أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - سلامة كيلة - مكانة اللينينية في الماركسية















المزيد.....


مكانة اللينينية في الماركسية


سلامة كيلة

الحوار المتمدن-العدد: 1738 - 2006 / 11 / 18 - 11:51
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


علاقة لينين بالماركسية باتت مجال مراجعة منذ نشوء الشيوعية الأوروبية. ولقد جاءت هذه المراجعة كردّ على الربط الذي قام منذ وفاة لينين، والتصارع على إرثه بين ستالين وتروتسكي. حيث أسمى كلّ منهما ماركسيته: الماركسية اللينينية. فجرى تعميم هذا التعبير على الماركسية. ولقد عمّمت الماوية هذا التعبير بعد ذلك. الأمر الذي جعل الماركسية هي ماركسية لينينية، وأصبح لينين لازماً لماركس، وبدا أن لا ماركسية دون اللينينية، وأن شطب اللينينية يعني شطب الماركسية.
ولأن الشيوعية الأوروبية تمرّدت على الماركسية السوفييتية، التي كانت تسمّى الماركسية اللينينية، فقد بدأت بالفصل بين الماركسية واللينينية، ثم على رفض "الطريق اللينيني"، إنطلاقاً من أنها تعود الى ماركس، لتؤسّس تصوّرها الخاص، الذي سقط بعد فترة وجيزة، فظلّت ضمن دائرة الماركسية اللينينية ذاتها، أو تجاوزت الماركسية نحو نوع جديد من الإشتراكية الديمقراطية لكن المشبعة بالليبرالية.
لكن هذه النغمة الناقدة للينينية تصاعدت بعد إنهيار النظم الإشتراكية، خصوصاً بعد إنهيار الإتحاد السوفييتي، الذي كان يمثّل "المركز الروحي" لمعظم شيوعيي العالم. حيث كانت الماركسية الرائجة تربط نشوء الإشتراكية بـ "طريق لينين"، و هذا صحيح تماماً، لكنه بدا مع الإنهيار أنه فشل، بل أنه خاطئ من الأساس، لأنه "حرف لمسار التاريخ"، ويقوم على "إرادوية فظة". الأمر الذي فرض أيضاً "العودة الى ماركس"، و كما حدث مع الشيوعية الأوروبية فقد ظلّت ضمن دائرة الماركسية اللينينية أو إنتقلت الى الليبرالية الصريحة.
والمشكلة هنا تتمثّل في أن الماركسية اللينينية هي غير الماركسية و اللينينية، لأنها تمثّل رؤية جديدة إستفادت من بعض أفكار ماركس و لينين، و من مفاهيمهما، لكنها أسّست لمنطق آخر و تصوّرات أخرى. ولهذا أنطلق من الفصل بين اللينينية (بين الماركسية واللينينية) من جهة، و الماركسية اللينينية من جهة أخرى. حيث أن هذه الأخيرة هي رؤية ستالين المصاغة بعد وفاة لينين، والتي أصبحت تمثّل أيديولوجيا السلطة السوفييتية. كما أنها ـ من جهة أخرى ـ رؤية تروتسكي التي أسّست للتيار التروتسكي المتمثّل في الأممية الرابعة وإنشقاقاتها، وهو تيار تبلور إنطلاقاً من أفكار التروتسكي ملتبسة العلاقة مع أفكار لينين. أما اللينينية فهي غير هذه وتلك، وهي متناقضة معهما معاً في الكثير من الرؤى، الأمر الذي يفرض تحديد ماهيتها، أي موقع لينين في الماركسية، وما أضافه إليها، وهل تناقض مع ماركس؟
ماركس، الماركسية:
كان جوهر ما أتى به ماركس هو المنهجية الجديدة التي بلورها عبر الدمج الجدلي لجدل هيغل ومادية فيورباخ (وكلّ الإتجاه المادي الفرنسي)، والتي على ضوئها أعاد صياغة جملة مفاهيم كانت سائدة، منها صراع الطبقات، والإشتراكية. ونفي جملة مفاهيم أخرى، وخصوصاً في مجال الإقتصاد السياسي، والمثالية الفلسفية، والإشتراكية الطوباوية. وبالتالي حلّل طبيعة النمط الرأسمالي، وحاول البحث في إرتقاء المجتمعات البشرية إنطلاقاً من أن التاريخ صيرورة. وتوصّل إلى قوانين، منها قانون فائض القيمة، وأنماط الإنتاج، وميل معدّل الربح الى الإنخفاض، والإفقار النسبي والإفقار المطلق، وعديد من القوانين والمفاهيم والمحدّدات.
