حسين عجيب
الحوار المتمدن-العدد: 1738 - 2006 / 11 / 18 - 11:38
المحور:
سيرة ذاتية
تأتيني هبّات غريزية, في فترات متباعدة,و خلالها أتحّول إلى حيوان جنسي في بعد واحد.
يتحول الوجود بمجمله, جماده ونباته وحيواناته, إلى جسد امرأة متهيّجة ومثيرة. كل شيء يستدعي المضاجعة الفعل الجنسي الأصيل, الأولي والبدائي. لا قانون لا محرمات لا ممنوع, وحدها الشهوة الأولى تقيم الهيكل والحدود والفضاء, بمعزل عن الحسّ الأخلاقي والثقافي, بمعزل عن العقل والتفكير, هنا الاحتفال البدئي بهمهمته وصخبه, الجسد يتكلّم ويشتعل.
هي فترات متباعدة, وتزداد في تباعدها وقصر مداها وهذا ما يحزن. تمر أيام وأحيانا شهور وأنا في وضع الكائن اللاجنسي, ما يشغلني ويحيط كياني كله موضوعات محايدة, كالموت والمرض وتقهقر الزمن داخلي وخارج وعيي, بلا فروق.
الاستسلام المطلق والنهائي للمصادفات, لخيارات الآخرين وحركاتهم, وضع ونمط حياة, خبرتها في مطلع عشريناتي, كان الألم الحيواني المباشر محرك حياتي ومحدد مستوياتها وفضاءها. لا أعرف الآن وأنا أصارع بقايا منتصف العمر, إن كانت بدواعي الحنين والسلوك المكرر أم أن الأمر أكثر خطورة, وصارت إشارات واضحة على اختبار الحياة لغريزة الجنس عند هذا الفرد البائس, لتطلق بعدها غريزة الموت, وتأتي على الجمر والرماد معا.
الشرارة اليوم كانت بدخول امرأة متوسّطة كحالتي إلى مكتبة الزعيم, ذلك ما شعرته, لم أعد شابا يمتلك الحيوية والطاقة اللازمتان في كل بداية, ولم أصل إلى مرحلة الكهولة المسترخية, لأكتفي بالتأمل ومتع الخيال والمنطق. تستهويني النساء الصغيرات في السن وتبريري الذاتي, أنا لست عجوزا, وتثيرني المتقدمات في السن, وأقول لنفسي أنا لم أعد صغيرا. في فترة الشهوة والإثارة كل جسد أنثوي مكتمل يناديني بشكل شخصي, وأجهل حينها كل صيغ الموانع والعقبات, يتحول كياني كله إلى رغبة في اتجاه خيطي وحيد.
*
امرأة في العقد الخامس, زينتها وملابسها بسيطة وأنيقة, لطيفة الملامح وتتقدمها ابتسامة محببة ودافئة, حيّت وسألت عن معالم مصوّرة لمدينة اللاذقية, وفي غضون دقائق قليلة, فتحت جميع أدوات ورموز التواصل الشفوي واللا شفوي معا. هذا شعوري منذ ساعة وأثناء كتابة هذه التداعيات. قد تكون زوجة أو أم أو آنسة, قد يكون خلفها من المشكلات والآلام ما يتعذّر عليّ تصوّره, قد تكون امرأة رضيّة بالفعل وتشعّ بالدفء والحنان بتلقائية كيفما اتجهت,قد...وقد.
أعشق الكثير من الصفات المتناقضة في النساء. أحب المرأة الذكية وذات الحسّ العالي بالمسؤولية, وأحب عكسها المرأة المستهترة والعابثة. أحب المرأة القوية التي تقرر ما تريد ولا تتردد في سلوكها وكلامها, وأحب عكسها المرأة الخجولة التي لا تكسر البيض إن مشت عليه.
أعشق المرأة الحسّاسة التي تفهمها على الطاير وخياراتها مفتوحة يصعب التكهّن بها, وأحب عكسها المرأة البليدة ذات الوجه الواحد والصوت الواحد والسلوك الواحد....
أحب السمراء وأحب الشقراء, أهوى السمينة وتعجبني النحيلات بالخصور المتمايلة, أحب المتفتّحة على الحياة والشهوة لتوّها, وتسحرني الخبيرة بالحياة والجنس والمباهج. أحب المرأة بكل أشكال وجودها وألوانه فترة هيجاني العاطفي, ولا أرى ملمح أنثوي واحد فترات برودي وحيادي الطويل الكئيب.
*
بين قطبي"الأم العشيقة" و" العشيقة الأم" ينوس جنسنا الذكري منذ الأزل بين العذوبة والعذاب, لا المتعة تكفيه ولا الأمان يرضيه, وذلك ما تدركه أي امرأة ومن خلال ذكر واحد,في أي ثقافة وأي مجتمع, تعشقه و تشعره بالأمان وتساعده في الاقتراب إلى أبعد من عتبة الأعراف الخشبية, المهدّدة والمانعة, وهي تستنزف الروح والجوهر بلا توقف.
كلكم متشابهون.
_كلكن متشابهات.
ذلك الجدال الأبدي بين شقيين, لا هو يصل إلى رجولته بدون مساعدتها, ولا هي تصل إلى أنوثتها بدون حكمته وصبره وقبل ذلك عشقه.
العشيقة الأم نموذج شعري بدئي وأصيل, ترمز إليه وتكاد تجسّده الموناليزا.
الأم العشيقة نموذج بدئي وأصيل بدوره, كما ترمز إليه وتكاد تصل الموناليزا.
لا أتفاصح هنا ولا ألعب بالكلام_ذلك أكثر ما أمقته في الكتابة واللغة والكلام وحتى في الحياة_ العشيقة الأم, هي حاجة الطفل وهواه, لا يريد أن يكبر ويصل إلى مسؤوليته الشخصية, خوفا من فقدانها, ترعبه حتى فكرة ابتعادها القصير والمحدود وللضرورات.
الأم العشيقة, هي حاجة الرجل وسند أمانه الوحيد, ليكمل طريقه, وليكمل حماقته. ربما حضارتنا بمجملها ليست سوى حماقات ذكور, تدخلنا وتدفعنا في المجهول أكثر وأكثر.
من يقوى على خسارة طفولته, ويرغب في الانفصال التام عنها؟
من يقوى على استمرار طفولته, ويرغب في التخلّي فعلا عن السلطة والثروة؟
بين نموذجي العشيقة الأم والأم العشيقة, تمر جميع النساء, على ضفة أولى المتعة والشهوة وعلى الثانية الأمان والضرورة.
هذا ما أراه اليوم من جحري, المهجور والفارغ, من مشروع شريتح, من شقة مؤجرة لغريبين, فريدة السعيدة المسافرة إلى دمشق, وحسين العجيب, الغراب الأبيض في متاهته.
قد امضي هذا الأسبوع في الثرثرة وابتكار الأفكار الجديدة, أو في السكر والعربدة مع رفاق الأنس, أو في التسّكع المرير على أرصفة اللاذقية وشوارعها وحاناتها.
الكويت_دمشق_بيت يا شوط, مثلث عذابي وعذوبتي هذا المساء القادم بلا عكاز.
لا أجمل من ختام هذه التوليفة بقصيدة ايف بو نفوا الواصلة بروح أدونيس:
اليد التي ترفعينها, فجأة
فوق باب
تضيئني عبر العصور
يا حديقة الحجر
أنت يا دوف
في كل لحظة أراك تولدين
وفي كل لحظة تموتين.
#حسين_عجيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