أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - ياسر المندلاوي - الديموقراطية و الإشكال القومي و الأقلياتي في العراق















المزيد.....


الديموقراطية و الإشكال القومي و الأقلياتي في العراق


ياسر المندلاوي

الحوار المتمدن-العدد: 1743 - 2006 / 11 / 23 - 10:36
المحور: القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
    


(1)
يعتبر حل المسألة القومية ومعالجة قضية الأقليات, مطلباً من مطالب الديموقراطية السياسية في العراق. فبدون تحقيق المساواة التامة في الحقوق لايمكن الحديث عن ديموقراطية منسجمة و حقيقية, وبغير قيام الديموقراطية لا مجال لوهم القضاء على اللامساواة القومية و الدينية. إن الإقرار المبكر بهذه البديهية المعروفة منذ زمن بعيد, لا يصادر حقيقة أن الغموض و الإلتباس سمتان غالبتان في المعالجات الراهنة لهذه القضية الحيوية و الهامة في الساحة السياسية العراقية, ولاسيما في مجال تحديد علاقة الديموقراطية بالمسألة القومية وبمشكلة الأقليات و حقوقها و سبل حل الإشكاليات الناجمة عنها. وهي إشكاليات عميقة تشمل النسق المفاهيمي المحدد لماهية الأكثرية السائدة و الأقلية المهمشة والمشاريع المعلنة والمضمرة لكل منها وعلاقتها بالديموقراطية السياسية ومسائل حق تقرير المصير والفيدرالية والحكم الذاتي المحلي, بالإضافة الى عدد غير قليل من الموضوعات الخاصة بالمسألة القومية والموقف من الأقليات.
الأكثرية السائدة والأقلية المهمشة
إن الأكثرية والأقلية محددات مفاهيمية لوجود جماعات إجتماعية تشترك في هوية قومية, لغوية, دينية وأخريات غيرها. وفقا لهذا التعريف, فإن الأكثرية والأقلية مفهومان يتجاوزان النسبة العددية في أقليم معين, إلى مجموعة العلاقات الإقتصادية, الإجتماعية, السياسية, الحقوقية, التاريخية والجغرافية ودور هذه العلاقات, مجتمعة أو منفردة, في إستحضار جميع مقومات سيادة الأكثرية وإن لم تكن أكثرية عددية, مقابل إستحضار جميع مستلزمات إقصاء الأقلية وإن لم تكن أقلية عددية في محيطها المحلي. أي أن الأكثريات قد لاتكون أكثريات عددية في أقليم معين ولكنها تستمد صفتها كونها أكثريات سائدة من واحدة او أكثر من العلاقات المذكورة آنفاً. ففي الأمبراطورية الروسية كان الروس يمثلون الأكثرية السائدة مع انهم كانوا يشكلون نسبة 43 % من السكان لا غير وفي العراق مارس السنة العرب دور الأكثرية السائدة مع انهم يمثلون نسبة تقريبية تقدر 30 % من عرب العراق . وتفسير الأمر في الحالة الروسية نجده في علاقة السيطرة الإستعمارية لروسيا القيصرية وفي إنخفاض نسبة الأقوام غير الروسية كل على حدة الى مجموع سكان الأمبراطورية الروسية, حيث شكل الأوكرانيون 17% من السكان والبولونيون 6% والبيلوروس 4,5%. بينما لعبت عوامل أخرى دوراً ملموساً في جعل السنة العرب أكثرية سائدة, ومن هذه العوامل تماثل الهوية القومية والمذهبية للسنة العرب في العراق مع الهوية القومية والمذهبية للأكثرية العربية في المحيط المجاور وإنضواء العراق ولقرون عديدة تحت لواء الخلافة الإسلامية، العربية والعثمانية، التي وسمت جميع الذين لا يدينون بمذهب الخلافة الرسمي بسمة الأقلية المضطهدة ومن ثم إنتقال النسق المعرفي لمفهوم الأكثرية والأقلية وفق ما كان سائداً في تلك الحقبة الى الكيانات الجديدة التي نشأت في مناطق الإمبراطورية السابقة في تجاوز ملحوظ للأكثريات والأقليات العددية في التكوينات الناشئة لصالح القابلية الإستمرارية للنسق المعرفي المكون غير التجربة التأريخية الطويلة نسبياً, يضاف الى ذلك عامل آخر لا يقل أهمية عن عن العوامل الأخرى و يتمثل في التنوع القومي و الديني و المذهبي الذي منح السنة العرب القدرة على خلق حالة من التوازن في إطار الكيان العراقي. فمن جهة يشتركون مع الشيعة العرب في الهوية القومية التي تستخدم, بمعزل عن التفارق المذهبي, في إيجاد توازن قومي مع الأقوام غير العربية كالأكراد و التركمان و غيرهم, ومن جهة ثانية يشتركون مع غالبية الأكراد والتركمان في الهوية المذهبية التي تستخدم بمعزل عن التفارق القومي, في بلوغ توازن مذهبي مع الشيعة العرب. إن لعبة التوازنات المحلية قومياً ومذهبياً في إطار الوطنية العراقية لم تمنع تبلور توجهات جمعية متناقضة حيث الأكثرية السائدة إعتمدت خطاباً سياسياً يتوائم مع رغبتها في تكريس هيمنتها عبر إستخدام مفردات القاموس العروبي تارة والإسلامي تارة أخرى لإبقاء النسق المعرفي الموروث حاضراً في كل حين لإنتاج آليات دوام السيطرة مقابل إعتماد الأقليات المهمشة, التي تمتاز بالكثرة العددية نسبياً, على خطاب سياسي يضمر نزعة وطنية إنعزالية او طائفية ضيقة أو تعصباً قومياً مقيتاً في سعي واضح للتحول الى أكثرية عددية سائدة كما هي رغبة الشيعة أو
الحصول على مزايا التنافس العددي كما هي رغبة الأكراد و التركمان وبقية الأقليات القومية والدينية.
إن الخطاب السياسي للأكثرية السائدة و للأقلية المضطهدة يتقاطع في وظيفة مشتركة عنوانها إضعاف الهوية الوطنية الموحدة لصالح هويات قومية ودينية وطائفية مفرّقة. ومثل هذا الخطاب غير قمين بتحقيق المساواة الكاملة بين أبناء الوطن الواحد لتعارضه مع مباديء الديموقراطية في المساواة بين المواطنين بغض النظر عن إنتمائهم القومي والديني والطائفي. وأيضاً لأن هذا الخطاب يقوم على نقل مبدأ الأكثرية والأقلية من مجال العمل الحزبي والسياسي إلى المجال الإجتماعي. وهنا تكمن إشكالية علاقة هذا المفهوم (لا المبدأ) بالديموقراطية السياسية. ففي العمل الحزبي السياسي تقضي الممارسة الديموقراطية سيادة الأكثرية على الأقلية التي تحتفظ بحقها في العمل من أجل أن تتحول الى اكثرية محتملة تؤهلها للسيادة, بينما في مجال الإجتماعي فإن الممارسة الديمقراطية تقضي بالمساوات التامة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين بلا إعتبار لإنتمائهم الى اكثرية او اقلية. ففي المجتمع الديمقراطي لا توجد إمتيازات لقومية بعينها او لدين او لمذهب بعينه, وعليه فإن الدعوة الى سيادة الأكثرية على الأقلية في المجال الإجتماعي ولا سيما في مجال العلاقة بين مختلف القوميات والأديان والمذاهب ما هي في حقيقة الأمر إلا دعوة مموهة لإدامة حالة اللامساواة القومية والدينية والمذهبية وهي دعوة منافية لأبسط مبادئ الديمقراطية.

