أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - ليلي فريد - إنهم يقولون .. ماذا يقولون؟ دعهم يقولون!















المزيد.....

إنهم يقولون .. ماذا يقولون؟ دعهم يقولون!


ليلي فريد

الحوار المتمدن-العدد: 1742 - 2006 / 11 / 22 - 08:15
المحور: المجتمع المدني
    


أدرك تماما مدي سخافة ما أكتبه، فما هو إلا إضافة عديمة الجدوى إلى أكوام الورق التي سودت وأطنان الحبر التي أريقت في رثاء مصر.
ولكن ماذا بوسع المكلوم أن يفعل إزاء كارثة لا يملك لها دفعا إلا الندب والنحيب؟! وهذا بالضبط ما برحنا نفعله ونحن نرى الوطن الغالي يسير سيرا حثيثا نحو الخراب.
رحلة قصيرة لمصر (ليست سياحية تستطيع أثناءها أن تنتزع نفسك من الواقع المر وتغلق عيناك عن الحقائق المفزعة) كافية لأن تصل بك إلى هوة اليأس من أن للمريض براء وللمحتضر صحوة.
وفقدان الأمل هنا نابع من أن الحال قد تغير من:" إذا بليتم فاستتروا" إلى :"إذا لم تستح فافعل ما شئت". في مرحلة سابقة كانت المشكلة هي تكميم الأفواه وقصف الأقلام. وكان المأمول أنه إذا انكشف المستور سينصلح الحال وإذا عرف الداء سهل الدواء.
ولكن ما حدث في الوِاقع هو أن تليت معلقات وكتبت عرائض في تشخيص الداء ووصف الدواء. ورغم ذلك تُرك المريض بلا علاج حتى تدهورت حالته وتكالبت عليه المضاعفات.
لم يبق فم لم يبح ويشكو ولا قلم لم يفضح ويكشف. لم تعد هناك قصة فساد أو استغلال أو سرقة أو نهب إلا وصارت معروفة ومتداولة.
الكوارث والمصائب التي تنزل يوميا على رءوس الخلق من عبارات تلقي بهم في أليم وقطارات أو تجمعات ثقافية تحيلهم إلى قطع من الفحم وحافلات تقفز بهم من فوق الكباري وإلى قاع الترع والمصارف وبيوت تنهار فتدفنهم أحياء، وما وراء هذه الأهوال من أسباب ساطعة سطوع الشمس: إهمال وتسيب وموت ضمائر وانعدام العقاب والمساءلة، أصبحت قصصا معروفة تلوكها الألسن ليل نهار.
مظاهر تردي التعليم والصحة والاقتصاد وسيادة القانون وإعمال العقل والمنطق وتفشي الكراهية والتعصب والانحدار الأخلاقي و ... و ... قيلت فيها وكتبت عنها ما يملأ فضاء مصر ويغطي برها.
والنتيجة:
كل ما هو سئ وقبيح وخاطئ يزداد ويتعاظم، يتوالد وينتشر انتشار سرطان خبيث يتغلغل في كل خلية ونسيج.
وكل ما هو طيب وجميل وصحيح تتفنن معاول الهدم المادي والمعنوي في تحطيمه والقضاء عليه.
وكل هذا يحدث في إطار من الوضوح والشفافية يحسدنا عليها العالم. كل ما يكتب ويقال يقابل بتجاهل وبرود واستهانة ولا مبالاة من جانب عامة الناس وبانعدام لأي رد فعل إيجابي أو حتى سلبى من جانب موضع النقد أو الشكوى. "إنهم يقولون.. ماذا يقولون؟ دعهم يقولون!" هذا هو الشعار السائد الآن. أو في قول آخر أكثر قسوة: "(....) والقافلة تسير".
تنظر حولك فتجد صورة عبثية ليس لها نظير، في كل صغيرة وكبيرة من حياة المصريين. في المواصلات، المرور، أكوام القمامة، المصالح الحكومية، كيف تدار الأعمال ويقضى الناس حوائجهم، ما يلقب بالمستشفيات والمدارس والجامعات، ما يصب في العقول من شعوذة وهلاوس سمعية وبصرية. كيف يوصف سلوك قسم كبير من المصريين الآن؟ بالهوس؟! بالخلل؟! اطلق الصفة التي تعجبك، فلن تكون مبالغا. كيف يعرف ما يقرؤه الناس وما يسمعوه؟ هذيان؟! خبل؟! سمه ما شئت فلن تجافي الحقيقة.
هل يوجد على ظهر البسيطة مكان آخر تتم فيه المتاجرة بالدين بهذه الجرأة والصفاقة؟! الأديان المقدسة أصبحت مطية للسياسي ليقفز للكرسي ولرجل الأعمال ليمرر صفقاته المشبوهة وللكتاب والصحفيين ليروجوا كتاباتهم الهزيلة. صارت أضمن وسيلة للشهرة والثراء لدي الجميع ابتداء من دعاة الفضائيات والنوادي ومرورا بأصحاب دور الأزياء وصالونات التجميل وانتهاء بالممثلات والراقصات.
الطبقة الوسطي تذوب وتتحلل. فهي إما تهوى إلى أسفل لتغرق في مستنقع الفقر وسكني المقابر والعشوائيات وما يتولد فيها من جوع وبطالة وكبت وضياع، فتصير أخصب تربة للإرهاب والجريمة والإدمان. أو تصعد بضربة حظ إلى أعلى فتلحق بالمجتمع المخملي الذي يحيط نفسه بشرنقة تحميه تماما من الاقتراب من عامة الشعب ويعيش في جيتوهات منعزلة ينعم بخيرات بلد لا يحمل لها أي شعور بالانتماء أو الولاء. مجتمع أخذ من الفَرنجة قشورها السطحية ثم أسوأ ما فيها وفشل في أن يكتسب فضائلها.
وبين هذا وذاك يطل النبت الشيطاني: طبقة من الرعاع امتلكت المال بوسائل جهنمية. ومن تزاوج الثروة وما يستتبعها من نفوذ مع الجهل والفجاجة وانحطاط الخلق والذوق، تولد مسخ مشوه جثم على حياة المصريين و صبغها بالقبح والغوغائية.
حتى المحاولات المبذولة من أجل النفاق، لم تعد كما كانت عليه من جودة. الكثير ممن يحرصون على مظاهر الدروشة الدينية لم يعودوا يأبهون بإخفاء تسيبهم الخلقي، المنحرف الآن لا يكترث بأن يتجمل في انحرافه. الكذب والرشوة والغش والتدليس يمارس علنا بلا خجل ولا حياء.
ازدواجية عجيبة يعيش فيها المجتمع ما بين دعاوى التعفف والتقوى وغض البصر وما بين تفشى الزني المقنع والهوس العصابي بكل ما يمت للجنس بصلة، وسعار مرعب وتحرشات مقززة تحدث عينك عيانك في شوارع القاهرة المزدحمة.
جرائم بشعة فقدت تأثيرها الصادم من مدى تكرارها. لم تعد تفرق بين صعيدي أو بحراوي، مسلم أو مسيحي، متعلم أو جاهل، من الصفوة أو من الحثالة. الكل يذبح ويمثل بالجثث ويعذب الأطفال ويعتدى على الإناث.
تتأمل فيمن حولك: الجميع قد نزل عليهم سهم الله. اعتادوا على ما يجري فلم يعد يحرك فيهم ساكنا. تجد الواحد منهم يلوى شفتيه استهانة أو يهز كتفيه تجاهلا. أقصى ما يتطوع به هو :"رحمتك يا رب" أو "لا حول ولا قوة إلا بالله".
لو كانت المركبة تبدو وكأنها مازالت تسير فإنها تفعل ذلك ببقية من قوة الدفع الذاتي التي لن تدوم طويلا. وإن كانت السفينة تظهر وكأنها مازالت طافية، فإنها قاب قوسين من الغرق.
والناس رغم تبلدها فإنها تدرك هذه الحقيقة المرة. الكل يقول "ياللا نفسى" أو "أنا وبعدي الطوفان". يحاول أن ينهب من المركب الغارقة أقصى ما يقدر عليه، ويأمل في أن ينجح في أن يقفز في الوقت المناسب من العربة السائرة إلى حتفها.
وماذا عن القلة القليلة: الحبوب المباركة الضائعة وسط حزم القش، الجواهر الثمينة المطمورة تحت أكوام القمامة، أعواد القمح المحاطة بالزوان، الاستثناءات التى تجاهد لتحتفط بنقائها وسط هذا الجو الملوث؟!
إنها مازالت موجودة. ولكن صوتها خافت، أعداءها كثيرون، تأثيرها شبه منعدم وأحزانها كبيرة.
لك الله يا مصر .. يا وطني المثخن بالجراح.