وبالتالي فإن "حجر الزاوية" كان قد وُضع مع ماركس، وأصبح المحدِّد لهذا الإتجاه الفكري الجديد. مع كمّ كبير من التحليلات و التصوّرات حول طبيعة الرأسمالية، والتاريخ، و العالم، و الصراع السياسي، والحزب، و المسألة القومية، والهدف الإشتراكي، والأخلاق، محدّدة بعنصرين، الأول: التاريخية، حيث أنها خضعت لشرط تاريخي محدَّد، وكانت نتاجه، وبالتالي ليس من الضروري أن تتحوّل الى قوانين، بل عبّرت عن رؤى معيّنة في زمن ومكان محدّدين. والثاني: نسبية المعرفة، وبالتالي نقص المعلومات من جهة، ونقص الإحاطة بما هو موجود من معلومات من جهة أخرى. الأمر الذي جعل كلّ هذه التحليلات و التصوّرات تخضع لمنطق الماركسية ذاتها، من أجل تقدير ما تجاوزه الزمن، وما بقي منها، وما أصبح جزءاً من التأريخ. لكن الأهم أن ما بقي منها هو "روحها"، المحدّدة في المنهجية التي كوّنتها في صيغتها المتناسقة، أي الجدل المادي، دون القول أنها كلها صحيحة حتماً. وهنا يكمن تلمّس مشكلة أخرى تتعلّق بتأثير "الأيديولوجي" و حرفه لمسار البحث، كما بنسبية المقدرة على إستخدام المنهجية ذاتها. خصوصاً وأن الجدل المادي لم يتبلور منذ البدء، بل تبلور في إطار صيرورة تشكُّل وعي ماركس وبلورته لأفكاره ( بمساعدة إنجلز).
وعلى أرضية ما حقّق ماركس، إشتغل إنجلز معه ومن بعده، وأضاف وأوضح، وبلور وشرح. و أيضاً لفيف من الماركسيين الأوائل، مثل بيرنشتاين وكاوتسكي، وأيضاً بليخانوف وروزا لوكسمبورغ، وآخرين كثر. لكن تأثيرهم (فيما عدا إنجلز طبعاً) كان أقلّ مما بدا مع لينين، الذي حوّل الماركسية من تيار فكري الى حركة واقعية، ثم الى دولة. و الذي قدّم منتوجاً فكرياً مهماً.
لقد مال تلامذة ماركس الى أحد خطين، الأول: التقليد، وترداد ما كان يقول به ماركس دون وعي، الأمر الذي حدا به الى إطلاق تعبير أنه ليس ماركسياً. حيث تحوّلت الماركسية الى إقتصادوية مبتذلة نقدها إنجلز في العديد من المواقع ( منها سلسلة رسائل نشرت في كراس تحت عنوان "رسائل حول المادية التاريخية"). والثاني: التخلي عن المنهجية، منجز ماركس الأوّل، و التمسك بالشعارات العامة حول الإشتراكية، و التطوّر القائم على أساس ميكانيكي، يكرّس الرأسمالية، ويعتبر أنها ضرورة مطلقة، وأنه لا يجب السعي الى تغييرها الى حين إستنفاذها إمكانيات إستمرارها (بيرنشتاين). وهو الأمر الذي أوجد إختلافات وخلافات كبيرة في إطار الحركة الإشتراكية بعد وفاة ماركس.
وكان الإتجاه العام يميل الى التأكيد على ضرورة تحقيق الإشتراكية في الأمم الرأسمالية، التي بدورها سوف تُنهض شعوب المستعمرات، وتنقلها الى الإشتراكية "فوراً".