(2)
إن حل المسألة القومية في العراق يستدعي برنامجاً واضح المعالم , يستجيب لطموحات العراقيين في بناء دولة ديمقراطية تكفل المساواة التامة في الحقوق والواجبات لجميع أبناء الوطن وتخلق الشروط المناسبة لإنجاز مهمات التطور السياسي والإقتصادي والإجتماعي. ولكي نمنح برنامجاً من هذا القبيل طابعه العملي, ينبغي بناء فقراته وفق متطلبات الظروف الملموسة في هذه المرحلة التأريخية, وعدم الركون الى المبادىء العامة والمفاهيم المجردة أو اللجوء الى دعوات فضفاضة لنسخ تجارب الأولين في إهمال تام للخصائص المحلية والأقليمية والدولية. إن مستقبل البلاد في التقدم نحو غد مشرق أو النكوص ومن ثم الوقوع في هاوية التخلف والتشرذم والصراعات القومية والمذهبية المدمرة, يتوقف الى حد كبير على قدرتنا في تجاوز عقبة الإشكال القومي والأقلياتي وتأمين أفضل ما يمكن من إمكانيات نجاح التحول الديموقراطي (بعد زوال الإحتلال) عبر وسائل فاعلة تكرس وحدة جميع القوى
الإجتماعية التي لها مصلحة في إتمام أهداف المرحلة وإزالة الحواجز القومية والدينية والمذهبية والعشائرية وتوابعها في المجالات الحقوقية والسياسية والإدارية أمام متطلبات قيام دولة ديموقراطية حديثة تأخذ بأسباب التقدم والإزدهار.
ولكي لا أظهر كمن ينصح الآخرين على إتيان أمر وهو عازف عنه, أرى لزاماً عليً وضع المسألة في إطارها التأريخي وتحليل خصائصها الملموسة في هذه الحقبة من تأريخ العراق. وأول ما يجب عمله في هذا السياق هو التأكيد على إننا نواجه إنجاز مهمات المرحلة الوطنية- الديمقراطية التي تشمل طائفة واسعة من إجراءات التغير البرجوازي للمجتمع في جميع المجالات. وحيث أن تحقيق اهداف هذه المرحلة من التطور يشترط كنس بقايا العلاقات الإقتصادية والإجتماعية والسياسية البالية, فإنه يستلزم ايضاً تحقيق الطموحات الناهضة للقوميات والاقليات التي تعاني من الإضطهاد والتمييز. والأمر الثاني الذي لا ينبغي إهماله في حال كان الطموح يمتد الى وضع برنامج قومي صائب وفعال, يتمثل في إدراك حقيقة إن عدداً من القوميات والإقليات ترتبط بصلات قومية ومذهبية مع مجموعات سكانية خارج حدود دولتها وأن هذه الصلات تساهم في رسم التوجهات السياسية الراهنة والمستقبلية لإطرافها في العراق وفي الدول المجاورة. يضاف الى ذلك الإدراك التام بأن معالجة هذه القضية الهامة من قضايا التحول الديمقراطي تجري في ظل سيادة الرأسمالية على المستوى العالمي وإشتداد نزعتها الى دمج الأسواق العالمية وتجاوز الحدود القومية والتدخل في رسم إتجاهات التطور لبلدان العالم وفق حاجات هيمنة الرأسمالية الإحتكارية العالمية .


