حسين عجيب
الحوار المتمدن-العدد: 1744 - 2006 / 11 / 24 - 10:12
المحور:
الادب والفن
إلى سوزان
من يستطيع أن يعرف نفسه؟
أيوجد في العالم شخصين متشابهين حد التطابق؟ ألا تعني الإجابة بالنفي أن لكل فرد عاش في هذا العالم حياته الوجدانية, التي وإن تشابهت مع سواه, لا بد من جانب ما يخصه وحده, وادفع القول على حد يميّزه تماما...
هل نحن محكومون بالأمل, أم بالرغبة , أم بالماضي.., أم أن كل ما نفعل موجود سلفا في نقطة على مورثاتنا الجينية؟
هل فكّر أحدنا بكتابة رسالة إلى قارئ بعد 500 سنة, يكتب فيها ضيقه وأمله المستحيل؟
هل من سقف أو حد أدنى للحاجة؟ هل نحن مجرد نتاج طبيعي لمصادفات بيولوجيا_إنسان, تأتأة _لغة, غرائز_ حضارة...
ألا توصل إلى الجنون لحظة تفكير بالعدم الذي أتينا منه وإليه نذهب...!
إذا كنا لا تعرف ولا يمكننا أن نعرف من أين أتينا, وما نعرفه أن كلا منا, يولد ويموت وحيدا, ويقضي معظم عمره في الوحدة, وكل منا يدفع الضريبة المستحقة عن حماقته وتصديقه لأكاذيب تسمى دين, فلسفة, أخلاق...ولا بد من أكاذيب جديدة كل يوم
أليست هذه هي الحياة!؟
لماذا ذا الهراء !
*
هل ينسى منظر السماء, والطفل يكمل ألعابه, يعطي لكل نجمة اسم, تحدوه رغبة باتساع الكون, صديقاه الشمس والقمر صورة الأب والأم, وقد تكون الطبعة الأولى لجنسنا البشري. بينما يقترب الواقع ويتجمّد, يكبر الطفل وينفصل عن أجزائه الأكثر حميمية, وقد تكون الحقيقية أيضا. والأيدي الخشنة القاسية تقيم الحواجز والسدود, أعراف, دساتير, هي دوما الوجه المباشر للسلطة وقبل أن نتعرف إلى الحياة كما وجدنا فيها, نكون مدفوعين من الخارج, بقوة وعدوانية, لا مناص أمامها من الإذعان, أو أقلّه تبديد الطاقة الأولى, والانزياح المجاني عن طبيعتنا. زهنا الاعتداء المزدوج, الذي ندفع ثمنه الباهظ لا حقا كأفراد وجنس يفكر على حد سواء, وعندما ندرك فداحة ما فقدناه, نكون قد صرنا في واقع مختلف, محدد, وكل يوم يأتي الماضي على شكل حلم, منفلت وغريب, يسخر من جديتنا وأخلاقنا, وكلما أمعنا في محاصرته وتحديده, ابتكر أشكالا وأساليب هي أبعد ما تكون عن المنطق والعادة, وفي زحمة انشغالنا ومشاكلنا, التي ليس لها نهاية, يستلقي المتعب كما فعل أسلافه دوما, وإذ يرى المنظر الأول بهائه واتساعه ويشرد الذهن وترق الحواس, مع تخففنا من الضيق وانفتاحنا على اللامحدود, لو يصلح الخيال ما أفسدته الأيدي....
*
البارحة أو اليوم كنت أكتب هذه الهذيانات, نمت بعمق نادرا ما عرفته.
في مكتبة الزعيم التقيت بصديقنا معن صاحب الشخصية الإشكالية, هدوءه ودعته وطيبته اللامحدودة تذكّر بشيوعيي السبعينات, بعد تجوالنا في الجامعة والتلصّص على الجميلات, هذه هي الحياة يا صاحبي, في خريف العمر لا يبقى سوى النظر واستعادة ما لا يعود أبدا.
