أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - عبداللطيف هسوف - ديكتاتورية غريبة: في نقد فيفيان فوريستير لليبرالية المتوحشة 3 من 8















المزيد.....

ديكتاتورية غريبة: في نقد فيفيان فوريستير لليبرالية المتوحشة 3 من 8


عبداللطيف هسوف

الحوار المتمدن-العدد: 1743 - 2006 / 11 / 23 - 10:57
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


اليوم، هل نعلم على الأقل تحت نفوذ أي نظام نعيش، في وقت أصبحت فيه السياسة ذات توجه وحيد، أي ‏معولمة؟ هل بقي هناك دور تزعم القيام به التشكيلات السياسية التعددية المختلفة واللازمة لأي توجه ديمقراطي، ‏في وقت تسود فيه فكرة باطلة مفاذها أن اقتصاد السوق يمثل النموذج الوحيد والممكن لجميع المجتمعات؟
‏ (ليس هناك خيار عدا اقتصاد السوق)، إملاءات من هذا النوع لا يطبعها الغباء فقط، بل إنها قطعا لا تستند لأي ‏أساس، اللهم اعتمادها على المضاربة في شموليتها. نعم المضاربة تحل محل الاقتصاد وتقضي عليه. يتعلق الأمر ‏إذن بخطاب ديكتاتوري يميز الفضاء الذي نعيش فيه اليوم، فضاء يوحي لنا -يوحي فقط- بأن كل الأنظمة تلاشت ‏لتحل محلها سلطة الاقتصاد. هل انتصر الاقتصاد على السياسة؟ لا، هذا ادعاء. الاقتصاد لم ينتصر على السياسة، ‏بل العكس هو الذي حصل. ‏
يبدو لنا عموما أن العولمة ترتبط مبدئيا بالاقتصاد لا بالسياسة. لكن الأمر في الحقيقة لا يتعلق بالاقتصاد، بل ‏يتعلق بعالم الأعمال الذي طغت عليه هو الآخر المضاربة. نعم، إنها نوع من السياسة الليبرالية، وهي تسعى إلى ‏التحرر من اهتمامات الاقتصاد الحقيقية، بل إنها تحرف المعنى الحقيقي لمصطلح (الاقتصاد). هذا المصطلح الذي ‏ارتبط دائما بحياة السكان، يقتصر اليوم على تعريف شيء واحد: الجري وراء الربح. لا يتعلق الأمر بتحكم ‏الاقتصاد في السياسة، بل نلاحظ إبعادا لمفهوم الاقتصاد وتعويضه بسلطة إيديولوجيا محددة يمكن أن نطلق عليها ‏اسم (الليبرالية المتوحشة).‏
إنها رغبة سياسية تخدم مصالح الاقتصاد الحر بإخفائه وراء عنوان يوحي بالطمأنينة، أي اقتصاد السوق. هذا ‏العنوان الذي يستعمل كمرآة عاكسة لاقتصاد مسيطر، اقتصاد يعتمد بالأساس على المضاربة، اقتصاد الكازينوهات ‏الذي لا يعير اهتماما للأنشطة الشعبية الحقيقية. تقتصر وظيفة هذا الاقتصاد الصوري على تشجيع المضاربة ‏وتشجيع أرباحها الناتجة عن تسويق مواد مشتقة غير مادية، والاتجار في ما لا وجود له (شراء مجازفات صورية ‏مرتبطة بعقدة حتى وإن كانت في مرحلة تحضير المشروع مثلا...).‏
لنعطي مثالا عن تعويض الاقتصاد الحقيقي بغطرسة اقتصاد غير ناجع: الانتصار المزعوم (للمعجزة الآسيوية). ‏هذا المثال ردد مرارا و قدم دائما كدليل على نجاح الليبرالية المتوحشة. لكن ما قولنا بخصوص الفشل الذريع الذي ‏عرفته هذه المعجزة المزعومة خلال سنة 1999؟ إنه سيناريو كلاسيكي حين ادعت الليبرالية تصدير نظام ‏اقتصادي يرتبط قبل كل شيء بالربح ولا يعير اهتماما لمميزات شعوب في الطرف الآخر من العالم. التفسير ‏الوحيد لنقل هذه الشركات المتعددة الجنسيات من الغرب إلى البلدان الأسيوية هو البحث عن أسواق تعوض فيها ‏تكلفة العمل بصدقة لا تسمن ولا تغني من جوع، غياب ضمانات العمل وكل أشكال الحماية الاجتماعية. إنها ‏أسواق تحمل شعار الليبرالية، أي الحرية، لكنها في الحقيقة حرية تسمح باستعباد الفئات العريضة من قبل طغمة ‏متسلطة.‏
ما هي النتيجة التي عرفتها هذه البلدان؟ أرباح حققت في وقت قياسي، ثم اختفت بسرعة البرق محدثة فوضى ‏مطلقة واندحارا يندى له الجبين. لقد ألقت هذه التجربة بالعديد في أحضان البؤس. أما أبطال هذه الملحمة، وأمام ‏عجزهم على فهم و معالجة الأمور، فروا بعد أن باعوا في المزاد ما تبقى لهذه البلدان. مرة أخرى تزعم الليبرالية ‏المتوحشة أنها تمارس الاقتصاد في حين لم تقم سوى بمعاملات تهدف لتحقيق أرباح ضخمة اعتمادا بالأساس على ‏المضاربة.‏