الديمقراطية والمركزية
إن سنوات طويلة من العسف والإضطهاد على يد سلطات دولة مركزية كما العراق خلق إنطباعاً
عاماً بأن المركزية تتعارض مع قيام دولة ديمقراطية, في حين تؤكد التجربة التأريخية للديمقراطيات في العالم وجود أشكالاً مختلفة لها بحيث تشمل أنماطاً من الحكم مركزية كما في السويد وغيرها وإتحادية كما في سويسرا وغيرها. وفي الجهة المقابلة نلحظ وجود أنظمة حكم غير ديمقراطية في دول مركزية كما في معظم الدول العربية, وفي دول إتحادية كما في الإمارات العربية المتحدة والإتحاد السوفيتي السابق. لذا فإننا نعتقد بأن الخلط بين المركزية والديكتاتورية هو نتاج قراءة سطحية لتعسف الدولة المركزية البيروقراطية التي تتمايز عن الدولة المركزية الديمقراطية. فالأولى تعرقل نمو العلاقات الإقتصادية والإجتماعية بين جميع الأقاليم والأقوام والطوائف وتحول البلاد الى جزر معزولة بعضها عن بعض نتيجة التطور الإقتصادي والإجتماعي المتفاوت بين الأقاليم ونتيجة اللامساواة القومية والدينية والمذهبية بين مختلف مكونات المجتمع وتستعيض عن غياب مقومات الوحدة الوطنية إقتصادياً وإجتماعياً بالمبالغة في إستخدام العنف للحفاظ على الوحدة السياسية للدولة والمجتمع التي سرعان ما تتآكل لتضعهما معاً أمام مخاطر التفتت والإنقسام والإنهيار. بينما الثانية (الدولة المركزية الديمقراطية) تستجيب لمتطلبات بناء المجتمع على أسس من المساواة والتضامن وتسهم في إزالة جميع الحواجز بين القوميات والأديان والطوائف وتنقل المجتمع من حالة التشتت والتبعثر الى حالة من الإنسجام والوحدة ممهدة الطريق أمام تطور العلاقات الإقتصادية والإجتماعية بأقصى سرعة ممكنة وبشمولية تتخطى قيود الإنعزال المتوارث. ومن المؤكد أن هذه الدولة تناسب على أكمل وجه حاجات التحول البرجوازي للمجتمع العراقي على طريق إنجاز مهمات المرحلة الوطنية-الديمقراطية لكونها توفر الآليات السياسية والإقتصادية المناسبة لنمو القوى المنتجة ولمركزة الرأسمال ولتطور العلاقات الرأسمالية من جهة, وتحقق أوسع مدى ممكن من الإستقلال الذاتي المحلي للأقاليم والمناطق التي تمتاز بالخصوصيات القومية والجغرافية وغيرها من الخصوصيات من جهة ثانية.