ورغم التحوّلات التي تحقّقت بعد وفاة ماركس مباشرة، و التي تمثّلت في تحوّل الرأسمالية من رأسمالية المنافسة إنطلاقاً من السوق القومي و الدولة القومية، إلى نمط رأسمالي عالمي إمبريالي الطابع، يغيّر التكوين الطبقي في الأمم الرأسمالية، ويزيد في التحكّم بباقي العالم، و يحكم عليه سيطرته التي تمنعه من كلّ إمكانات التغيير و التحوّل الرأسمالي. رغم ذلك ظلّت الأهداف العامة للحركة الإشتراكية هي ذاتها. وظلّ البحث الماركسي مرتبكاً، خصوصاً فيما يتعلّق بالمنهجية، ووعي العالم، ودور الحركة الإشتراكية.
لينين واللينينية:
في هذا الوضع يمكن لمس موقع لينين، حيث بدا أنه يختلف مع "الجو" السائد في الأممية الثانية، وبات يشكّل تياراً متميّزاً فيها، بالترافق مع روزا لوكسمبورغ وماركسيين آخرين. ثم تناقض مع قادتها التاريخيين، من أمثال كاوتسكي وبليخانوف، ورفض مسارها بعد موقفها من الحرب العالمية الأولى، حيث تمترس كلّ حزب من أحزاب الأممية خلف برجوازيته في تطاحنها مع البرجوازيات الأخرى، بدل تأكيد التحالف البروليتاري لإسقاط هذه البرجوازيات. وبالتالي أصبح يمثّل الرؤية الأخرى المختلفة عنها، سواء في فهمه للصراع في أوروبا أو في موقفه من الشرق، و بالأساس في رؤيته لدور الماركسية في العصر الإمبريالي.
وإذا كان لينين قد كتب الكثير عن الماركسية، وعم روسيا والواقع العالمي، والثورة الإشتراكية، والمسألة القومية، والحزب، والتكتيك، فيمكن تحديد إسهاماته الأساسية التي شكّلت إضافات في الماركسية بالقضايا التالية:
1) إذا كان إنجلز قد عمل على صياغة المنهجية التي لم يستطع ماركس الكتابة حولها، رغم أنه وعد بذلك، وأقصد هنا الجدل المادي، فإن لينين هو الذي كرّس القيمة الفعلية للجدل المادي من خلال تأكيده على أهمية "الديالكتيك" في الماركسية، وعلى إنطلاقه منه في تحليل الواقع، إستناداً الى مبدأ "التحليل الملموس للواقع الملموس"، و بأن "الديالكتيك" هو حجر الزاوية في الماركسية، الذي يجب أن يحكم التحليل. ولقد ظلّ منشدّاً الى "الديالكتيك" طيلة نشاطه الفكري، فأسهم في إعادة تعريف المادة ( والمادي) بعد الإكتشافات العلمية التي تحققت بداية القرن العشرين، كما أسهم في تحديد العلاقة التي تربط النسبي والمطلق في كتابه "المادية والمذهب النقدي التجريبي". وأيضاً في العودة الى هيغل من أجل إعادة صياغة الجدل المادي ذاته ( في "الدفاتر الفلسفية"). و كذلك إشاراته المتكررة الى الجدل في وضع طغى فيه المنطق الوضعي، أو سادت النزعة الإقتصادوية.
وهذه مسألة ذات قيمة لأن الميل العام في الحركة الإشتراكية كان يتخلى عن الجدل المادي لمصلحة منطق إقتصادوي وضعي. وبالتالي كان لينين يعيد بناء المنهجية التي إكتشفها (أو بلورها) ماركس دون أن يصيغها في بحث مستقلّ. و كان يستخدمها في وعي الواقع الروسي و العالمي، وبالتالي في تحديد المهمات وآليات التغيير.
