أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - أزمة الهيمنة وعسر التغيير السياسي العربي















المزيد.....

أزمة الهيمنة وعسر التغيير السياسي العربي


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1741 - 2006 / 11 / 21 - 11:06
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كان يمكن للتغير السياسي في البلاد العربية أن يكون أسهل بكثير لو كانت الإسلاميون السياسيون أكثر انفتاحا على الحداثة الفكرية والسياسية والجمالية، وأقل أصولية عقيديا وسلوكيا. وكان يمكن أن تتشكل تحالفات اجتماعية وسياسية أوسع وأقوى لو أن النموذج الذي يقترحه الإسلاميون للمجتمع والدولة والثقافة لا يثير حفيظة، أو خوف، قطاعات مهمة في المجتمعات المشرقية المتعددة الأديان والمذاهب أو في المجتمعات المغربية التي تتميز بوزن كبير لنخب محدثة التفكير والأذواق وأنماط الحياة. خوف هذه القطاعات من الإسلاميين يشبه ويذكر بالخوف الكثيف و"التحريمي" لقطاعات أميركية كبيرة من الشيوعيين في حقبة الحرب الباردة: خوف عميق وجوهري وغير قابل للتسوية لأنه يمس نمط الحياة وخياراتها الجوهرية والأبسط. ولعل الاستعصاء العربي الحالي متولد بصورة أساسية عن تثبيت متبادل لسلطات استبدادية سياسيا وفاسدة لكنها منفتحة على تعدد أنماط الحياة المرتبط بالحداثة ولحركات اعتراض إسلامية تدعو إلى التغيير وتعلن قبولها للتعدد السياسي، لكن يخشى أن تكون واحدية على مستوى أساليب الحياة وفنونها.
لسنا في معرض لوم الإسلاميين أو تحميلهم مسؤولية الاستعصاء، كلها أو حتى بعضها. نكتفي بوصف الحال: ينتشر الاعتقاد بأن النظم السياسية الحاكمة، على استبدادها وفسادها وفئويتها، تحمي أنماطا حياتية وذوقية وسلوكية تبدو مهددة من الإسلاميين ونزعاتهم الطهرية. هذا ما يخرج التغيير من أن يكون مسألة محض سياسية، خلافا لما كانه في عقدي التغيير، بين خمسينات القرن العشرين وسبعيناته. لقد أضحى مرتبطا برهانات أكثر جذرية، تتصل بحريات أكثر أساسية من الحريات السياسية، حريات تتصل بتصريف الحياة اليومية والزي وأذواق الطعام والشراب.. وإنما لذلك بالذات ينفتح التغير المحتمل للنظم السياسية في بلاد عربية متعددة على مخاطر الحرب الأهلية، كما تمثل بصورة خاصة في الجزائر. وبفعله حازت النظم الحاكمة وظيفة أساسية: حماية التعددية الحياتية والحق في نمط حياة شخصي، وإن على حساب الحريات السياسية والحقوق الاجتماعية. قلما ينتبه الإسلاميين لهذه القضية، وقلما يدركون أنهم، بنزوعهم المعلن نحو فرض نمط حياة تطهري متشدد، موافق لما يعتبرونه الشريعة، قد قدموا لسلطات استبدادية خدمة لا تقدر بثمن، لا أقل من مبرر وجود واستمرار.
ثمة طرف ثالث بالغ الأهمية، التجمعات العلمانية والليبرالية المعارضة، تتجسد فيه إمكانية كسر التقاطب بين إسلاميين تغييريين سياسيا لكنهم محافظون اجتماعيا وثقافيا، وسلطات مستبدة سياسيا لكنها متعايشة مع وحامية لتعددية اجتماعية وثقافية معقولة. والتجمعات هذه معارضة مثل الإسلاميين (في سورية ومصر والأردن وتونس والجزائر والمغرب .. ودول الخليج ..)، ومنحازة إلى أساليب تذوق وسلوك وعيش حديثة تعلن السلطات الحاكمة حمايتها. لكنها أقرب إلى تمثيل لما يجب أن يكون منها إلى قوة فعلية حاملة لنموذج اجتماعي سياسي أصيل.