حق تقرير المصير والفيدرالية والحكم الذاتي
إن التجربة التأريخية للحركات القومية تلزمنا بالإقرار أن المساواة التامة في الحقوق بين جميع الأمم لا يمكن أن تتحقق بدون الإعتراف المطلق بحقها في تقرير المصير, أي حقها في الإنفصال السياسي وإقامة دولها القومية وفق إرادتها. وبهذا المعنى فإن الحكم الذاتي المحلي والفيدرالية وأية صيغة أخرى لحل المسألة القومية لا تحقق المساواة التامة ما لم تقترن بالإعتراف الصريح بحق تقرير المصير والإنفصال في كيان قومي مستقل لأن مفهوم "حق الأمم في تقرير مصيرها" لا يعني الحق في الحكم الذاتي مثلما لا يعني الحق في الفيدرالية. إذ أن القول في الحكم الذاتي لا ينطوي على الدعوة لإعتماد الحكم الذاتي, مبداًً عاماً في بناء دولة ديمقراطية تمتاز بالتنوع القومي والجغرافي وتنوعات غيرها, وهي دعوة نتبناها في حل المسألة القومية في العراق كونه شرطاً لا غنى عنه لقيام الديمقراطية وإلغاء الإمتيازات الممنوحة لقومية على حساب أخرى أو للغة بعينها دون سائر اللغات المعتمدة من قبل السكان. أما القول بالحق في الفيدرالية فلا يعني شيئاً على الإطلاق كون الفيدرالية صيغة إتحادية لقيام الدولة وإعتمادها يشترط موافقة جميع الأطراف المشاركة في الإتحاد وبالتالي فإن الفيدرالية ليست حقاً ممنوحاً لجهة دون أخرى وإنما إتفاقاً بين أكثر من طرف لبناء دولة إتحادية تجنباً لمساوىء الإنفصال إن كان يهدد كيان الدولة المركزية لسبب من الأسباب أو طمعاً في محاسن الدولة الكبيرة عند التحول من كيانات متفرقة معزولة الى كيان موحد وأيضاً عند التحول من كونفيدرالية فضفاضة إلى فيدرالية تمتاز بقدر مقبول من المركزية تعين على الإسراع في تحقيق التنمية الإقتصادية والإجتماعية والسياسية. ونحن في العراق لا نواجه خطرا إنفصاليا واقعيا بدوافع قومية ودينية وطائفية كي نندفع الى تجنب حدوثه بإعتماد الفيدرالية ولا نعاني من حالة الإنقسام الى دويلات و إمارات معزولة كي نضطر معها الى توسل صيغ إتحادية لتكوين دولة موحدة. ودفعاً لسوء الفهم أبادر الى القول بأني لا أعني عدم وجود نزعة إنفصالية لدى القيادات القومية والدينية والطائفية التي لم تألوا جهداً في تأكيدها في كل صغيرة وكبيرة, وإنما أعني تحديداً غياب مقومات تبلورها في مشروع سياسي قابل للتحقيق وذلك لفشل المشروع القومي العربي في قيام دولة الوحدة وتراجع وإنحسار نزعة التضحية بمصالح وحقوق الإثنيات غير العربية في العراق لصالح التناغم والإنسجام مع الأهداف القومية الشوفينية للأحزاب القومية ووجود جار تركي أكثر بأساً يتحين الفرص للإنقضاض على المناطق التي تنسلخ أو يمكن سلخها من العراق ولا سيما المناطق الكردية في حال إنفصالها. وأيضاً هناك الجار الشرقي وتطلعاته في السيطرة القومية بإعتماد الخطاب المذهبي علاوة على الضعف العددي والسياسي للأقليات الدينية والقومية الأخرى. كل هذه الأسباب وكثير غيرها تشكل بمجملها عوامل مقررة لميل العراقيين الى التمسك بوحدة العراق وسيادته وإستقلاله.