وإذا ما درسنا تاريخ الحركة الماركسية سوف نكتشف أن الذين إنطلقوا من أن الماركسية هي الجدل المادي بالأساس، قبل أن تكون قوانين وتصوّرات، هم الذين قدّموا إسهامات جدية، وأضافوا الى الماركسية، مثل غرامشي ولوكاش وماوتسي تونغ، وهنري لوفيفر....ألخ. ولهذا يمكن التأكيد بأن للينين دور إعادة بناء الماركسية إنطلاقاً من أنها الجدل المادي أولاً، بعد أن كانت الحركة الإشتراكية تتخلى عن ذلك.
2) المسألة الأخرى هي مسألة سياسية طبقية، حيث تجاوز لينين بعض تصوّرات ماركس حول الثورة الإشتراكية، ودور الشيوعيين و الطبقة التي تحقّق المهمات الديمقراطية. فلم تعد مهمة الشيوعيين هي تحقيق الثورة الإشتراكية فقط، ولا غدت البرجوازية هي التي تحقّق المهمات الديمقراطية، بل أصبحت مهمة الحزب الشيوعي هي تحقيق تلك المهمات. وكان هذا التحوّل يُحدث تغييراً كبيراً في رؤية ماركس، الذي أوحى في تحليلاته أن التطوّر الرأسمالي هو الذي يجب أن ينتصر عبر دعم البرجوازية، من أجل أن ينفتح أفق تحقيق الإشتراكية أمام الحزب الشيوعي. وكانت هذه التحليلات تعبّر عن واقعٍ كان يعيشه ماركس، حيث كانت الرأسمالية تتطوّر بإضطراد وتنتصر من بلد الى آخر. رغم أن ماركس كان يتلمّس تعثّر الرأسماليات، خصوصاً في ألمانيا، الأمر الذي جعله يعتبر أن تحقيق المهمات الديمقراطية هو من مهمة الحزب الشيوعي. لكنه ظلّ يركّز على الأمم الرأسمالية، وعلى تطوّرها الإشتراكي الذي سوف يحلّ مشكلة الإستعمار ونقص التطوّر في الأمم الأخرى. وبالتالي كان يرى أن مهمة الطبقة العاملة المنتصرة هي تمدين الأمم المستعمرة، التي كانت لازالت متخلّفة.
لينين لمس أن البرجوازية الروسية مترابطة مع الإقطاع، وبالتالي مترددة حيال إنهاء "النظام القديم" وتأسيس نظام رأسمالي جديد. الأمر الذي جعله يتوصّل الى أن على الطبقة العاملة تحقيق المهمات الديمقراطية (أو الثورة الديمقراطية برجوازية الطابع كما كان يقول)، بالترابط مع الفلاحين الفقراء، و التحالف مع البرجوازية الصغيرة. خصوصاً وأن الصراع الطبقي كان يتفاقم في الريف والمدينة. وهذه المسألة أثبتت صحتها، حيث إستطاعت روسيا تجاوز "النظام القديم" وتحقيق المهمات الديمقراطية (حلّ المسألة القومية، التصنيع والتحديث، والإصلاح الزراعي)، بغضّ النظر عن الطريق المتعرّج الذي مرّت به، و الأوهام التي رافقت ذلك.
وبالتالي أصبحت مهمة الحزب الشيوعي هي تحقيق المهمات الديمقراطية، بعد أن لفظتها البرجوازية. وكانت هذه الرؤية مهمة لكلّ الأمم المخلّفة، خصوصاً أنها إنبنت على تحليلٍ لطبيعة النمط الرأسمالي ونشوء الإمبريالية.
3) وهذه هي المسألة الثالثة، التي أضاف لينين إلى الماركسية فيها. لقد حلّل ماركس الرأسمالية لحظة نشوئها حيث كانت لازالت تتشكّل في الإطار القومي. وبعضها، مثل ألمانيا، لم يكن قد أصبح رأسمالياً. وشكل سيطرتها على العالم كان إستمراراً للإستعمار القديم الذي يقوم على النهب من أجل تحقيق التراكم الأوّلي. وكانت المنافسة الشديدة هي أساس العلاقة فيما بين هذه الرأسماليات الناشئة في إطار قوى الإنتاج الجديدة، والتي لم تكن قد رسّخت وجودها بعد.