ماذا نعني بالاقتصاد؟ هل هو تنظيم وتوزيع للإنتاج حسب الشعوب وفي سبيل تحقيق راحتها؟ أم هو استغلال ‏للشعوب ثم تنحيتها جانبا حسب التقلبات المالية الفوضوية؟ ‏
ماذا يلزمنا أن نفعل ؟ يجب أن نبدد أغلال هذه الدعايات، أن نتحلى بالصبر حتى نتمكن من معرفة المشاكل ‏الحقيقية، وأن نرفض التسرع في التحليل حتى لا نختار الحلول التي يمليها علينا أعداؤنا. الأسبقية إذن لرفض هذه ‏المقترحات المفبركة التي يجترها الليبراليون ليخفوا الحقيقة[...]. إن أهم شيء بالنسبة لهم هو الربح ولا شيء غير ‏الربح، حتى وإن لم يعبر عن ذلك بصراحة، إذ أن جميع الشروط المصاحبة تسلك هذا الاتجاه وقد تضحي بما قد ‏يتعارض مع ذلك (حتى وإن كان الشغل الذي تعيش منه الجماهير). كل مشكل قد يظهر نتيجة السعي وراء الربح، ‏سيعالج انطلاقا من مبدأ: لا ربح للفآت الشعبية إذا لم تحقق بعض العناصر المتحكمة في العالم أرباحها الضخمة. ‏نتصور إذن نجاعة سلاح هذه الدعاية الماكرة التي تعمل على زرع أفكار عبر ردود أفعال مشروطة، فهي لا ‏تتحدث بصراحة عن الربح، أو هي تربطه بالصدقة التي تلقيها للفآت العريضة، أي الفآت التي تستغل في الحقيقة.‏
إننا إذن نعيش سجناء أفكار مضمرة. نعم، تحت نفوذ سياسية ترتبط كليا بهذا المضمر الذي نقبله في صمت، ‏فمصدر المشاكل يختفي ولا تبرز سوى نتائجه. هذه النتائج هي التي تصبح مرجعا بارزا في نقاشاتنا. وإن انتقدنا ‏طريقة اشتغالها، فنحن نعتبرها غالبا واقعا مفروضا لا يمكن التنصل منه، فالذين يبدون حزنهم جراء هذه النتائج و ‏يتأسفون لوقوعها، يسلمون أيضا بأنها شر لابد منه ولا يمكن تفاديه، ذلك لأنها تنتج عن هذا المضمر الخفي الذي ‏نقبله جميعا، بل نجعله من المقدسات التي لا يمكن إبداء أي رأي بشأنها.‏
يجب إذن التلاؤم مع هذا الوضع المسلم به، مع هذا القدر الاقتصادي والنتائج المترتبة عنه. كما لو أن الظرفية ‏نزلت من السماء، كما لو أن التاريخ لفظ أنفاسه الأخيرة، كما لو أن المرحلة توقفت إلى الأبد. التلاؤم مع (اقتصاد ‏السوق) يعني التلاؤم مع (اقتصاد المضاربة). التلاؤم مع البطالة يعني التلاؤم مع هذا الاستغلال المخجل. التلاؤم ‏مع العولمة يعني التلاؤم مع الليبرالية المتوحشة التي تمسك بخيوط التسيير. التلاؤم مع التنافسية يعني التلاؤم مع ‏تضحيات الجميع بهدف تحقيق انتصار مستغل على مستغل آخر. التلاؤم مع مواجهة العجز العمومي يعني ‏التخريب الممنهج للبنايات التحتية الأساسية والحذف المبرمج للحماية الاجتماعية والمكتسبات العمالية. التلاؤم مع ‏الانفلاتات الاقتصادية، مع الاستخفافات الناتجة عن تعامل "المافيا" واللوبيات المشروعة. التلاؤم مع تفجير ‏الوحدات المعملية، مع تهريب الرساميل، مع جنات الضرائب، مع الفوضى والمضاربات الإجرامية، مع غطرسة ‏عدم الكفاءة وتسلطها الشبه الإلهي . التلاؤم مع، ومع...‏
لكننا نتجنب دائما الحديث عن الربح الذي يعد عصب النظام الحالي، محاكمة الربح تؤجل باستمرار. لا يكفي ‏أن نقول إن هناك تستر على الربح، بل إنه أصبح ينتمي لعالم اللاوعي، إنه أضحى شيئا مسلما به، نقبله لا ‏شعوريا ولا نناقش شرعيته المفروضة. انطلاقا من الربح، حول الربح، ولصالح الربح... يعمل النظام الحالي من ‏دون أن يبرز ذلك، أو حتى يوحي إليه. لا يتعلق الأمر إذن بمواجهة الوضعية التاريخية الحالية، هذه الوضعية ‏المقدسة، لكن يجب أن نواجه الطرق التي تستغل هذه الوضعية لصالحها، أي لصالح الربح.‏