الأقليات القومية
يتفق الباحثون على أن العراق متحف أثنوغرافي كونه يمتاز بالتنوع في تركيبته السكانية, قومياً ودينياً ومذهبياً. وقد ترتب على هذا التنوع تباينات في الأهداف والطموحات حسب صلة مختلف المجموعات السكانية بممكنات تحقيق مشاريعها الخاصة. وإذا كانت القوميات الكبيرة أكثر وضوحاً من غيرها في إشهار تطلعاتها القومية, فإن الأقليات الصغيرة لا تقل عنها طموحاً في رؤية مشاريعها المؤجلة وأهدافها الكامنة تتحقق بصيغة أو بأخرى. ففي الوقت الذي تسعى فيه القومية السائدة إلى جعل هوية الدولة متطابقة مع هويتها القومية أو الدينية والمذهبية, فإن الأقليات تعمل على نبذ أية هوية للدولة تكرس وضعيتها كأقليات مهمشة تعاني الإقصاء والتميز, لذلك فإنها في سعيها لنفي سيطرة القومية السائدة وفق هوية مغايرة لهويتها كأقلية لا تنكر طموحها في أن تكون جزأً من الأكثرية وفق هوية مشتركة, بل وتطمح- في ظروف إستثنائية- الى السيادة بإسم الأكثرية. وهكذا فإن الأقليات التي تتمايز قومياً عن الأكثرية السائدة وتشترك معها في الهوية الدينية والمذهبية, تجهد الى الإستعاضة عن المشروع القومي بالمشروع الديني والمذهبي, بينما الأقليات التي تتمايز دينياً أو مذهبياً عن الأكثرية السائدة وتشترك معها في الهوية القومية, تتبنى المشروع القومي وتقاوم أية نزعة لقيام المشروع الديني والمذهبي. في حين تلجأ الأقليات التى تجمع صفتها كأقلية قومية الى صفتها كأقلية دينية أو مذهبية, إما الى منح يأييدها الى مجموعات سكانية تمتاز بالكثرة العددية نسبياً وتشترك معها في واحدة من الهويات أو تتبنى مشاريع إمتدادات دينها أومذهبها أوقوميتها خارج الحدود. بقي ان نشير الى الأقليات "المجهرية" وهي أقليات صغيرة جداً تفتقر الى روابط الهوية القومية أو الدينية والمذهبية المشتركة مع المجموعات السكانية الأخرى في العراق مثلما تفتقر الى إمتدادات لها في القومية أو الدين خارج الحدود. لذا فإن هذه الأقليات تعتمد الهوية الوطنية العراقية وتنخرط في العمل السياسي مع القوى والأحزاب
التي تدعوا الى قيام دولة وطنية في نفي دائم للدولة القومية والدينية على السواء. إننا إذ نجمل الحركة الجمعيّة للأقليات وفق خصائص تواجدها في المجتمع وروابطها داخلياً وخارجياً, لا يعني إننا نهمل التمايزات الدينية أو المذهبية داخل أقليات بعينها كالتركمان حيث ينقسمون الى سنة وشيعة ومسيحيين, وإنما ندعوا الى جعلها حاضرة في كل محاولة لإعتماد الإستنتاجات المذكورة أعلاه لدى دراسة حالة الأقلية في الظروف الملموسة وإتجاهات حركتها مجتمعة كأقلية قومية أو منفردة كجماعات دينية ومذهبية صوب المشاريع المختلفة.