وإذا كان ماركس قد أشار إلى الميل نحو التمركز في الصناعات الناشئة، والتركّز في الرأسمال، و بالتالي إلى تحوّل المنافسة إلى إحتكار، فقد نشأ لينين لحظة تبلور الإحتكار، وتبلور النمط الرأسمالي كنمط عالمي، حيث إعتبر أن هذا التشكّل الجديد يشكّل مرحلة جديدة في تطوّر الرأسمالية هي مرحلة الإمبريالية، التي إعتبر أنها أعلى مراحل الرأسمالية. حيث قاد التنافس الرأسمالي إلى تمركز الصناعة وتركّز الرأسمال، وبالتالي إلى الإحتكار، الذي أدى إلى إنهاء التنافس فعلياً في إطار سوق حرّ. فقد تزايدت عمليات إندماج الشركات أو إنهيارها، الأمر الذي جعل قلّة من الشركات تحتكر الأسواق وتهيمن عليها. وهذه سمة أولى لعصر الإمبريالية، عمل لينين على بلورتها إعتماداً على تحليل ماركس لطبيعة النمط الرأسمالي، وبالتالي فقد إتّبع ملاحظات ماركس في هذا المجال و عمّقعها فتوصّل إلى تحديد طبيعة النمط الرأسمالي في جوهره.
السمة الأخرى التي حكمت النمط الرأسمالي هي نشوء الرأسمال المالي، الذي نتج عن إندماج الرأسمال الصناعي و الرأسمال المصرفي، حيث بدأ التداخل بين المصارف و الصناعة، وبالتالي إنتفى التمايز بين الرأسمال المصرفي والرأسمال الصناعي (وتالياً التجاري).
السمة الثالثة هي تقاسم الأسواق بين الرأسماليات ونشوء الحروب من أجل ذلك، الأمر الذي فرض إخضاع باقي العالم (أي العالم المتخلّف) للسيطرة المباشرة لقوى الإنتاج الجديدة، المتفوّقة والمتميّزة من حيث التطوّر التكنولوجي.
وهو الوضع الذي صاغ العالم منذئذ ( أي منذ تبلور النمط الرأسمالي العالمي منذ سنة 1880 تقريباً). الأمر الذي أوجد التطوّر اللامتكافئ (أو المتفاوت)، وخلق وضعاً صعباً لكلّ الأمم المتخلّفة، حيث باتت عاجزة عن التطوّر في السياق "الطبيعي"، أي ذاك الذي يكرّر التطوّر الرأسماليّ الأوروبيّ، وبالتالي باتت مخلّفة ( أي متخلّفة بقوة القهر الإمبريالي).
وكان هذا التحليل يلقي الضوء على رؤية لينين لمسألة دور البرجوازية في تحقيق الثورة الديمقراطية، حيث أن تبلور الإحتكار (الذي بدأ في كلّ أمة وأصبح عالمياً) في إطار سوق مفتوح وإقتصاد حرّ، يقود إلى إفشال إمكانية تحويل التراكم المالي (الذي كان يأتي من الزراعة) إلى الإستثمار في الإنتاج الصناعي لبناء قوى إنتاج جديدة، بل تحوّل للتوظيف في المجالات المكمّلة للنمط الرأسمالي (أي في قطاعات التجارة و الخدمات والمال) فقط. وبالتالي يلقي الضوء على تصوّر لينين لدور الطبقة العاملة (والحزب الشيوعي) التي أصبحت (الذي أصبح) هي المعنية (هو المعني) بتحقيق الثورة الديمقراطية وبناء قوى الإنتاج.
بمعنى أن تحليل طبيعة الرأسمالية المتبلورة قاد إلى الوصول إلى الإستنتاج بأن مهمات الثورة الديمقراطية لم تعُدْ تتحقق عبر دور البرجوازية الناشئة، بل عبر دور الطبقة العاملة حديثة النشوء و الفلاحين الفقراء.