**
نقترح هنا أن ما تشترك فيه المجتمعات العربية بجميع قواها المذكورة هو معاناتها من أزمة هيمنة، أي افتقارها إلى قوة اجتماعية ديناميكية، تجسد وتمارس وتدعو لنمط حياة وحكم جديد، يمكن أن تتكون حوله أكثرية اجتماعية حقيقية، مؤهلة لابتكار حلول إبداعية للمشكلات الوطنية. اليوم، حيث يحتمل وجود أكثرية في المجتمعات العربية فإنها غير مهيمنة وعاجزة عن الهيمنة، ما يعني بالفعل أن مجتمعاتنا، ومهما يكن تكوينها السكاني الديني أو المذهبي، هي مجتمعات مكونة من أقليات فحسب. فالهيمنة هي ما تجعل من قطاع ريادي من السكان أكثرية، وهي التي تصنع الأكثرية وليس العكس. وفي غياب قوة مهيمنة، تفتقر المجتمعات العربية إلى أكثرية طليعية صانعة للأمة أو للشعب. وهذا ما يجعل الانتقال إلى الديمقراطية صعبا. فلا فرصة للديمقراطية دون أمة بالمعنى التعاقدي للكلمة. وليست الديمقراطية هي التي تصنع الأكثرية، بل إن الأكثرية تُصنع قبل الديمقراطية ويشرط وجودها التحول نحو الديمقراطية، حتى لو كانت إجراءات الديمقراطية هي التي تختبر تحقق الأكثرية وتقيس تبدلاتها.
من هذا المنظور نميل إلى اعتبار الدكتاتورية نتاجا لأزمة الهيمنة وغياب الأكثرية الديمقراطية. وتنزع هذه إلى توليد الطائفية من اجل أن تضمن دوامها وتعويضا عن الهيمنة المفقودة، ما يفاقم بدوره من أزمة الهيمنة.
ومن هذا المنظور كذلك لا يصح اعتبار الإسلاميين مهيمنين، لأنهم لا يقدمون نموذجا للسياسة أو الحياة يمكن أن تقتدي به وتتمثله أكثرية نشطة ومستدامة من مواطنيهم الآخرين، يتعرفون فيه على ما يحقق مصالحهم ويفتح آفاق تطور مادي وسياسي ومعنوي واسعة لهم. المهيمن هو من نبدع إذا قلدناه دون أن يجبرنا على تقليده، ونتحرر إذا تبعناه دون أن نكون مكرهين على اتباعه، وتتحقق مصالحنا المشروعة ضمن النظام الذي يقترحه علينا أو يقحمنا فيه.
والحال، لا يبدو أن أحدا يثير رغبة بتقليده والاقتداء في بلادنا. السلطات لا تطلب تقليدها بل تفرض الالتحاق بها، وهي تعوض قصورها الهيمني بالتوسع في الإجراءات القمعية. ولا يقنع الإسلاميون إلا من هو مقتنع سلفا بتفوق نظرتهم إلى الدولة والمجتمع. وهم يعالجون عجز الهيمنة لديهم بوضع اليد على الإيمان الإسلامي والتأكيد على تمثيل أكثرية "الأمة" (هذا غير صحيح بالمعنى التعاقدي لمفهومي الأكثرية والتمثيل، وحيث يمكن أن يكون صحيحا، أي بالمعنى الماهوي، فإنه لا تمثيل ولا أكثرية؛ ولا مجال للكلام على هيمنة إلا ضمن المعنى التعاقدي). وخلافا لما قد يفترض الإسلاميون فإن الأكثرية الديمقراطية تمثل لأنها تقود، وتقود لأنها تهيمن؛ وهي لا تقود لأنها "تمثل"، وتمثل لمجرد أنها تنتمي. بعبارة أخرى، من يمثل هو الناجح والمبدع، من يمثل لمواطنيه ريادة يسعون إلى محاكاتها ومعيارا يقيسون به إنجازهم، وليس من "يعبّر" أو ينتمي. ولقد أشرنا إلى أن الدكتاتورية وليدة أزمة الهيمنة، أي انعدام شروط التمثيل القيادي أو الإبداعي.