اللغة الرسمية واللغات القومية
في سياق الحل الديمقراطي للمسألة القومية وقضايا الأقليات في العراق, تبرز الحاجة الى رسم سياسة لغوية علمية وديمقراطية تكرّس وظيفة اللغة كأدات للتواصل بين البشر وتستجيب في الوقت ذاته الى الخصائص القومية للغة بإعتبارها ظاهرة إجتماعية وتأريخية. وفي ظروف العراق الإقتصادية والإجتماعية والسياسية نعاني من إشكالية اللغة الرسمية واللغات القومية, فمن جهة تقوم الحاجة الى وجود لغة يمكن التفاهم بها علىالمستوى الوطني تمكن جميع أفراد الشعب من التواصل في النشاط الإقتصادي والإداري والثقافي والسياسي العام. ومن جهة أخرى تقوم حاجة ملحة الى دعم اللغات القومية لمختلف الجماعات السكانية ومساواتها عبرإلغاء الإمتيازات الممنوحة للغة دون غيرها.
إن السياسة اللغوية للقومية السائدة طوال المرحلة السابقة قامت على فرض لغتها القومية بالقوة والإكراه وجعلها اللغة الرسمية العامة دون سائر اللغات في سعي لإكمال حلقات سياسة الصهر القومي بإعتماد العنف ومنح الإمتيازات مقرونة بتغيير شروط الإنتماء الى "الأمة العربية" من الشرط السلالي الى الشرط اللغوي- الثقافي, مهددة بذلك الهوية القومية للأقوام والأقليات غير العربية في آخر ما تبقى لها من دفاعات, فإستنفرت قواها للذود عن هويتها بمزيد من الإنعزال عن اللغة الرسمية وبالمبالغة في علاقة اللغة بالوجود القومي إلى درجة الإدّعاء بتلازمهما تلازم العلة بالمعلول. حيث يرتهن الوجود القومي باللغة القومية في تجلّيها قيمة روحانية مطلقة عوضاً عن كونها قيمة إجتماعية قابلة للتغير تطوراً وتراجعاً حسب خصائص كل مرحلة من مراحل التأريخ السياسي والإقتصادي والإجتماعي.
إن السياسة "التمثلية" اللغوية العنيفة التي مارستها السلطات المتعاقبة جلبت العداء الى اللغة العربية وهددت بإقصائها من وظيفتها العامة على مستوى الدولة. وقد إستغلت القوى الإنعزالية هذه السياسة الرعناء لتأجيج عوامل الفرقة والتشرذم, ولإلغاء روابط التواصل والتكامل بين أبناء الوطن الواحد.
وليس هناك من سبيل للخروج من هذا المأزق سوى إعتماد البرنامج الديمقراطي الذي ينهي جميع الإمتيازات للغة من اللغات ويسمح بوجود أكثرمن لغة رسمية, علاوة على منح المجموعات اللغوية جميعها دون إستثناء وبغض النظر عن نسبتها العددية, الحق في تعلم لغتها الأم. ولسنا بحاجة الى التأكيد بأن النظام الديمقراطي الذي يعتمد برنامجا من هذا القبيل سيقود
حتماً الى إعتماد لغة مشتركة بشكل طوعي بسبب ضرورات التطورالإقتصادي والإجتماعي والسياسي طالما كان التعايش في وطن واحد هدفاً للجميع.