ولينين في هذا المجال بدأ من الملموس، أي من وضع روسيا، لكنه إنتقل إلى العام، أي إلى ما هو عالمي، ليحدّد سبب هروب الرأسمال في البلدان المخلّفة من الإستثمار في الصناعة، وتحالفها مع الإقطاع، وبالتالي عدم ميلها لتحقيق ما بات يُعْرف بأنه "خاصّ" بها، وأقصد الثورة الديمقراطية.
وربما كان بإمكاننا إضافة مسائل أخرى طوّر لينين فيها، حيث قام بتطوير البحث في مسائل مهمة مثل المسألة القومية ومبدأ حق تقرير المصير، ومسألة الحزب و البنية التنظيمية، وقضايا التكتيك...إلخ، لكن هذه المسائل الثلاث ربما كانت هي الأهم و الأساسية التي جعلت للينين دور محوريّ في تطوير الماركسية، بإعادة بناء المنهجية الماركسية (أي الجدل المادي)، وتطوير البحث في طبيعة الرأسمالية و الوصول إلى إستنتاجات جديدة مختلفة عن إستنتاجات ماركس، وبالتالي أسّست لرؤية مختلفة لدور الماركسية، ولطبيعة فهم الثورة الديمقراطية كما الثورة الإشتراكية. فقد قام لينين بتحليل عصر الإمبريالية، وتحديد دور الشيوعيين فيه كونهم باتوا ورثة البرجوازية في تحقيق الثورة الديمقراطية. وهذه هي القيمة التي جعلته يحظى بأهمية خاصة في تاريخ الماركسية. حيث أن رؤيته لطبيعة الرأسمالية و تحوّلها إلى إمبريالية فتحت لإنتصار كبير في أكثر من نصف العالم، محققة تطوّرها وإنتقالها إلى مجتمعات مدنية حديثة. رغم أنها لم تستطع الإنتقال إلى الإشتراكية، بل إنهارت لحظة نشوء التناقض بين قوى الإنتاج الجديدة التي أوجدتها، وعلاقات الإنتاج و البنية السياسية الأيديولوجية التي ظلّت متخلّفة وملوّثة بالبطركية الريفية. مع تحوّل "الحزب الشيوعي" إلى فئة بيروقراطية ذات إمتيازات ومصالح، جعلته يتميّز عن باقي الشعب في مجال الإستهلاك. وبالتالي تخلّيه عن دوره الثوري، وتحوّله إلى سلطة ذات مصالح خاصة. الأمر الذي جعله عائقاً أمام عملية التحوّل الإشتراكي، على العكس من ذلك جعله كونه حزب شيوعي يؤسّس لميل شعبي نحو الليبرالية و الإندماج بالنمط الرأسمالي، وتتحوّل فئاته إلى طبقة جديدة عبر نهب قطاع الدولة.
لينين وستالين:
إنطلاقاً من ذلك يمكن أن نلمس الإفتراق بين اللينينية و الستالينية.فإذا كان لينين توصّل إلى تجاوز تصوّر ماركس حول الإرتقاء من الإقطاع إلى الرأسمالية، واضعاً صيغة أخرى تقوم على تحليل للواقع الملموس كان يوضّح عجز البرجوازية عن تحقيق هذا الإنتقال، الأمر الذي دفعه إلى التأكيد على دور الطبقة العاملة (الوليدة) والفلاحين الفقراء في ذلك، وبالتالي توصّله إلى تجاوز تصوّر ماركس حول ربط دور الطبقة العاملة (والماركسية عموماً) بتحقيق الثورة الإشتراكية، وتحديده إنطلاقاً من الواقع الملموس بتحقيق "الثورة الديمقراطية برجوازية الطابع". فإن تصوّر ستالين الذي عُمّم تحت مسمى "الماركسية اللينينية" قام على العودة إلى تصوّر ماركس الأصلي ( والذي لم يكن حاسماً لديه، حيث حاول فهم ممكنات الواقع)، بتأكيده على "ميكانيكية" التطوّر التاريخي، وبالتالي حتمية الإنتقال من الإقطاع إلى الرأسمالية قبل أن تقوم الطبقة العاملة بـ "دورها التاريخي"، أي بتحقيق الإشتراكية.
