أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد رحيم - السياسة موضوعةً في الرواية















المزيد.....

السياسة موضوعةً في الرواية


سعد محمد رحيم

الحوار المتمدن-العدد: 1740 - 2006 / 11 / 20 - 08:40
المحور: الادب والفن
    


يحيل مصطلح الرواية السياسية إلى أفق المضمون أو المحمول السردي، وليس إلى قضية شكلانية، ومنذ القرن التاسع عشر جرى استخدام ثيمة المعضلات السياسية وتاريخ الوقائع السياسية في المتن الروائي، كما في روايات ستندال وتولستوي وديكنز وغيرهم، إلاّ أن التعاطي مع السياسة مسألةً أساسية هو امتياز لروائيي القرن العشرين، فمشاكل الصراعات والحروب والحرية والدكتاتورية وامتهان كرامة الإنسان، ومقارعة الاستعمار، وجدت لها في روايات القرن المذكور مساحات واسعة. وكان لروائيي آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية حصتهم المميزة في هذا الجانب.
تناول الروائي الانكليزي جورج أورويل موضوعــــة النظام الشمولي في روايته ( 1984 ) التي تعد يوتوبيا مضادة، قاتمة تنم عن يأس مستفحل. ففي هذه الرواية يجد المرء نفسه مراقباً ( بفتح القاف ) في كل لحظة وحين، بوساطة كاميرات منتشرة ومنصوبة حتى في غرف النوم. وفي الطرقات والساحات يطالعه وجه الرئيس، وتحته عبارة ( الأخ الأكبر يراقبك ) وفي سياق سياسة الأخ الأكبر يُختزل قاموس اللغة إلى مفردات محدودة حيث تستبعد منها تلك الثنائيات المتناقضة ليتعطل عند الإنسان قدرته على التفكير.
أما في رواية ( خريف البطريرك ) لماركيز فنجد مناخاً مختلفاً على الرغم من أن الموضوعة هي عينها، ففي هذه الرواية يهيمن البطريرك على السلطة لعقود، وحين يموت يخشى وزراءه وقادته الاقتراب منه إلى أن تحطم العقبان زجاجات النوافذ الخارجية للقصر الرئاسي وتهجم عليه لتأكل من لحم جثته، ولأولئك الوزراء والقادة مسوِّغهم في ذلك لأن البطريـــــــــرك سبـــق له وأن قام من رقدة موته وأعدم وزراءه وقادته السابقين بعدما رآهم مبتهجين لمناسبة رحيله عن هذا العالم.
وإذا كانت رواية أورويل تنطوي على طابع مأساوي مقبض وسوداوي فإن رواية ماركيز هي تراجيكوميديا تصور المأساة من منظور ساخر.
* * *
أقتيد ايوهان موريتز في رواية ( الساعة الخامسة والعشرون ) للروائي الروماني كونستانتان جيورجيو إلى معسكرات لحفر خنادق عشية الحرب العالمية الثانية بادعاء أنه يهودي، ولم يكن كذلك ( أراد ضابط المخفر في قريته إبعاده لينفرد بزوجته ) وهرب من المعسكر الذي كان داخل رومانيا إلى هنغاريا فأعتقل بتهمة كونه جاسوساً رومانياً، ثم منح للألمان النازيين بادعاء أنه عامل هنغاري متطوع، فعمل هناك حتى تعرف عليه ضابط مسؤول عن الدراسات العنصرية قال عنه ( عن موريتز ) أنه ينتمي إلى الأسرة ( الشجاعية ) ذات العرق الآري النقي فجعلوه جندياً في وحدات الحراسة وتزوج من امرأة ألمانية/ وكانوا قبل ذلك قد أوهموه أن زوجته الأولى طلقته. وقبل نهاية الحرب هرّب خمسة من الأسرى الفرنسيين وهرب معهم فاستقبلهم الأميركيون بحفاوة، ثم عزلوه عن الفندق الذي أسكنوه فيه لأنه ينتمي إلى أمة معادية واعتقلوه، فمر على عدد كبير من معسكرات الاعتقال حتى قُدِّم إلى محاكمات نورمبرغ وأطلق سراحه بعد سنوات ليعود إلى زوجته الأولى ( سوزانا ) التي سبق لها وأن راسلته، وكانت إذ ذاك في ألمانيا الغربية وبقي معها عدة ساعات خارج البيت وحين عادا كان الجنود بانتظاره فاقتيد إلى معسكر للحجز لأنه روماني ولأن الحرب الباردة كانت قد بدأت.
