أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - سعدون محسن ضمد - يوم كان الرب أنثى














المزيد.....

يوم كان الرب أنثى


سعدون محسن ضمد

الحوار المتمدن-العدد: 1736 - 2006 / 11 / 16 - 07:29
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


ملحمة التحريف الذكوري المقصود لجنس الآله
بين كتاب (يوم كان الرب أنثى) للفنانة/ الأركيولوجية (مارلين ستون)، والذي يتحدث عن التحريف المقصود الذي قامت وتقوم به الثقافة الذكورية للتأريخ البشري، وبالتحديد لجنس الآلهة فيه، وبين كتاب أصل الفروق بين الجنسين، للكاتبة (أورزولا شُوي)، يتحدث عن التحريف الذكوري المقصود لواقع الأنثى الراهن، بمسح الملامح التلقائية لها واستبدالها بملامح محددة تكرس لمجتمع ذكوري، لا تؤدي فيه الأنثى غير دور التابع الذليل، أو في أحسن الأحوال التابع الذي يتطلع نحو الأعالي باحثاً عن المساواة. بين هذين الكتابين كانت لي رحلة من الانتقالات الفكرية/ الاعتقادية/ السلوكية.
ففي الكتاب الثاني تقيم المؤلفة (الأنثى) أدلتها القوية على أنها لم تخلق بهذا الشكل التابعي (الضعيف والسلبي) بقدر ما أننا ــ الذكور ــ نقوم وباستمرار بجرها نحو مستنقعنا الآسن، مستنقع التمييز والإقصاء.
ثقافتنا بعمومها مليئة بكل ما يدعم الذكر، ويحيِّد الأنثى، وهكذا ومنذ الطفولة يجد الجنسين نفسيهما أمام أسهم مختلفة وحظوظ متفاوتة، منذ الصغر ونحن نتعلم بأن لعب الذكر مع الأنثى منقصة بحق ذكوريته وشرفها العالي، منذ الصغر ونحن نلقن بأن ألعاب الأنثى وتسريحة شعر الأنثى وملابس الأنثى وطريقتها في المشي، كل هذه الأشياء مما لا يليق بالذكر فعله، وهي حتماً مما ينزل به من عال رفيع إلى دان وضيع!!
هذا ما نُلَقَنَه منذ البواكير الأولى. لكن ماذا يمكن لمثل هذا التلقين أن يزرع في شخصيتي الجنسين (أو بالأحرى النوعين)؟
كيف يمكن للأنثى أن تكون طبيعية وسط منظومة تنشئة، تقوم على التمييز، والغريب منظومة تمييز موجهة ضد الأنثى لدرجة أنها نجحت في كسب حتى الأنثى (الأم) وتحويلها إلى مسوق بارع للثقافة الذكوريية ومدافع باسل عنها، والفضل يعود طبعاً للمراس طويل الأمد، للتاريخ الممتد بالأغوار السحيقة، وأيضاً للرعونة الذكورية المفرطة.
إذا كانت الثقافة الاجتماعية هي المسؤولة المباشرة عن صياغة الملامح الثابتة لشخصية الفرد، فكيف يمكن للأنثى وسط جوٍ ذكوري تمييزي بشع، أن تُكَوِّن شخصيتها باستقلال؟ كيف يمكن لها أن تكون ما هي عليه، إذا كان المجتمع الذكوري يدفع بها لتكون ما يريد لها أن تكون عليه؟
كانت هذه هي حالتي مع الكتاب الثاني.
أما بالنسبة للكتاب الأول فقد كان أكثر تأثيراً في نفسي ومزاجي، حقاً لقد جعلني ذلك الكتاب أكره ذكوريتي، وأمتعض من فرط ما لوثنا وخلال تاريخنا الطويل كل الأشياء التي حولنا، حتى الأنثى شريكتنا في الحياة لم تسلم من عبثنا ولهاثنا وراء السيادة والتسلط. فليس من المعقول أن يقوم الذكور ـ ومن مستوى الفلاسفة والمفكرين ـ بالتشويه المتعمد لتاريخ الأنثى، بمسح الآلهة الإناث من التاريخ من خلال عدم الاعتراف بوجود مثل هذه الآلهة. الغريب أن الكاتبة تثبت بأن زمناً طويلاً مضى كانت فيه الآلهة من جنس الإناث فقط، إلى أن حدث وأن قرر الذكور تغيير جنس الآلهة. لكن لماذا كل هذا الخوف منها، أو ربما الكره لها، أيعقل بأن الذكور ولهذا الحد لا يحتملون الشراكة في الوجود؟
حقاً لقد دفعني لأن أتساءل: كيف كانت ستكون الأنثى لو أننا لم نعبث، لا بتاريخها، ولا بمعالم شخصيتها، ولو أنها كانت ستكون مختلفة، فما هو الشكل الذي سيكون عيه المجتمع عندما تمارس فيه الأنثى الحقيقية شراكتها بصنعه، وبحرية تامة؟
خلال مسافة الزمن التي تفصل ما بين قراءتي لهذين الكتابين، أدهشتني العديد من التصرفات، وآلمتني الكثير من المشاهد، ففي أحد البيوت التي أتردد عليها بكثرة قمت بمراقبة نمو طفلة وسط بيت يضج بالأطفال ذكوراً وإناثاً، وهكذا تسنى لي أن أراقب وعن كثب، وأقارن بين تلك الأنثى (الطفلة) وبين طفل (ذكر) كان يتقاسم معها الحق في العيش في تلك البيئة. شاهدت كيف تنموا الأنثى وسط جو يغلب عليه التجاهل، ويفعل الذكر وسط حالة من الإعجاب والتهليل والتكبير، الجميع يترقب محاولاته الأولى للمشي، والجميع أيضاً مستعد لتقديم المعونة المعنوية (بالهتاف والتشجيع) والمادية (بالمساندة والتعليم المباشر). أما الأنثى فقد كانت تراقب من بعيد، وبكل براءة.
على مرأى ومسمع مني حدث ذلك، نعم، كنت شاهداً على الإهمال المتعمد الذي تعرضت له تلك الصغيرة، حقاً لقد كانت تُركَن في الزوايا والباحات الصغيرة، وحقاً لقد راقبت كيف أنها كانت تجهد نفسها وهي تسعى لشد انتباه الآخرين. لم تكن تعي العلة المختفية وراء إهمالها والاهتمام بشريكها، ولذلك وجدتها مضطرة للكفاح، نعم، تعلمت الحبو دون رعاية من أحد، وانتقلت وببراءة تامة نحوا خطوات المشي الأولى.
وفي يوم ما، دخلت البيت فكانت بمواجهتي، جالسة على الأرض تنظر ببراءة مخيفة، تقدمت منها ورحت ألاعبها بصدق وعفوية، وكانت المفاجئة مهينة بالنسبة لي، لقد جنت هذه الصغيرة وفرحت كما لم يشاهدها أحد من أفراد البيت سابقاً، ضحكت بجنون وصرخت بعنف، وإزاء دهشة الآخرين من تصرفها ذاك، سألتهم عامداً: لماذا هي فرحة بهذا الشكل؟ فكان الجواب سهلاً ومباشراً: لأنها لم تعتد على الاهتمام والملاعبة.
أي جناية نمارسها بحق الأنثى؟ أي إصرار على الجريمة نقوم به نحن الذكور، ومنذ آلاف السنين؟ أنا حقاً أتساءل عن حقيقة أننا ككائنات قد تجاوزنا المرحلة البدائية في سلم تطورنا الاجتماعي والإنساني.
لقد بدأت أضن بأن الأنثى كائن غير موجود في أغلب مجتمعاتنا، وأن ما موجود بيننا ليس إلا نسخة محرَّفة عنها، مكتوبة من قبل الذكور ومن أجلهم فقط.
يوم كان الرب أنثى، كانت الإناث بشكل آخر مختلف وكان للمجتمع يومها ـ وكما أجزم ـ طعم مختلف. وفي يوم ما، اعتلى الذكور خيولهم، وتسلحوا بفحولتهم، وهجموا بكل وحشية ونزق على التاريخ، كل التاريخ، وهكذا تمكنوا من ذبح جميع الآلهة الإناث، ليس لشيء آخر غير الثأر لطبيعة نوعهم العنيف والنزق، من براءة ونعومة واختلاف النوع الآخر.