وهي الصورة المعاكسة لما كان يفعل في الإتحاد السوفييتي، حيث كان الحزب الشيوعي يحقّق مهمات الثورة الديمقراطية تحت شعار (أو وهم) تحقيق الإشتراكية، أو بآليات إشتراكية، وإنطلاقاً من إلغاء الملكية الخاصة. فقد إنطلق من تحليل مختلف للوضع العالمي فرض أن يعود إلى فكرة ماركس التي تقول بضرورة دعم البرجوازية في سعيها لتحقيق ثورتها، حيث أن النضال في الأمم المستعمرة يفرض التحالف مع البرجوازية من أجل الإستقلال وتحقيق الثورة الديمقراطية. وهي السياسة التي أثبتت فشلها ( عكس ما حدث في كلّ الأمم التي إنتصرت فيها الإشتراكية، والتي إلتزمت تصوّر لينين)، وأدت إلى فشل وتلاشي الحركة الشيوعية سوفييتية الطابع.
إذن، ستالين ليس إمتداداً للينين، بل فرضت مصالح السلطة السوفييتية عليه سياسة أعادت ما كان لينين قد تجاوزه في تراث ماركس. وسنلحظ بأن هذا التحوّل طال كلية تصوّر لينين ومنهجية الماركسية ذاتها، حيث إستحكم المنطق النصّي الصوري. وبالتالي فقد تساوق ستالين مع الحركة الإشتراكية القديمة التي قطع لينين معها سنة 1914، وعمّم ميلاً إشتراكياً ديمقراطياً في الحركة الشيوعية العالمية قاد إلى فشلها، رغم أنه عاد قبيل وفاته بعامين للتأكيد على أن راية التحرّر قد سقطت من يد البرجوازية و أن على البروليتاريا إلتقاطها.
وبالتالي، وهو يسمّي الماركسية بالماركسية اللينينية كان يتجاوز لينين ويعيد تعميم رؤية الحركة الإشتراكية والأممية الثانية، على مجمل الحركة الشيوعية العالمية، الأمر الذي جعل هذه الحركة تلعب دوراً مساعداً لبرجوازية كانوا يفترضون أنها تعمل على تحقيق ثورتها الديمقراطية، لكن دون جدوى، حيث كان مشروعها مختافاً، ويتعلّق بالتشابك مع النمط الرأسمالي العالمي والتبعية له.
ولهذا سنلحظ بأن النقد الراهن الذي حظي به لينين تمثّل في رفض رؤيته لصيرورة التغيير التي إعتبر أنها باتت من مهمات الحزب الشيوعي، و الطبقة العاملة، إنطلاقاً من حتمية التطوّر الرأسمالي، هذه الحتمية التي لايمكن تجاوزها (بإعتبار أنها قدرية)، وبالتالي يجب دعم التطوّر الرأسمالي، والوقوف خلف الطبقة البرجوازية. مما جعل النقاد يعودون إلى منطق الحركة الإشتراكية القديمة (الأممية الثانية)، لكن أيضاً يعودون إلى منطق الستالينية التي مثّلها الرفيق خالد بكداش وقادة الحركة الشيوعية العربية (بإستثناء فهد و عبد الخالق محجوب وفرج الله الحلو)، و التي أفضت إلى متاهة النظم الإستبدادية التي قامت على دور الجيش المتدخّل نتيجة فراغ القوّة البديلة.
وبالتالي فقد عادوا إلى بكداش ما قبل سنة 1964 المحمّل برؤية "الرفيق ستالين" وبإستراتيجيته. وربما يجري تناسي مرحلة 1937ـ 1964 من تاريخ الحركة الشيوعية، وبأن الإستراتيجية المتّبعة خلالها هي التي أتت بالجيش إلى السلطة، من أجل العودة إلى تبني تلك الإستراتيجية.