في هذا المعسكر الذي كان تحت حراسـة البولونييـــن صار يفكر بالهرب فقـــال له أحد معارفه من الذين التقاهم هناك؛ "إذا أخطأك البولونيون فإنك ستقتل من قبل العسس الأميركي أو الألماني قبل أن تصل إلى رومانيا.... إنك ستلاقي في طريقك جنوداً نمساويين وتشيكين وفرنسيين وهنغاريين، فلا تصل أبداً إلى رومانيا.. سوف ينالونك في الطريق. فإذا تفاديت بنادق أمة ونجوت من جنودها قتلتك الأمة التي تليها.. إن بينك وبين بيتك وبين أسرتك يا عزيزي موريتز، تقوم أمم العالم، أمم مسلحة تريد قتلك.... إن هذا الجيش الدولي العالمي يقف حائلاً بين كل رجل وحياته الخاصة".
وفي المناخ ذاته ( مناخ الحرب والهرب ) نتعرف على كيفية سحق الإنسان وإذلاله من قبل السلطة الغاشمة، التي هي، هنا، سلطة ألمانيا النازية، في رواية ( ليلة لشبونة ) لأريك ماريا ريماك إذ يقايض بطل الرواية ( شفارتس ) جواز سفره وجواز سفر زوجته التي كانت قد توفيت لتوِّها مع ما يمتلك من نقود مقابل أن يسرد للراوي الأول في الرواية حكايته لأنه يريد لها أن تبقى حية في ذاكرة شخص ما، ولأنه بالمقابل غير واثق من أن ذاكرته ستبقى محافظة على قوتها.
* * *
استحوذت موضوعة السياسة على الرواية العربية، وكذلك الروايات التي توضع في خانة أدب ما بعد الكولونيالية، ذلك الأدب المكتوب من قبل كتّاب يعيشون حالة المنفى المزدوج بين لغتين وثقافتين وينتمون إلى الأمم الخارجة لتوِّها من العهد الكولونيالي في آسيا وإفريقيا، وهؤلاء، في الغالب، يكتبون بلغة الدولة المستعمِرة ويعيشون في العواصم المتروبولية، ويحاولون استعادة الذاكرة القومية أو يحيون من خلال السرد ذلك الجانب من التاريخ القومي بروحه وإشكالاته وتناقضاته وصراعاته.. هذه الكتابة التي أطلق عليها بعضهم تسمية الكتابة المهاجرة أرغمت نقاد الغرب على الاعتراف بها بعدما استطاعت أن تثبت حضورها وتبرهن على قدرة الإنسان المتحدر من الهامش المستعمَر على الإبداع والتعبير عن ماهية ثقافته الخاصة، وتنتصر لثقافة الهجنة وتقتحم وهي محملة برؤية مختلفة ثقافة المركز وتخلخل أسس إيديولوجيا المركزية الأوربية القائمة على مبدأ التراتبية والتفوق العرقي والحضاري. وإذا كانت هذه الكتابة قد فتحت أفقاً للتعريف بثقافة ونمط حياة الشعوب التي خضعت للاستعمار فإنها أغنت الكتابة الأدبية والثقافة عموماً في الغرب برؤاها وأساليبها، وأيضاً عبر حقن اللغة ( الغربية ) بمفردات جديدة وطرق مبتكرة في تراكيب الجمل والعبارات.
يعزز هؤلاء المصنفين كتّاباً لأدب ما بعد الكولونيالية الطابع السياسي للأدب والثقافة، لأن المضمون السياسي يفرض سطوته حتى على تلك النصوص التي أبدعوها والتي تبدو للوهلة الأولى وكأن لا شأن لها بالسياسة، فالكاتب من هذا الطراز الذي يعيش الحالة التي "أدى فيها النفي اللغوي والثقافي بالكاتب إلى انفصال عن زمانه ومكانه، لكن ذلك الانفصال لم يقض على التزامه بقيمهما الخاصة... ومن خلال اللغة العالمية التي استخدمها هؤلاء الكتّاب، فإنهم لم يخلصوا العالم من عبء الصور المشوهة التي خلفها الاستعمار حسب، بل نجحوا في تحديد موقعهم وتمجيد التجربة التي تقف وراء ذلك الموقع. لقد غيّر هؤلاء الكتّاب صورة بلادهم ليس في عيون العالم حسب، بل في عيون شعوبهم نفسها" كما يقول كاريث كريفتس في مقدمة كتابه ( المنفى المزوج: الكتابة في إفريقيا والهند الغربية بين ثقافتين ). ويمكن إدراج أسماء كثيرة تحت هذه اليافطة منهم أشيبي وسونيكا وأرماه ونيبول ومايكل أونداتشي وأنيتا ديساي، وغيرهم كثير.