#ليلي_فريد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لست وحدك
- من مات غنيا مات موصوما
- عندما يعتذر البابا
- التعامل الإيماني والعقلاني مع تحدي المقدسات إنجيل يهوذا وشفر ...
- الحركة القبطية بين العمل الفردي والعمل الجماعي
- محفوظ قد سلمكم الأمانة كاملة أنتم من أضاعها


المزيد.....




- أستراليا.. اعتقال سبعة مراهقين يعتنقون -أيديولوجية متطرفة-
- الكرملين يدعو لاعتماد المعلومات الرسمية بشأن اعتقال تيمور إي ...
- ألمانيا تعاود العمل مع -الأونروا- في غزة
- المبادرة المصرية تدين اعتقال لبنى درويش وأخريات في استمرار ل ...
- مفوض أوروبي يطالب باستئناف دعم الأونروا وواشنطن تجدد شروطها ...
- أبو الغيط يُرحب بنتائج التحقيق الأممي المستقل حول الأونروا
- الاتحاد الأوروبي يدعو المانحين لاستئناف تمويل الأونروا بعد إ ...
- مفوض حقوق الإنسان يشعر -بالذعر- من تقارير المقابر الجماعية ف ...
- مسؤول أميركي يحذر: خطر المجاعة مرتفع للغاية في غزة
- اعتقال أكثر من 100 متظاهر خارج منزل تشاك شومر في مدينة نيويو ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - ليلي فريد - إنهم يقولون .. ماذا يقولون؟ دعهم يقولون!