشيوخ الأميركي يقر حزمة مساعدات لإسرائيل وأوكرانيا وتايوان ...
- واشنطن تدعو بغداد لحماية القوات الأميركية بعد هجومين جديدين ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - أحمد الفيتوري - كم شجرة تكون غابة ؟