أما في الرواية العربية فقد غدت السياسة هي الموضوعة الأثيرة منذ عرفت الثقافة العربية هذا النوع السردي في بدايات القرن العشرين حيث كانت البلدان العربية نفسها تخوض كفاحها من أجل الاستقلال والتخلص من السيطرة الكولونيالية، في الوقت الذي كان فكر النهضة والتنوير المستند على قيم العقل والعلم والإنسانية يأخذ بالانتشار. ولعل جملة المشكلات التي رافقت مرحلتي الكولونيالية وما بعدها عربياً على صعد السياسة والمجتمع والاقتصاد والتي جعلت النخبة المثقفة تنساق نحو الانشغال بالسياسة هي ما فرضت على المبدع الروائي التفكير بالسياسة، فتشرب نتاجه بالبعد السياسي. وبعدما صار الأدباء من ضمن تلك النخبة المستنيرة، وأحياناً على رأسها، باتت السياسة مضموناً مكرراً للنصوص الأدبية .
تناولت الرواية العربية الموضوعة السياسية الخاصة بصراع الإنسان من أجل حريته وكرامته، ومقارعة الاستعمار الخارجي من جهة والسلطة المستبدة من جهة أخرى. ولعل روايات عبدالرحمن منيف ( شرق المتوسط ) و ( الآن/ هنا ـ شرق المتوسط ثانية ) ومعظم روايات نجيب محفوظ ولا سيما رواية ( الكرنك )، إلى جانب روايات حنا مينة وغائب طعمة فرمان وإسماعيل فهد إسماعيل وغيرهم هي محاولات جادة لتصوير محنة الإنسان العربي، في ظل الأنظمة الشمولية، أو عند مقارعة الوضع السياسي المتردي في هذا العصر. لكن الرواية العربية في معظم نماذجها المتقدمة بقيت بهذه الدرجة أو تلك ذات محمول سياسي لا يخفى، أثـّر على اللغة الأدبية وعلى الأساليب والأشكال التي ظهرت بها الرواية.
لا بأس في أن تصير "السياسة" هي الموضوعة الطاغية على أكثر المنشور من الروايات في المحيط الثقافي العربي، ولكن مع التأكيد على أن يجري تناول هذه الموضوعة الخطيرة بعمق ومن دون سطحية وإسفاف، وأن لا يكون على حساب الشكل الفني، لأن العمل الأدبي الرديء يسيء إلى القضية التي يتبناها ويتمحور حولها. وفي نهاية المطاف ليس هناك التزام حقيقي خارج الكتابة المبدعة، والالتزام الوحيد للكاتب كما يقول ماركيز هو أن يكتب بشكل جيد.



#سعد_محمد_رحيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إنشاء المفاهيم
- من يقرأ الآن؟
- مروية عنوانها: إدوارد سعيد
- ثقافتنا: رهانات مغامرتها الخاصة
- مروية عنوانها: نجيب محفوظ
- إعادة ترتيب: شخصيات مأزومة وعالم قاس
- وعود وحكي جرائد
- رواية-هالة النور- لمحمد العشري: سؤال التجنيس الأدبي
- الطريق إلى نينوى؛ حكاية مغامرات وأعاجيب وسرقات
- هذا العالم السريع
- الكتابة بلغة الصحراء: إبراهيم الكوني وآخرون
- تحرش بالسياسة
- القاهرة في ذكراها
- صور قديمة
- إدوارد سعيد: داخل الزمان.. خارج المكان
- النخب العراقية في حاضنة المقاهي
- حول المونديال
- نخب سياسية.. نخب ثقافية: مدخل
- حبور الكتابة: هيرمان هيسه وباشلار
- قصة قصيرة: في أقصى الفردوس


المزيد.....




- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد رحيم - السياسة موضوعةً في الرواية