#سعدون_محسن_ضمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حدود الإدراك في منظومة التلقي الإنساني... الحلقة الثالثة وال ...
- حدود الإدراك في منظومة التلقي الإنساني... الحلقة الثانية
- حدود الإدراك في منظومة التلقي الإنساني... الحلقة الأولى
- جريمة أنني أفكر/ أفكر؛ أنني مجرم
- كذبة كبيرة أسمها.... العراق
- وداعاً شهاب الفضلي.. ما دمت هناك وأنا هنا
- الإسقاط الرمزي لشكل الأعضاء التناسلية.. دراسة في عدوانية الذ ...
- ولمية عفاريت
- مدفع الشرق الأوسط الكبير... الدرع الأميركي بمواجهة القذيفة ا ...
- تحضُّر العجرفة... ضريبة أننا لا نريد الاعتراف بالعجز
- تجريم الإسلام.. دعوة للتنقيب بحثاً عن كل جذور العنف في العرا ...
- تهافت المنهج في العلوم الإنسانية
- إفلاس الانثروبولوجيا
- الثابت والمتحكم في جدل الإنسان والدين
- المجد لحضارة المقابر... حيث الموتى وحدهم يتكلمون*
- العقل الخالي... تخبط السياسة الأمريكية بين نموذجي خاتمي ونجا ...


المزيد.....




- سلمان رشدي لـCNN: المهاجم لم يقرأ -آيات شيطانية-.. وكان كافي ...
- مصر: قتل واعتداء جنسي على رضيعة سودانية -جريمة عابرة للجنسي ...
- بهذه السيارة الكهربائية تريد فولكس فاغن كسب الشباب الصيني!
- النرويج بصدد الاعتراف بدولة فلسطين
- نجمة داوود الحمراء تجدد نداءها للتبرع بالدم
- الخارجية الروسية تنفي نيتها وقف إصدار الوثائق للروس في الخار ...
- ماكرون: قواعد اللعبة تغيرت وأوروبا قد تموت
- بالفيديو.. غارة إسرائيلية تستهدف منزلا في بلدة عيتا الشعب جن ...
- روسيا تختبر غواصة صاروخية جديدة
- أطعمة تضر المفاصل


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - سعدون محسن ضمد - يوم كان الرب أنثى