لينين وماركس:
إذا كان ماركس هو مؤسّس التيار الذي بات يُعرف بإسمه، حيث أنه كان مبلور المنهجية التي باتت في صلب الماركسية وأسّها، ومحور منظومتها، فإن إضافات لينين مهمة خصوصاً فيما يتعلّق بتحليله لوضع الرأسمالية و التنائج العملية التي إنبنت عليها، وأقصد هنا رؤيته للطبقات التي تحقّق المهمات الديمقراطية، ولدور الماركسية. لكن يمكننا أن نبني على تحليلاته الأخرى أيضاً، سواء فيما يتعلّق بالجدل المادي أو المسألة القومية أو الحزب أو التكتيك أو الدولة....ألخ.
ورغم أهمية دراسة كلّ الماركسيين الآخرين، إلا أن للينين موقع خاصّ، كما يمكن لمس ذلك (وإن بدرجة أقل) لدى ماو تسي تونغ، و لكن أيضاً لدى غرامشي ولوكاش و عدد من المفكرين الماركسيين. أهمية لينين نبعت من تلمّسه لإنتقال التناقض من كونه يقوم بين البرجوازية والبروليتاريا في أوروبا إلى كونه أصبح منذ أن أضحت الرأسمالية نمطاً عالمياً (أي أضحت إمبريالية) يقوم بين الرأسماليات المتطوّرة والشعوب المخلّفة. وأن حسم هذا التناقض هو الذي يحظى بالأولوية من أجل تحقيق التطوّر وهزيمة الرأسمالية. ولقد توضّح بعد لينين السبب العميق لتحوّل التناقض، حيث بات حاسماً تطوّر الأمم المخلّفة بتحوّلها إلى أمم صناعية، وكانت طبيعة النمط الرأسمالي العالمي تقف عائقاً أمام ذلك، نتيجة مصالح الرأسماليات ذاتها. ولهذا فقد إرتبط الميل لتحقيق التطوّر بالميل لتحقيق الإستقلال عن النمط الرأسمالي، وبالتالي بالميل لرفض هذا النمط، وليس الإنخراط فيه. وهذا يُعطي للماركسية قوّتها لأنها قوّة النقد الأساسية للنمط الرأسمالي، وأساس بلورة مشروع بديل. ولهذا بات عليها أن تُسهم في بلورة مشروع يقوم على تحقيق المهمات الديمقراطية إعتماداً على الطبقة العاملة وعلى الفلاحين الفقراء، كخطوة ضرورية من أجل تحقيقها مشروعها الأساس: أي الإشتراكية.



#سلامة_كيلة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا -ماركسية-؟ : بصدد تسمية الاتجاه الفكري الذي بدأ مع مار ...
- النضال الفلسطيني واشكالية القطري والقومي
- المقاومة الفلسطينية: محاولة تقييم انتقادي
- أزمة العقل الأحادي في تناول العلاقة بين الوطنية والديمقراطية
- الحزب الشيوعي العراقي ومسألة الأولويات
- من اجل تحالف القوى الماركسية في الوطن العربي
- حزب الشعب الفلسطيني وتعزيز الهوية اليسارية
- المساءلة حول المقاومة:بصدد حجج الليبراليين العرب الساذجة
- ترقيع السلطة الفلسطينية
- وحدة اليسار: حول اعادة صياغة اليسار الماركسي
- من أجل المواجهة مع المشروع الامبريالي الصهيوني
- الحرب على لبنان: الدور الصهيوني في الاستراتيجية الأميركية
- وضع فلسطين بعد الحرب على لبنان
- الصراع الطائفي يُفشل القتال مع الاحتلال الأميركي
- إنتصار حماس ومآل الوضع الفلسطيني
- توضيح -إعلان دمشق-
- مأزق حزب الله
- -فرق الموت- في العراق
- الوطن والوطنية: بصدد المفاهيم
- ملاحظات أخيرة على إعلان دمشق


المزيد.....




- شاهد.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيم ...
- الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا ...
- الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح ...
- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...
- الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
- حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...
- الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ ...
- بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية
- صواريخ إيران تكشف مسرحيات الأنظمة العربية


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - سلامة كيلة - مكانة اللينينية في الماركسية