أتجوّل الآن في اللاذقية مثل كلب شارد, أو بومة عمياء, صحيح تذكّرت, رأيت في منام البارحة الغريب, أكثر أحلامي غريبة في الحقيقة, رأيت بومة هرمت تقترب إلى حضني, وأنا محايد تماما تجاهها, في الوقت الذي يقف طائر غريب على كتفي, لا اعرف كيف انتهى الحلم.
وأفكّر الآن, ما هي النفس...لأعرفها؟ هل هي ما أريد أن أكونه, أو ما ارغب بأن يعاملني الآخرون به, هل هي الماضي والذاكرة وموروثات الجنس واللون والطباع؟
أظنها تشبه غابة كثيفة يتعذّر الدخول إليها, وكل ما يصل إلى الشعور سحابة في كل الألوان ومن مشاعر الغضب والحزن والتوق المختلطة بشكل عشوائي, كيف لي أن أعرف!!!
أمامي الآن ديوان" النهاية والبداية" لحاملة نوبل شيمبورسكا, هدية من سوزان, ولم أستطع قراءته بشكل هادئ من البداية إلى النهاية, أشعر مع قراءة نصوص متفرقة منه, بالضيق والضياع كما اشعر بالعزاء الفعلي, يوجد أشخاص لا يعرفون أيضا ويدركون عدم معرفتهم ولا يحاولون تغطيتها والتمويه عليها. ما علينا, سأفتح الآن على مقطع وبشكل اعتباطي, هديتنا المشتركة لمن سيقرؤون هذا الكلام_سوزان والمؤلفة وهاتف الجنابي المترجم_
الحبّ
من النظرة الأولى
الاثنان واثقان
أنه قد ربطتهما مشاعر مفاجئة
جميلة مثل هذه الثقة
لكن الأجمل منها عدم الثقة.
يعتقدان, أنه طالما لم يتعارفا من قبل,
فلا شيء بتاتا بينهما قد حدث.
لكن ماذا تقول الشوارع, السلالم, الممرات,
التي يمكن أنهما قد تلاقيا فيها؟
بودّي أن اسألهما,
ألا يتذكران_
ربما في باب دوار التقيا
ذات يوم وجها لوجه؟
ثمة "عفوا" في الازدحام؟
صوت "الرقم خطأ" في سماعة التلفون؟
_لكنني أعرف جوابهما.
لا, لا يتذكران.
سيدهشهما أكثر
أنه منذ وقت طويل
لعبت بهما المصادفة.
ليست هي جاهزة بعد
كي تتغير في مصير لهما,
قربتهما وباعدتهما,
اعترضت سبيلهما
وهي تكبت ضحكة
تنحّت جانبا.
كانت علامات, إشارات,
ثم ماذا, إذا كانت هي غير واضحة.
ربما قبل ثلاث سنوات
أو في الثلاثاء الماضي
ثمة وريقة طارت
من كتف إلى كتف؟
كان ثمة شيء مضاعفا وملتقطا.
من يدري, أهي كرة
في أجمات الطفولة؟
كانت مقابض وأجراس
عليها سلفا
اللمسة استلقت على اللمسة
الحقائب جنب بعضها في المخزن.
ربما كان ذات ليلة حلم مماثل,
فجأة بعد الاستيقاظ انمحى.
كانت بداية
هي تتمة لا غير,
وكتاب الأحداث
دائما مفتوح على النصف.
ملحوظة أخيرة:
دائما ينقذني الشعر, وما أزال عاقّا , وفي حالة جحود نفسي لا أفهمها, أدركت بعد كتابة العنوان مدى ورطتي في عبارة مثل"معرفة النفس" لكن الشعر أنقذني وأنقذ النص.
القصيدة وأقسم بشرفي, فتحت بشكل اعتباطي عليها ودونتها كما هي.
شكرا للشعر
شكرا للجمال.
ليس الحزن ولا الأسف
ما يدعوني إلى اليأس
إنه الجمال الذي لا طاقة لأحد على احتماله
اللاذقية_ حسين عجيب
#حسين_عجيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