الأرض القومية
من القضايا الهامة التي ينبغي حلها بطريقة ديمقراطية في سياق حل المسألة القومية في العراق, قضية "الأرض القومية" أو "الأرض التأريخية" ولا سيما في ظل تصاعد دعوات إقصاء القوميات والأقليات المختلفة عن حقها في الأرض بإستحضار كل ما يمكن إستحضاره من حوادث التأريخ من غزوات وحروب وسلب وإستحواذ في محاولة بائسة لتثبيت "الحق التأريخي" في "الأرض التأريخية". وبشكل عام يجب الإقرار مسبقاً بأن الأرض المشتركة شرط لوجود الأمة وبدونها لا يمكن القول بأن قومية من القوميات يمكنها أن تتشكل في أمة. وبالتالي فإن القوميات التي تنتشر في بقاع مختلفة من العالم لا يمكن أعتبارها أمة. كما ويجب الإقرار أيضاً بأن "الأرض التأريخية" ما هي إلا تلك الأرض التي شهدت أقواماً وشعوباً مختلفة على إمتداد الفترات التأريخية المتعاقبة, وأن وجود هذا الشعب أو تلك القبيلة على هذه الأرض في فاصلة زمنية من التأريخ لا يبرر إعتبارها أرضاً تأريخية وقومية. فالأرض من أجل أن تكون أرضاً قومية لأمة من الأمم ينبغي أن تكون قاعدة لتشكلها كأمة كونها تمثل الحاضنة للنشاطات والروابط الأقتصادية والتجارية وجميع النشاطات ذات العلاقة ولأجيال متتالية بحيث تتحول الى عنصر مقرر لوجود الأمة الى جانب العناصر الأخرى.
إن المعالجة الديمقراطية لهذه القضية تكتمل فقط عندما يتم حلها وفق مصلحة السكان لا وفق الأوهام القومية في إقتناص الفرص للإستحواذ بالقوة على أكبر مساحة ممكنة من الأراضي. والمصلحة هذه تكمن في جعل الهوية القومية للسكان والطبيعة الجغرافية للأراضي والضرورات الإقتصادية عناصر حاسمة في إعادة التقسيم الإداري بما يضمن أفضل الشروط للتطورالإقتصادي في عراق موحد.




#ياسر_المندلاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الوطنية العراقية .. العقل والعاطفة
- الحزب الشبوعي العراقي.... سياسات بحاجة إلى تدقيق
- ثالوث الأقانيم في عراق الأقاليم
- الحزب الشيوعي العراقي بين التجديد والتأبيد
- شياطين الله.......3
- شياطين الله .....2
- شياطين الله ......1
- وما الفائدة من وجوده إذاً ؟
- آليات إعادة إنتاج الأزمات
- مصادر الموارد السياسية في العراق...3
- مصادر الموارد السياسية في العراق...2
- مصادر الموارد السياسية في العراق ...1
- الإسلام السياسي في العراق – 4
- الإسلام السياسي في العراق – 3
- الإسلام السياسي في العراق - 2
- الإسلام السياسي في العراق
- التوافق الوطني والإقصاء الطائفي
- الفيدرالية والمسألة القومية في العراق
- حكومة الجعفري...تحصيص بلا بصيص
- العصبية الطائفية والقومية


المزيد.....




- قُتل في طريقه للمنزل.. الشرطة الأمريكية تبحث عن مشتبه به في ...
- جدل بعد حديث أكاديمي إماراتي عن -انهيار بالخدمات- بسبب -منخف ...
- غالانت: نصف قادة حزب الله الميدانيين تمت تصفيتهم والفترة الق ...
- الدفاع الروسية في حصاد اليوم: تدمير قاذفة HIMARS وتحييد أكثر ...
- الكونغرس يقر حزمة مساعدات لإسرائيل وأوكرانيا بقيمة 95 مليار ...
- روغوف: كييف قد تستخدم قوات العمليات الخاصة للاستيلاء على محط ...
- لوكاشينكو ينتقد كل رؤساء أوكرانيا التي باتت ساحة يتم فيها تح ...
- ممثل حماس يلتقى السفير الروسي في لبنان: الاحتلال لم يحقق أيا ...
- هجوم حاد من وزير دفاع إسرائيلي سابق ضد مصر
- لماذا غاب المغرب وموريتانيا عن القمة المغاربية الثلاثية في ت ...


المزيد.....

- الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية / نجم الدين فارس
- ايزيدية شنكال-سنجار / ممتاز حسين سليمان خلو
- في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية / عبد الحسين شعبان
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية / سعيد العليمى
- كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق / كاظم حبيب
- التطبيع يسري في دمك / د. عادل سمارة
- كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟ / تاج السر عثمان
- كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان / تاج السر عثمان
- تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و ... / المنصور جعفر
- محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي ... / كاظم حبيب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - ياسر المندلاوي - الديموقراطية و الإشكال القومي و الأقلياتي في العراق