‏------------------------‏
ملحق:‏
‏-------‏
فيفيان فورستير‎( VIVIANE FORRESTER )‎‏ روائية في الأصل، كاتبة وناقدة في صحيفة لوموند ‏الفرنسية وعضوة في لجنة تحكيم جائزة فيمينا ‏‎( Prix Fémina )‎‏. أصدرت عدة كتب أدبية منذ سنة 1970: (فان ‏غوغ أو الدفن في حقول القمح)، (عنف الصمت) ، (هذا المساء، بعد الحرب)، (عين الليل)، (أيادي)...إلخ. لكنها ‏قررت سنة 1996 مساءلة الأفكار الاقتصادية والتوجهات السياسية بكتابها الذي حاز شهرة واسعة : (الرعب ‏الاقتصادي). كتاب حصل في نفس السنة على جائزة ميديسيس ‏‎( Prix Médicis )‎‏ وترجم بعد ذلك إلى 24 لغة.‏‎ ‎في شهر فبراير سنة 2000، يصدر لفوريستر كتاب آخر ينتقد الليبرالية في شكلها المعاصر تحت عنوان: ‏‏(ديكتاتورية غريبة). ‏
تقول فوريستير: إننا نعيش اليوم تحت سيطرة ما يسمى بالعولمة ونرزح تحت ثقل نظام سياسي كوني وأحادي ‏التوجه. هذا النظام يتخفى تحت غطاء الليبرالية المتوحشة التي تتحكم في العولمة وتستغلها لصالح عدد محدود ‏وضد مصالح الفئات الشعبية الواسعة. تنتقد فوريستر في هذا الكتاب الفكرة القائلة بأن الاقتصاد يهيمن على ‏السياسة، و تبين أن هذه السياسة المهيمنة والأحادية التوجه تخرب اليوم الاقتصاد لصالح المضاربة، لصالح الربح ‏الذي أصبح متعارضا مع توفير الشغل، مع كل ما يتعلق بالمجال الاجتماعي (الصحة، التربية والتعليم... الخ)، بل ‏ضد كل ما يرتبط بالحضارة الإنسانية. ترد فيفيان فورستير على الدعاية الغربية التي تروج خطأ بأن البطالة تكاد ‏تنعدم في الولايات المتحدة الأمريكية فتقول : (نعم لقد تقلصت البطالة مقابل ارتفاع عدد الفقراء، حتى وإن كانوا ‏يتوفرون على شغل. إنهم في الحقيقة يمولون بطالتهم وفقرهم). إنها دعوة لمقاومة هذه الديكتاتورية الغريبة التي ‏تقصي عددا كبيرا من الاستفادة من التقدم الذي حققته الإنسانية. نعم يمكن مقاومتها لأنها تحافظ رغم ذلك على ‏تمظهراتها الديمقراطية: إنه في آن واحد الفخ والأمل المنشود.‏