باختصار، ليس ثمة قوة اجتماعية أو تيار فكري أو تنظيم سياسي متفوق ويثير إعجاب مواطنيه واندفاعهم الطوعي الحر للانخراط فيه وتكريس طاقاتهم لرفع قضيته. وما تفتقر إليه المجتمعات العربية أكثر من أي شيء آخر هو طليعة حقيقية تقود باقتدار وينقاد لها الناس بحرية.
على هذه الخلفية نفهم عسر التغيير العربي أو الشرق أوسطي. وفي شروط أزمة الهيمنة، حتى لو حصل أن تغيرت النظم القائمة، فإن من غير المحتمل لما سيتلوها أن يكون مختلفا كثيرا عنها.
**
توسلنا مفهوم الهيمنة لإضاءة جانب من تعقيدات التغير السياسي والانتقال الديمقراطي في بلادنا. وليس في كل ما قلناه ما يقر لنظم الحكم القائمة ما يتخطى شرعية "حق الشُّفْعة"، أعني الاستمرار في غياب البديل المأمون. فهي وإن كانت نتاج أزمة الهيمنة إلا أنها المستفيد الأول منها والطرف الأحرص على دوامها، بل إن منها من لا يستمر حاكما إلا بقدر ما يُغْرق المجتمع المحكوم في أزمة ثقة وطنية عميقة، لا تترك بديلا عن شناعة الدكتاتورية غير فظاعة الحرب الأهلية.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في -نقد السياسة-: من الإصلاح والتغيير إلى العمل الاجتماعي
- ديمقراطية أكثرية، علمانية فوقية، ديمقراطية توافقية؟
- الخرائط العقلية والسياسية أم الخرائط الجغرافية هي التي ينبغي ...
- الخرائط العقلية والسياسية أم الخرائط الجغرافية هي التي ينبغي ...
- الإنترنت وحال العالم الافتراضي في سوريا
- في أصل -الممانعة- ونظامها وإيديولوجيتها ..وازدواج وجهها
- في أن الخيانة نتاج وظيفة تخوينية لنظام ثقافي سياسي مغلق
- في مديح الخيانة
- نحو حل غير نظامي للمشكلة الإسرائيلية!
- -غرابة مقلقة- للإرهاب في سورية!
- في انتظام الطوائف وتبعثر الأمة
- في أصول -ثقافة الهزيمة-
- صراع حضارات أم طائفية عالمية؟
- من استكمال السيادة إلى عملية بناء الدولة الوطنية
- نصر نصر الله!
- في الحرب وتكوين الشعور العربي المعاصر
- فرصة لتجديد النقاش حول قضية الجولان
- في نقد الخطاب الانتصاري التخويني
- حرب لبنان بين الليبراليين والقوميين الإسلاميين
- -حب الدبب- والدول المضبوعة


المزيد.....




- فيديو لرجل محاصر داخل سيارة مشتعلة.. شاهد كيف أنقذته قطعة صغ ...
- تصريحات بايدن المثيرة للجدل حول -أكلة لحوم البشر- تواجه انتق ...
- السعودية.. مقطع فيديو لشخص -يسيء للذات الإلهية- يثير غضبا وا ...
- الصين تحث الولايات المتحدة على وقف -التواطؤ العسكري- مع تايو ...
- بارجة حربية تابعة للتحالف الأمريكي تسقط صاروخا أطلقه الحوثيو ...
- شاهد.. طلاب جامعة كولومبيا يستقبلون رئيس مجلس النواب الأمريك ...
- دونيتسك.. فريق RT يرافق مروحيات قتالية
- مواجهات بين قوات التحالف الأميركي والحوثيين في البحر الأحمر ...
- قصف جوي استهدف شاحنة للمحروقات قرب بعلبك في شرق لبنان
- مسؤول بارز في -حماس-: مستعدون لإلقاء السلاح بحال إنشاء دولة ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - أزمة الهيمنة وعسر التغيير السياسي العربي