#عبداللطيف_هسوف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ديكتاتورية غريبة: في نقد فيفيان فوريستير لليبرالية المتوحشة ...
- ديكتاتورية غريبة: في نقد فيفيان فوريستير لليبيرالية المتوحشة ...
- هل سيحكم النساء العالم بعد أن فشل الرجال؟ سيكولين رويال تفوز ...
- المغرب: أحزاب سياسية مريضة يسيرها زعماء لا ديمقراطيون
- المغرب الكبير: بين تغييب البعد الأمازيغي واللعب على وتر العد ...
- الأحزاب المغربية لا ترشح للانتخابات سوى مرتزقين وانتهازيين ج ...
- الأمريكيون يحاسبون رئيسهم بوش عن سياساته الرعناء - إقالة وزي ...
- اتحاد المغرب (العربي) الكبير:‏‎ ‎ضخامة تكلفة انقسام ‏
- المغرب (العربي) الكبير مؤجل إلى حين: السعي وراء زعامات فارغة ...
- المغرب خلال عشر سنوات الأخيرة: تعددية حزبية مفبركة وحكومة تن ...
- حزب الاتحاد الاشتراكي المغربي: انفتاح على فعاليات وطنية بديل ...
- المغرب: انعدام الأمن وإرهاب المواطنين في وضح النهار، من المس ...
- في الكتابة وعشق الكلام المرصع
- الثماني المباركون في القاهرة يتآمرون على الرباعي المنبوذ بحض ...
- عروبة مفقودة
- الدين الرسمي وأحزاب اليسار في مواجهة الأحزاب الإسلاموية: ردو ...
- شافيز ذاك الرئيس المدهش: وصف بوش بالشيطان ودعا الأمريكيين لق ...
- توالد الذرائع بعد ذريعة 11 سبتمبر‏
- لم تكن محقا يا بابا الفاتيكان.
- المحافظون الجدد بأمريكا، الصهاينة والحكام العرب: تحالف ضد من ...


المزيد.....




- مؤلف -آيات شيطانية- سلمان رشدي يكشف لـCNN عن منام رآه قبل مه ...
- -أهل واحة الضباب-..ما حكاية سكان هذه المحمية المنعزلة بمصر؟ ...
- يخت فائق غائص..شركة تطمح لبناء مخبأ الأحلام لأصحاب المليارات ...
- سيناريو المستقبل: 61 مليار دولار لدفن الجيش الأوكراني
- سيف المنشطات مسلط على عنق الصين
- أوكرانيا تخسر جيلا كاملا بلا رجعة
- البابا: السلام عبر التفاوض أفضل من حرب بلا نهاية
- قيادي في -حماس- يعرب عن استعداد الحركة للتخلي عن السلاح بشرو ...
- ترامب يتقدم على بايدن في الولايات الحاسمة
- رجل صيني مشلول يتمكن من كتابة الحروف الهيروغليفية باستخدام غ ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - عبداللطيف هسوف - ديكتاتورية غريبة: في نقد فيفيان فوريستير لليبرالية المتوحشة 3 من 8